محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    الحكومة تعلن زيادة فترة تخفيف أحمال الكهرباء اليوم ساعة إضافية    الأونروا: أطفال غزة يعيشون كابوسا بلا نهاية    لا شبهة جنائية في العثور على جثة مسن داخل شقته بمنطقة الهرم    مبادئ الإخراج وكتابة السيناريو في ورشة "ابدأ حلمك" بالإسكندرية    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    السفير حسام زكي: لا مخرج من الوضع الإقليمي المتوتر إلا من خلال تفعيل الآليات المتفق عليها    حزب الله اللبناني يستهدف لواء إسرائيليا في الجولان السوري بسرب مسيرات    أنيلكا: على مبابي أن ينسى ذلك في مدريد    أتلتيكو مدريد يخطط لضم مهاجم السيتي    قاضي قضاة ماليزيا يشيد بالخبرات المصرية في المجال القضائي    انهيار عقار بالكامل في ميت غمر بالدقهلية    4 يونيو 2024.. البورصة ترتفع اليوم    إغلاق متحف الفن الحديث اليوم.. لهذا السبب    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    عيد الأضحى 2024| الدعاء الذي يقوله المُضَحي عند ذبح أضحيته    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    مجلس النواب يستقبل وفد جمعية الصداقة المصرية التايلندية    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    رئيس بعثة الحج: غرفة عمليات القرعة تعمل لتقديم خدمة شاملة لضيوف الرحمن    نائب رئيس مجلس السيادة السوداني يزور روسيا لإجراء محادثات    أسعار النفط تعمق خسائرها مع مخاوف المستثمرين من زيادة المعروض    دخل مجال الفن بعمر 5 سنوات.. محطات في حياة إيهاب فهمي    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة المنصورة الجديدة وجامعة إيفانستي الفرنسية    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    دعاء رؤية هلال شهر ذي الحجة.. أحب الأيام إلى الله    مهاجم الأهلي السابق: الزمالك خارج المنافسة على الدوري    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    غداء اليوم.. طريقة تحضير البامية باللحمة    اختلال عجلة القيادة.. تفاصيل إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالجيزة    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق.. صور    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة وأفضل الأدعية    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    رئيس الدوما الروسي: وقف إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه إنهاء الصراع    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى البدء كانت «الأسرلة»
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 03 - 2009

هنرى كيسنجر اعتاد أن يقول: «لماذا ليس ثمة فى إسرائيل سياسة خارجية، بل فقط مجرد سياسة داخلية؟»
وربما عثر الآن على جواب لسؤاله، بعد سلسلة التطورات التى بدأت العام 2007 مع نشر كتاب البروفيسورين الأمريكيين ميرشايمر ووالت المجلجل «اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية الأمريكية»، وأيضا مع الاستقالة قبل أيام لتشارلز فريمان من منصبه كرئيس لمجلس الاستخبارات الوطنى الأمريكى.
فكلا الكتاب والاستقالة أطلقا رسالة واحدة: «ليس هناك سياسة أمريكية فى الشرق الأوسط. إنما فقط سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة فى المنطقة».
وهكذا تنغلق الدائرة وتنفك الطلاسم: فالسياسة الخارجية الإسرائيلية ليست غائبة، بل هى تنفّذ على يد واشنطن. والسياسة الأمريكية بحلتها الإسرائيلية حاضرة؛ لأن هذه هى نفسها السياسة الداخلية الإسرائيلية. أو هذا على الأقل ما أوضحه فريمان فى استقالته، وما كشف عنه بروفيسورا العلوم السياسية والعلاقات الدولية فى كتابهما.
فالأول اتهم أعضاء اللوبى الإسرائيلى بأنهم «مجردون من الأخلاق، وحاولوا تدميرى عبر تشويه سمعتى. كما أنهم مصممون على منع أىة وجهة نظر غير وجهة نظرهم حيال الشرق الأوسط».
أضاف: «إن هدف هذا اللوبى هو السيطرة على العملية السياسية الأمريكية، عبر ممارسة الفيتو على تعيين أى شخص يعارض وجهات نظره. وهذا ما أسفر عن منع أية نقاشات للخيارات الأمريكية حيال الشرق الأوسط لا تتلاءم مع أهداف الطبقة الحاكمة فى إسرائيل».
والآخران، ميرشايمر ووالت، أثبتا بالوقائع والأرقام أن اللوبى الإسرائيلى، الذى عرّفاه بأنه «تحالف فضفاض من الأفراد والمنظمات يسعى بدأب ونشاط لتوجيه السياسة الأمريكية فى اتجاه مؤيد لإسرائيل»، يتسبّب «بجرائم ضد الفلسطينيين وأيضا بتسعير العداوات ضد سوريا وإيران»، كما أن هذا اللوبى «هو السبب الرئيس الذى يدفع الولايات المتحدة إلى وضع أمنها جانبا بهدف تعزيز مصالح دولة أخرى (إسرائيل)، وبأن السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط تتحرك أساسا بدفع من السياسات الداخلية الأمريكية خاصة من جانب اللوبى الإسرائيلى».
ويوضح الكاتبان أن «نواة هذا اللوبى هم يهود أمريكيون يبذلون بشكل يومى جهودا مهمة للّى ذراع السياسة الأمريكية كى تتلاءم مع مصالح إسرائيل. لكن، ليس كل اليهود أعضاء فى هذا اللوبى، ويهود أمريكا متباينون فى نظرتهم إلى هذا الأمر».
المؤلفان اتهما هذا اللوبى بأنه وراء كل الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط (خاصة حرب العراق)، وشدّدا على أنه «ليس ثمة لوبى آخر نجح فى حرف السياسة الأمريكى بعيدا عن المصالح الأمريكية كاللوبى الإسرائيلى ، فيما كان هو ينجح باقناع الأمريكيين بأن المصالح الإسرائيلية والأمريكية متطابقة».
هذه التطورات تعتبر إلى هذا الحد أو ذاك انتصارا لمدرسة على أخرى فى المنطقة العربية.
فكما هو معروف، سادت العالم العربى طيلة حقبة الصراع العربى الإسرائيلى منذ 60 سنة، نظريتان متنازعتان حول أسباب الدعم الأمريكى المطلق للدولة العبرية.
النظرية الأولى التى تتحدث عن سيطرة اللوبى اليهودى على المفاصل الرئيسة للقرار الأمريكى، بدت لوهلة وكأنها تتضمن إدانة قوية ل» الاستسلام الأمريكى» لليهود، لكنها كانت فى الواقع اعتذارية وتبريرية إلى حد كبير، لأنها تبرئ واشنطن من كل سياساتها الخاطئة فى الشرق الأوسط وتلقيها على عاتق هذا اللوبى. وبالتالى، فهى لم تكن تدعو إلى مجابهة أمريكا، بل تحث على العمل للحد من نفوذ اللوبى اليهودى فيها.
النظرية الثانية لم تر فى إسرائيل أكثر من أداة فى يد الإمبريالية الأمريكية، كما كانت من قبل أداة فى يد الإمبريالية البريطانية. اليهود هنا، سواء فى أمريكا أو إسرائيل، ليسوا أكثر من ملحق فى كتاب التاريخ الاستعمارى الغربى فى الشرق الأوسط.
ثم برزت لاحقا نظرية ثالثة، لكنها هذه المرة ليست من تأليف وإخراج العرب، بل من وضع واحد من أبرز الباحثين الأمريكيين: وولتر رسل ميد. بيد أن العديد من المثقفين العرب تبناها.
تقول هذه المقاربة، التى نشرتها «فورين أفيرز» فى عدد يوليو أغسطس 2008، أن الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل ليس ناجما عن قوة اللوبى اليهودى، ولا حتى عن المصالح الإمبراطورية الأمريكية، بل عن الدعم الشعبى الحقيقى الأمريكى للدولة العبرية.
ويورد رسل ميد ما يعتبره الأدلة التالية على ذلك: دعم «الجوييم» (غير اليهود) الأمريكيين لإسرائيل هو واحد من أهم العوامل السياسية الفاعلة فى السياسة الخارجية الأمريكية منذ نصف قرن وحتى الآن. وهذا حدث على رغم تقلّص حجم اليهود الديمغرافى من 8،3 بالمائة العام 1948 إلى 8،1 فى المائة الآن.
منذ بداية القرن التاسع عشر، برز خطان صهيونيان بين الأمريكيين غير اليهود، كلاهما يدعو إلى إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين: الأول ضم «الأصوليين النبوئيين» الذين رأوا فى عودة اليهود إلى أرض الميعاد ترجمة حرفية لنبوءة الكتاب المقدس حول ظهور المسيح ونهاية العالم. والثانى تمثل فى «الصهيونيين التقدميين» المسيحيين منهم والعلمانيين، الذين وقفوا ضد اضطهاد اليهود والأقليات المسيحية فى كل العالم.
أى نقاش لمواقف الولايات المتحدة فى دعم إسرائيل يجب أن يبدأ وينتهى من الكتاب المقدس بشطريه العهد القديم والعهد الجديد.
شعور الولايات المتحدة بهويتها الخاصة ومهمتها فى العالم، تشكّلت من قراءتها للتاريخ والفكر العبريين. وهى تعتبر نفسها «إسرائيل الجديدة» التى تشبه كليا تقريبا إسرائيل القديمة: فهى شعب الله المختار. وهى مثل العبرانيين تألفت من مستوطنين يقاتلون سكانا أصليين غير متطورين. وهى كانت حتى القرن التاسع عشر معزولة ومحاصرة مثل إسرائيل التوراتية.
ما يود رسل ميد قوله واضح: إسرائيل جزء من الهوية الامريكية نفسها. وهذا أمر ثابت لن يتغّير، على رغم كل المطالبات بسياسة أمريكية أكثر توازنا فى الشرق الأوسط، لأن هذا ما تريده غالبية الأمريكيين.
إذا ما كانت مقاربة رسل ميد صحيحة، فهذا يعنى أن سيطرة اللوبى اليهودى على السياسة الأمريكية فى الشرق الاوسط ليست صحيحة فقط بل هى «بديهية» أيضا.
وعلى أى حال، سجل العلاقات الأمريكية اليهودية واضح فى هذا الاتجاه، منذ عصر الرئيس ويلسون الذى ضم بعد الحرب العالمية الأولى وعد بلفور لليهود إلى ميثاقه الشهير حول حق تقرير المصير، إلى الرئيس روزفلت الذى «نسى» خلال الحرب العالمية الثانية وعده بالتشاور مع العرب قبل تقرير مصير فلسطين، وانتهاء بالرئيس ترومان الذى كان يجهز نصف مليون جندى لدعم الحركة الصهيونية فيما لو عجزت عن حسم موازين القوى العسكرية فى فلسطين لصالحها.
والآن، هذا السجل «الامريكى اليهودى» أصبح سجلا «أمريكيا إسرائيليا» تتخذ فيه القرارات فى تل أبيب وتنفّذ فى واشنطن، كما تدل على ذلك دحرجة رأس فريمان الناقد للسياسات الإسرائيلية، وكما تدل عليه أيضا معظم التعيينات فى إدارة أوباما الجديدة.
لقد قيل إن الرئيس أوباما خسر المعركة مع اللوبى الإسرائيلى حين لم يستطع الدفاع عن ليبرمان حين كان هذا الأخير يتعرّض إلى «ليلة السكاكين» الإسرائيلية فى واشنطن. وهذا صحيح بالطبع. لكن هذه الصحة لا تغفل حقيقة أخرى: ليبرمان القومى الامريكى كان محتما أن يسقط، لأن من يحكم فى واشنطن هو «القومية الإسرائيلية». وهذا منذ أمد طويل أيضا.
لقد حظى كيسنجر على الأرجح الآن بالإجابة عن سؤاله المؤرق. بقى أن يأرق ويعرق العرب قليلا الآن بحثا عن وسيلة أخرى لجعل أمريكا تدفع أثمان «أسرلة» سياساتها على هذا النحو فى الشرق الاوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.