شن د محمد نور فرحات هجوما حادا على التيار الإسلامي وعلى رأسه الإخوان واتهمهم بالسعي لإقصاء القوى السياسية الأخرى رغم التوافق على بقاء المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية وبعيدا عن الهجوم الذي شنه على الإخوان - والذي يعتبر من الأمور الاعتيادية والذي يشعر الإنسان بالقلق إذا خفت وتيرته - فهل هناك فعلا توافق على بقاء المادة الثانية من الدستور. الواقع أن هذا الرأي ينقضه تصريحات العديد من كبار العلمانيين فضلا عن بعض الوثائق الدستورية فهناك تصريح لجابر عصفور الذي اعتبر أن المادة الثانية التي تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع تتعارض مع مدنية الدولة وكذلك تصريحات سعد الدين إبراهيم الذي أبدى اعتراضه على هذه المادة واقترح استبدالها بجملة كافة الشرائع السماوية هي مصدر التشريع. واعتبر أن مادة الشريعة الإسلامية تمثل كابوسا للبعض أما بخصوص الوثائق الدستورية فنجد في مسودة الدستور الذي وضعته ما يسمى باللجنة الشعبية للدستور المصري" وأطلقت عليه "دستور الثورة" انتقاصا والتفافا حول هذه المادة حيث جاءت هذه المادة فى المشروع المقترح كالآتي: "الإسلام دين غالبية شعب مصر، والعربية اللغة الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، وتسرى على أصحاب الديانات الأخرى أحكام شرائعهم، مع التزام الدولة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وخطورة هذا النص ليس فقط فى عدم النص على أن دين الدولة هو الإسلام وهو نص ثابت فى الدساتير المصرية منذ دستور 1923 ولا في التقليل من أهمية الشريعة الإسلامية وجعلها مصدرا وليست المصدر مع الفارق الواضح بين الصياغتين ولكن تأتى الخطورة الشديدة في النص على التزام الدولة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع أن بعض مواده تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي هي حسب صياغتهم مصدر رئيسي للتشريع وعلى سبيل المثال فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة السادسة عشرة" أن للرجال والنساء الحق فى الزواج وتكوين الأسرة ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العنصر أو الجنسية أو الدين ويستوي الرجال والنساء في الحقوق فيما يتصل بالزواج وبالحياة الزوجية وبالانفصال". ويتشابه ماجاء في وثيقة المستشار البسطويسى المرشح المحتمل للرئاسة مع ماجاء فى مسودة هذا الدستور حيث جاء فى وثيقة البسطويسى- ضمان التطبيق الأمين لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلانات استقلال القضاة والمحاماة وجميع المواثيق والمعاهدات الدولية التأكيد على أن ضمان حقوق الأقليات، سواء كانت دينية أو عرقية، بما يكفل لهم المواطنة الكاملة والمشاركة الفاعلة والجادة فى حاضر ومستقبل الوطن انطلاقاً من القاعدة الأصيلة «الدين لله والوطن للجميع» - لا يتعارض مع اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع. وما جاء في وثيقة البسطويسى أشد خطورة مما جاء في مسودة الدستور لأنها تنص على التطبيق الأمين ليس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فحسب بل يتعدى ذلك إلى المواثيق والمعاهدات الدولية والتي من المؤكد أن بعض بنودها يتعارض مع الشريعة الإسلامية بل إن النظام البائد كان يتحفظ على المواد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية في المواثيق والاتفاقيات الدولية، كما تجاهلت الوثيقة النص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية كما اعتبر الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع وليس المصدر الرئيسي. أما وثيقة المجلس الوطني الذي شارك فى وضعها فرحات فتنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع مع تأكيد هذا المبدأ بالضمانات الدستورية التي تكفل حق غير المسلمين فى الاستناد لمبادئ شرائعهم الخاصة كمصدر لتشريعات الأحوال الشخصية، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المبادئ الكلية غير المختلف عليها قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وأن الولاية فى المجتمع لسلطات الدولة دون الأفراد. وبالرغم من أن النص فى مجمله ليست عليه ملاحظات جوهرية إلا أنه ينبغي التوقف عند هذه المادة بتمعن فالنص على احتكام غير المسلمين لشرائعهم فى الأحوال الشخصية هو تحصيل حاصل لأن الشريعة الإسلامية تضمن لهم هذا الحق دون حاجة لهذا النص وإن كان هناك سؤال يطرح نفسه حول المقصود تحديدا بغير المسلمين أم الملاحظة الثانية فهي ما أوردته المادة من تعريف لمبادئ الشريعة الإسلامية وهو تعريف يتفق مع تفسير المحكمة الدستورية لها ويتفق كذلك مع ماجاء فى وثيقة الأزهر. ولكن المشكلة هنا أن محمد نور فرحات له آراء تصطدم بتعريف مبادئ الشريعة الإسلامية حيث يذكر فرحات أن الشريعة تتضمن ثوابت ومتغيرات وأن الثوابت هي تلك المبادئ التي لاتتغير بتغير الزمان والمكان والتي أتى بها نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة والتي تعد أحكام أساسية في الإسلام لا يقبل من مسلم إلا أن يقر بها كحقائق كلية لاتتغير بتغير الزمان والمكان ثم يتساءل فرحات "ولكن الخلاف هو حول ماورد فيه من مسائل المعاملات نص شرعي قطعي الثبوت :أي ثابت بمصدره على وجه القطع واليقين قطعي الدلالة أي لا شبهة في تأويله هل يطبق حتى ولو كان فيه إضرار بمصالح المسلمين ؟وهل يؤخذ به حتى لو اختلف السياق التاريخي وقت التطبيق عن السياق التاريخي وقت نزول النص ؟وهل تؤخذ هذه النصوص بالحكمة منها دون التمسك بحرفية تطبيقها عملا بمبدأ أن الدين يسر لا عسر ؟أم أنها واجبة التطبيق دون النظر لما نتصوره عن آثارها الاجتماعية التي قد تبدو لنظرتنا القاصرة أنها غير ملائمة لأنها تمثل شرع الله وشرع الله أولى بالتطبيق من شرع الناس ؟ ويرى فرحات أن الخلاف محصور في مسائل الحدود والمعاملات التي أتى بها نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة ويذكر "أن النص الشرعي الموجب لقطع يد السارق قد نزل فى مجتمع كان يعتمد في نشاطه الاقتصادي على التجارة التي لايزرع مباشرة حقلا ولا يدير آلة في مصنع فهل ترى أن نبقى على تطبيق النص بعقوبة القطع في مجتمعنا الذي نحن أحوج مانكون فيه إلى سواعد أبنائه على استقامتهم وانحرافهم". وقد تصدى بالتفصيل لهذه الآراء بالرد والتفنيد د يوسف القرضاوى في كتابه بينات الحل الإسلامي (ص200- 212 ) حيث أوضح: أن الكاتب خالف القواعد الشرعية القطعية التي أجمع عليها المسلمون في جميع العصور ومن كل المذاهب حيث إن هذه المقطعيات هي التي يحتكم إليها عند الخلاف لا أن تكون هي نفسها موضعا للخلاف إن نصوص الشريعة القطعية لا يمكن أن تتعارض مع المصالح الاجتماعية للناس ومن يدعى ذلك يزعم أنه أعلم بمصالح الناس من رب الناس أو أنه أبر بهم ممن خلقهم فسواهم. ما ذكره الكاتب حول الحدود يظهر قلة معرفته بمقام الله تعالى وبالشرع والفقه وبالقرآن وبالتاريخ والواقع. أما قلة معرفته بالله فوقوفه مما شرع الله من الحدود موقف الحائر المرتاب بدلا من الانقياد والخضوع لأمر الله. أما ضحالة معرفته بالشرع فيتمثل فى توهمه أن الشرع قد يأتي بما ينافى مصلحة الخلق والشرع إنما أقيم لمصلحة العباد في المعاش والمعاد كما أنه يريد أن يحيل الثوابت إلى متغيرات. وأن يجتهد فيما لايقبل الاجتهاد حيث إن الأحكام القطعية مثل أحكام الحدود الثابتة بمحكم القرآن ليست محلا للاجتهاد إلا في تفصيلات أحكامها وتطبيقاتها. أما ضحالة معرفته بالقرآن الكريم فيتمثل في عدم إلمامه في كل ما يتعلق بعلوم القرآن فهو نزل حسب رأيه في مجتمع لا يحتاج إلى سواعد أبنائه في زراعة ولا صناعة كما يحتاج مجتمعنا اليوم إذ كان ذلك المجتمع يعتمد على التجارة فلهذا شرع له حد السرقة بقطع اليد ومعنى هذا أن حد السرقة لا يشرع إلا في المجتمعات التجارية دون غيرها وهو قول لايستند إلى أي منطق فمجتمع المدينة كان في أساسه مجتمعا زراعيا كما أنه كان مجتمع جهاد وكفاح مسلح ثم إن القرآن نزل للعالمين كافة. أما قلة معرفته بالتاريخ فواضح فقد جهل الكاتب أو تجاهل أن الإسلام حكم أقطارا شتى ولم يقل أحد أن أحكام القران نزلت لمجتمع بسيط ولا يليق بنا أن نطبقها، أما قلة معرفته بالواقع فيتضح من واقع العالم الإسلامي الذي عطل الحدود ومنها حد السرقة ومع ذلك مازال المسلمون في ذيل الأمم. إن هذه الآراء تشكل خطورة شديدة – إن لم يكن صاحبها قد تراجع عنها – لأنها تعنى تفريغ مادة الشريعة من محتواها تماما و تصبح بلا معنى لأنها ستحول مبادئ الشريعة إلى مادة للأخذ والرد وليست قواعد قطعية حاكمة يحتكم إليها ولا مجال للاجتهاد فيها حيث لا اجتهاد مع النص علما بأن عدد هذه الأحكام ليس بالكثير.