ب«تكريم 300 من الرواد».. «عمومية أطباء القاهرة» تعتمد ميزانية 2023 (تفاصيل)    تفاصيل جولة السيسي في الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية (فيديو)    وزير التعليم العالي يتفقد الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا.. صور    ممثلو وحدة الدعم الفني بالإسكان يتابعون موقف مشروعات المنصورة الجديدة    أسعار الخضار والفاكهة في أسواق أسيوط اليوم السبت    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    بني عبيد في الدقهلية تنضم لحملة "خليها تعفن"    توريد 189271 ألف طن قمح للشون والصوامع بالشرقية    حصيلة جديدة لشهداء وجرحى غزة بعد 204 أيام على الحرب    الاحتلال يقصف منشآت تابعة ل"حزب الله" جنوبى لبنان    مستشار الرئيس الفلسطيني: نحن أمام كارثة ومأساة متفاقمة تزداد يوما بعد آخر    كلوب: «سلوت» سيدرب أفضل نادي في العالم    ظهور عمر مرموش| موعد مباراة بايرن ميونخ وفرانكفورت.. المعلق والقنوات الناقلة    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    لخلافات مالية.. عاطل يقتل تاجر خردة في الدقهلية    بعد مقتل طفل شبرا.. ما هي العقوبة القانونية التي تنتظر القاتل والمحرض؟    خبير: دخول عالم الويب دارك خطير بنسبة تصل إلى 100%    «الداخلية»: القبض على 7 متهمين في حملات مكافحة المخدرات بالقاهرة    ضبط صاحب شركة حاول غسل 35 مليون جنيه حصيلة اتجار بالآثار والنقد الأجنبى    خططت لاغتيال أحمد موسى.. المؤبد والمشدد 15 و5 سنوات لخلية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    حملات مكثفة لضبط الأسواق وضبط مرتكبي التلاعب بأسعار الخبز    بعد تصدرها التريند حول انفصالها من أحمد السقا .. مها الصغير تكشف سبب الشائعات (القصة الكاملة)    وزيرة التضامن من الإسكندرية للفيلم القصير : فخورة بتقديم برنامج سينما المكفوفين    الليلة.. أحمد سعد يحيي حفلا غنائيا في كندا    عمرو دياب يشعل أجواء حفله بالبحرين    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 جولة مرورية على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة منظومة صرف الألبان    طلب إحاطة لوزير الصحة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    قبل مواجهة الترجي.. ماذا يفعل الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الأندية العربية؟    دار الإفتاء: 6 أنواع لحسن الخلق في الإسلام    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    محافظ أسيوط يتابع استعدادات مديرية الشباب والرياضة للفعاليات والأنشطة الصيفية    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    «الزراعة» تنفي انتشار بطيخ مسرطن بمختلف أسواق الجمهورية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق البشرى يكتب الديمقراطية ونظام 1971 (24)
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 05 - 2009

تناول الجزء الأول من هذه الدراسة الإرهاصات التى مهدت لحركة 15 مايو 1971 التى سماها الرئيس السادات ثورة التصحيح، وأطلق عليها خصومه انقلاب مايو.
وعرض للكيفية التى أسقط بها السادات نظام سلفه الرئيس عبدالناصر وصدامه مع رموز العهد الناصرى، وكيف احتفظ بجميع السلطات التى تمتع بها الرئيس السابق على الرغم من التعديلات التى أدخلها على دستور 1971، وسماحه فيما بعد بالتعددية السياسية بديلا عن التنظيم السياسى الأوحد، والتى بدأت بمنابر ثلاثة «يمين يسار وسط» ثم تحولت إلى أحزاب سياسية، وتناول الجزء الأول كذلك التغييرات التى طالت السلطتين التنفيذية والتشريعية بمقتضى هذه التحولات الدستورية.
ويواصل المستشار طارق البشرى فى هذه الحلقة متابعة المسار الديمقراطية المصرى، بادئا بالسلطة القضاية وشارحا العلاقة بين الأحزاب السياسية وجهاز الدولة من ناحية، وعلاقتها بالحزب الحاكم من ناحية ثانية.
(4)
كانت سياسة نظام ثورة 23 يوليه، أن يكتفى فى مداخلته فى شئون القضاء بأن يصدر القوانين التى تمنع التقاضى فى المسائل ذات الحساسية الخاصة له بالنسبة لأوضاع أمن الدولة والنظام وبالنسبة لسياساته الاجتماعية والاقتصادية، وأن يكون له تشكيل محاكم خاصة خارج إطار الهيئة القضائية لنظر الدعاوى السياسية التى يقدر حساسيتها لأمنه وسياساته، فضلا عن نوع من المداخلة له فى شئون النيابة العامة بالنسبة للتحقيقات فى المسائل السياسية، وفضلا عن نوع من المداخلة لوزارة العدل فى شئون إدارة القضاء بما لا ينتهك أصلا متعلقا بضمانات القضاة الأساسية فى شغل المناصب.
ثم بعد هزيمة 1967 ضعف النظام سياسيا بما لم يمكن معه استمرار هيمنته وتقبل الناس لهذا الوضع أو لغيره، فحاول اتباع أسلوب جديد للمداخلة عن طريق محاولة إدخال القضاء فى التنظيم الشعبى وحاول إدخال عناصر غير قضائية فى هيئات المحاكم. وقاوم القضاة هذين المسعيين وتبلورت معارضتهم ببيان أصدروه عن نادى القضاء فى 28 مارس سنة 1968.
وترتب على ذلك تصاعد الخصام بين الحكومة وبين القضاء بما أفضى فى آخر أغسطس سنة 1969 إلى صدور مجموعة من الإجراءات فصل بها من الهيئات القضائية نحو 189 عضوا منهم 129 عضوا من القضاء ونحو 20 عضوا من مجلس الدولة وألغى نادى القضاة وجرى كل ذلك فى 31 أغسطس 1969.
فلما خلص نظام الحكم للسادات بعد مايو 1971، أعاد المعزولين إلى وظائفهم فى القضاء باستثناء 46 منهم، فطعن بعضهم فى قانون العزل أمام محكمة النقض وأصدرت حكمها فى 21 ديسمبر 1972 بإلغاء قانون العزل وما ترتب عليه من آثار.
وصدر قانون يعيدهم جميعا استجابة لهذا الحكم. وفى هذا السياق صدر قانون جديد للسلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972 وقانون جديد آخر لمجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وتضمنا عددا من الضمانات للقضاء، ولكن كلا منهما استبقى من قوانين سنة 1968 ما يتعلق بسلطة المجلس الأعلى للهيئات القضائية فى إدارة شئون هذه الهيئات من حيث الميزانيات والتعيينات والترقيات والنقل وغير ذلك، والمجلس الأعلى للهيئات القضائىة مشكل منذ 1969 برئاسة رئيس الجمهورية وينوب عنه عادة وزير العدل، ويضم رئاسات من القضاء ومن مجلس الدولة ومن النيابة العامة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، فلا يكون شأن أى هيئة قضائية فى أىدى رئاستها وحدها ويكون التنوع والتعدد الحاصل من شأنه أن يمكن وزارة العدل من السيطرة كثيرا على أغلبية الأصوات، والحاصل أنه لم يستقل القضاء بمجلسه وحده ولا استقل مجلس الدولة بمجلسه وحده، استعادة لما قبل 1969 إلا فى سنة 1984 مع ملاحظة أن بقى المجلس الأعلى للهيئات القضائية موجودا بنص الدستور، وهو يتحكم فى السياسات العامة، وبقى لوزارة العدل دور مهم فى إدارة شئون القضاء عن طريق الميزانيات وعن طريق سيطرتها على التفتيش القضائى على القضاة، وعن طريق دور وزير العدل فى اختيار رؤساء المحاكم بقى هذا النفوذ حتى اليوم.
وبالنسبة للصحافة، فقد كانت تحت سيطرة الدولة من منتصف الخمسينيات، ومع بداية الستينيات آلت ملكيتها إلى التنظيم الشعبى للدولة «وهو الاتحاد القومى من 1956 ثم الاتحاد الاشتراكى من 1964». وبقى شأنها أول عهد الرئيس السادات هو ذات شأنها السابق، لاستمرار قيام التنظيم الشعبى الوحيد بموجب المادة 5 من دستور سنة 1971، فبقيت تحت القبضة المركزية لرئاسة الدولة باعتبار أن رئيس الدولة هو رئيس الاتحاد الاشتراكى، والرئيس الجديد يملك فى ذلك سلطات الرئيس السابق، وقد كان من قبيل فعل الضد لإظهار جدة الأوضاع فى عهد الرئاسة الجديدة.
أن تقرر فى يونيه 1971 إلغاء ما كان قائما من قيود على سفر الصحفيين المصريين إلى الخارج، ثم تقرر فى مايو 1972 إعادة من كان سبق إبعادهم من الصحفيين إلى أعمال أخرى غير صحفية، ونوقش أمر حرية الصحافة وإلغاء الرقابة الحكومية المفروضة على النشر فى الصحف، وذلك فى يونيه 1973، وقدمت مشروعات قوانين فى هذا الشأن، ولكن ما لبث الأمر أن انتكس بسبب ما صادفت رئاسة الدولة الجديدة من معارضة واضحة بين الصحفيين، لم يخفف منها من استطاعت استمالتهم إليها، فأصدر الرئيس السادات قرارا بإبعاد نحو 120 صحفيا من صحفهم فى فبراير 1973 على عدد من القوائم التى صدرت تباعا ثم أعيدوا إلى الصحف فى آخر سبتمبر 1973 قبل أسبوع واحد من بدء حرب أكتوبر 1973 التى تحررت فيها سيناء، ولكن الفصل والإبعاد والإعادة كان كل ذلك نوعا من فرض السطوة وتقرير ما يتعين أن يعرف من أن علاقات القوى وموازينها فى الإدارة المؤسسية للدولة وفى علاقتها بالهيئات والجهات المختلفة هذه العلاقات هى باقية على حالها السابق. خاصة بالنسبة للصحافة.
وبعد حرب 1973 انقشعت كلمات وتواترت أخرى بين رئاسة الدولة وبين الصحفيين، فتقرر إلغاء الرقابة على برقيات الصحفيين الأجانب عدا الأخبار العسكرية، ثم ألغيت الرقابة الحكومية على الصحف بمعنى أنه لم يعد ثمة رقيب يتبع الحكومة من خارج الصحيفة ويقيم فى الصحيفة، ولكن مهمته أنيطت برئيس تحرير كل صحيفة ورئيس مجلس إدارتها بحسبانهما يعينان من التنظيم السياسى الشعبى المالك قانونا للصحف، ورئيس التنظيم هو رئيس الجمهورية وأنشئ مجلس أعلى للصحافة من داخل الاتحاد الاشتراكى فى مارس 1975.
والحاصل، أن السيطرة المركزية على الصحافة بقيت استمرارا لهياكل توزيع السلطة ونظام الملكية السائد منذ العهد السابق فى الستينيات، ولكن هذه الصورة كانت تحتاج إلى تعديل ومواءمة عندما ظهرت فى الأفق فكرة التعددية السياسية التى ظهرت أولا داخل الاتحاد الاشتراكى لتظهر من داخله ثلاثة «منابر» الأوسط وهو منبر الحكومة والرئيس، والأيسر وهو منبر اليسار بقيادة خالد محيى الدين والأيمن وهو منبر اليمين بقيادة مصطفى مراد ثم تطور إلى نظام أحزاب متعددة واقتضى ذلك زوال الاتحاد الاشتراكى وتعديل الدستور والمادة الخامسة منه لتسمح بتعدد الأحزاب، وكان لابد من إعادة صياغة فكرية وقانونية جديدة تسمح ببقاء الصحف الكبرى الموجودة فى يد الحكومة وحزبها بغير أن يتخذ ذلك الصورة الفجة الخاصة بامتلاك الحكومة للصحف، كان لابد من إيجاد صيغة ذات مظهر شعبى يمتلك هذه الصحف.
وقد أضافت هذه المسألة سببا للأسباب التى استوجبت التفكير فى تعديل الدستور، وبدت فكرة أن ينص فى الدستور على الصحافة بحسبانها سلطة رابعة تضاف إلى السلطات الثلاث التقليدية، التشريعية، التنفيذية، والقضائية، ودعا الناخبون لاستفتاء عام حول هذه المسألة وعلى غيرها وتضمن التعديل الدستورى فى 1980 إنشاء وتنظيم مجلس للشورى يكون مجلسا ثانيا للسلطة التشريعية بجوار مجلس الشعب كما تضمن فصلا عن «سلطة الصحافة»، ونصت المادة 219 على حرية إصدار الصحف وملكيتها مكفولة ل«الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والأحزاب»، وأنها تخضع ل«رقابة الشعب»، ونصت المادة 211 على أن يقوم على شئونها مجلس أعلى يحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصه وعلاقاته بالدولة ثم صدر القانون 148 لسنة 1981 بشأن سلطة الصحافة، وأوجد شكلا للملكية العامة للصحف القومية عن طريق مجلس الشورى. وبقيت سلطات رئيس الدولة على الصحافة القومية ودور الصحف الكبرى، بقيت عند هذا الطريق.
(5)
فى مصر لم تقم قط ديمقراطية بغير وجه وطنى، ويمكن التعميم فيقال إن بلدا أو جماعة سياسية محتلة من أجنبى أو مغتصبة أراضيها أو مسلوبة الإرادة الوطنية أو مهددة فى أمنها القومى، بلد أو جماعة فى هذا الوضع لا تقوم به ديمقراطية إلا من خلال التوجه الوطنى وبمراعاة هذا التوجه، لذلك فإن ذروة ما بلغه التفاؤل الشعبى والرسمى بالنسبة لنظام الحكم فى عهد الرئيس السادات، كان فى الفترة من أواخر سنة 1973 حتى بدايات سنة 1977، ثم أخذ الخط البيانى للتفاؤل فى الهبوط مع مظاهرات رفع الأسعار فى يناير 1977 ثم بدأ هذا الخط فى التدهور مع زيارة السادات لإسرائيل فى أكتوبر 1977 ثم صار إلى الانهيار مع مفاوضات كامب ديفيد مع إسرائيل ومع الصلح معها والاعتراف بها فى 1979.
وكل ذلك يجرى والدولة دولة ما بعد النظام الناصرى تتشكل ويعاد بناؤها السياسى، وإذا كان يمكن أن يقوم نظام وطنى مستبد بغير ديمقراطية، فإنه لا يمكن فى ظنى أن يقوم نظام ديمقراطى بغير توجه وطنى، لأن الديمقراطية هى تعبير عن إرادة الجماعة السياسية وهى بالضرورة وبالتعريف «الجماعة الوطنية».
لذلك نلحظ أن القلق الوطنى الذى تردد مع أول سيطرة الرئيس السادات على السلطة منفردا بها فى مايو 1971، ما لبث أن حل محله نوع من الثقة والطمأنينة الوطنية بعد أن خاضت مصر فى عهده حربا مظفرة فى أكتوبر 1973، وفى هذا المناخ ترددت فكرة العدول عن التنظيم الشعبى الواحد إلى نوع من تعدد التنظيمات، ونُظر فيما إذا كانت المادة 5 من الدستور تحتمل التعدد الحزبى أم لا، وشُرع كحل وسط أن تنبثق من الاتحاد الاشتراكى ثلاثة منابر يتجمع فى كل منها أهل تيار سياسى معين مما يحتمله المبدأ الذى قام عليه الاتحاد الاشتراكى من حيث كونه تجمعا للقوى الوطنية.
وجرى ذلك فى 1975 باعتبار أن الاتحاد الاشتراكى صار يسمح بتعدد الاتجاهات السياسية داخله. ثم فى نوفمبر 1976 أعلن الرئيس السادات فى افتتاح الدورة الأولى لمجلس الشعب «قد قررت أن تتحول التنظيمات السياسية الثلاثة ابتداء من اليوم إلى أحزاب».
صارت المنابر أحزابا بتصريح أدلى به الرئيس رغم أن الدستور لم يكن يسمح بذلك بعد، والأحزاب هى ثلاثة؛ حزب مصر العربى الاشتراكى وهو حزب الرئيس وحزب الحكومة، وحزب الأحرار الاشتراكى وهو حزب اليمين برئاسة مصطفى كامل مراد، وحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى برئاسة خالد محيى الدين وهو حزب اليسار، ثم فى يوليه 1977 صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 لتنظيم التعددية الحزبية فأجاز فى مادته الأولى للمصريين تكوين الأحزاب والانضمام إليها، وشرطت مادته الرابعة لتأسيس الحزب ولاستمراره تسعة شروط منها؛ ألا تتعارض مقوماته أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ولا مع مبادئ ثورتى 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971 ولا مع الوحدة الوطنية، وأن تكون برامجه متميزة عن الأحزاب الأخرى وألا يكون فرعا لتنظيم بالخارج وألا يكون إعادة لأحزاب ما قبل 1952 وغير ذلك. وأوجب لتأسيس الحزب أن توافق على تشكيله «لجنة شئون الأحزاب السياسية، ويرأسها رئيس مجلس الشورى وأعضاؤها وزير العدل ووزير الداخلية ووزير شئون مجلس الشعب وثلاثة أعضاء غير منتمين لأى حزب يختارون من رؤساء الهيئات القضائية، وغالبية اللجنة هم عادة من الحزب الحاكم لأنهم وزراء، والأعضاء المختارن يعينهم رئيس الجمهورية وهو رئيس الحزب الحاكم، ويطعن على قرارات اللجنة برفض تأسيس الحزب أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بتشكيل خاص ينضم فيه إلى دائرتها الأولى خمسة أعضاء يعينهم أعضاء فيها وزير العدل وهو عادة من الحزب الحاكم.
ثم فى 21 مايو سنة 1978 صدر قرار جمهورى يدعو الناخبين إلى الاستفتاء فى مبادئ هى:
أولا: عدم جواز تقلد الوظائف العامة وعضوية مجالس النقابات والكتابة فى الصحف والعمل بالإعلام لمن يدعو لما يتنافى مع أحكام الشرائع السماوية.
ثانيا: عدم جواز الانتماء إلى أحزاب أو ممارسة أى نشاط سياسى «لكل من تسبب فى إفساد الحياة السياسية قبل ثورة 23 يوليه 1952».
ثالثا: أن الصحافة هى السلطة الرابعة للشعب.
فكان ذلك سعيا لإحكام السيطرة على معارضة يتوقع أن تكون إجازة التعدد الحزبى من مشجعاتها، حتى إن كان تعددا حزبيا معتمدا على التفصيل السابق. وكان ذلك من قبيل سياسية البسط والقبض لترويض الناس على الدخول فى قنوات جديدة لأوضاع مختلفة إلى حد ما عن القنوات التى عرفها نظام الخمسينيات والستينيات.
ثم لما أبرمت معاهدة السلام مع إسرائيل فى 26 مارس 1979، وأثارت من المعارضات والهياج الوطنى ضدها ما أثارت، وتصدى للمعاهدة عدد من كبار نواب مجلس الشعب يهاجمونها، تقرر دعوة الناخبين للتصويت فى استفتاء يجرى فى 19 أبريل 1979 على الموافق على معاهدة السلام مع إسرائيل، وعلى إعادة تنظيم الدولة بحل مجلس الشعب وعلى حرية تكوين الأحزاب وإعلان حقوق الإنسان المصرى والحفاظ على الوحدة الوطنية، ومع الاستفتاء على ما سمى مبادئ ثورة 23 يوليه 1952 و15 مايو وهى انتماء مصر العربى والالتزام بسياسة عدم الانحياز والقضاء على الفساد الحزبى، ومع اعتبار الدستور هو الوثيقة الوحيدة لنظام الحكم وانشاء مجلس شورى وتقنين الصحافة بوصفها سلطة رابعة، وكان إقران معاهدة مع إسرائيل بنظام الحكم المصرى وبالديمقراطية، كان ذلك رابطا خطيرا، يربط بين عمل تراه جمهرة الرأى العام عملا بغيضا متجاوزا ضوابط الصالح الوطنى والأمن القومى المصرى وبين هدف للحرية الحزبية يلتف حوله هذا الرأى العام ذاته للتعبير عن صالح الوطن، بمعنى أن بنود الاستفتاء كان يناقض بعضها بعضا.
وعلى أساس هذا الاستفتاء جرى تعديل دستورى 1971 بما أضيف إليه من أحكام جديدة، جرى الاستفتاء عليها فى 22 مايو 1980، ونشرت بالجريدة الرسمية فى عدد 26 يونيه 1980.
وكان من أهم ما شملته الإضافة هو الباب الخاص بإنشاء مجلس الشورى، والباب الخاص بالصحافة بوصفها سلطة رابعة، فضلا عن تعديل نص المادة 5 من الدستور ليستبدل بنظام الحزب الوحيد، وهو الاتحاد الاشتراكى نظام تعدد الأحزاب، وفضلا عن المادة 77 من الدستور التى كانت فى أصلها لا تجيز أن يعاد انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من مدة واحدة، فعدلت ليمكن انتخاب الرئيس «لمدد أخرى».
ومجلس الشورى حسبما رسم له فى الدستور هو مجلس ينشأ بانتخاب ثلثى أعضائه وتعيين رئيس الجمهورية ثلثهم الآخر ووظيفته استشارية بالنسبة للقوانين ولا رقابة له على الحكومة، بما يظهر منه أن الوظيفة الأساسية للمجلس لم ترد بنصوص الدستور، إنما كانت تستهدف من بعد أن يتناول السلطة على الصحافة بدلا من الاتحاد الاشتراكى التنظيم الملغى بالدستور ذاته. وهذا ما كشف عنه القانون 148 لسنة 1980 بشأن الصحافة الذى أسبغ وجها بموجبها للهيمنة على الصحافة من مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة وخلفه فيها القانون 96 لسنة 1996.
(6)
والحاصل أنه ما إن أعلن فى 1975 عن إمكان تعدد الاتجاهات السياسية داخل الاتحاد الاشتراكى، حتى تكاثرت طلبات إنشاء المنابر بداخله حتى بلغت أربعين طلبا لم يوافق إلا على ثلاثة منها هى ما سبق ذكرها. ثم سمح بإنشاء «حزب الوفد الجديد» بإذن من رئيس الجمهورية.
ثم بعد ذلك وبعد ظهور المعارضة ضد اتفاقية السلام مع إسرائيل شجع رئيس الجمهورية على إنشاء «حزب العمل الاشتراكى» ليكسب تأييده بعد عقد الاتفاقية. ولكن النظام رفض أحزابا أخرى قدمها بعض من أقطاب المعارضة فى هذه الفترة.
ومنهم «حزب الجبهة الوطنية» والذى تقدم بطلب عنه د.محمد القاضى، و«الحزب الوطنى الجديد» الذى تقدم بطلب عنه فتحى رضوان، وحزب الطليعة الوفدية الذى قدم طلبا عنه د. عبدالمحسن حمودة. ويذكر الدكتور مصطفى كامل السيد تعقيبا على ذلك وبعد خمس سنوات من تجربة التعدد الحزبى فى 1981 أن نطاق التعدد الحزبى محدود جدا وأن النظام كاد يقترب فى الواقع من نظام الحزب الواحد، وأنه فى تطوره «ينحو إلى التضييق المتزايد لأبعاد التعدد الحزبى».
هذه الملاحظات الثلاث تصدق وتصير أحسم وأقطع فى حكمها بعد ثلاثين سنة من التجربة ونحن عندما نستعرض تكوين الأحزاب على هذا المدى الطويل وحتى 2001.
نلحظ أن لجنة الأحزاب لم توافق على حزب واحد من الأحزاب التى قدمت طلبات لها إلا حزبا واحدا هو حزب الوفاق الذى أجازته فى أواخر التسعينيات من القرن العشرين، ثم أوقفت نشاطه من بعد. وأن كل الأحزاب التى وافق عليها كانت تأسست بموجب أحكام أصدرتها المحكمة الإدارية العليا بالتشكيل الموسع الذى نص عليه قانون الأحزاب حسبما سلفت الإشارة. وأن مجموع الدعاوى التى رفعت أمام المحكمة وأصدرت فيها أحكامها من سنة 1979 حتى سنة 2001 كانت 45 قضية تمثل 45 حكما لتشكيل أحزاب لم توافق اللجنة عليها على مدى ثلاث وثلاثين سنة فرفعت بشأنها هذه الدعاوى. وأن المحكمة قبلت من هذه الطلبات تسعة طلبات فقط والباقى منها 25 طلبا رفضته لعدم توافر الشروط القانونية لقيام الحزب بشأنها، والباقى رفض بسبب أحكام شكلية تتعلق بالاختصاص أو بعدم القبول أو غيرهما.
وأن الأحزاب التى حكمت المحكمة لصالح إنشائها هى حزب الأمة فى 25 يونيه 1983، وحزب مصر الفتاة الجديد والحزب الاتحادى الديمقراطى وحزب الخضر المصرى وحزب الشعب الديمقراطى فى 14 أبريل سنة 1990.
والحزب العربى الديمقراطى الناصرى فى 19 أبريل سنة 1992، وحزب العدالة الاجتماعية فى 6 يونيو سنة 1993، وحزب التكامل فى 5 فبراير 1995، ثم حزب مصر 2000 فى 7 أبريل سنة 2001، وأن من هذه الأحزاب التسعة أربعة أجيزت فى جلسة واحدة فى 14 أبريل سنة 1990. أما الخمسة الباقية فتتفرق بين سنة 1983، وسنة 1992، وسنة 1993، وسنة 1995، وسنة 2001، وأن أول حزب رفع دعوى أمام المحكمة ورفضتها كان حزب الجبهة الوطنية الذى كان وكيله المؤسس الأستاذ محمد ممتاز نصار ومن قياداته الدكتور محمود القاضى وهم من أقطاب المعارضة النيابية فى هذه الفترة وفى المجلس النيابى الذى شكل فى 1976. وقد استند رفض لجنة الأحزاب وأجازتها المحكمة فى هذا الاستناد، إلى أن مؤسسى الحزب قد توافرت فى حقهم أدلة جدية على قيامهم بأفعال لا تعبر مجرد تعبير عن رأى فى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وإنما هى قد صدرت فى صورة بيانات موقعة من مجموعة. وتضمنت دعوة تحييز وترويج اتجاهات تتعارض مع معاهدة السلام المذكورة بل إنه وصل الأمر إلى حد خلق جبهة وصفت بأنها تولدت عن تلك البيانات.. ذلك أن قانون الأحزاب وضع من بين شروط تأسيس الحزب ألا يتضمن مؤسسا أو فائدا أو متعاونا أو مرتبطا بجماعة تناهض معاهدة السلام المستفتى عليها فى 1979.
والملاحظ على القوانين التى صدرت فى هذه الفترة المتعلقة بممارسة حريات معينة مثل تكوين الأحزاب أو متعلقة بقيود أنها تضمنت عددا من المفاهيم السياسية والعبارات العامة التى لم تتحدد لها ضوابط قانونية تمكن من تطبيق موضوعى لها، مثل مبادئ ثورة 23 يوليه»، مبادئ ثورة 15 مايو، «السلام الاجتماعى»، «الوحدة الوطنية»، أو مثل شرط أن يكون الحزب فى برنامجه «متميزا» عن الأحزاب القائمة فى برامجها، وأن متابعة تطبيقات لجنة الأحزاب لهذا الشرط تظهر أنه كان يمثل بابا واسعا جدا للاعتراض على الأحزاب، لأنه ما من هدف أو غاية إلا وورد مثيل لها أو قريب لها لدى حزب من الأحزاب، والأحزاب وشعبيتها لا تقوم بموجب البرامج فقط ولكن بموجب الجدية فى النشاط أيضا وبموجب المزج بين مفردات برامج معينة لتحقيق أهداف معينة أو رسم سياق معين، لذلك صار بعض المؤسسين يحرصون على وضع أهداف هى إلى الأغرب أقرب منها إلى الواقع، وذلك حرصا منهم على «التميز» بوصفه شرطا قانونيا يراد إقناع المحاكم به، مثل ما لجأ إليه حزب مصر الفتاة الجديد من استهداف شق نهر جديد مواز للنيل فى الصحراء الغربية يبدأ من شمال السد العالى «ويتجه شمالا فى هيئة نصف دائرة عائدا مرة ثانية إلى المجرى الرئيسى ليخلق دلتا جديدة..» وهو هدف لا يمكن لأحد أن يمارى فى أنه غير وارد فى أى من برامج الأحزاب السابقة.
والحاصل أن لجنة الأحزاب توسعت فى تطبيقها شرط «تميز» البرامج على صورة أمكنها بها الاعتراض على غالب الأحزاب التى رفضتها، وأن المحكمة الإدارية العليا فى لحظة معينة استطاعت أن تناقش هذا الشرط بما يليق به بوصفه شرطا سياسيا، فلم تعتمد فى مناقشته على مفردات البرامج الحزبية وتقارن بين كل بند من بنود برنامج الحزب المقترح.
وبين ما يشبهه من بنود فى برامج الأحزاب القائمة، إنما وضعت البرامج فى تكاملها وحكمت بالفارق بين البرامج فى إطار ما يتميز به البرنامج فى تكامله وما يركز عليه.
وأمكنه بهذه الطريقة أن توافق على الأحزاب الثلاثة التى وافقت عليها فى 14 أبريل سنة 1990 والحزب الرابع الناصرى الذى أجازته فى 19 أبريل سنة 1992، ولكن المحكمة عادت من بعد إلى هجرة هذا المبدأ، وثبتت وجهة نظر لجنة الأحزاب فى فهمها لهذا الشرط، ولذلك فإنها منذ 1992 وحتى سنة 2001 لم توافق إلا على حزبين فقط، حزب الصحوة فى 13 يونية 1993، وحزب مصر 2000 فى 7 أبريل 2001 وذلك من جملة 32 دعوى حكمت فيها خلال هذه الفترة.
ويلاحظ أيضا أنه رغم أن الدستور ينص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأن قانون الأحزاب يشرط لقيام أى حزب ألا يتعارض «مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه» مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، فإن لجنة الأحزاب اطردت قراراتها على رفض الأحزاب ذات التوجه الدينى الإسلامى، وجارتها المحكمة الإدارية العليا فى ذلك، مثل رفض حزب الصحوة فى 31 يناير 1993 ورفض حزب الوسط فى 5 يونية 1999، بل إن المحكمة مجاراة منها للجنة الأحزاب رفضت فى سنة 1999 وحدها «ثمانية أحزاب بحسبان أن برامجها ليس فيها جديد أو غير قابلة للتنفيذ، وهى بذلك تكون جاوزت حدود النظر القانونى إلى حد إبداء الرأى فى المسائل السياسية مما يحظره قانون السلطة السياسية على المحاكم فى أحكامها، وإلى حد الانحياز إلى وجهة النظر السياسية للحزب الحاكم.
وأن ما وجد من الأحزاب وجودا شرعيا طبقا لقانون الأحزاب، لم يظهر إن كان له نشاط سياسى فعلى، وذلك يعود فيما يعود إلى سببين، أولهما أن عددا من التنظيمات ذات الوجود الفعلى النشيط لم يتمكن من أن يكون له وجود شرعى عن طريق قانون الأحزاب، فصار جزءا من أهم ما هو موجود سياسيا غير مشروع قانونيا، بما يترتب على ذلك من حصر وتضييق فى الأنشطة العلنية المتاحة ومن تهديد بإجراءات الحبس والاعتقال والتقديم للمحاكمات العسكرية، وثانى هذين السببين أن الأحزاب المشروعة ليس منها ما يملك فاعلية سياسية إلا ما له منها صحف سياسية تتداول، وأهم نشاط لها يتعلق بالعملية الصحفية، ولا يتاح لديها عمل جماهيرى سواء فى نقابات عمالية أو نواد اجتماعية ولا يتاح لها التحريك الجماهيرى السلمى من خلال المظاهرات السلمية والتجمعات المفتوحة، ونشاط يجرى فى الغرف والقاعات المغلقة وينحصر بالتالى عن نخب محدودة، وينحصر نشاطه بالمؤتمرات الشعبية فى أيام انتخابات مجلس الشعب كل خمس سنوات عادة هى الفرصة الوحيدة المتاحة للقيام بنشاط شعبى مفتوح، ومن جهة أخرى فإن عددا من الأحزاب الشرعية القائمة مجمد النشاط أو موقوف العمل أو مطلوب حله.
جرت انتخابات مجلس الشعب الأولى فى ظل دستور 1971 جرت فى ذات السنة التى صدر فيها الدستور، واستمرت مدة الدستورية كاملة حتى سنة 1976، وجاء تشكيله فى ظل وجود الاتحاد الاشتراكى الذى كانت المادة 5 من دستور 1971 لاتزال تعتبره التنظيم السياسى الوحيد، وكان من سلطات الاتحاد الاشتراكى وقتها أن يستبعد من الترشيح لانتخابات المجلس النيابى من يرى استبعاده، قد مارس الرئيس السادات بوصفه رئيسا للاتحاد الاشتراكى وقتها سلطة استبعاد من رأى استبعاده من المرشحين للانتخابات، ممن كان يرى ولاءهم للاتجاه الناصرى الذى كان أقصاه السادات فى مايو من السنة ذاتها، لذلك جرت الانتخابات فى حدود «الموافق عليها» من السلطة السياسية الجديدة، ومع ظهور عناصر مستقلة فى المجلس إلا أنها لم تكن تحسب من التيار المغلوب الذى كان السادات لا يزال يستشعر خطورته عليه، لأن صراعه كان لا يزال متجها لأنصار عهد ما قبل 15 مايو سنة 1971.
وفى بداية هذه الفترة كانت المعارضة الأساسية للسادات تتمثل فى التوجه الأساسى الشعبى لتحرير سيناء من إسرائيل المحتلة فى حرب 1967 ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى للمنطقة العربية وتمثلت فى حركة طلاب يناير 1972 ثم فى يناير 1973، إلا أن حرب أكتوبر 1973 أمكنها أن تمتص مؤقتا المعارضة الوطنية المتعلقة بمقاومة العدوان الإسرائيلى وتحرير الأرض وأعقب ذلك فى خواتيم 1975 الحديث عن تعدد المنابر السياسية وإيجاد ثلاثة منابر فعلا داخل الاتحاد الاشتراكى، وفى هذا المناخ انتهت مدة مجلس الشعب وأعلن عن الانتخابات الجديدة فى نهاية سنة 1976.
حف التفاؤل بانتخابات 1976، حكومة خاضت حربا موفقة ضد محتل غاضب، أيا كان ما بدا من تردد وتهاون فيما تلاها من مفاوضات، وهى حكومة خرجت من طوق التنظيم السياسى الواحد، وبدأت تعترف بقيام المنابر وتعدد الاتجاهات السياسية، وهى أن قصرتها فى ثلاثة اتجاهات فقط ومن داخل الاتحاد الاشتراكى إلا أنها خطوة جادة بلا شك، وخاض الانتخابات ثلاثة تيارات سياسية، هى منبر «الوسط» وقد احتلته الحكومة من قبل أن يتشكل اليمين واليسار، قالت «نحن الوسط ومن شاء أن يعارض فليأت يمنة أو يسرة»!.
ولكنها كانت خطوة جادة على كل حال، وخيم على الانتخابات تلكؤ الحسم الوطنى بالنسبة لنتائج حرب أكتوبر 1973 فضلا عن ظهور أزمة اقتصادية تعكس الخلل فى السياسات الاقتصادية المتبعة، فضلا عن تشوق المعارضة للظهور ونيل المكاسب الديمقراطية، فضلا عن تكلس الأداء الحكومى وارتباك السياسات المتبعة.. وخاضت الحكومة وصحفها وأجهزة الدولة معركة انتخابية غير متكافئة، ولكنها كانت معركة جادة على كل حال، وأسفرت النتيجة عن حصول «الوسط» الحكومى على 280 مقعدا، وحصول اليمين على 12 مقعدا وحصول اليسار على مقعدين، وظهور 48 مقعدا شغلها مستقلون ولعلها أول مرة منذ 1952 تحصل الحكومة فيها على نسبة 82٪ فقط فى انتخابات مجلس نيابى.
ولكن فى عهد هذا المجلس، استفحلت الأزمة الاقتصادية مما أجبر الحكومة على رفع الأسعار فحدثت انتفاضة 18، 19 يناير سنة 1977 المعروفة، ثم فى أكتوبر التالى حدثت زيارة السادات لإسرائيل وبدأت سلسلة من التنازلات الوطنية والضغوط الاقتصادية، وتصاعدت المعارضة وبدأت تظهر قوانين تمنح الدولة السلطات الاستثنائية، منها القانون 33 لسنة 1978» بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى» وكان يحظر أى دعوة مناهضة لمبادئ ثورتى 23 يوليه و15 مايو ويمنع تولى الوظائف العامة فى وظائف الدولة والإعلام وشركات القطاع العام ويمنع الانتماء لأحزاب سياسية ويمنع مباشرة الحقوق السياسية، وذلك لفئات عينتها نصوصه، ويمنح المدعى الاشتراكى سلطات متعلقة بهذه الأمور وأثار القانون موجات من السخط والاعتراض سواء فى الأوساط الشعبية أو فى النقابات أو لدى هيئات من الدولة مثل القضاة، لما كان يمثله من انتكاس عن وعود الديمقراطية المعلنة، وتشكلت معارضة واضحة فى مجلس الشعب من عضوى فى اليسار ومن مستقلين معارضين أمثال المستشار ممتاز نصار والدكتور محمود القاضى، وزادت المعارضة مع توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل فى مارس 1979، مما دفع الرئيس السادات إلى إجراء الاستفتاء على معاهدة السلام فى 20 أبريل 1979 وعلى حل مجلس الشعب.
وجرت انتخابات جديدة لمجلس الشعب فى يونيه 1979، وكانت الأحزاب قد أسست، وتحولت المنابر الثلاثة إلى أحزاب ثلاثة، أولها حزب الحكومة الذى سمى حزب مصر العربى الاشتراكى ثم سمى الحزب الوطنى الديمقراطى، وحزب اليمين وهو حزب الأحرار، وحزب اليسار وهو التجمع الوطنى التقدمى، وظهر أيضا حزب العمل «مصر الفتاة قديما» بمساعدة من الرئيس السادات فى البداية، وكانت نتيجة الانتخابات أن حصل حزب الحكومة على 90٪ من مقاعد مجلس الشعب وحصل حزب العمل على ثلاثين مقعدا، وحزب الأحرار على ثلاثة مقاعد والباقى مستقلون، وأسقط فى الانتخابات كل نواب المعارضة الأقوياء، واستخدمت الضغوط الإدارية لتحقيق هذه النتيجة ضد المعارضة.
وفى هذه الفترة صدر قبل الانتخابات قانون باسم «حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى الذى سبقت الإشارة إليه وهو يمنع فيما يمنع الترشيح فى المجالس المحلية والجمعيات التعاونية والنقابات العمالية والمهنية ويمنع الانتماء إلى الأحزاب السياسية كل ذلك بالنسبة لأقسام من المعارضة حددها القانون تحديدات سياسية عامة، وعدل قانون الأحزاب بما يتفق مع هذا الأمر، ثم بعد الانتخابات صد قانون باسم «حماية القيم من العيب» رقم 95 لسنة 1980 منح الدولة سلطات استثنائية فى مصادرة الأموال والحراسة على الأشخاص والتحفظ عليهم بإجراءات يتخذها المدعى الاشتراكى بأحكام تصدر عن محكمة استثنائية سميت «محكمة القيم» وكان فى ذلك انتكاس على كل الوعود الديمقراطية المقدمة قبل ثمانى سنوات سابقة وتم بها إعادة الهيمنة من جديد من جانب الدولة والهيئة الحاكمة بل على مقدرات الحركات الشعبية والأهلية.
وفى هذه الفترة اغتيل الرئيس أنور السادات فى 6 أكتوبر سنة 1981، وكانت البلاد قد أعيدت فى نظامها السياسى السابق، نظام الخمسينيات والستينيات، ولكن بعد أن أفرغ محتوى ذلك النظام السابق واستبدل به محتوى جديد، وهو الصلح مع إسرائيل بدل الحرب معها، والتحالف مع الولايات المتحدة بدل الخصومة معها، والخصومة مع الحكومات العربية المشرقية بدل التنسيق معها، والائتلاف مع دول الخليج بدل الخصومة السابقة معها، واتخاذ سياسة الانفتاح الاقتصادى وإخضاع السوق المصرية لسطوة السوق العالمية بدلا من حماية الإنتاج المصرى وتنميته، وظهور طبقة من الأغنياء الجدد المرتبطين بوكالات التصدير والاستيراد، وقد استغرقت عملية الفك وإعادة الربط عشر سنوات من 1971 إلى 1981.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.