وزير الخارجية يجتمع بمساعديه ومديري الإدارات بالعاصمة الإدارية    تعاون بين الرقابة على الصادرات والتمثيل التجاري لرفع القدرة التنافسية للمنتجات المصرية    روبير شومان.. رئيس وزراء ووزير خارجية فرنسا الذي عرف كمؤسس للاتحاد الأوروبي    السيدة انتصار السيسي: زيارة حرم سُلطان عُمان خطوة عزيزة على أرض مصر    أخرها مع ممثلة إباحية.. ترامب يواجه اتهامات تاريخية تتعلق بالرشوة والشغب ‬    موعد تدريب الزمالك الأول في المغرب استعدادًا للقاء نهضة بركان    المشدد 15 عاما لعامل و7 سنوات لسائق لقتل شخص وحرق منزل ب القليوبية    بالحجاب.. أحدث ظهور ل مي كساب| صور    سلوفينيا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في 13 يونيو المقبل    فصائل عراقية مسلحة تستهدف قاعدة نيفاتيم الإسرائيلية بالمسيّرات    «الدفاع الشعبي» تنظم عددًا من الندوات والزيارات الميدانية للمشروعات التنموية    بطولة العالم للإسكواش.. هنا رمضان تتأهل للدور الثاني    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    انعقاد برنامج البناء الثقافي بمديرية أوقاف البحيرة    قائمة مواعيد قطارات مرسى مطروح.. بمناسبة فصل الصيف 2024    انطلاق مبادرة المشروع القومي لرفع اللياقة البدنية لطلاب المدارس في قنا    لمواليد برج القوس والأسد والحمل.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج النارية    وسائل الرزق في القرآن .. يوضحها عالم أزهري    وزير الصحة: المدينة الطبية ل"المستشفيات التعليمية" نقلة نوعية في القطاع الطبي    تنبيه مهم من «الإسكان الاجتماعي» بشأن تأخر دفع الأقساط للوحدات السكنية    وزير النقل يعلن عن تجربة التاكسي الطائر في موسم حج هذا العام    رئيس هيئة المعارض يفتتح معرض الأثاث والديكور بمركز القاهرة للمؤتمرات    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تأجيل محاكمة المتهمين بأحداث سيدي براني وسموحة يصطدم ب«زد»    وزير الاتصالات يفتتح المقر الجديد لشركة «أرتشر» الأمريكية في مصر    تنفيذ 4 قوافل طبية للقرى الأكثر احتياجا في الدقهلية    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    عضو تضامن النواب تثمن دور القومي للمرأة في استقلالية إدارة المنح والمساعدات    استفز لاعبي الأهلي | نص مرافعة دفاع حسين الشحات في قضية الشيبي    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    بنك ناصر يرعى المؤتمر العلمي الدولي ال29 لكلية الإعلام بجامعة القاهرة    نيكول سابا تكشف عن موعد أغنيتها الجديدة "خلصت خلاص"    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية ونظام 1971
نشر في الشعب يوم 01 - 06 - 2009

فى يومى 13 و14 مايو 1971 حدث التحول الانقلابى الكبير الذى أجراه الرئيس أنور السادات على السياسات والنظام الذى كان أرساه الرئيس السابق جمال عبدالناصر منذ 23 يوليه 1952.
وقد سميت حركة السادات بأنها حركة تصحيح لنظام يوليو، ثم تعدل تاريخ الاحتفال بها إلى 15 مايو من كل سنة، وكان هذا التاريخ الأخير يتفق مع تاريخ إنشاء دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948، فهل كان ذلك مصادفة.
على أى حال فإن هذه الورقة البحثية تتابع تلك الحركة التى صارت بدء انقلاب فى السياسات المصرية، وكيف جرى ذلك. وحاولت أن أوضح فيها المسار المصرى على مدى المرحلة التالية إلى ما بعد سنة 2000، وكيف آلت الأوضاع إلى ما نشاهده جليا الآن من ملامح التفكك فى الأوضاع المصرية، دولة وحكومة ومؤسسات رسمية وأهلية، وهذا ما نواجهه الآن.

(1)
تبلور نظام الحكم وعلاقة هيئاته ومؤسساته فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر فى عدد من الأسس رسمها الدستور الذى صدر فى 1964. وعلى الرغم من أنه سمى بالدستور المؤقت على وعد بأن يعد الدستور الدائم من بعد، وعلى الرغم من أن لجنة للدستور الدائم تشكلت فى 1967 وعقدت الكثير من جلسات الاستماع لتتعرف على آراء ومطالب الاتجاهات المختلفة للرأى العام آنذاك فإن حرب 1967 وما تلاها من هزيمة عسكرية أوقفت كل ذلك. ولكن يمكن القول بأن صيغة العلاقات المؤسسية التى رسمها الدستور المؤقت فى سنة 1964 هى ما كانت تعبر عن أوضاع علاقات القوى فى الدولة المصرية. وهى ما فرض ذاته من بعد على مجمل الأداء الرسمى فى مصر حتى اللحظة الراهنة.

لقد وقعت هزيمة عسكرية فى سنة 1967 وتغير نظام سياسى اقتصادى كامل، وانتهت الحقبة الناصرية بكل سياساتها الوطنية الاجتماعية، وجاء نظام آخر فسار مسارا معاكسا لكل الأوضاع والأفكار والأهداف والممارسات التى كانت تقوم أيام عبدالناصر، ولكن بقى نظام الحكم هو هو. وإن الآلة التنظيمية التى حققت بها السياسات الناصرية فى سياسة العلاقات الخارجية وسياسة أوضاع الداخل وإدارة شئون المجتمع، هى ذاتها الآلة التنظيمية التى حقق بها التراجع والانتكاس شبه الكامل من منتصف السبعينيات حتى الآن.
الملاحظة الثانية، إن النظام الناصرى، اتبع وبلور سياسات وطنية واقتصادية واجتماعية حتى 1970، كان يتخذ هذه السياسات وينفذها بما امتلك من زمام الدولة القابضة، بسلطة تنفيذية استوعبت مكنة التشريع وبسلطة قضائية محاطة ومحددة الوظيفة فى نطاق ما رسمه النظام لها من حدود وضوابط، وبتنظيم شعبى هو واحد من أجهزة الدولة القابضة على السلطات كلها، وبأجهزة أمن خارجى وداخلى هى مؤسسات رسم السياسة وتغذيتها بالمعارف والمعلومات وبدائل اتخاذ القرارات، وبأجهزة إدارة قادرة على تنفيذ السياسات التى تتخذ ومتابعتها، والصحافة وأجهزة إعلام سمعى ومرئى صادرة عن الدولة مسيطر عليها منها.
هذا النمط من النظم هو ذاته الذى جرت به تصفية هذه السياسات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية كلها منذ 1975 حتى الآن، وجرى به تنفيذ السياسات المضادة بعكس ما كان يتبع. فبعد العداء مع إسرائيل جرى الصلح معها، وبعد الخصومة مع الولايات المتحدة جرى تحالف معها، وبعد الصداقة مع الاتحاد السوفيتى جرت المجافاة له والقطيعة معه، وبعد التحالف مع الدول العربية المشرقية ذات الأوضاع السياسية المشابهة والمجافاة مع دول الخليج البترولية، جرى العكس مجافاة مع الأولى وتحالفا مع الأخيرة، وبعد الهيمنة الاقتصادية للدولة على قدرات الإنتاج جرى التفكك الاقتصادى لهذه الهيمنة والتركيز على القطاع الخاص، بعد دعم القطاع العام فى الصناعة جرى التجميد لهذا القطاع واتخاذ سياسات الافتقاد لقيادته الاقتصادية وبعد ضبط مقدرات الاقتصاد، فى إطار خطة تنمية تعتمد على البناء الاقتصادى المستقل، جرت سياسة الانفتاح الاقتصادى وربط مصر برباط التبعية مع السوق العالمية.
كانت هزيمة 1967 هى ما كسر المشروع السياسى الذى قام عليه نظام ثورة 23 يوليه، ولكن هزيمة 1967 أعقبها مباشرة استبقاء إرادة المقاومة والقتال والسعى لتهيئة الأسباب لتصفية آثار الهزيمة، وجرى فعلا الاستعداد لذلك، وأعيد بناء القوات المسلحة، وتحقق النصر العسكرى فى حرب أكتوبر سنة 1973. ولكن مع تغير القيادة السياسية للدولة، فإن ما أثارته الهزيمة فى 1967 من كسر المشروع السياسى وإفقاده شرعيته، حدث عكسه مع نصر 1973 من إحاطة القيادة الجديدة بشرعية جديدة وتجميع الثقة حولها، وفى الوقت نفسه فإن ما أثارته هزيمة 1967 من قيام للمقاومة ونهوض للمناجزة، حدث عكسه فى ظل القيادة الجديدة مع نصر 1973، وما أثاره النصر على يديها من قعود عن استمرار المقاومة ومن تسليم للخصم والطواعية معه. وكل ذلك جرى بذات الأسلوب الإجرائى والمؤسسى لأجهزة القيادة والتنفيذ.
ومن جهة أخرى، فإن ما ضرب منه النظام الناصرى ومشروعه السياسى وسياساته التطبيقية كان هو أسلوب الحكم الذى تبلور على العهد الناصرى مما سبقت الإشارة إلى أهم ملامحه، وضرب المشروع وسياساته على وعد بتغيير أسلوب الحكم وهياكله ومؤسساته، ولكن العجيب أن السياسات كلها تغيرت وكان الوعد أن تبقى، سواء فى المجالات الوطنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. ولم يبق ويتدعم إلا أسلوب الحكم وهياكله ومؤسساته والسلطات التى يتيحها للقيادات الفردية فيه وكان الوعد أن يتغير. وبذلك فإن الوجه الوحيد الباقى هو عينه الوجه الوحيد والذى كان مطلوبا أن يزول وموعودا أن يتغير.
وفى هذا الإطار العام من الملامح العامة، يمكن التعرض بنوع من الإيجاز لعدد من التفاصيل النوعية التى تتحدد بها صورة النظام السياسى.

(2) لأن النظام كان نظاما يقوم على السلطة الفردية، فقد صارت الواقعة الحاسمة فى تغير وظيفته وعدول أدائه من سياسات إلى سياسات أخرى، هو تغير شخص رئيس الجمهورية واختلاف الأخير عن الأول. والحادث أن كان أنور السادات النائب الوحيد لرئيس الجمهورية عندما توفى الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر سنة 1970، وهو من كان بقى من تشكيل مجلس قيادة الثورة القديم فى أول تنظيم لثورة 23 يوليه سنة 1952، وعلى مدى سنوات الثورة ونظامها حتى 1970، لم يتول منصبا تنفيذيا فى إدارة شأن من شئون الدولة. قام بأدوار فى صحافة الثورة وفى التنظيم الشعبى للثورة المسمى بالاتحاد القومى، وفى مؤتمر الشعوب الإسلامية وأمانته العامة، وفى رئاسة مجلس الأمة الذى كان يتشكل منه البرلمان فى 1960. ثم صار أحد نواب رئيس الجمهورية من 1964 حتى 1966، ثم تركها ثم عين نائبا وحيدا للرئيس فى 1969. ولكنه لم يتول قط منصبا تنفيذيا فى شأن من شئون إدارة الدولة.
جرى الاستفتاء وفقا لدستور 1964 على رئاسة الجمهورية فى شهر نوفمبر 1970 وقدم فيه الرئيس أنور السادات واختير رئيسا للجمهورية وتولى الرئاسة. وكانت الدولة تتشكل فى أهم مؤسساتها من رجال جمال عبد الناصر المؤمنين بسياسته والمنفذين لها. وكانوا يشكلون رجال الصف التالى لعبد الناصر على تساو وتوازن بين بعضهم البعض، وبغير تميز لأحدهم على قرنائه وبغير تجمع لسلطة غالبة فى يد أحدهم من دون الآخرين، ومع القبول والتسليم منهم بالبون الشاسع الذى يميز الزعامة التاريخية لعبد الناصر، وقد فاجأ موته الجميع وما أدى إليه من فراغ هائل فى مركز اتخاذ القرار. ومن عادة المتساوين الأنداد الذين اجتمعوا أولا على الأقوى أن يجتمعوا من بعده على الأضعف، لأن وجود الأضعف يستبقى فراغا ويؤجل معركة ويتيح فرصة لتنافس آت. وكان السادات فى تقدير ذلك الوقت هو الأضعف، ليس فقط لشخصيته المشهور بها، ولكن لأنه لم يتول من قبل أى عمل تنفيذى حكومى فى الدولة، ولا ارتبط أبدا بجهاز من الأجهزة التى تملك إمكانات التقرير والتنفيذ. وقد شكل أول وزارة فى عهده فى 18 نوفمبر سنة 1970 من ذات الوزراء الذين كانوا يشغلون ذات مناصبهم فى آخر تشكيل للوزارة فى عهد عبد الناصر فى 20 مارس 1968، باستثناء الدكتور محمود فوزى، الذى عينه السادات رئيسا لهذه الوزارة، وكان وزيرا لخارجية عبد الناصر فى غالب عهده.
لم تمض سبعة أشهر حتى احتدم الخصام شهر مايو 1971 ووقع الصراع بين الرئيس الجديد وبين رجال الصف التالى من الحرس القديم. وفيهم محمد فوزى وزير الحربية الممسك بالجيش والذى أعاد بناءه بعد هزيمة 1967، وفيهم شعراوى جمعة وزير الداخلية الممسك بجهاز الشرطة والذى كان يتولى أمانة التنظيم الطليعى بالتنظيم الشعبى «الاتحاد الاشتراكى العربى» وفيهم أحمد كامل رئيس المخابرات العامة، وفيهم عبد المحسن أبو النور رئيس التنظيم الشعبى «الاتحاد الاشتراكى العربى». وفيهم محمد فايق وزير الإعلام. كان هؤلاء هم الدولة بأجهزتها الرئيسية كلها وبقواها الضاربة جميعا وبهيمنتها الإعلامية.
ولكن فى أول مواجهة مهمة بينهم جميعا وبين رئيس الدولة الجديد، وهم كثر وهو فرد، وهم أصحاب أجهزة ومؤسسات وهو فرد، وهم ذوو تجربة وهو تنقصه تجربة إدارة الدول وتوجيه المؤسسات، انتصر عليهم بما لمنصب الرئاسة من سلطات مجمعة ولما يحيط برئاسة الدولة فى الثقافة السياسية التى سادت، بأنها مصدر الشرعية، ومصدر الدفع فى القرارات، وبما ارتبط فى أجهزة الدولة من قابلية للتحرك بدافع من الرئيس شخصيا. ولم ينتظر هو فقط ولكن ساغ فى الأذهان أنهم كانوا يحاولون الانقلاب وإنه هو من حسم إرادة الاستقرار والاستمرار، على الرغم من أن العكس تماما هو ما كان حدث.
وبعدها فقط، فى 14 مايو سنة 1971 شكل الرئيس السادات أول وزارة تنتمى إليه وتبتعد عما أسماه وقتها «مراكز القوى» وهو التعبير الذى كان استعمل فى الإعلام السياسى فى عهد الرئيس السابق لينعت به شركاء الحكم الذين خرجوا عن إرادة الرئاسة، مثل ما كان مع المشير عبد الحكيم عامر بعد هزيمة 1967 وما حدث من إقصاء له ورجاله فى الجيش وفى الخدمة المدنية. بقيت الوزارة الساداتية الأولى مشكلة برئاسة محمود فوزى وفيها من رجال وزارات عبد الناصر القديمة عدد من ذوى الخبرات المدنية والمهنية وعدد من ذوى الأصول العسكرية والذين تمشوا مع القيادة الجديدة، مثل الدكتور عزيز صدقى للصناعة والمهندس سيد مرعى وعبد القادر حاتم وزير الإعلام العتيد فى عهد عبد الناصر. ولكنها تضمنت جددا فى الحربية والداخلية.
وكان من الطبيعى ألا يفرط الحاكم فى سلطته، سيما بعد أن انتصر باستخدامها وأدرك بالدليل الواضح مدى نفعها له. ويظهر ذلك واضحا فى المقارنة بين آخر دستور وضع إبان النظام الناصرى ليترجم قمة ما بلغه نضوج التنظيم المؤسسى للدولة فى هذا العهد، وبين الدستور «الدستور الدائم» الذى وضعه الرئيس السادات وصدر فى 1971، وسمى دستورا دائما باعتبار أن دستور 1964 سمى دستورا مؤقتا وكان صدر بقرار من رئيس الجمهورية على وعد بإعداد دستور دائم فيما بعد، فأراد الرئيس السادات أن يبدأ عهده بوضع هذا الدستور بمثابة تحقيق لوعد سابق، وبمثابة استجابة لرغبة شعبية ونخبوية لإقرار نظام مستقر يتأبى على التغيرات السريعة.
كان دستور 1964 يتضمن حكما بأن يكون التنظيم الشعبى السياسى الوحيد هو الاتحاد الاشتراكى العربى، حسبما نصت المادة 3، فلما صدر دستور 1971 فى عهد الرئيس السادات نص على ذات الحكم فى المادة 5 منه. وكان دستور 1964 قد رسم سلطات الدولة باعتبار أن رئيس الجمهورية هو الممسك بالسلطة الفعلية الشرعية وهو مصدر الدفع فى العملية السياسية وهو مصدر اتخاذ القرارات ورسم السياسات، فهو الرئيس الأعلى للدولة وهو رئيس السلطة التنفيذية وهو من يضع السياسة العامة للدولة تشاركه الحكومة التى يعين أعضاءها وذلك حسبما يستفاد من المواد 63، 100، 113، ومجلس الوزراء المسئول أمام المجلس النيابى ذو مسئولية تنفيذية فى الأساس حسبما يظهر من المواد 132، 133، 134. ورئيس الجمهورية يقترح ثلث أعضاء المجلس النيابى ترشيحه، ويرشحه ثلث أعضاء المجلس ثم يطرح اسم المرشح الوحيد على الاستفتاء الشعبى. وعند تمام الاستفتاء تصير ولايته مستمدة من الشعب مباشرة فلا يملك المجلس النيابى إزاءه أى سلطة (المادة 102). وهو من سلطته حل المجلس النيابى (المادة 91) ومن سلطته تعيين الوزراء ورئيس الوزراء وتغييرهم. وله حضور جلسات مجلس الوزراء فتكون له الرئاسة (المادة 115). ومدة ولايته ست سنوات (المادة 103) تزيد سنة على مدة ولاية المجلس النيابى (المادة 51).
ودستور 1971 اتبع ذات النهج فى رسم سلطات الدولة، وطريقة ترشيح رئيس الجمهورية حسبما رسمتها المادة 76 هى ذاتها طريقة الترشيح بالدستور السابق، وهو يختار بالاستفتاء الشعبى أيضا ومدة ولايته هى هى وعلاقته بالسلطة التنفيذية هى هى رسما للسياسة ومشاركة فى التنفيذ وهو لا يسأل أمام المجلس النيابى لأن ولايته مستمدة من الاختيار الشعبى المباشر. وإن كانت سلطته فى حل مجلس الشعب صارت متوقفة على إجراء استفتاء بشأن أعمالها «المواد 5، 76، 77، 92، 132، 133، 136، 137، 142، 156» وزيد على الدستور السابق أنه صار حكما بين السلطات حسبما بينت المادة 73 وإن صار فى مكنته أن يتخذ إجراءات سريعة يواجه بها مخاطر حالة متجاوزا بذلك سلطات المؤسسات المبينة بالدستور، وأن يعرض ذلك خلال خمسة عشر يوما على الاستفتاء العام، وذلك حسب ما خولته المادة 74.

(3)
إن نظام 23 يوليه أسقط من داخله وليس من خارجه، تولى عملية الإسقاط الرئيس الجديد الذى خلف عبد الناصر وكان نائبا له فى آخر أيامه، وعاون الرئيس الجديد عدد من كبار معاونى عبد الناصر فى المرحلة السابقة، وعادة ما يبدأ الرئيس الجديد محاولته كسب الشعبية وإظهار الذات بإعلان البراءة من أخطاء سلفه، فيقيد ما أطلق السلف ويطلق ما قيد، وإظهار التميز بفعل الضد يكاد يكون عادة متبعة فى هذا النوع من التوالى السياسى، والحاكم أحيانا يراوح فى سياسته على مراحل متتالية ليقلل من فرص تبلور معارضة شديدة ضده، وتكون هذه المراوحة أكثر انطلاقا إذا كان الحاكم نفسه قد تغير، بقدر ما تكون لديه فرصة أوسع لجذب المعارضين السابقين لسلفه، أو بالأقل تكون لديه فرصة أن يقسمهم شيعا ويفكك من إمكانات تكتلهم، والحاكم الذى أتى من خارج التشكيل العضوى للمؤسسات الحاكمة مع سلفه، تكون حاجته إلى فعل الضد أقوى ليستطيع بشعبية سريعة أن يفرض سلطانا لنفسه على هذه المؤسسات ذاتها، يكفى أن يظهر عزمه على تغيير الوضع القائم ويتخذ بعض التوجهات، حتى يهرع إليه كل من كان ضد الوضع القائم ويهرول للانضواء تحت إمرته، فتشكل له قاعدة سياسية يضغط بها على مؤسسات الحكم، وكان هذا شأن الرئيس أنور السادات، وكل ما يتعين توافره هنا هو التخلق بروح المغامرة لاحتمال الفشل والسقوط، والسادات لم تكن تنقصه أبدا روح المغامرة على مدى حياته كلها، لعلها الصفة الوحيدة التى تميز بها، ولا كانت تنقصه المرونة التى تصل إلى حد السيولة فى الاستعداد للتشكل مع الواقع الحاصل. وهو فى حياته تراوح بين التمرد إلى حد استخدام العنف وبين المسالمة إلى حد الطواعية الكاملة.
وبعد صدور دستور 1971 فى مفتتح عهده، وحرصه على أن يضمن مواده الأولى الخاصة بالحقوق السياسية والاجتماعية جملة من المبادئ والحقوق المؤكدة للحريات وللضمانات النظرية للأفراد والمواطنين ولسيادة القانون، بعد ذلك بدأت تعد مجموعة من القوانين التى اعتبرت مكملة للدستور، وقد صدرت تباعا فى الفترة من يونية 1972 إلى سبتمبر 1972. وذلك بعد أن كان شكل أول مجلس نيابى طبقا للدستور الجديد باسم «مجلس الشعب» فى نوفمبر 1971.
فبالنسبة لجهاز الدولة والإدارة، كان من مضاعفات السيطرة الفردية عليه فى الستينيات، أن أتيح لرئيس الجمهورية سلطة فصل أى من العاملين فيه «بغير الطريق التأديبى» وذلك بقانون صدر برقم 31 لسنة 1963. اعتبر من أعمال السيادة التى لا يجوز عرضها على المحاكم ما يصدره رئيس الجمهورية من قرارات فصل العاملين بغير ضمانات المحاكمة التأديبية. وكان من مقتضيات فعل الضد فى عهد الرئيس السادات كسبا لسمعة سيادة القانون وتأمينا للعاملين بالدولة أن أصدر فى يونية 1972 قانونا برقم 10 لم يجز فصل العاملين بغير ضمانات التحقيق بذات سلطة الفصل بغير الطريق التأديبى فى حالات عامة تمكنه من ممارسة هذه السلطة حسبما يشاء، وهذه الحالات هى الإخلال بواجبات الوظيفة بما يضر بالإنتاج أو الاقتصاد، وأن تقدم دلائل تمس أمن الدولة، أو أن يفقد العامل صلاحيته أو أن يفقد شاغل الوظيفة العليا الثقة والاعتبار.
وكان من أساليب الحكم فى الفترة السابقة على 1971، أن تصدر قوانين بمنع التقاضى فى المسائل ذات الأهمية السياسية للدولة، مثل تطبيقات الإصلاح الزراعى، وتحديد الملكية الزراعية، والاستيلاء على الأراضى الزائدة وتوزيعها على صغار الفلاحين، ومثل بعض الأمور المتعلقة بالضرائب الزراعية والرسوم القضائية، ومثل منع التقاضى فى دعاوى فصل طلبة الجامعات أو أعضاء السلك السياسى أو القنصلى أو غير ذلك. فأصدر السادات فى مايو 1972 القانون رقم 11 بإلغاء هذه القوانين المانعة من التقاضى. كما كان من أساليب الفترة السابقة بأن تقرر القوانين المنظمة لانتخاب المجالس النيابية منع أشخاص معينين من الحق فى مباشرة الحقوق السياسية والحقوق الانتخابية، إما لمدد معينة وإما بغير تحديد لمدة المنع، مثل من اتخذت ضدهم تدابير من التحفظ الإدارى بالاعتقال أو بالوضع تحت الحراسة ومن كانوا خضعوا لتحديد الملكية الزراعية أو لإجراءات التأميم باعتبار أنهم من خصوم الثورة، أو من فقد عضويته فى التنظيم الشعبى الاتحاد الاشتراكى، فخففت هذه الأحكام واقتصر المنع على من حكم عليهم بعقوبات جنائية من هؤلاء. وذلك بالقانون رقم 32 الصادر فى أغسطس 1972، ثم بالقانون الذى نظم شئون مجلس الشعب وصدر رقم 38 فى سبتمبر 1972.
وفى الوقت ذاته أصدر قانونا برقم 37 فى سبتمبر 1972 باسم «ضمانات حريات المواطنين» يعاقب أو يغلظ العقاب على موظفى الدولة بالنسبة لما يمارسونه من إيذاء للأفراد أو يتجسسون عليهم، كما تضمنت ضمانات ضد القبض على الأشخاص أو تفتيش أماكنهم أو ضبط رسائلهم أو مراقبة محادثاتهم السلكية أو اللاسلكية وغير ذلك. ولكن فى الوقت ذاته وباسم «حماية الوحدة الوطنية» وتأمين البلاد من مخاطر الانشقاق أصدر قانونا برقم 34 فى سبتمبر 1972، وهو يعاقب بالحبس على إنشاء أى منظمة أو إدارتها خارج الاتحاد الاشتراكى، ويعاقب كل شخص يعرض الوحدة الوطنية للخطر، والوحدة الوطنية هى تحالف قوى الشعب العامل والمساواة وحرية العقيدة وسيادة القانون. كما يعاقب من «يناهض السياسة العامة المعلنة للدولة»، أو يذيع أخبارا أو شائعات كاذبة ويدخل فى ذلك أعمال الإضراب والتظاهر والاعتصام والتجمهر حسبما أبانت المذكرة الإيضاحية للقانون.
إن دراسة أكثر تفصيلا يمكن أن تظهر بوضوح أكثر هذا الأسلوب من السياسة التشريعية التى كانت تفك وتربط وتطلق وتقيد وترخى وتشد، كل ذلك كان يجرى عبر السبعينيات من القرن العشرين.
عن موقع الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.