الحكومة: لا صحة لإصدار قرار بتقليص حصة المواطن من الخبز المدعم على البطاقات التموينية    ميناء دمياط يستقبل 9 سفن متنوعة    نمو الاقتصاد التركي بمعدل 5.7% خلال الربع الأول    جيش الاحتلال ينفذ اعتقالات ومداهمات في الضفة الغربية    عربية النواب: تصنيف إسرائيل ل أونروا منظمة إرهابية تحد صارخ للشرعية الدولية    مقتل مسعف وإصابة آخر في هجوم إسرائيلي على سيارة إسعاف في لبنان    نهائي دوري الأبطال، إبراهيم دياز يحمل آمال المغرب في رقم أوروبي مميز    الأحد المقبل، فتح باب التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة    موعد بدء التقديم لرياض الأطفال وأولى ابتدائي على موقع "التعليم"    بعد علمه بمرضه... انتحار مسن شنقًا بالمرج    بالفيديو: شاهد الإعلان الأول لفيلم اللعب مع العيال    أحمد آدم: تاني تاني مناسب للأسرة.. وأعتمد فيه على كوميديا الموقف    ضمن مسرح الطفل.. ثقافة الإسكندرية تعرض «حلم» بمدرسة السادات غدا    من يحقق الكرة الذهبية؟.. أنشيلوتي بفاجئ جمهور ريال مدريد بتصريحات مثيرة قبل نهائي الأبطال    زيزو ليس بينهم.. كاف يعلن عن هدافي الكونفدرالية 2024    ضبط المتهم بتسريب أسئلة الامتحانات عبر تطبيق "واتس آب"    وصول جثمان والدة المطرب محمود الليثي إلى مسجد الحصري بأكتوبر "صور"    طقس غد.. ارتفاع بالحرارة على كل الأنحاء والعظمى بالقاهرة 37 درجة    عمرو الفقي يعلق على برومو "أم الدنيا": مصر مهد الحضارة والأديان    ماس كهربائى وراء اشتعال حريق بمحل صيانة أجهزة كهربائية فى العمرانية    الحوار الوطني يجتمع غدا لمناقشة ملفات الأمن القومي والأوضاع في غزة    في بلادي.. لا حياة لمن تنادي!    وزيرة التعاون: تحقيق استقرار مستدام في أفريقيا يتطلب دعم المؤسسات الدولية    معلومات الوزراء يناقش سبل تعظيم العائد من الإنتاجية الزراعية    ضمن مبادرة كلنا واحد.. الداخلية توجه قوافل طبية وإنسانية إلى قرى سوهاج    المفتي: عدم توثيق الأرملة زواجها الجديد لأخذ معاش زوجها المتوفي حرام شرعا    مرة واحدة في العمر.. ما حكم من استطاع الحج ولم يفعل؟ إمام وخطيب المسجد الحرام يُجيب    هل الجوافة ترفع السكر؟    تعشق المشمش؟- احذر أضرار الإفراط في تناوله    فرنسا تشهد أسبوع حافلا بالمظاهرات احتجاجا على القصف الإسرائيلى    أزهري يوضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية (فيديو)    "العاصمة الإدارية" الجديدة تستقبل وفدا من جامعة قرطاج التونسية    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    بعد تحذير المحافظات منها، ماهي سمكة الأرنب ومخاطرها على الصحة    اعتماد 34 مدرسة بالإسكندرية في 9 إدارات تعليمية    وزير الإسكان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي بالغربية    لا تسقط بحال من الأحوال.. مدير عام وعظ القاهرة يوضح حالات الجمع بين الصلوات    رئيس جامعة قناة السويس يُتابع أعمال تطوير المسجد وملاعب كرة القدم    محمد نوار: الإذاعة أسرع وأرخص وسيلة إعلام في العالم.. والطلب عليها يتزايد    برلماني أردني: التشكيك في دور مصر تجاه القضية الفلسطينية غير مجدي (فيديو)    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    كوريا الشمالية تشن هجمات تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي لليوم الثالث    محمد شحاتة: "كنت أكل مع العساكر في طلائع الجيش.. وأبي بكى عند توقيعي للزمالك"    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    تفاقم أزمة القوى العاملة في جيش الاحتلال الإسرائيلي    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    تشكيل بروسيا دورتموند المتوقع لمواجهة ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا 2024    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    شاهد.. الفيديو الأول ل تحضيرات ياسمين رئيس قبل زفافها    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    مران منتخب مصر - مشاركة 24 لاعبا وفتوح يواصل التأهيل    تامر عبد المنعم ينعى والدة وزيرة الثقافة: «كل نفس ذائقة الموت»    محمد شحاتة: نستطيع تحقيق ميدالية أولمبية وعبد الله السعيد قدوتى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب (الأحرار الدستوريون): يرصد تاريخ أحد أهم الأحزاب السياسية المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 02 - 2010

كتاب كاشف للحركة الوطنية المصرية من جانبها غير الجماهيرى أو ما نطلق عليه «تيار المعتدلين».. كتاب يجذبك ولا يتركك إلا مشغولا بحال حزب «الأحرار الدستوريون» أحد الأحزاب المهمة فى تاريخ السياسة المصرية، ومتلهفا لمعرفة ماذا جرى للحزب منذ نشأته فى 1922 وحتى انتهائه فى عام 1953، وهو الحزب الذى وضع أعضاؤه دستور 1923 الذى نفتخر به ونتحسر على إلغائه.
الكتاب هو «الأحرار الدستوريون 1922 1953» الصادر حديثا عن دار الشروق للدكتور أحمد زكريا الشلق. وقبل قراءة كتاب الشلق يجب أن نعرف من هم «الأحرار الدستوريون».
كتب التاريخ تذكر أنهم أعضاء لجنة الثلاثين التى وضعت فى عام 1922 أول مشروع دستور لمصر المستقلة وفقا لتصريح 28 فبراير 1922. وصدر هذا الدستور يوم 19 أبريل 1923 ولذلك سمى بدستور 1923. وعقب فراغ لجنة الثلاثين من وضع مشروع الدستور فى سبتمبر 1922، قرر أعضاؤها تكوين حزب جديد برئاسة عدلى يكن باشا تحت اسم حزب «الأحرار الدستوريين» تكون مهمته الدفاع عن الدستور.
وكان من أبرز أعضائه عند تكوينه مدحت يكن باشا، ومحمد محمود باشا، وحسن عبدالرازق باشا، ومحمد حسين هيكل باشا، وحافظ عفيفى باشا. وتوالى على رئاسته عدلى يكن باشا ومحمد محمود باشا وعبدالعزيز فهمى باشا ومحمد حسين هيكل باشا. حل الحزب طبقا لقرار مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 بحل الأحزاب السياسية فى ديسمبر 1952. وكان لهذا الحزب جريدة يومية تنطق بلسانه، هى جريدة «السياسة».
أما كتاب الشلق فيتتبع تاريخ الحزب بداية من تكوينه عام 1922، على يد مجموعة ممن انفصلوا عن سعد زغلول فى أول انشقاق عن الوفد، كما يحلل مستجدات المجتمع المصرى وتفاعل الأحرار الدستوريين معها حتى اختفاء الحزب من الحياة السياسية عام 1953 على يد ضباط ثورة يوليو. واحتوى الكتاب على فصل تمهيدى وستة فصول: نشأة الحزب ونظامه، وتركيب الحزب وأصوله الاجتماعية، والحزب والقضية الوطنية، والحزب والحياة النيابية، الحزب بين السلطة والمعارضة، والدستوريون والفكر الليبرالى والفكر القومى ثم خاتمة وملحق صور.
وقد استطاع الدكتور زكريا الشلق بطريقة منهجية مستفيدا من مصادر مصرية ووثائق بريطانية درسها خلال رحلته إلى بريطانيا عام 1978، أن يتتبع الأصول الاجتماعية والفكرية للأحرار الدستوريين وإسهامهم السياسى والبرلمانى كحزب يفتقر إلى التأييد الشعبى، ولكنه يتمتع بتأثير بالغ فى الحياة السياسية والثقافية المصرية، وذلك بفضل جريدته المهمة «السياسة» التى رأس تحريرها محمد حسين هيكل، وكتب لها أهم مفكرى القرن العشرين فى مصر، وكذا بنوعية قياداته من أمثال هيكل نفسه، وأحمد لطفى السيد، وعبد العزيز فهمى، ومحمد محمود.
البحث عن شخصية
وتقول حكاية الحزب إن أول فكرة عن تأليفه أوردها يوسف نحاس فى 30 أغسطس 1921، عندما دخلت مفاوضات عدلى كيرزن مرحلة الأزمة، فأعد عدلى خطابا يستدعى فيه عبدالعزيز فهمى ورفاقه للاستعانة بهم، بيد أن عدلى علم أن عبداللطيف المكباتى قد تلقى برقية منهم يطلبون إليه العودة إلى مصر؛ لأنهم بصدد تجديد هيئة أخرى للوفد تشرع فى العمل والجهاد.
ثم روى نحاس أنهم فى 21 نوفمبر عرضوا على ثروت رغبتهم فى تأليف حزب، فعرض الفكرة بدوره على عدلى، الذى تخوف فى البداية على اعتبار أن هذا الحزب سيكون وسيلة لاستمرار النزاع بين السعديين والعدليين، واعتذر عن عدم الاشتراك معهم بإنهاك وضعف الصحة وزهده فى الجدل والملاحاة مع السعديين، ولكن «نحاسا» راجعه فى ذلك، وأبان له عن حاجة الجماعة إلى شخصية بارزة معروفة، فلم يرفض عدلى الفكرة وإن أجلها إلى حين. وعن ذلك قال الشلق:
«من ذلك يتضح أنهم أعدوا أنفسهم كحزب ولم يكن ينقصهم سوى شخصية تستطيع أن تواجه سعد زغلول».
وتعليقا على هذا يقول الشلق:
«إن هذه الجماعة رأت فى تصريح 28 فبراير فائدة كبيرة بخلاف خصومها من السعديين الذين لا يعترفون به بل يعتبرونه نكبة كبرى. وهكذا يبدو أيضا أن صدور التصريح يقتضى منهم تنظيم صفوفهم، والإعلان عن أنفسهم فى شكل حزب سياسى، يدافع عن الأوضاع الجديدة التى تنشأ فى ظله، وفى مواجهة خصومه ممن يدعون احتكار الوطنية، بل تأليف الحزب بتعبير كاتبه الأول لدفع التهم الباطلة لأنصار عدلى بالخيانة، ومقاومة أثرها فى أذهان الشعب، بينما يذكر طه حسين أن الحزب لم يؤلف لهذا المعنى «لأن مناهضة سعد لا تصلح موضوعا لتأليف الأحزاب».
وبعد قراءة 510 صفحات هى مجموع الكتاب، سألنا الدكتور أحمد زكريا الشلق عن دافعه لدراسة حزب الأحرار الدستوريين بالذات، فأجاب:
«لاحظت أن هناك شبه إجماع لدراسة أحزاب الحركة الوطنية فى جانبها الجماهيرى مثل الحزب الوطنى القديم أو حزب الوفد دون الالتفات إلى بقية الأحزاب التى يطلق عليها أحزاب المثقفين والأعيان مثل حزب الأحرار الدستوريين المعروفين بتيار المعتدلين، والمشهورين بالكياسة والبعد عن الجماهيرية».
مذبح الولاءات الشخصية
السؤال الرئيسى والملح هنا: ما مبادئ حزب الأحرار الدستوريين وكيف طوعوا أفكارهم على أرض الواقع؟.
الدكتور الشلق فى خاتمة دراسته العلمية يقول: «أظهرت هذه الدراسة الهوة بين البرامج التى طرحوها وأخذوا على عاتقهم الالتزام بها وبإنجازها وبين الممارسة العملية». وأكد الشلق أن الحديث عن البرامج والمبادئ الأخاذة عادة أسهل من العمل «وكم كان يضحى بها على مذبح الولاءات الشخصية وإرضاء الزعامات بنفس القدر الذى كان يغضى فيه عنها طمعا فى كسب «الرضا السامى» أحيانا وثقة «المحتل الحليف» أحيانا أخرى».
ولفت نظرنا الدكتور الشلق إلى نقطة مهمة تطرح سؤالا يصلح إلى الآن فى وقتنا الراهن، وهى: «اتضح لنا أن الرغبة فى السلطة كانت وراء نشاط حزب الأحرار الدستوريين، تدفع حركته، وتفسر كل دوافعه وسلوك أعضائه وعلاقاتهم. ونتيجة لنجاحاته فى بلوغ تلك الرغبة ساهم بشكل كبير فى الصراع السياسى والاجتماعى لمصر المعاصرة، برغم أنه لم يكن حزبا جماهيريا، مما يعكس التناقض الأساسى بين حجم الحزب المتواضع وتأثيره السياسى الكبير نسبيا».
وترتبط بتلك النقطة ما ذكره الشلق أن التناقضات بين ما طرحه الحزب وبين ما أنجزه انعكست بشكل حاد من خلال تعامله مع المسألة الدستورية والحياة النيابية، فقدم رجال الحزب فى البداية دستور عام 1923، واعتبروه خيرا من لا شىء، ثم اتضحت الهوة التى تفصل بين الإيمان النظرى والموقف العملى، بل والالتزام الحزبى، فتزعزع الإيمان بالدستور، خاصة عندما جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية بموجب هذا الدستور مخيبة لآمال الحزب، حيث أوقفته دائما فى معسكر أحزاب الأقلية مما جاء ترجمانا صادقا لمدى تغلغل الحزب فى صفوف الجماهير.
ورغم تلك النقاط أكد الشلق أستاذ التاريخ فى جامعة عين شمس فى حديثه معنا أن دراسة حزب الأحرار الدستوريين تطرح علامات استفهام عجيبة تخص واقعنا المعاصر إذ نجد الآن السياسيين وأصحاب السلطة غير مثقفين فلا يهتموا بالفكر والثقافة بل يزيدون ثراء بعد توليهم المناصب عكس ما نجده فى تتبع حال أعضاء حزب الأحرار الأغنياء فى الأساس، والذين فقدوا الكثير من أموالهم حين تولوا السلطة.
القضية الوطنية
أكثر ما يهمنا فى تتبعنا لحزب الأحرار موقفه من القضية الوطنية، وتعامله مع المحتل البريطانى، وفى ضوء ذلك تعامل الحزب مع القضية الوطنية، حسب دراسة الشلق، باعتدال ودبلوماسية واعتبار المفاوضات، وسيلة وحيدة لتحقيق مطالب مصر الوطنية من وجهة نظر الحزب، بل والأحزاب المعاصرة له التى تولت الحكم، وقد لمس الجانب البريطانى ذلك لدى قياداته فتعامل معها على هذا الأساس، وكانت النتيجة أن تجاوزت مصر عقودا ثلاثة وهى تتفاوض للحصول على استقلالها.
ويستطرد الشلق: صحيح أن جولة المفاوضات التى تولاها رئيس الأحرار الدستوريين عام 1929، دفعت بالقضية خطوة، ولكن هذه الخطوة كانت ضمن الإطار السابق حيث لم تتكافأ هذه الخطوة، بل وكل ما كسبته مصر خلال جولات المفاوضات، مع ما دفعته طوال فترة بقائها تحت وطأة الوجود البريطانى انتظارا لحصولها على استقلالها، بل لقد بدا أحيانا، خلال جولات المفاوضات أن الأهداف الوطنية كانت محل مزايدة أمام الجماهير فى سبيل الحرص على البقاء فى السلطة، حتى لقد خلق هذا الأسلوب تصورا بأن المفاوض المصرى يمكن أن يبدى استعدادا لقبول ما هو دون ما قبله، إذا كان متأكدا أن ذلك سوف يلقى قبولا من جانب مواطنيه.
ختام الحزب
انقسم تاريخ حياة الحزب إلى فترتين، أولهما تعتبر فترة قوة بالنسبة له «1922 1939»، استمد فيها تلك القوة أساسا من شخصيات قادته، ومقدرتهم، أعيانا ومثقفين. وثانيهما تمثل فترة ضعف فى حياة الحزب «19391953» حيث عاش يلعب دورا أقل فى شئون الحكم، من خلال ائتلافه مع أحزاب الأقلية الأخرى التى قضت الشطر الأكبر من تاريخها مدافعة عن بقائهما فى السلطة. ولم يعد حزب المثقفين حسب الشلق يلعب دورا مؤثرا فى حياة مصر السياسية إلا من خلال هذا الإطار، مما يسجل فى النهاية عجز الصفوة ممثلة فى حزب الأحرار الدستوريين والتى لم تعتمد فى حركتها على قيادة الجماهير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.