برغم كل شىء يبدو أن معدلات ما يسمى بالهجرة غير الشرعية أو غير المنتظمة من مصر ليس استثناء عالميا بل إنه لا يتجاوز المتوسط العالمى، بحسب منظمة العمل الدولية. بالرغم من عدم وجود تقديرات رسمية دقيقة لمعدلات الهجرة غير المنتظمة خارج مصر، فإن إبراهيم عوض، مدير إدارة الهجرة فى منظمة العمل الدولية، يعتقد أنها لا تزيد على 15% من إجمالى حجم الهجرة خارج مصر، أى فى حدود المتوسط العالمى للهجرة غير المنتظمة. ويرى عوض أن «نسبة الهجرة غير المنتظمة خارج مصر قد ترتفع خلال الفترة المقبلة»، معللا ذلك بأن الأزمة قد تجعل بعض الدول التى تستقبل العمالة المصرية تخفض من عدد الوظائف الرسمية، التى تعلن عنها، فيلجأ الشباب إلى طرق غير منتظمة. كما أن ارتفاع البطالة، ووصولها إلى 9.4% خلال الربع الأول من العام الحالى، قد تجعل الشباب العاطلين يبحثون عن أى مخرج بعيدا عن مصر، وإذا لم يتسن لهم ذلك بطريقة رسمية، سوف يضطرون إلى اللجوء للطرق غير المنتظمة، وفقا لعوض. وبلغ إجمالى التعاقدات الجديدة للمصريين بسوق العمل الخارجى خلال ال3 أشهر الأولى من العام الجارى نحو 36 ألف وظيفة، وفقا لوزارة القوى العاملة. وتشمل الهجرة غير المنتظمة الدخول إلى بلد المقصد بدون فيزا، بطرق غير شرعية عن طريق سماسرة، أو المكوث بها بعد انتهاء المدة المحددة فى الفيزا، أو سفر أسرة المهاجرة معه دون حصولهم على تأشيرة دخول إلى بلد المقصد. الأزمة قد تجعل العمال المهاجرين يفقدون وظائفهم إلا أنها من ناحية أخرى قد تشجع العمال على مغادرة وطنهم والهجرة للخارج بحثا عن أى مخرج، وإذا لم يتمكنوا من ذلك بالطرق القانونية والشرعية، سوف يلجأون إلى طرق أخرى. وتعتبر مصر دولة مرسلة ومستقبلة للأيدى العاملة، بالإضافة لكونها معبرا رئيسيا للمهاجرين إلى إسرائيل. وأكثر المهاجرين إلى مصر من السودان والعراق وفلسطين، وأغلبيتهم من اللاجئين، وبالنسبة للدول المستقبلة للعمالة المصرية، مصر لديها سوقان إقليميتان رئيسيتان للهجرة، وهما سوق الخليج، وبشكل خاص ليبيا. وإلى حد ما الأردن، وبالنسبة للسوق الأوروبية، تستأثر إيطاليا بنصيب الأسد فى حجم العمالة المصرية المهاجرة إليها، سواء بطريقة منتظمة أو غير منتظمة. وتعمل هاتان السوقان بطريقة «الأنابيب المستطرقة»، على حد تعبير عوض، فعندما يقل الطلب على العمالة المصرية فى إحداهما، يرتفع فى الآخر. وقد أصبحت مصر فى السنوات الأخيرة «كوريدور أو نفق للعمالة القادمة من أفريقيا وجنوب الصحراء إلى إسرائيل وأوروبا»، حيث تستقر هذه العمالة لمدة سنة أو سنتين فى مصر لترتيب أمورهم، بحسب غنيم. لماذا يلجأ المصريون إلى الهجرة غير المنتظمة؟ يرى أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة أن هناك أسبابا عديدة تدفع المصريين إلى اللجوء لمثل هذا النوع من الهجرة، وأهمها «الظروف السياسية والاقتصادية السيئة التى تعانى منها مصر، التى تجعل الشباب لا يريدون المكوث فى البلد»، على حد تعبيره. ومن ناحية أخرى، يشير بعض الخبراء إلى أن نظام التعليم فى مصر غير قادر على إعداد المهارات والكفاءات المطلوبة خارجيا، فعلى سبيل المثال، مصر وقعت على اتفاقيتين مع إيطاليا، تضمن بهما توفير إيطاليا لنسبة محددة من فرص العمل عندها للمصريين، وهاتان الاتفاقيتان «نموذج هائل نظريا، إلا أن التطبيق لا يتم على الوجه الأمثل»، فمصر لا تصدر كل النسبة المخصصة لها، حيث إن العمالة غير الماهرة فى مصر لا تملأ متطلبات الوظائف المعلن عنها، وبالتالى تلجأ هذه العمالة إلى السفر بطرق أخرى غير رسمية، خارج نطاق الاتفاقية. بالإضافة إلى أن «عدم وجود قنوات شرعية فى الدول التى تستقبل العمالة المصرية، يدفع الشباب إلى اللجوء للطرق غير الشرعية للوصول إلى هذه البلاد، والحصول على وظائف»، فمعظم الدول الآن بدأ فى فرض قيود على انتقال العمالة. وخفض من فرص العمل المعلنة لديها. ويرى عوض أن هذا هو أهم سبب للهجرة غير المنتظمة، فمعظم الدول يعلن عن فرص عمل أقل مما هو متاح لديها، والشباب يعلم أنه «إذا سافر سوف يجد فرص عمل، وإلا لم يسافروا ويتكلفوا كل هذه التكاليف»، على حد تعبيره. ويضيف عوض سببا آخر للجوء الشباب لهذا النوع من الهجرة، يتمثل فى عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السفر المرتفعة، فيلجأون إلى السماسرة، الذين يأخذون منهم مبالغ أقل، مقابل سفرهم عبر البحر. لماذا يلجأ الأفراد إلى دخول مصر بطرق غير منتظمة؟ عدم وضوح السياسات والقوانين فى مصر، السبب الرئيسى للهجرة غير المنتظمة إلى مصر من وجهة نظر غنيم، الذى يرى أن مصر لا تحترم المعاهدات الدولية، التى وقعتها فى هذا الشأن، «فلا توجد معايير أساسية يتم على أساسها منح التأشيرة للأفراد، الذى يريدون الدخول إلى مصر، ولا توجد سياسة معلنة، فكل حالة منفردة»، على حد تعبيره. وأضاف غنيم أنه كان ينظر إلى مصر على أنها متطورة فى الإطار المؤسسى للهجرة، إلا أنه حدث «تخلف فى هذا الإطار»، نتيجة أن الحكومة لم تشرع قوانين جديدة، أو تحدث القوانين الموجودة، لمواكبة التطورات التى شهدتها الهجرة، مؤكدا أن «قضية الهجرة أصبحت الآن مهمة جدا، وبالتالى يجب تحديث القوانين المصرية لمواكبتها». وتعد مصر طرفا فى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين إليها وأفراد عائلتهم، سواء هاجروا إليها بطريقة منتظمة أو غير منتظمة. ولكن هناك مشكلة، وفقا لعوض، وهو أن الدول الرئيسية المستقبلة للعمالة المصرية لم توقع على هذه الاتفاقية، وبالتالى لا تستطيع مصر مطالبتهم بتطبيق قواعدها على عمالتها فى الخارج. الهجرة والتنمية: يرى عوض أن هناك علاقة قوية بين الهجرة ومعدلات التنمية فى أى دولة، وأهم أوجه هذه العلاقة، وفقا لعوض، هى تحويلات العاملين من الخارج، والتى وصلت فى مصر إلى 7.6% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2007، وهذه التحويلات تساعد على تقليل حدة الفقر فى الدولة، فالأسر التى تتلقى تحويلات من الخارج، تتمتع بمستوى معيشة أفضل، وتستطيع الإنفاق على التعليم والصحة بشكل أكبر، وفقا لعوض. ونفى عوض تأثير الأزمة على العمالة المصرية المهاجرة فى الخليج، وعلى نسبة تحويلات المصريين، مؤكدا أن تحويلات المصريين العاملين فى الخارج ارتفعت خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالى. من ناحية أخرى، يعود العمال المصريون من الخارج بخبرة ومهارات جديدة، تساعد فى رفع مستوى النشاط الاقتصادى، وإن كان فى المقابل هجرة العقول والكفاءات المصرية للخارج بشكل مؤقت يؤثر بالسلب على معدلات التنمية المحلية. ويرى عوض أن سوق العمل المصرية يوجد به فائض عمالة، فمعدلات البطالة فى مصر مرتفعة، ويوجد هجرة للمتعلمين وذوى الخبرات من مصر، وهو ما يؤثر على التنمية، وفى نفس الوقت هو نتيجة مباشرة لمعدلات التنمية المحلية الضعيفة، على حد تعبيره.