مديرية العمل بأسوان تنظم ورشة حول حقوق العمال وواجباتهم وفقًا للقانون    ضوابط دخول امتحانات نهاية العام بجامعة الأزهر 2024 (قصة الشبشب)    وكيل الرياضة بالدقهلية تعقد اجتماعا موسعا مع مديري الإدارات الداخلية والفرعية    «المركزي»: البنوك إجازة يومي الأحد والاثنين بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    كيف تحصل على دعم صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ؟    رئيس الوزراء يستقبل نظيره البيلاروسي في مطار القاهرة    محلل سياسي: نتنياهو لا يذهب إلى عملية سلام بل يريد إبقاء السيطرة على غزة    الأمم المتحدة: تطهير غزة من الذخائر غير المنفجرة قد يستغرق 14 عامًا    السفارة الروسية: الدبابات الأمريكية والغربية تتحول «كومة خردة» على أيدي مقاتلينا    جلسة تحفيزية للاعبي الإسماعيلي قبل انطلاق المران استعدادا لمواجهة الأهلي    أنشيلوتي: ماضينا أمام البايرن جيد وقيمة ريال مدريد معروفة لدى الجميع    موعد مباراة الهلال والاتحاد والقنوات الناقلة لمباراة نهائي كأس الملك السعودي 2024    بسبب أولمبياد باريس.. مصر تشارك بمنتخب الناشئين في بطولة إفريقيا للسباحة للكبار    هل ستتأثر القاهرة بمنخفض السودان الموسمي؟.. يسبب أمطارا وعواصف ترابية    موعد تشغيل قطارات مطروح 2024.. تعرف على جدول التشغيل    وزيرة الثقافة: اختيار مصر ضيف شرف معرض أبو ظبي للكتاب يؤكد عمق الروابط بين البلدين    عبقرية شعب.. لماذا أصبح شم النسيم اليوم التالى لعيد القيامة؟    المحرصاوي يوجه الشكر لمؤسسة أبو العينين الخيرية لرعايتها مسابقة القرآن الكريم    تعرف على أفضل الأدعية والأعمال المستحبة خلال شهر شوال    جامعة قناة السويس تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    أحلى فطائر تقدميها لأطفالك.. البريوش الطري محشي بالشكولاتة    الهند.. مخاوف من انهيار جليدي جراء هطول أمطار غزيرة    العرض العالمي الأول ل فيلم 1420 في مسابقة مهرجان أفلام السعودية    إيرادات الأحد.. فيلم شقو يتصدر شباك التذاكر ب807 آلاف جنيه.. وفاصل من اللحظات اللذيذة ثانيا    مظاهرة لطلبة موريتانيا رفضا للعدوان الإسرائيلي على غزة    وكيل تعليم بني سويف يناقش الاستعداد لعقد امتحانات النقل والشهادة الإعدادية    الشيخ خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله    خالد الجندى: "اللى بيصلى ويقرأ قرآن بيبان فى وجهه" (فيديو)    مصري بالكويت يعيد حقيبة بها مليون ونصف جنيه لصاحبها: «أمانة في رقبتي»    بشرى سارة ل الهلال قبل مواجهة الاتحاد في كأس خادم الحرمين الشريفين    رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    الاقتصاد العالمى.. و«شيخوخة» ألمانيا واليابان    بالتعاون مع المدارس.. ملتقى لتوظيف الخريجين ب تربية بنها في القليوبية (صور)    وزير الشباب يبحث مع سفير إسبانيا سُبل إنهاء إجراءات سفر لاعبي المشروعات القومية    انطلاق القافلة «السَّابعة» لبيت الزكاة والصدقات لإغاثة غزة تحت رعاية شيخ الأزهر    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    فرقة ثقافة المحمودية تقدم عرض بنت القمر بمسرح النادي الاجتماعي    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    وزيرة الصحة يبحث مع نظيرته القطرية الجهود المشتركة لدعم الأشقاء الفلسطنيين    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    وزير التجارة : خطة لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنوياً    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    رئيس جامعة أسيوط يعقد اجتماعا لمتابعة الخطة الإستراتيجية للجامعة 20242029    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    رئيس جهاز حدائق العاصمة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين" ومشروعات المرافق    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    مصطفى مدبولي: مصر قدمت أكثر من 85% من المساعدات لقطاع غزة    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كائنات تهاجر
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 06 - 2010

قضيت بعض ساعات المساء أشهد نقاشا عن هجرة الشباب. رأى يرى الهجرة تهديدا للثروة البشرية التى لا يجوز التفريط فيها وبخاصة بعد أن فرطنا فى الثروة المادية والأخلاقية، ورأى يرى فى الهجرة منافع، تبدأ بالتخلص من فائض بطالة وتنتهى، إن توفرت النية والخبرة والتخطيط السليم، بعودة منتظمة لآلاف المهاجرين بعد أن يكونوا قد اكتسبوا خبرات نادرة ومهارات فائقة وثروات وفيرة. وكان من بين النماذج التى استعان بها أصحاب هذا الرأى الهند والصين اللتان شجعتا أو كلفتا مئات الألوف من الشبان فهاجروا، وبعد عقدين أو ثلاثة استدعتهم فعادوا.
كل الكائنات تهاجر.. تهاجر حين تبرد أو تحن أو يضيق صدرها أو يصيبها الضجر أو تجوع أو تعطش وحين تكتمل حتى تهيمن رغبات التكاثر وتتعاظم عواطفه. حيوانات البرارى تهاجر وكذلك أسماك البحار وطيور السماء والساعون فى الأرض من بنى البشر.
قضيت ساعات الصباح التالى أقرأ عن هجرة الكائنات، واخترت الطيور. كانت مراقبة الطيور المهاجرة أحد مصادر الاستمتاع بفترات بشائر الصيف فى الإسكندرية، حيث كنا نقضى الإجازة السنوية، وحيث عشت مراحل سعيدة من شباب عمرى. هناك وفى مواعيد تكاد تكون ثابتة كنا نخرج إلى سواحل غرب المدينة لنرى أفواج السمان فى السماء تغطى عين الشمس وهى تستعد للهبوط، وعلى الأرض تنتظرها شباك شاهقة الارتفاع، أو هكذا بدت لنا فى ذلك الحين، نصبها صيادون يعرفون مواقع هبوط السمان وهم على ثقة كاملة أنه لن يغير مواقع هبوطه المعتادة.
قرأت بين ما قرأت خلال ساعات هذا الصباح عن عالم من علماء الأحياء تخصص فى مراقبة عادات الطيور وهجراتها. لفت نظره فى شبه جزيرة الآسكا طائر هو الأوفر سمنة بين جميع الطيور التى عرفها، حتى إنه عندما يطير مع أقرانه يبدون فى السماء ككرات طائرة.
لا حظ أن هذا الطير يرحل من الآسكا كل عام مع اقتراب الشتاء، متوجها إلى استراليا ونيوزلندة. تصور صديقنا روبرت جيل عالم الأحياء أن الطير يقطع الرحلة على مراحل وأنه يطير على مقربة من سواحل شرق آسيا فى طريقه جنوبا. بدأ روبرت جيل دراسته عن رحلة هذا الطير فى السبعينيات من القرن الماضى عندما لم يكن لديه من الخبرة أو الأدوات ما يسمح له بالتأكد من تفاصيل هذه الهجرة وما إن كان الطير يقطعها على مراحل وإن كان يطير بالقرب من البر.
لم يتأكد البروفسور جيل إلا بعد ثمانية عشر عاما عندما تقدمت التكنولوجيا. استطاع أن يزرع فى جسم الطير جهاز إرسال متصلا بأقمار اصطناعية تعيد إرسال المعلومات التى يجمعها إلى الكمبيوتر الخاص به. عندئذ وللمرة الأولى تمكن من المتابعة عن بعد. انطلقت الأسراب من مهجرها فى لحظة واحدة وطارت فوق المحيط الهادى بعيدة عن الشواطئ الآسيوية، متجهة جنوبا نحو أستراليا ونيوزلندة.
لم تتوقف الطيور لتأكل أو لتشرب خلال رحلة الطيران التى استغرقت تسعة أيام وقطعت مسافة 11.300 كيلو متر. إذاعة المعلومات الأولية عن هذه الرحلة دفعت أستاذا بجامعة لوند بالسويد إلى اعتبارها أطول رحلة طيران عرفها العلم الحديث.
لم يمر وقت طويل حتى جرى اكتشاف رحلات طويلة أخرى لطيور شتى، إحداها رحلة من جرينلاند فى أقصى شمال المحيط الأطلسى تنطلق فيها أسراب طير من نوع آخر متوجهة جنوبا. لفت النظر أن الأسراب تتوقف خلال الرحلة فى جزر قريبة من سواحل شمال شرق أفريقيا حيث تتناول طعامها من البحر، ثم تستأنف رحلتها نحو القارة المتجمدة الجنوبية قريبا من الأرجنتين، وعند اقتراب الشتاء من نهايته تعود بالطريق ذاتها إلى جرينلاند،
حيث يبدأ الصيف الشمالى. يقدر العلماء أن يكون الطير قد طار خلال هذه الرحلة وحدها مسافة 79.520 كيلومتر. ويحسبون أنه خلال حياته يقطع ما يزيد على 2.3 مليون كيلو متر، أى ما يعادل ثلاث أضعاف المسافة التى يقطعها مسافر من الأرض إلى القمر ذهابا وعودة.
يقول العلماء الذين تابعوا هذه الهجرة الموسمية إنهم استخدموا لمعرفة تفاصيل هذه الرحلة جهازا ثبتوه داخل جسم الطير، يجمع المعلومات ويحتفظ بها لحين عودته ليتولى العلماء تحليلها، تماما كالصندوق الأسود المخبأ فى بطن الطائرة. بفضل هذه الدراسات والتقدم العلمى وطفرة التكنولوجيا أصبحنا نعرف أن للطائر المهاجر كبدا وأمعاء أكبر من المألوف قادرة على هضم الطعام بسرعة ليتحول جانب منه لتقوية عضلات الصدر وجانب آخر إلى دهون، حيث تبين أنه عند الرحيل تمثل الدهون نسبة 55% من وزن الطير.
يبقى لغز لم يجد لدى العلم حلا له. لم نعرف بعد كيف يحدد الطير موقعه بالدقة المتناهية التى لاحظها وسجلها علماء الحيوان، ولم نعرف كيف يختار أرضا بعينها يهاجر إليها والطريق إليها، وكيف يحدد بالساعة والدقيقة والثانية مواعيد السفر ذهابا وعودة.
هكذا تحافظ الكائنات على النوع وتجدد نفسها ومهاراتها، وهكذا يكون الانتماء. أعرف أن بيننا من يريد تخوين الطير الذى يهاجر سعيا وراء جو أفضل أو رزق أوفر أو خلوة فيتشجع ويضع بيضه ويرقد فوقه ويطعم فرخه.
وبيننا أيضا من لا يهتم إن أقام الطير أم هاجر أم عاد. وأتمنى أن يكون بيننا، ويزداد عددا، من يشجع الطير ليهاجر ويعود مكتسبا مهارات جديدة ومعه فرخ صحيح الجسم والعقل، أو يبقيان حيثما اختارا ونبقى نحن هنا نعمل لنستعيد ثقتهما فى الوطن وليطمئنا إلى أن هذا الوطن سيتعلم يوما كيف يبادلهما الحب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.