لم ينجح غطاء الرأس الذى وضعته المصورة الصحفية مونيك جاك على رأسها فى أن يخفى ملامحها الأوروبية، إلا أنها تؤكد أنه يجعل البلطجية ورجال الشرطة الذين تواجههم فى عملها لتغطية الأحداث الأخيرة فى مصر «أكثر لطفا معها أحيانا». «لا أعتقد أن الخوف يجب أن يكون جزءا مما أقوم به، أنا صحفية وعلىَّ أن أقدم قصة صحفية، نعم نحن خائفون لكن علينا القيام بعملنا»، بحسب مونيك التى تعمل مع إحدى الصحف الأجنبية، مؤكدة ل«الشروق» أنها لم تتعرض يوم الجمعة الماضى، المعروف بجمعة الرحيل، لأى مضايقات أثناء القيام بعملها إلا أن يوم الخميس أوقفها ضابط شرطة وأخذ يصيح بوجهها بعد أن اطلع على هويتها. المضايقات والاعتداءات على الصحفيين والمراسلين، خاصة غير المصريين منهم، لم تعد شيئا غريبا خاصة بعد الخطاب الأخير لمبارك الذى اندلعت بعده أحداث عنف واشتباكات بين بلطجية ادعوا أنهم يؤيدون بقاء مبارك فى الحكم، وبين المتظاهرين السلميين المعتصمين فى ميدان التحرير، حتى إن بهو فندق هيلتون رمسيس تحول إلى نقطة إسعاف لعلاج المراسلين الأجانب المقيمين به قبل انتقالهم إلى فنادق أخرى بعيدة عن موقع الأحداث. «هناك حالة من الفزع فى أوساط الصحفيين الأجانب فى مصر ويشعرون بأنه غير مرغوب فيهم فى مصر»، بحسب إحدى مراسلات الصحف الأجنبية فى مصر التى فضلت عدم ذكر اسمها لاعتبارات أمنية. «أغلب الصحفيين يتركون مصر، لأنهم تعرضوا للضرب والسحل وجرح كثير منهم وكسر كاميراتهم فى عبدالمنعم رياض الواقع فى قلب الأحداث»، بحسب مدير مسئول بإحدى وكالات تقديم الخدمات للمراسلين الأجانب الذى فضل عدم ذكر اسمه، مشيرا إلى إصابة صحفى إسبانى بكسر فى الساق بعد تعرضه للضرب المبرح، كما أصيب ثلاثة مراسلين من القناة الثانية بالتليفزيون الفرنسى بطعنات «بالسنج» وتم نقلهم من مستشفى المعادى فى طائرة لنقلهم لخطورة حالتهم الصحية. وأكد مدير الوكالة أنه رأى بنفسه الاعتداء على أربعة صحفيين من قبل المناصرين للرئيس مبارك، لمجرد أن معهم كاميرات فى عبدالمنعم رياض، إلى أن قام الجيش بإنقاذهم من أيديهم ونقلوهم على نقالة وأدخلوهم نقطة الإسعاف القريبة منهم. وحذر من تحول نظرة العالم لمصر، مشيرا إلى أن «ما يحدث جعل العالم كله يقول إننا شعب همجى، ولا نحترم حرية الصحافة التى تعد من مبادئ حقوق الإنسان». ويرى أن كل هذا بسبب الشحن الذى قام به التليفزيون المصرى ضد الصحافة الأجنبية، مما جعل الناس تعتقد أنهم أعداء البلد، مضيفا «وإذا كانت هناك مشكلة مع قناة الجزيرة يجب أن تنحصر معها وألا تتعداها لصحف أخرى»، معتبرا أن الصحف الأجنبية هى التى تجلب السياحة لمصر وتحسن الاقتصاد. وتتفق معه عضو مجلس نقابة الصحفيين، عبير سعدى، التى اتهمت التليفزيون المصرى بارتكاب جرائم مهنية خطيرة، بدأت من تضليل الرأى العام وتخويف المشاهدين، إلى تحريض البلطجية بل واللجان الشعبية ضد أى شخص تبدو عليه ملامح أجنبية، مما عرض المراسلين الأجانب للخطر ولاعتداءات جسيمة، على حد قولها. وأكدت سعدى أن أى تصريحات على لسان نقيب الصحفيين المصريين، لا تمثل رأى أعضاء النقابة التى تضم أكثر من 7 آلاف عضو، موضحة «لا نمنع أحدا من تبنى أى وجهة نظر والنقيب من حقه التعبير عن رأيه الشخصى، حتى لا يوجد لبس بين الجمهور بشأن اتجاهات الصحفيين المصريين بشكل عام». وفى هذا الإطار تبرأ أكثر من 100 صحفى وإعلامى وفنان أمام الله والشعب بأكمله من «المحتوى الإعلامى الرسمى الذى يتم تقديمه بالتليفزيون المصرى فيما يخص بتغطية أحداث الثورة الشعبية المندلعة منذ 25 يناير»، وفقا للبيان الذى انتشر فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى. ووصف البيان ما يقدمه الإعلام الرسمى، المقروء والمسموع والمرئى، عن أحداث الثورة ب«الكذب والافتراء وتزوير للحقائق وتشويه متعمد وساذج لها»، مطالبين العاملين بتلك القنوات بالحفاظ على سمعتهم، والتمسك بمعايير وأخلاقيات المهنة، وعدم التورط فى مثل تلك الممارسات. ولفتت سعدى إلى أن آخر الاعتداءات على الصحفيين كانت أمس الأول ضد الصحفية وفاء حلمى بجريدة «العربى الناصرى»، حيث أوقفتها إحدى اللجان الشعبية يرافقها قوات أمنية وقامت بالاعتداء عليها وكسر الكاميرا الخاصة بها بعد سؤالها عن موقفها من مبارك التى رفضت الإفصاح عنه، ثم اطلع على كارنيه النقابة وعرف أنها تتبع جريدة معارضة فتوقع اتجاهها السياسى. وعلى صعيد متصل أرسل الاتحاد الدولى للصحفيين خطابا لرئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق بسرعة التحقيق فى التجاوزات والاعتداءات التى تعرض لها عدد من الصحفيين خلال الأسبوع الماضى، مناشدا إياه وضع حد لكل الهجمات التى تطال الصحفيين فى شوارع القاهرة. «اكتب لك نيابة عن الاتحاد الدولى للصحفيين، الذى يمثل 130 نقابة صحفية حول العالم ويضم أكثر من 600 ألف صحفى، للاحتجاج بأقوى العبارات ضد الهجمات التى يقوم بها مؤيدون لرئيسك ضد الصحفيين الذين يغطون الأحداث الحالية فى مصر». هكذا بدأ خطاب الاتحاد، الذى خصص رقمين من بروكسل للصحفيين للإبلاغ عن الاعتداءات التى تتم ضدهم، والذى انتهى قائلا «لقد لاحظنا اعتذارك عن هذه الهجمات وعرضك للقيام بالتحقيق فى التعرض للصحفيين والمدنيين. وإننا نحمل حكومتك المسئولية عن سلامة جميع الصحفيين وإننا نصر على أن تتوقف هذه الهجمات فورا». وعرض الاتحاد فى خطابه عددا من الانتهاكات والاعتداءات التى تمت ضد الصحفيين الأجانب والمصريين، والتى شملت ضرب مراسل قناة العربية والفريق المرافق له من قبل مؤيدى مبارك، وأيضا مراسل «سى إن إن» أندرسون كوبر، وصحفيان من وكالة الأشوسيتيد برس، واختفاء المراسل الصحفى بيرت ساندرستروم الذى يخشى أن يكون قد تم اختطافه، بالإضافة إلى محاولة اقتحام مقر جريدة «الشروق»، وغيرها من الحالات المشابهة. وفى سياق الاعتداءات على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية تعرض المركز الدولى للإعلام التابع لموقع «إخوان أون لاين» للهجوم من قبل مجموعة من البلطجية، الذين استولوا عليه وحولوه إلى كمين لاحتجاز الصحفيين الذين يتوجهون للمركز للعمل به، مما جعل صحفيى الموقع يقومون بعملهم من أجهزة «لاب توب» فى الشارع، بحسب عبدالجليل الشرنوبى، رئيس تحرير «إخوان أون لاين» فى تصريحات لقناة الجزيرة. وكانت قمة ما وصلت إليه الأحداث هو وفاة الصحفى أحمد محمد محمود بجريدة التعاون متأثرا بإصابته بطلق نارى فى عينه من قبل أحد القناصة أثناء تغطيته الأحداث يوم 29 يناير الماضى من شرفة منزله الواقع بشارع قصر العينى. كما اعتقلت السلطات المصرية فى وقت متأخر من يوم الجمعة مدير مكتب قناة الجزيرة بالقاهرة عبدالفتاح فايد والصحفى أحمد يوسف، وذلك بعد أيام من إغلاق مكتب القناة وقطع بثها، لتغطيتها المباشرة للمظاهرات. من جانبها نددت وزارة الخارجية الأمريكية بما يحدث مع وسائل الإعلام الأجنبية التى تغطى الثورة الشعبية. كما أصدرت منظمة «مراسلون بلا حدود» بيانا أعربت فيه عن مخاوفها مما وصفته «بالمطاردات الشاملة ضد وسائل الإعلام التى تقوم بتغطية الأحداث فى مصر»، وقلقها على الصحفيين الموجودين فى القاهرة حاليا التى وصفها جان فرانسوا جوليارد السكرتير العام للمنظمة بأنها «لم تعد مكانا آمنا للصحفيين، حيث تمت مهاجمة العديد من المكاتب الصحفية. ولابد من تحميل مسئولية هذه الهجمات للحكومة المصرية، كما ندعو المجتمع الدولى لتبنى موقف موحد سريع بشأن هذه الأحداث التى وقعت خلال الأيام الأخيرة وبحث عقوبات ضدها». ورغم هذه الاعتداءات أصر مراسلو وسائل إعلام أجنبية على الاستمرار فى تغطية أحداث الثورة المصرية، فيقول مراسل إحدى وكالات الأنباء الأجنبية بالقاهرة الذى فضل عدم ذكر اسمه «مافيش حد قرر إنه يسافر وأنا الآن موجود بالقرب من الأحداث، كل الناس تعرضوا لاعتداءات، شفت صحفيين بيضربوا أمامى، والبلد نفسها تتعرض للاعتداء».