أخيرا بدأ العالم وكأنه قد استرد وعيه بالشعر، وكأنه صار الخيار الأبقى فى مواجهة كل محاولات الإقصاء والتهميش والحصار المؤسسى والنقدى، أو حتى العسكرى، كما أكد الشاعر فتحى عبدالله فى كلمته لافتتاح الملتقى الأول لقصيدة النثر يوم الأحد الماضى، وجاءت بعنوان «بيان ضد عسكرة الشعر»، معتبرا الملتقى «نوعا من الاحتجاج المدنى السلمى على ما وصفه بعسكرة الشعر والثقافة معا، ومتهما القائمين على المؤتمر الرسمى الذى عقد بالمجلس الأعلى للثقافة (15-18 مارس) بعنوان «ملتقى القاهرة الدولى الثانى للشعر العربى»، بالاعتماد على الولاء والمساندة والجماعات اليمينية حتى يحصلوا على المكاسب كاملة دون منافسة أو توزيع عادل، ودون الاحتكام إلى مفهوم القيمة فى الاختيار. فقد حاول ملتقى قصيدة النثر منذ دورته الأولى، إثبات قدرة الشعر وحده على الإنجاز والنجاح، فهو وحده (الشعر) مما دفع شعراء ومبدعين من مختلف أنحاء الدول العربية يعانون تهميشا موازيا أن يتحملوا نفقات سفرهم وأعبائه من أجل قصيدة يلقونها وأخرى يستمعون إليها، فى مقابل تجاهل آخرين لمؤتمرات وملتقيات تدعمهم ماديا ومعنويا، وترعاها مؤسسات رسمية بميزانيات ضخمة. جاءت بيانات الملتقى جامعة لكل ما أثير حوله من جدل وتساؤلات واتهامات أيضا، خاصة كلمة الشاعر «محمود قرنى» التى بدت فى صورة بيان تأسيسى لكنه فى ذات الوقت يتصالح مع مختلف التيارات الشعرية، خاصة الذين لم يتم دعوتهم للملتقى مثل شعراء السبعينيات وشعراء العامية. فقد أوضح «قرنى» فى كلمته أن التحقق الباذخ للفئة الأولى هو ما حال دون تقديمهم فى ملتقى يعنى بتقديم أصوات جديدة ربما تواجه جمهور الشعر للمرة الأولى؛ أما الفئة الثانية فقد اعتبر الشاعر أن قضيتهم أكبر بكثير من أن تتبناها القدرات المحدودة للملتقى، على أن يشاركوهم دعم أى عمل إيجابى يضع هذه القضية فى بؤرة الاهتمام. وشدد «قرنى» على رفضه اختزال الملتقى فيما وصفه بردة فعل غامضة وعشوائية على الملتقى الرسمى بالمجلس الأعلى للثقافة، رغم اعترافه بأنه فى جانب منه رد على من وصفهم بشرطيى الشعر وحاملى عصاه. كما اعترف بالصراعات الداخلية التى شابت أعمال اللجنة التحضيرية للملتقى، وتوقع الكثيرون أن تعرقل نجاحه، موضحا أن أعضاءها لم يكونوا جميعا كلا واحدا. وفى البيان الختامى الذى قرأه الشاعر «فارس خضر» حاول القائمون على الملتقى تجاوز بعض الانتقاضات التى وجهت إليهم، وأهمها استبعاد بعض الأجيال الشعرية، وارتباك بعض الأبحاث النقدية المقدمة فى الجلسات، إذ تقرر انفتاح ملتقى قصيدة النثر على مختلف الأجيال الشعرية التى تكتب هذه القصيدة، وتشكيل لجنة تحضيرية تضم إلى جانب الأسماء المؤسسة عددا من الشعراء والنقاد العرب الذين قبلوا الحضور، فضلا عن إطلاق مؤسسة أهلية لرعاية التيارات الشعرية الجديدة تحت اسم بيت الشعر العربى، وإطلاق جائزتين الأولى للعمل الشعرى الأول لأحد الشعراء الشباب والثانية لأفضل بحث نقدى لقصيدة النثر. كما تقرر مد فترة انعقاد المؤتمر فى دورته القادمة لتصير أربعة أيام بدلا من ثلاثة، مع وضع معايير أكثر دقة للمحور النقدى من خلال لجنة علمية مسئولة. وفى ختام البيان دعا القائمون على الملتقى جميع مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالعمل الثقافى لدعم الملتقى وفاعلياته فى الدورات القادمة، على أن يكون دعما غير مشروط، نابعا من إيمان تلك المؤسسات بأهمية ما وصفوه بالتجارب الطليعية فى الأدب المعاصر.