بقاعه الفن بالزمالك أقام الفنان د.فرغلي عبدالحفيظ، أحد رواد الحركة الفنية التشكيلية المعاصرين، معرضه تحت عنوان "النيل" وقدم فيه 37 لوحة تصويرية، تحمل كل لوحة بداخلها قمية روحية وجمالية وتاريخية للنيل منها: "النيل خلود" و"النيل ونس" و"النيل الدفء" و"النيل الأرض" و"النيل المستقبل" و"رومانسية النيل".وغيرها من قيم وتنويعات النيل، وفي لقاء علي هامش المعرض كان لنا هذا الحوار معه عن أعماله خاصة الأخيرة، وملامح الحركة الفنية التشكيلية المصرية.. لماذا اخترت "النيل" كموضوع فني لمعرضك الجديد؟ - بدايتي كانت من خلال قرية "ديروط" علي ضفاف النيل، التي كونت بداخلي مخزونا ورصيدا وثقافة عن النيل، النيل كفكرة وحياة وصداقة ووسيلة رزق للصيادين، وما دار حوله من أحداث تاريخية شكلت ملامح الحضارة المصرية، فوجدت أنه من الواجب أن أقدم من خلال النيل للمصريين جرعة أمل وتغذية روحية، خاصة أنه في آخر 30 سنة ضعف تواصل الفنانين والمصريين بالنيل وحدث للفنان غربة فكرية وانفصل عن هويته، فتعمدت أن أطرح في كل لوحة قيمة ورسالة للفنانين، وللحركة الفنية باستعادة الصلة بالنيل، واستكمالا لمصداقية الموضوع الفني، كان لابد أن تكون الخامة والتقنية مكملة للهدف، فاستخدمت الرمل والطمي كأرضية وملمس يعبر عن أرض النيل. هل تسهم المؤسسات الثقافية في تعديل ثقافة الجمهور؟ - الثقافة ليست في المباني، فمن يظن أن الثقافة موجودة في المتاحف و"الجاليرهات" فهو مخطئ، لأن تعديل المتاحف وافتتاح قاعات جديدة لا يعني التواصل مع الجمهور والتأثير فيهما ثقافيا، بل يعني أن المؤسسات تحافظ علي تواجد المباني فهي مؤسسات للخدمة، فمثلا تم ترميم متحف محمود خليل، وأنفق عليه مبالغ كبيرة، وهو ما يجعلنا نتساءل: ماذا يقدم هذا المتحف أو غيره للجمهور؟ وسنجد أن الإجابة: لا شيء .. صفر!، فالثقافة الحقيقية لأي دولة تعرف من مستوي ثقافة الشارع، فقد نقول نعم عندنا مدارس فيها مدرسون ومسؤلون لكنه لا يوجد تعليم، نعم يوجد متاحف و"جاليرهات" لكن "مفيش ثقافة"، فالجمهور هو الهدف النهائي لمجهود المؤسسات الثقافية، وهو مقياس نجاح أي مؤسسة، مثلا مكتبة الإسكندرية صرح ضخم رائع، ولكن إذا لم تتمكن من تغيير سلوكيات البشر فإنها لن تصنع شيئا. لابد أن تطرح تساؤلات مشروعة قبل إعداد أي أنشطة ثقافية مثل: ما هي الرسالة الموجهة للجمهور؟ لو تحدثنا عن معرض فني ماذا يطرح؟ الموضوع الفني ماذا يضيف؟ المتحف ماذا يفيد للجمهور؟ الجاليرهات ماذا تعرض ولمن؟، لابد لكل المؤسسات الثقافية أن تعمل ضمن خطة عمل هدفها الأول تعديل سلوكيات الجمهور. كيف تري الحركة الفنية التشكيلية المصرية اليوم؟ -قلة من الفنانين المتميزين، بينالي الإسكندرية "هلكان"، بينالي القاهرة "هلكان"، صالون الشباب "هلكان جداً"، الموضوعات مستهلكة، الحركة الفنية عليها غبار، ومستقبلها "غلبان"، وانحدرت إلي أسفل بسبب غياب الصدق في أعمال الفنانين، لأنهم منشغلي بالمنافع الخاصة والأرقام، وكلها أهداف مادية بعيدة عن أهداف الفن الإنسانية، وعلاقات الفنانين بعضهم ببعض تدهورت، ويحكمها حسابات أخري، هذه العلاقات تحتاج تعديلا لمصلحة الفن والحركة، والأجيال لا تجد قدوة، وحدث "تسوس" فكري بها بدءاً من فوق إلي تحت، و"ميكنة" الفن قضت علي الأصالة الفكرية، والكمبيوتر جهاز لا ينفعل، وليس به الونس الإنساني، والمشاعر شيء أساسي في الفن الأصيل، والتكنولوجيا سمحت لأفراد غير موهوبين بالظهور، يمارسون فن الأجهزة، ويقدمون أفكار آلية ميكانيكية ضريرة وعقيمة لا تنجب مشاعر إنسانية، وأي فنان ينشغل بالتقنية سوف يبتعد عن الرسالة الحقيقية لفنه، والذي أفسد الفن والحركة التشكيلية في مصر، هو انتشار النظام الأمريكي أو الراعي الرسمي (الضامن) الذي يقدم للفنان مجموعة من السندوتشات المشروطة. ماذا تقصد ب "السندوتشات المشروطة" للفنانين؟ - بالتأكيد المادة اليوم هدف عالمي الكل يبحث عنها، إنما الخطأ أن الفنان يبحث عمن يعطيه أرقاما، حتي لو ينسف إنسانيته، والمفترض من الفنان أن يعطي من إنسانيته، نعم هناك "رعاة" موجودون في مصر، ولكن ربما يكون وجودهم ناجحا في المهرجانات كتمويل مادي، إنما في الفن التشكيلي أفسده، "السندوتشات" التي يقدمها الضامن للفنان التشكيلي هي تمويل مادي، سفريات لأوربا، ورش عمل، تسويق الأعمال، إصدار أعمالهم في كتب، وكل ذلك مقابل أن يشترط علي الفنان الموضوع الفني، والأسلوب الفني والتقنية. نظام "السندوتشات" حاله عامة تحدث في العالم كله، وليس في مصر فقط، "السندوتش" يأتي من عدة دول، هولندا، أمريكا، البرازيل، دولة عربية، ولكل أهدافه، المهم أن ينفذ الفنان الشروط قبل الأكل وبعده. وهذا يحدث بالفعل في جاليري "تاون هاوس"، فلديه مجموعة من "السندوتشات" المغلفة بغلاف وهمي، يختار فنانين ويقنعهم أنهم مبدعون، في حين أنه أفقدهم حريتهم الإبداعية، وبكل أسف استطاع أن ينسف الكثيرين، وأيضا المسئولين عن البيناليات الدولية، يرسلون للمؤسسات الثقافية مجموعة "السندوتشات"، وتكتب شروط الاشتراك بشكل منظم جدا حتي لا نشك فيه، وتصاغ الشروط بمفردات دقيقة لتبدو أهداف إنسانية راقية مؤثرة، لكنها بالفعل "خداعة"، بينالي فينسيا مثلا له شروط طبقها، فجاءت النتائج أعمالا فنية بلا مشاعر أو روح، وموضوعات كئيبة وفقر في الفن والفكر، وكأننا في مقابر مظلمة، فأصبح الفنان يحمل "شنطة" بدلا من الاسكتش، وتحول إلي business people "يشمشم" علي أماكن الفلوس والشهرة في أي دولة عربية أو أجنبية، وأصبحوا فطاحل في التسويق والاتصال بالخارج، نتخيلهم يلهثون وراء أي سندوتش، وعندما يعلمون بوجود ضامن يوزع سندوتشاته تبدأ المنافسة، الكل يحاول الوصول قبل الآخر حتي لو تسلقوا علي "المواسير"، وذلك أفقدهم قدرتهم الفنية.