«تراب مصر أغلى من ذهب أى مكان آخر».. إلى هذه القناعة توصل شباب قرية «سندبيس» مركز القناطر بالقليوبية، بعد 19 يوما قضوها فى عرض البحر بين الحياة والموت، فى رحلة هجرة غير شرعية إلى مالطا، بعد أن أوهمهم أحد السماسرة أنها شرعية وأنهم سيخرجون من مصر كعمال على سفينة ليبية لنقل التبغ فى حكاية شباب «سندبيس» وكل من حاول السفر بطريقة غير شرعية، تجد المبررات نفسها، يقولون إنهم تعرضوا للخداع، وأن الفقر كان كالسوط يلهب ظهورهم، هم بين نارين، إما الجلوس على المقهى فى مصر أو العمل باليومية والاستسلام للفقر والجوع والمرض، وإما أن يلقوا بأنفسهم فى عرض البحر بحثا عن رزق، يكون الموت فى كثير من الأحيان أقرب منه «الشروق» التقت ال16شابا بعد إخلاء سبيلهم من نيابة جنوببنها، حيث رحلتهم سلطات مالطا بعد أن ألقت القبض عليهم، وأفرجت عنهم استجابة لتدخلات وزارة الخارجية المصرية امتلأت رحلة الموت من «سندبيس» إلى سجون مالطا بأوقات عصيبة عاشها الشباب. 19 يوما مرت عليهم كالدهر قضوها بين جحيم الغربة والأمل فى العودة للوطن، ذاقوا خلالها الأمرين على يد السماسرة المصريين والليبيين الذين احتجزوهم داخل مخازن السفينة الليبية (بنى غازى2) وعذبوهم، حتى حرروا أنفسهم بعد أن نشبت على السفينة وقبطانها ومساعديه الليبيين فى معركة حربية، خاضوها مضطرين بعد أن علموا أن الليبيين قرروا نقلهم إلى ليبيا للتخلص منهم أو تسليمهم للسلطات هناك، وبعد معركة التحرر استغاثوا بالسلطات فى مالطا التى استجابت لهم. يسرد محمد مصطفى حجازى، 20 عاما، حاصل على دبلوم فنى صناعى، عامل، تفاصيل المأساة قائلا بدأت مأساتنا عندما أقنعهم السمسار عيد محمد حسين، بالسفر إلى إيطاليا، مؤكدا لهم أن السفر سيكون بطريقة شرعية وأوراق سليمة، وأوهمهم أنهم بمجرد وصولهم إلى مالطا سيجدون جميع البيانات لدى السلطات هناك، ومنها سيسافرون بالطائرة إلى إيطاليا، وذلك مقابل 50 ألف جنيه سددوا أجزاء منها ووقعوا ايصالات أمانة بالباقى. وأضاف يسرى بدأت الرحلة فى ليلة وقفة عيد الفطر نقلنا بسيارته الميكروباص إلى الإسكندرية، وأمام منطقة قسم شرطة الأنفوشى استغل السمسار زحام ليلة العيد، ونقلنا فى مجموعات من 5 أفراد وكل مجموعة فى قارب، إلى «لانش» والذى نقلنا إلى المركب الليبى (بنى غازى 2). يستطرد: وفى المركب أكد السمسار لنا أنها مركب لنقل التبغ، وأنهم سينقلوننا عليها بصفتنا عمالا وخرجت المركب من المياه الإقليمية المصرية بطريقة رسمية وبأوراق تؤكد اتجاهها للأراضى الليبية، وبعد 5 أيام اقتربنا من المياه الإقليمية لمالطا، وعلى مسافة نحو 40 ميلا بحريا توقفنا فى انتظار شخص يدعى جمال وهو مندوب السمسار بمالطا. جاء جمال ونشبت بينه وبين قبطان السفينة مشادة بحجة عدم دفع باقى المبالغ فتركنا فى يد قبطان السفينة الليبية وأعوانه الذين اقتادونا تحت تهديد السلاح وحبسونا فى مجموعتين، مجموعة بغرفة الوقود وأخرى بمخزن السفينة، وأغلقوهما علينا بالأقفال الحديدية بعد أن أوهمونا أننا فى طريقنا لميناء مالطا. وقال الشاب فوجئنا بتغير مسار السفينة إلى الأراضى الليبية لتسليمنا بدعوى أننا حاولنا خطف السفينة، وأخذوا أحذيتنا وهواتفنا المحمولة، وألقوا بها فى البحر وحاولنا الخروج ولكن دون جدوى. وأضاف: قام أمجد حامد منصور الصيفى، أحد الشباب المحتجزين معنا بكسر قفل مخزن الوقود الذى كنت محتجزا به بواسطة مفتاح حديدى وجدناه بالمخزن، وقمنا بمهاجمة مساعد القبطان ويدعى عبدالسلام، وأصبناه فى قدمه وأوثقناه، وعندما حاول القبطان مصدق إعادتنا إلى المخزن باستخدام «سيف» كبير كان بحوزته، تصدينا له، مما أسفر عن إصابة أحد شبابنا ويدعى عماد سيد الليثى، ونجحنا فى السيطرة عليه قبل أن يقفز فى البحر للهروب منا وأوثقناه هو الآخر. يكمل الشاب: توجهنا إلى كابينة القيادة وكسرنا أبوابها وفوجئنا أننا اقتربنا من ليبيا، فأجبرنا «عوض» ميكانيكى السفينة على العودة باتجاه مالطا وعند حدود مالطا أوثقناه. وكان من حسن حظ الشباب أن أحدهم ويدعى جاد الحق محمود محمد، يجيد التحدث باللغة الإيطاليا فاتصل بالشرطة فى مالطا، التى أرسلت قوات لإنقاذهم خلال ساعة بعد أن استطاعوا تحديد مكانهم فى البحر من خلال إشارات الاستغاثة التى أرسلوها بإشعال النار فى ملابسهم والتلويح بها لإرشاد قوات شرطة مالطا إلى موقعهم. ويضيف مصطفى حسين عبدالنبى، أحد الشباب العائدين قائلا: على مدار 4 أيام ذقنا ذل الجوع بعد أن حبسونا فى غرف الوقود ومخزن السفينة ومنعوا عنا الطعام، حتى استطعنا تحرير انفسنا، وذهبنا إلى مالطا حيث خضعنا للتحقيق هناك وحبسونا حبسا انفراديا، لكنهم عاملونا بشكل جيد. أبلغت السلطات فى مالطا السفير المصرى الذى زارنا، وأحضر لنا الأطعمة والحلوى وطمأنا، ولم يسكت حتى أفرج عنا، وقررت السلطات فى مالطا مصادرة السفينة الليبية وإعادتنا إلى القاهرة على متن طائرة خاصة فى حراسة 32 شرطيا سلمونا إلى السلطات المصرية. ويستطرد جاد الحق محمود، 32 عاما، حاصل على الثانوية العامة، وكان له تجربة سفر سابقة فى عام 2004 حيث ذهب إلى إيطاليا عبر الأراضى الليبية وتم ترحيله من هناك بعد 3 سنوات بقوله إنهم خدعوا فى السمسار الذى أوهمهم أن الإجراءات سليمة وأن الهجرة شرعية