فى معرضه الجديد بقاعة الزمالك يستنطق فرغلى عبدالحفيظ المكان ويقدم ثلاثين لوحة عن مصدر حياة المصريين، يُعَنْوِن أعماله ب«الحيوية» و«الرومانسية» و«التواصل» و«المستقبل» ليجسد النيل فى جميع أحواله، يحلق بريشته الجريئة فى فضاء الألوان ولا يدخر وسعا فى مزج الطمى الأسوانى على سطح لوحاته بحرفية تؤثر فى المشاهد الذى ينتابه الحنين. الشروق: موضوع النيل هو موضوع أثير لدى العديد من الكتاب والشعراء والتشكيليين، هل إعادة تناول النيل اليوم له أسبابه لدى الفنان؟ فرغلى: صحيح أنه موضوع مطروح منذ زمن، لكنى أرسمه من منظور مختلف، المحك هو الرسالة والهدف من تقديم الأعمال المختلفة. فأنا أرى أن علاقتنا بالنيل اليوم ضعيفة، التلاميذ فى المدارس والطلبة فى الجامعات يعتبرونه شوية مياه ليس إلا، لم يعد للنيل الحضور الروحانى الرومانسى التاريخى. معرض النيل هو محاولة لتحديث علاقة المصرى المعاصر بالنيل. بالإضافة إلى وجود النيل التاريخى مصدرا للمياه ومصدرا للحياة، هناك الحضور الروحانى للنيل الذى يتطور تاريخيا أيضا بصفته موصلا جيدا لمشاعر الانتماء وبحضوره ممثلا لتاريخ مصر وشاهدا على مراحل الصعود ومراحل الخفوت. ومن ناحية أخرى يرتبط هذا الحضور الروحانى بالبهجة والبشرى، أى أننى حين أرسم النيل فى أعمالى أعتبره مصدرا لشحذ «شهية الحياة» لدى الناس، فالمصريين النهاردة محتاجين ما يبهجهم ويدفعهم للأمام، فالصحافة والإعلام يحاصرانهم بالكآبة والتعاسة، فقد يكون مصدر السعادة والبهجة بين يدى الإنسان ولا يشعر به، وأنا أعتبر النيل هو السند الذى يجسد الماضى ويشحن الهمم للكفاح والصبر والأمل أى أنه أيضا الحاضر والمستقبل. الشروق: هل تعتبر الفن إذن صاحب رسالة محددة تريد أن توصلها للناس؟ فرغلى: الفن ينبغى أن يكون إيجابيا إلى أبعد حد. فأنا لا أتصور أن إثارة الكآبة وجلب التعاسة يعد فنا، قد يثير غرائز الخوف لكنه لا يوجد حالة الشجن التى تحرك داخل الانسان. فإذا أخذنا مثالا من الفن المصرى القديم نجده مؤنسا جدا، ففى داخل معبد الكرنك على سبيل المثال هناك شعور بالأمان والهدوء النفسى، نوع من السلام غير العادى. أما الفن الوارد إلينا من الخارج، فيأتى بآلياته وسياقه الثقافى المغاير، فمسألة ميكنة الفن والارتماء فى أحضان التكنولوجيا الحديثة موجود منذ الثلاثينيات وليس جديدا حتى نلهث وراءه بهذا الشكل، لكن المشكلة أن تغفل الجانب الروحانى والرومانسية بمعناها الفلسفى. الشروق: ركزت فى العديد من معارضك على المكان والاحتفاء به. فرغلى: أنا لا أفصل بين الجغرافيا والتاريخ، الفنان كائن يلتقط حساسية المكان وتاريخه، وبدون هذا الاتصال تتحول أعماله إلى زخرفة وصدى للواقع لا روح فيها. أقمت معرضا عن الإسكندرية وركزت فى العديد من اللوحات على شعر المرأة الذى يلفحه هواء البحر، وكانت تعبيرا عن اللحظة الراهنة التى غاب عنها هذا المشهد الطبيعى أمام تصاعد حمى الانغلاق والتزمت. أما معرض فنيسيا فكان نتاجا تفاعليا مع المدينة التى تلهب خيال أى فنان، لكنى تناولتها من منظور مصرى، أى بتفاعلى مع المكان والتحامه بذاكرتى ومخزونى الثقافى. الشروق: دائما ما تستخدم عناصر طبيعية فى لوحاتك مثل الرمل أو مثل طمى أسوان فى هذا المعرض، ماذا تضيف هذه التقنيات للعمل الفنى؟ ألاّ تحد قليلا من الخيال؟ فرغلى: استخدمت الطمى أول مرة فى 1992، ثم مشاركتى فى بينالى فنيسيا عام 1993 حيث أردت أن أشد انتباههم فى الغرب إلى الجزء الإنسانى المفقود، ووجدت أن الطينة أبلغ مادة للتعبير عن التلقائية وعن الخصوصية. أما الرمل فلجأت إلى رمال مرسى مطروح البيضاء ومزجتها بالألوان وأعطت كثافة خاصة لسطح اللوحة. أما طمى أسوان فاستخدمته بلونه الطبيعى لأنى أحببت أن أستعيد وجود أسوان نفسه وليس صورة منه. وسواء استخدمت الرمل أو الطمى فلا يكون من أجل تجميل المشهد البصرى، بل من أجل قوة التعبير. الشروق: على الرغم من هذا الميل للتحديث وتعبيرك عن المعاصرة فى أعمالك فإنك تنتقد اللجوء إلى التكنولوجيا فى مجال الفن، كيف ترى هذا التناقض؟ فرغلى: ألقيت محاضرة منذ سبع سنوات حول ميكنة الفن، فقد انتشر البوب آرت فى أمريكا رد فعل للسوق الشرس والثقافة الاستهلاكية، لكن أصبح اليوم هناك انحسار لهذه الآلية فى الفن. المشكلة فى الاتجاهات الجديدة أن الشباب بعضهم لا يدرسون جيدا ويتخرجون غير متمكنين من أدواتهم ويلجأون مع ذلك للحل السهل وللكمبيوتر. فأنا أول من عمل العمل المركب أو التشكيل فى الفراغ installation ، ومع ذلك أعتبر أن الفيديو آرت المنتشر اليوم ينتمى بالأساس لفن السينما وليس للفن التشكيلى. أريد أن أضع ألف خط تحت كلمة العواطف، التى إن غابت عن العمل الفنى أصبح شيئا باهتا بعيدا عن الفن. فأنا كنت من مشجعى صالون الشباب ومازلت لكنى ضد النقل وضد أن يقدموا موضوعات تبدو مصرية لكن التناول والعاطفة «جاى من بره»، تصبح العملية مثل تمصير الأشياء.