كليوباترا أتت من الماضى الفرعونى المجيد، الآن تقف بدار الأوبرا لتستقبل أحفادها المصريين بكل الود، لكن بدون الطقوس الملكية البعيدة. الملكة العاشقة واحدة من لوحات معرض «الميكروموزايك»، للفنان سعد رومانى، والذى تستضيفه الأوبرا حتى 23 من الشهر الحالى، بقاعة الفنون التشكيلية. آلاف من القطع الزجاجية الملونة متناهية الصغر، تكون البشرة البرونزية، وتقاطيع الوجه الدقيقة التى يحيطها الشعر الأسود القصير، ولكن كليوباترا تمسك بذيل ثوبها الفرعونى الملون، وتنساب مثل عارضة عصرية، وكأنها الروح الفرعونية بعثت الحياة فى قطع الزجاج الجامدة. تقطع شادية مختار، مخرجة البرامج التليفزيونية الفنية، استرسالها فى خواطرها الهامسة حول لوحة كليوباترا، «دققوا فى كل بوصة من اللوحة، وشوفوا قطع الزجاج الصغيرة قوى والملونة، هتلاقوا أكثر من أربعين لونا فى البوصة الواحدة، هنا الزجاج يتكلم»، موجهة الكلام لبعض الطلاب من دارسى الفنون الجميلة، 39 عملا بالمعرض، استغرق تنفيذها 18عاما. الموزاييك، أو الفسيفساء باللغة العربية الفصحى، وهو من فنون الجداريات التى تستخدم الصخور وقطع السيراميك والزجاج والخشب الملون فى رسم اللوحة. «أى حجرين ملونين جنب بعض ممكن يعملوا لوحة موزاييك». سعد رومانى ينسب نشأة هذا الفن لمصر القديمة، ويظهر ذلك جليا فى مجموعة توت عنخ آمون. الجديد الذى أضافه سعد من وجهة نظر فنانة الموزاييك البريطانية جيزيلا جيبون، «أنه استخدم قطعا تتراوح بين الميللى والسنتيمتر لرسم اللوحات. هو يختار الأبعاد واتجاهات القطع الدقيقة لتكون معالم اللوحة واضحة على الرغم من تشابه الألوان». استغرق إعداد اللوحة الأولى عاما ونصف العام، وكان عنوانها «طبق الفاكهة». آلاف الألواح الزجاجية الملونة بآلاف الألوان هى خامة العمل، يقوم هو بتقطيعها ثم يستخدم العدسة المكبرة ليبدأ فى انتقاء سلسلة لا نهائية من الألوان، «ولكن فى أحسن الأحوال لا يمكن انجاز لوحة فى أقل من أربعة أشهر». جيزيلا التى أتت خصيصا لحضور المعرض، تقول إنه «حدث فريد، فهو «المعرض الفردى الأول على مستوى العالم لفن الميكروموزاييك»، كما تقول. الميكروموزاييك الذى تزين لوحاته الكنائس العتيقة فى أوروبا، تعتبره جيزيلا، الناقدة وعضوة الرابطة البريطانية لفنانى الموزاييك، «عملا دقيقا وشاقا»، تستدرك «ولكنه خالد، فالرسومات العادية تهلك مع مرور الزمان ولكن الزجاج يعيش آلاف السنين». عمر الشريف. فيروز. روبرت دى نيرو. نجيب محفوظ. بيتهوفن. وجوه زجاجية تنطق ملامحها، أما صفية العراقية التى رسمها أحد المستشرقين من عشرات السنين، وأعاد رومانى رسمها بالميكروموزاييك، فهى التحدى من وجهة نظر الناقدة، «أستطيع أن أرى بريق الشيفون الذى ترتديه الفتاة». إعادة رسم أعمال قديمة مثل «شمشون ودليلة»، لم تمنع من وجود عدد من اللوحات الخاصة بالفنان مثل لوحة روح الموسيقى، والفنار والربيع، بالإضافة إلى بعض الأعمال السريالية. يقول الفنان سعد رومانى أنه عندما بدأ رسم اللوحات من 18عاما كان يحلم بإنشاء متحف خاص يخلد فيه أعماله، ولكن مع الوقت والمجهود الذى يحتاجه العمل، فالفكرة تبدو مستحيلة، ويكون البديل هو سلسلة من المعارض بدأها بمعرض الأوبرا، يتبعه معرض بمقر رابطة فنانى الموزاييك ببريطانيا خلال أكتوبر. ثم معرض آخر بمتحف مصطفى محمود بالإسكندرية، وخلال هذه المعارض يتم عرض اللوحات للبيع بسعر يبدأ من 35 إلى مائتى ألف جنيه، «مش شرط يكون فى متحف، أعمالى ها تبقى خالدة حتى لو بعتها».