على الرغم من إعلان وزارة الصحة عن تفاصيل نظام التسعير الجديد للدواء فى مصر، وفقا للقرار رقم «499» لسنة 2012، فإن مستقبل سعر تلك السلعة التى تهم الملايين من المواطنين لا يزال غامضا، فالنظام الجديد الذى يصفه بعض الخبراء بأنه بمثابة «تعويم» لسعر الدواء، قد يقفز بأسعار تلك السلعة الاستراتيجية لبضعة أضعاف، كما يحذر الكثير من الحقوقيين، بينما يرى بعض منتجى الدواء أن النظام الجديد سيكون فى مصلحة الصناع والمستهلكين. «Cost Plus» هو اسم النظام القديم فى تسعير الدواء فى مصر، وهو نظام يقوم على تحديد مسبق، من وزارة الصحة، لهامش أرباح بيع الدواء فى السوق المصرية، وهو الحق الذى تتمتع به الحكومة فى تلك السلعة نظرا لطابعها الاستراتيجى. إلا أن هذا النظام التسعيرى لم يكن مرضيا للعديد من مصنعى الدواء محليا وعالميا: «لقد كان هذا النظام يفتقر للشفافية وكانت الوزارة تشكك فى تقديرات المصانع لتكاليف الإنتاج، فقد كانت جلسات التفاوض على التسعير بحق مؤلمة»، يقول رئيس شركة فارما أكسيس للأدوية، أحمد الحكيم، مضيفا أن هذا النظام لم يكن يتسم بالمرونة «من المفترض أن يسمح هذا النظام بتغيير أسعار الدواء فى حالة حدوث متغيرات كتغير سعر العملة مثلا ولكن واقعيا لم تكن الحكومة تقوم بتعديل أسعار الأدوية».
وتعد مسألة تسعير الدواء من أكثر القضايا التى تخلق سجالا بين الحكومات وشركات الأدوية، خصوصا فى الدول منخفضة الدخل، حيث عادة ما تضغط شركات الأدوية لرفع أسعار منتجاتها بدعوى أن تلك الصناعة من الصناعات عالية التكنولوجيا والتى تحتاج إلى انفاق ضخم فى البحوث والتطوير لابتكار العقاقير وتطويرها بشكل مستمر.
وتعتمد سوق الدواء المصرية بدرجة كبيرة على المنتجات الدوائية المقلدة لمنتجات مخترعة فى العالم، أو ما يعرف ب«الأدوية الجنيسة»، والتى يتم إنتاجها فى مصر بأسعار شديدة الانخفاض مقارنة بالأدوية الأصلية.
واتجهت الحكومة المصرية، فى عهد أحمد نظيف، لتغيير سياسات تسعير الدواء ليتم ربطه بالسعر العالمى من خلال نظام التسعير المعروف باسم reference pricing، وأصدر وزير الصحة الأسبق قرارا بتفاصيل هذا النظام فى عام 2009، وقد تم تطبيقه على عدد محدود من الأدوية، وفقا لبعض الخبراء.
ثم أصدرت وزارة الصحة قرارا جديدا بعد الثورة ليعدل فى بعض شروط هذا النظام والذى اعتبره وزير الصحة الحالى نظاما مشجعا للصناعة المحلية، والتى توفر نحو 93% من الأدوية المتداولة فى مصر.
ظروف مصر مختلفة
«هذا قرار ينقصه العقل والعدل»، برأى أستاذ الصيدلة بجامعة الإسكندرية عبدالعزيز صالح، معتبرا أن نظام التسعير الجديد يربط سعر الدواء المصرى بالعديد من المتغيرات المتعلقة بظروف دول مختلفة عن مصر، «سعر بيع الدواء للجمهور فى الأسواق العالمية يشتمل على سعر بيع المصنع بالإضافة إلى عوامل أخرى كسعر الضريبة وتكاليف النقل والتأمين والجمارك وهامش ربح الموزع والصيدلى، هذه التكاليف المضافة لسعر المصنع تتفاوت بين دولة وأخرى بل تتفاوت داخل البلد الواحد حيث تتراوح داخل الهند مثلا بين 29% و694%، وفى ماليزيا بين 65% و149%، فلماذا تفرض علينا وزارة الصحة سعر الدواء العالمى مشتملا على تلك الرسوم والضرائب، ثم تقوم بعد ذلك بخصم رسوم مفروضة فى السوق المصرية» يقول المستشار السابق للأدوية بمنظمة الصحة العالمية مؤكدا أن القرار «يفتقر إلى المنطق».
ويرى عبدالعزيز أن هناك العديد من التحديات أمام تطبيق نظام التسعير الجديد «القرار يتحدث عن الاعتماد فى بعض الحالات على أقل سعر للدواء فى العالم، فكيف سيتعامل نظام التسعير الجديد فى حالات تفاوت سعر الدواء داخل البلد الواحد كالاختلاف الذى يظهر فى الأسعار بين ولاية وأخرى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، هذا إلى جانب أن القرار لم يوضح كيف سيتم تسعير الأدوية التى تصنع فى مصر بترخيص من الشركات العالمية».
كما يعترض الحكيم، والعديد من منتجى الدواء، على زيادة نسبة أرباح الصيادلة من بيع الدواء فى نظام التسعير الجديد إلى 25% «لماذا يتم إقحام تلك النسبة فى القرار، لم يكن هناك متغير فى التكاليف يدعو إلى رفع نسبة أرباح الصيادلة وهذه الأرباح الزائدة ستكون على حساب أرباح منتجى الدواء».
أسعار الأدوية فى مصر ليست منخفضة
ويتوقع صالح أن تساهم سياسات تسعير الدواء الجديدة فى رفع أسعار بعض الأدوية بنسبة كبيرة، وأن تكون الأدوية التى تتميز بتكنولوجيا تصنيع عالية هى الأكثر عرضة للزيادة كأدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكر والسرطان الكبد ونقص المناعة.
«من أبرز الحجج التى تساق لتغيير سياسة تسعير الدواء فى مصر أن أسعاره فى السوق المصرية رخيصة، والحقيقة أن هناك أدوية رخيصة ولكنها ليست الحالات الغالبة على السوق المصرية»، يقول صالح مستندا إلى دراسة قام فيها بالمقارنة بين أسعار الدواء فى مصر وبريطانيا وفى السوق العالمى.
«لقد اعتمدت فى دراستى على رصد أسعار 50 دواء فى السوق المصرية، منها 38 دواء متداولا فى بريطانيا، وكانت نتيجة الدراسة أن 90% من تلك الأدوية أسعارها مرتفعة بأكثر من النسب المقبولة وبعضها كان مرتفعا بشكل صادم».
«من المفترض ألا يحمل المواطن العادى هما لتغير أسعار الدواء، ففى الدول التى تتمتع بنظام صحى متقدم تتحمل الحكومات التكاليف الإضافية لأسعار الدواء ثم تقوم بدعمه وتقديمه للمواطن من خلال التأمين الصحى» يقول مدير لجنة الحق فى الصحة، علاء غنام.
وأشار غنام إلى أن نسبة ما ينفقه المصريون من جيوبهم الخاصة على الخدمات الصحية، والتى تشمل الأنفاق على الأدوية، تصل إلى 61% من إجمالى ما ينفق على تلك الخدمات، «هناك دول نامية مثل تايلاند نجحت من خلال تطوير نظامها الصحى أن تخفض نسبة الإنفاق على الأدوية والخدمات الصحية من 80% من الإنفاق الكلى إلى 10%»، كما يوضح غنام، مؤكدا أنه «من المفترض ألا تكون هناك صيدليات بالمعنى التجارى وأن يقتصر الأمر على إنتاج الدواء وتوزيعه من خلال منافذ تابعة لخدمات التأمين الصحى».
وبحسب غنام، من مميزات قيام الدولة بشراء الأدوية وتوزيعها على المواطنين من خلال نظام التأمين الصحى هى قوة الدولة كمستهلك ضخم فى التفاوض مع الشركات على أسعار الأدوية».
ويغطى نظام التأمين الصحى الحالى فى مصر 50% من السكان، ويتم من خلاله تقديم الأدوية المجانية للمواطنين، وبينما تسعى الحكومة إلى توسيع رقعة المستفيدين فعليا إلى 100% من المواطنين فى قانون التأمين الصحى الجديد، فإن غنام يرى أن نظام تسعير الدواء الجديد سيمثل «تحديا أمام توسيع نطاق المؤمن عليهم صحيا فى حال تسبب هذا النظام فى رفع أسعار الأدوية وبالتالى زيادة التزامات الدولة».
نظام التسعير الجديد
ينص القرار رقم 499 لسنة 2012 على أنه بالنسبة للمستحضر الدوائى الأصلى فيتم حساب سعر البيع للجمهور على أساس أقل سعر بيع للجمهور فى البلاد التى يتداول بها المستحضر.
وبالنسبة للأدوية الجنيسة، المصنعة محليا والمستوردة، فيتم حساب سعر بيعها للجمهور بما يقل عن حساب سعر المستحضر الأصلى بالنسب الآتية : 35% لأول خمس مستحضرات جنيسة طبقا لتاريخ تقديم طلب التسعير، و40% لباقى المستحضرات الجنيسة.
ويتم تسعير المستحضرات الجنيسة المستوردة ذات التقنية العالية على أساس حساب سعر بيع الجمهور بما يقل عن سعر بيع المستحضر الاصلى بالنسب الآتية: 30% للمستحضرات الجنيسة المستوردة من احدى الدول المرجعية (التى نص عليها القرار) بما لا يزيد على سعر بيع المستحضر ببلد المنشأ أو أى من الدول المتداول بها المستحضر، و35% للمستحضرات الجنيسة المستوردة من إحدى الدول غير المرجعية بما لا يزيد عن سعر بيع المستحضر ببلد المنشأ أو أى من الدول المتداول بها المستحضر.