الدكتور فهيم فتحي عميداً لكلية الآثار بجامعة سوهاج    طلاب جامعة حلوان يشاركون في حلقة نقاشية بأكاديمية الشرطة    اقتصادية قناة السويس تستقبل وزيرة التعاون الدولي ووفد بنك التنمية الجديد    13 يونيو 2024.. تراجع مؤشرات الأسهم الروسية مع افتتاح التداولات في بورصة موسكو اليوم    بالصور.. مياه الشرقية تنظم زيارة ميدانية للأئمة لمحطة سنجها    اعتماد المخطط التفصيلي للمجاورة رقم «G&H» بمدينة العبور الجديدة    نادي الأسير: قوات الاحتلال اعتقلت 12 فلسطينيا في الضفة الغربية    رئيسة وزراء إيطاليا تستقبل القادة المشاركين في قمة مجموعة السبع    زيلينسكي: أوكرانيا ستوقع اتفاقات أمنية مع الولايات المتحدة واليابان خلال قمة مجموعة السبع    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    ميسي يعلن غيابه عن أولمبياد باريس    عاجل.. شوبير يفجرها: عقوبة كهربا وصلت إلى الشطب بسبب الزمالك    شباب ورياضة أسيوط تنظم مارثون للدرجات بمشاركة 500 شاب وفتاة    إصابة 22 عاملا في حادث مروع بالمنيا    طفلة تخطف أنظار الحجاج أثناء تردديها دعاء التلبية داخل الحرم المكي (فيديو)    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط تاجر سلاح ب19 قطعة في بولاق الدكرور    «اللعب مع العيال» يحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    سلمى أبو ضيف تنشر فيديو جديد من عقد قرانها.. وصلة رقصة مع زوجها    وزير الصحة يستقبل سفير السودان لدى مصر لتعزيز سبل التعاون بين البلدين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 13-6-2024    ضبط عصابة تزور المحررات الرسمية فى الجيزة    تحذير لمرضى الكبد من الإفراط في تناول اللحوم.. واستشاري تغذية: تؤدي إلى غيبوبة    أستاذ طب نفسى: اكتئابك مش بسبب الصراعات.. إصابتك بالأمراض النفسية استعداد وراثى    السفير بوريسينكو يؤكد سعادة موسكو بانضمام مصر لبريكس    الخشت يتلقى تقريرًا عن جهود جامعة القاهرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة    مقتل شخص وإصابة 4 في مشاجرة بين بائعي «أيس كريم» بسوهاج    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العجوزة دون إصابات    بعد قليل.. النطق بالحكم على 16 متهمًا بتهريب المهاجرين إلى أمريكا    مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    اليوم.. موعد عرض فيلم "الصف الأخير" ل شريف محسن على نتفليكس    انتهاء 96 % من أعمال ترميم مسجد أبو غنام الأثري بمدينة بيلا    ضياء السيد: طلب كولر بشأن تمديد عقد موديست منطقي    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    5 أعمال لها ثواب الحج والعمرة.. إنفوجراف    "سويلم": روابط مستخدمي المياه تمثل منصة تشاركية للمزارعين للتعبير عن مطالبهم    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن التمويل الإنساني للمدنيين في أوكرانيا    بيان من الجيش الأمريكي بشأن الهجوم الحوثي على السفينة توتور    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    "عودة الدوري وقمة في السلة".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    افتتاح ملتقى التوظيف الأول للخريجين بكلية الحاسبات والمعلومات في المنيا    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    وزيرة الهجرة تشيد بتشغيل الطيران ل3 خطوط مباشرة جديدة لدول إفريقية    "الله أكبر كبيرا.. صدق وعده ونصر عبده".. أشهر صيغ تكبيرات عيد الأضحى    فطيرة اللحمة الاقتصادية اللذيذة بخطوات سهلة وسريعة    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    «اللعيبة مش مرتاحة وصلاح أقوى من حسام حسن».. نجم الزمالك السابق يكشف مفاجأة داخل المنتخب    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    «هيئة القناة» تبحث التعاون مع أستراليا فى «سياحة اليخوت»    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظل الذى يلوح فوق إسرائيل
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 06 - 2010

سوف يبقى الظل الذى يلوح فوق إسرائيل إلى أن يحصل الفلسطينيون على دولتهم «الشرعية» داخل حدودها المعترف بها دوليًا.
اللحظة
تلك اللحظة التى بعد سنوات عديدة
من العمل الدءوب والرحلة الطويلة،
تقف فيها وسط حجرتك،
بيت، نصف فدان، متر مربع، جزيرة، بلد.
تعرف فى النهاية أنك وصلت إلى هناك
وتقول، إننى أمتلك ذلك،فى اللحظة نفسها التى تصبح فيها الأشجار غير طليقة،
أذرعها الناعمة من حولك تحيط بك،
الطيور تهجر لغتها،
الجروف تتصدع وتنهار،
يتحرك الهواء بعيدًا عنك كأنه موجة
ولا تستطيع التنفس.

يهمسون قائلين لا، إنك لا تمتلك شيئًا.
لقد كنت زائرًا، المرة بعد المرة،
تتسلق التل، وترفع العلم، وتجهر بالإعلان.
نحن لم نكن لك قط.
إنك لم تجدنا قط.
كان الأمر دائما على العكس من ذلك.
كنت فى إسرائيل مؤخرًا، وقابلنى الإسرائيليون بحفاوة بالغة. رأيت العدد من الإنجازات المثيرة للإعجاب، والمشروعات الخلاقة، وتحدثت مع أفراد كثيرين من مشارب مختلفة. 
كانت الشمس ساطعة، والأمواج تتلاطم، وكانت الزهور فى ناضرة. السائحون يهرولون إلى الشاطئ فى تل أبيب، كما لو أن كل شىء طبيعى.
لكن...ها هناك كان الظل (shadow) مخيما. لماذا كانت جميع الأشياء ترتعش قليلاً وكأنها سراب؟ لماذا كانت تلك لحظة تماثل تلك السابقة على التسونامى، حيث كانت الطيور ترتفع لتبلغ رءوس الأشجار، وتصعد الحيوانات إلى التل لشعورها بقدومه.
قال لى شخص ما: «أستيقظ كل صباح ولدى شعور بالخوف». وقال آخر: «إنه مجرد رثاء للذات وإيجاد عذر لما يحدث». وبالطبع يمكن أن تكون مشاعر الخوف والرثاء للذات حقيقية، لكنهما عندما كانا ينطقان بعبارة «ما يحدث» كانا فى الواقع يعنيان الظل المخيم على الجميع.
قيل لى إن الإسرائيليين سوف يحاولون ستر هذا الظل. لكنهم بدلاً من ذلك، ظلوا يتحدثون عنه بلا توقف. فبعد دقيقتين من بدء أية محادثة، يظهر الظل. لكنه لا يسمى الظل، بل «الموقف»(situation). وهو يسكن كل شىء.
ليس الظل هو الفلسطينيون، بل إنه معاملة إسرائيل للفلسطينيين، المرتبطة بمخاوف الإسرائيليين الذاتية. وكلما جرى التعامل مع الفلسطينيين بطريقة أسوأ بدعوى تلك المخاوف، أصبح الظل أكبر، وزادت معه المخاوف، وبالتالى تتضاعف مبررات هذه المعاملة.
تعتبر محاولات إسكات الانتقادات مشئومة، مثلها مثل اللغة المستخدمة. فبمجرد أن تبدأ فى مناداة الناس بأسماء مهينة، ك«الأفاعى»، فإنك بذلك تقوم بإفنائهم. وسوف أشير إلى مثال واحد، وهو أن هذه الأسماء أطلقت على قبيلة التوتسى قبل شهور قليلة من بدء المذبحة ضدهم فى رواندا. فقد أظهرت الدراسات أن الناس العاديين يمكن دفعهم إلى ارتكاب أهوال إذا ما قيل لهم إنهم يقومون بذلك دفاعا عن النفس، من أجل «انتصار» أو فائدة من الإنسانية.
لم أذهب إلى إسرائيل من قبل، باستثناء هبوطى فى المطار. ومثلى مثل الكثيرين من أولئك الذين على الهامش حيث إننى لست يهودية ولا إسرائيلية ولا فلسطينية ولا مسلمة لم أتابع «الموقف» عن قرب، بالرغم من أننى مثل أغلب الناس، شعرت بالأسف إزاء العنف وتمنيت أن تكون النهاية سعيدة بالنسبة للجميع.
ومرة أخرى كشأن من هم مثلى من معظم الناس، أفضل تجنب الحديث فى الموضوع لأن ذلك سرعان ما يتحول إلى مباراة للصراخ. (لماذا حدث ذلك؟ عندما يجد العقل أمامه خيارين غير محببين إليه، فإنه يختار أحدهما باعتباره أقل سوءا، زاعما أنه خيار جيد، بينما يقوم بتشويه الآخر).
كان لدى خلفية تعود إلى زمن بعيد. عندما كان وفد مدرستى الثانوية يمثل «مصر» فى نموذج الأمم المتحدة عام 1956، قام بعرض رؤية للقضية الفلسطينية. لماذا يعتبر عدلاً أن يفقد الفلسطينيون الذين لا علاقة لهم بالهولوكست منازلهم؟ وهو ما رد عليه من يقومون بدور إسرائيل قائلين: «أنتم لا تريدون لإسرائيل أن توجد». وبعد مرور عقد على معسكرات الاعتقال وإبادة ستة ملايين شخص، أصبحت هذه العبارة تستخدم لإسكات المعترضين.
ثم عملت بعد ذلك فى برنامج عن الطبيعة بمعسكر صيفى يهودى ليبرالى. كان المشاركون أذكياء ومرحين ومبدعين ومثاليين. وتحدثنا طويلا عن السلام العالمى والإخوة الإنسانية. وأستطيع القول إن ذلك كان مختلفا عن تجربة نموذج الأمم المتحدة الفلسطينى. فهل يلغى الواقعان أحدهما الآخر؟ بالتأكيد لا، ومن المؤكد أنه كان من الممكن أن تؤدى أشكال سلوك التآخى اليهودى الإنسانى المتعددة التى نراها فى كل من معسكرات الصيف وفى داخل إسرائيل نفسها إلى تفهم هذا الصراع بطريقة منصفة فى وقت قريب.
لكن هذا لم يحدث. فنحن لسنا فى عام 1956. وقد تغير النقاش بشكل كبير.
 تعرضت للهجوم مؤخرا بسبب قبولى لجائزة ثقافية سبق وحصل عليها آخرون مثل أتوم أجويان وآل جور وتوم ستوبارد وجونان محمد ويو يو ما؛ هذه الجائزة لا تمنحها جهة تابعة لدولة إسرائيل كما قد يعتقد البعض، وإنما لجنة معتدلة تابعة لمؤسسة مستقلة. وهى جماعة تتبنى الديمقراطية الحقيقية، والحوار المفتوح، وحل الدولتين، وتسوية الخلاف.
وعلى الرغم من ذلك فإننى أسمع الآن كل ما يشين إسرائيل وعليه، تلقيت دورة مكثفة، مفاجئة وإجبارية، فى السياسة. كانت التجربة ككل كأنها درس فى الطهى يلقى فيه بالطالب فى إناء الحساء.
كانت أكثر اللغات قسوة معادية للسامية بحق (مقارنة بالتعبير الذى يستخدم عادة للتشويش على النقد). وكانت هناك حوارات ساخنة بين الناشطين حول «جدوى» مقاطعة إسرائيل؛ وهل يتمثل الحل فى إقامة دولة واحدة أم دولتين؛ وهل تستثنى الثقافة من المقاطعة، بوصفها جسرا، أم أن هذا مجرد وهم زائف؟ وهل تعبير «التمييز العنصرى» صحيح، أم أنه إلهاء بلا طائل؟ وماذا عن «عدم شرعية» دولة إسرائيل؟. وبمرور العقود، اكتسب الجدل مفرداته الخاصة ومجموعة من الطقوس التى لا يفهمها ببساطة من ابتعدوا عن الجامعات وأنا من بينهم.
بدأ أصحاب النفوس الطيبة، الذين أغضبهم الإحباط وغياب العدل، يصرخون فى وجهى؛ لكن حين ذاك، بعد أن اعتبرت نفسى طفلا صغيرا يتسكع بين السيارات، أصبحتُ مفيدة للغاية. استنكر آخرون إشارتى إلى منظمة «بن» PEN الدولية وجهودها لإطلاق سراح الكتاب السجناء، التى تعوقها مقاطعة إسرائيل ثقافيا، واعتبروها لغوا لا طائل من ورائه. (وهو ما هللت له كل الحكومات القمعية، والمتطرفون الدينيون، وجماعة السياسيين المتشددين فى أركان المعمورة، الذين يقفوا وراء منع وسجن ونفى وقتل كثير من كتاب الأدب).
لم يغير شىء من هذا من الطبيعة الأساسية للواقع، وهو ما يعنى وجود عقبات أمام رؤية إسرائيل كدولة إنسانية وديمقراطية تعانى مأزقا خطيرا. فما أن يبدأ بلد فى منع دخول رجال مثل نعوم شومسكى إلى أراضيه ومصادرة حقوق مواطنيه فى استخدام تعبير مثل «النكبة» ويصف كل من يحاول إبلاغه بما يجب أن يعرفه بأنه «معاد لإسرائيل»، فإن قمع الدولة البوليسية يلوح فى الأفق. هل سنشهد خيانة التقاليد الإنسانية اليهودية العريقة وسيادة القانون العادل، أم سنتحول باتجاه حل المشكلة وبناء مجتمع مفتوح بحق؟
إن الوقت يمر. وقد تكون هناك آراء متصلبة فى إسرائيل، لكن الأمور فى الولايات المتحدة تسير فى الاتجاه المعاكس. والأنشطة الطلابية فى الجامعات فى تزايد؛ وكثير من الشباب الأمريكى اليهودى لا يريدون أن تتكلم إسرائيل نيابة عنهم. ولا بد أن يأتى وقت ترى فيه أمريكا، التى تخوض حربين لا يمكن التنبؤ بنهايتهما وتواجه غضبا دوليا متزايدا بسبب مشكلة فلسطين، إسرائيل كعبء لا كسند.
هناك أناس مثلى. ولأننى اهتممت مؤخرا بالانقراض الضخم للأنواع والكوارث الطبيعية، ومن ثم تجولت فى منطقة الشرق الأوسط بعقل منفتح إلى أقصى ما يمكن لكنه ليس شاغرا تماما؛ تغيرت نظرتى. قتل الأطفال فى غزة؟ قتل مقدمى المساعدات على ظهر السفن فى المياه الدولية؟ إصابة مدنيين بسوء التغذية بسبب الحصار؟ منع دخول ورق الكتابة؟ منع البيتزا؟ أى حقارة وأى انتقام! هل البيتزا من أدوات الإرهاب؟ وهل يوافق على هذا معظم الكنديين؟ وهل أُعتبر إرهابية عندما أقول هذا؟ لا أعتقد ذلك.
هناك الكثير من المجموعات التى يعمل من خلالها الإسرائيليون والفلسطينيون معا فى مناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك، وهذا يعكس آفاق مستقبل إيجابى، لكن الظلال ستبقى حتى تحل المشكلة البنيوية ويحصل الفلسطينيون على وطنهم «الشرعى» فى إطار حدود معترف بها دوليا.
يقول كثير من الإسرائيليين: «نحن نعلم أن علينا حل المشكلة». ويقول أحد الفلسطينيين: «علينا أن نتجاوز ثنائية «هم» و«نحن» إلى «نحن» فقط. وهذا فهم يبعث على الأمل. ويرى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين أن المنطقة ككل معرضة للأخطار، بفعل ارتفاع حرارة الكون ونضوب المياه. وهما خطران لن يؤديا إلى المحو أو الإبادة، إلا أنهما خطران حقيقيان. وأى كارثة تحل بأحدهما ستطال الآخر أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.