اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الشروق) تواصل القراءة في ملف أفغانستان في قبضة طالبان
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 10 - 2009

قام ديفيد رود بتغطية الحرب الأمريكية البريطانية على لمدة سبعة أعوام وفاز رود هو وبقية فريق نيويورك تايمز الذى يغطى باكستان وأفغانستان بجائزة بوليتزر تغطيتهم أحداث هذه المنطقة المضطربة العام الماضى، ولكنه أكد أنه لم ينجح فى اكتشاف طبيعة هذه المنطقة إلا عندما جرت عملية اختطافه حيث قال فى مذكراته «على الرغم من قضاء سبعة أعوام من كتابة تقارير صحفية عن المنطقة لازلت لا أفهم بصورة كاملة مدى التطرف الذى وصل إليه الكثيرون من حركة طالبان فكنت أنظر إلى الحركة على أنها تابعه لتنظيم القاعدة، ولكن فى حقيقة الأمر إنهم كانوا يريدون أن يؤسسوا إمارة إسلامية أصولية مع تنظيم القاعدة وأن حكومة حركة طالبان التى يفترض أنه تم القضاء عليها عام 2001 بعد غزو أفغانستان لازالت باقية وتزدهر وأن منطقة القبائل، التى ينظر إليها على أنها منطقة فقيرة ومنعزلة، بها طرق وكهرباء وبنية تحتية تضاهى ما يوجد فى الكثير من أفغانستان».
الاختطاف
وتبدأ وقائع اختطاف رود عندما كان الصحفى الأمريكى يسعى لإجراء حوار مع قيادى فى طالبان.. وعندها عرض عليه صديقه الصحفى الأفغانى طاهر لودن إجراء حوار مع قيادى طالبانى يدعى أبى طيب.
وبالفعل ذهب ديفيد رود وطاهر وسائقهم أسد مانجال فى سيارة فجأة شعرت بالسيارة تنحرف يمينا وتقف. واتجه مسلحان اثنان ناحية سيارتنا وقالا أوامر بلغة الباشتو، وفتحا أبواب السيارة وطلبا من طاهر وأسعد التحرك إلى المقعد الخلفى. وصرخ طاهر فى الرجلين بلغة الباشتو وقاد أحدهم وصاح المسلح الجالس على مقعد المسافر بمزيد من الأوامر. أخبرنى طاهر أنهم يريدون هواتفنا الجوالة ومتعلقاتنا الأخرى قلت لطاهر أخبره أننا صحفيان، وأننا هنا لإجراء مقابلة مع أبى الطيب.
قال طاهر إننا فى طريقنا لإجراء حوار مع أبى الطيب، وجاء الرد ساخرا من أحد المهاجمين «من هو أبوالطيب؟ أنا لا أعرف أحدا بهذا الاسم. فأنا القائد هنا».
وأخذونا إلى مكان ما، واقتادنا رجل بدين يرتدى الباتو وهو شال معروف لدى الأفغان، وقال الرجل: «أنا قائد فى حركة طالبان، واسمى هو الملا عتيق الله». وأبقى علينا كرهائن داخل أفغانستان لمدة أسبوع، وبعد ذلك نقلنا إلى منطقة القبائل الباكستانية.
عتيق الله
ويعمل عتيق الله مع سراج الدين حقانى، وهو قائد أحد أكثر الفصائل تشددا فى حركة طالبان. ومن خلال قيام طاهر بالترجمة: «قلت لهم إننى تلقيت دعوة من إقليم لوجار لإجراء مقابلة مع أبى الطيب القائد فى طالبان. وقلت أيضا إننى عملت كمراسل ل«النيويورك تايمز» وتحدثت معهم عن المقالات التى كتبتها خلال حرب البوسنة وأخبرته أن الصرب الأرثوذوكس اعتقلونى هناك بعد أن نشرت المذابح التى تعرض لها المسلمون هناك».
لم تفلح تلك المحاولات فى التأثير فى عتيق الله وسلمنى ورقة وقلما اللذين أخدهما منى المسلحون وأمرنى بأن أبدأ بالكتابة. وقال لى إن الجنود الأمريكيين دأبوا على إهانة الرجال والنساء الأفغان، وقد أجبروا النساء على الوقوف أمامهن دون البراقع، وفتشوا المنازل دون إذن من أحد، وأجبروا الرجال الأفغان على الرقود على الأرض ووجوههم فى التراب ووضعوا أحذيتهم على رءوسهم ليمرغوا وجوههم فى الوحل. وكان واضحا أن عتيق الله ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها محتل حاقد.
وتعهد من يقومون بحراستى بأن يتبعوا تعاليم الإسلام التى تلزم بمعاملة السجناء بصورة جيدة.
التقط عتيق الله بعد ذلك أحد هواتفنا المحمولة قائلا: إنه يرغب فى إجراء مكالمة مع مكتب «النيويورك تايمز» فى كابول. وسلمنى الهاتف كان على الطرف الآخر كارلوتا مدير مكتب كابل وقلت له إننا أخذنا كرهائن لدى طالبان.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى منزل صغير قذر قضينا فيه النهار فى غرفة واحدة مع ثلاثة من الحراس وكان اتساع الحجرة نحو 20 قدما فى 20 قدما كان الأثاث الوحيد بها سجادة على الأرض وأكثر من عشرة بطاطين.
دخول باكستان
ثم قال عتيق الله يجب أن نتحرك لأسباب أمنية.. وبدء التحرك نحو وزيرستان.. وبينما نشق طريقنا عبر الممرات الجبلية المنحدرة سأل عتيق الله عن أسماء ومهنة والدى وإخوتى وأخبرته الحقيقة واعتقدت بأن بمقدوره الوصول بسهولة إلى أقاربى عبر الإنترنت. قلت له إن والدى بائع وثائق تأمين متقاعد وأن أحد إخوتى يعمل لدى شركة استشارات طيران، وأخ غير شقيق يعمل فى بنك. واعتقدت بأن إخباره بالحقيقة كان السبيل الأمثل للمساعدة فى إقناعه بأننى صحفى ولست جاسوسا.
ثم وصلنا إلى منطقة القبائل الباكستانية، وهى منطقة منعزلة تسيطر عليها حركة طالبان. أصبحنا داخل الإمارة الإسلامية، وهى الدولة الأصولية التى كانت موجودة فى أفغانستان قبل غزوها عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة.
لقد أزهقت الآلاف من الأرواح الأفغانية والباكستانية والأمريكية وصرفت المليارات فى صورة مساعدات أمريكية، ولم تتم إزالة الدولة الأصولية، ولكنها انتقلت فقط إلى منطقة على بعد عدة أميال ناحية الشرق.
فكرت فى زوجتى وعائلتى، فعندما يعرفون أننا فى منطقة القبائل سوف يزداد حزنهم ويظنون أنى لن أعود.
وصلنا إلى جنوب وزيرستان، وهى المنطقة الأكثر راديكالية ضمن المناطق الإدارية السبع التى تشكل منطقة القبائل. توقفنا عند السوق الرئيسية، وتركت وحدى داخل السيارة مع السائق الشاب.
وكان يتحرك خارج السيارة العشرات من القبليين الباكستانيين والأفغان والمسلحين الأجانب، وكل منهم فى يديه رشاش كلاشنيكوف معلق على كتفه، وله لحية طويلة كثيفة.
كنت أنظر إلى عتيق الله وأنا فى منطقة وزيرستان فى باكستان «المنطقة الجبلية الوعرة» على أنه المسئول عن حمايتى، وأنه الشخص الذى سوف يحافظ على معاملتنا بصورة حسنة فى الوقت الذى يطلب فيه مسلحون آخرون رءوسنا.
الحياة تحت تهديد السلاح
وفى اليوم الأول هناك ذهبتُ إلى الحمام وعدت لأجد طاهر وبه جرح فى أسفل ساقه، وبدا وكأن شخصا رسم خطا فى قدمه بلون أحمر قان. وكان مسلح من وزيرستان قد أخذ سكينا وحاول قطع جزء من ساق طاهر، قائلا إنه يريد أن يأكل لحما أفغانيا يعمل مع الغربيين، ولكن أوقفه أحد حراس عتيق الله.
وعلى مدار اليوم، كان يأتى مسلحون باكستانيون إلى المنزل لينظروا إلينا، وشعرت وكأننى حيوان فى حديقة حيوانات.
وقضيت باقى اليوم أكتب سريعا عددا من الأشياء كنت أريد أن أقولها لزوجتى كريستين التى تزوجتها قبل شهرين وطلبت أن أهاتفها. كنت أريد أن أبدد مخاوف عائلتى من أننى أتعرض للتعذيب. وطلب عتيق الله أن أخبرها أننا محتجزون فى ظروف صعبة داخل جبال أفغانستان.
حديث الفدية
وبعد ذلك طلب عتيق الله منى الاتصال بمكتب «نيويورك تايمز» فى كابول، ولكن بدلا من أن يطلبوا منى تقديم مطالب محددة، أمروا ثلاثتنا بالمبالغة فى معاناتنا حتى يطلبوا فدية ضخمة.
ثم اقتادنا عتيق الله إلى ميرام شاه وهى إحدى المناطق القبلية.
وخلال الليالى الكثيرة التالية زارنا الكثير من قيادات طالبان الذين يملؤهم الحقد تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل. يطلقون خلالها الانتقادات الساخرة التى استمرت طوال مدة أسرنا.
كانت بعض تعليقاتهم حقيقية، فقالوا إن القصف الجوى الأمريكى قتل عددا كبيرا من المدنيين فى أفغانستان والعراق وفلسطين. وتعرض السجناء المسلمون لانتهاكات جسدية وجنسية فى العراق، كما اعتقل العشرات فى كوبا وأفغانستان مدة سبع سنوات من دون توجيه تهم لهم.
وعندما أخبرتهم أننى مواطن مدنى برىء يجب أن يطلق سراحه، ردوا على بالقول إن الولايات المتحدة تحتجز وتعذب المسلمين فى السجون السرية لسنوات. وقال القادة إنهم تعرضوا للسجن وتجهل عائلاتهم مصائرهم. وتساءلوا.. إذن لماذا نعاملك معاملة كريمة؟
ثم انتقلنا إلى منزل آخر خلال ليلتنا الأولى هناك وعدنا القائد الطالبانى صاحب المنزل بإعلامنا كل ثلاثة أيام عن تطور المفاوضات بشأن إطلاق سراحنا، لكننا لم نره مرة أخرى لأشهر.
ثم بعد قرابة الشهر ونصف الشهر من اختطافى، وقبل أسابيع قليلة من الكريسماس، قال لنا الحراس إن عتيق الله اتصل بهم وأخبرهم أن الاتفاق بشأن صفقة لإطلاق سراحنا أصبح وشيكا. وقال إنه ينتظر موافقة من الرئيس الأفغانى، حامد قرضاى، الذى كان فى رحلة خارجية.
ثم انتقلنا إلى منزل آخر كان أشبه بسجن، وللمرة الأولى فى حياتى بدأت أصلى عدة مرات فى اليوم، ووجدت أن ذلك قد ثبتنى كثيرا.
شريط فيديو
ثم أخبرنا أحد حراسنا أنه يرغب فى تصوير شريط فيديو ليذهب فقط لعائلاتنا لكن ما طلب منا قوله جعلنى أعتقد أن الشريط سيذاع. وعندما صوب الجنود فوهات البنادق إلى رءوسنا طلبت من الرئيس بوش والرئيس المنتخب، باراك أوباما، تلبية مطالب طالبان. وقلت إذا لم تلبوا مطالب طالبان فسوف يقتلوننا، ثم قام طاهر بنفس التصريح.
قبل الكريسماس قال عتيق الله إنه قد أتى لتحريرى. ولكن فى اليوم نفسه وردت أنباء إلى عتيق الله بقيام الجيش الأمريكى بحملة عسكرية لاعتقال أبى الطيب فى صباح اليوم الذى كان يفترض أن نجرى معه فيه المقابلة.. صدمت لدى سماعى الأخبار وأخبرت عتيق الله بأننى لم أعلم شيئا بشأن العملية العسكرية.غير أن عتيق الله اتهمنى بأننى وموظفى «النيويورك «الآخرين جواسيس فى أفغانستان. وقال، وهو يبدو مقتنعا بأن «كل الصحفيين عملاء للاستخبارات».
وبدأت تروادنى الشكوك إذا ما كان عتيق الله يقوله وما كان يفعله. وخلال مناقشاتنا نحن الثلاثة عندما كان يغادر خاطفونا الغرفة همس لى طاهر وأسد بأن عتيق الله هو أبوالطيب، وأنهم كانوا يعلمون ذلك منذ أن اختطفوا لكنهم لم يجرؤوا على البوح بذلك. كما قالوا إن أبا الطيب أقسم أن يقطع رءوسهم إذا ما كشفوا هويته.
دعانا أبوالطيب لإجراء مقابلة ثم خاننا ثم تظاهر بعد ذلك بأنه قائد طالبانى يدعى عتيق الله.
أبوالطيب
أصبت فى حالة من الإحباط، وتأكدت قناعتى بشأن شىء واحد وهو أنه لا منقذ لنا من أيدى طالبان.
فى أواخر يناير، تم اقتيادنا إلى أحد التلال المغطاة بالجليد من أجل تصوير المشهد الأخير فى مقطع مصور، سيجرى توزيعه على وسائل الإعلام. وبدا عتيق الله عاقدا العزم على جعلنا نبدو وكأننا محتجزون فى جبال أفغانستان الوعرة، وليس داخل مدينة باكستانية تعج بالحركة.
أكدت هذه الرحلة الشكوك التى ساورتنى لسنوات عديدة أثناء عملى مراسلا صحفيا فى أفغانستان، وهى أن أعضاء شبكة (القائد الطالبانى جلال الدين) حقانى تولوا الإشراف على دولة صغيرة آخذة فى الاتساع تقودها «طالبان» فى المناطق القبلية (على الحدود بين أفغانستان وباكستان)، بتغاض ضمنى من قبل المؤسسة العسكرية الباكستانية.
والملاحظ أن أعضاء «طالبان» من الشباب الأفغانى والباكستانى يكنون احتراما بالغا تجاه المقاتلين الأجانب، الذين علموهم كيفية صنع العبوات الناسفة.
فى مطلع فبراير أخبرنا حراسنا بأنه تم إرسال شريط الفيديو المصور إلى وسائل إعلام أفغانية وأجنبية، لكن قناة «الجزيرة» فقط هى التى أذاعته. ولكنى قد سمعت قبل اختطافنا أن وسائل الإعلام الأفغانية والأجنبية أبرمت اتفاقا غير رسمى بعدم الإعلان عن حوادث اختطاف للصحفيين فى أفغانستان، إذا طلبت المنظمة التى يعمل لديها المختطفون ذلك. وانعقدت الآمال على أنه من خلال الإبقاء على أخبار حوادث الاختطاف بعيدا عن دائرة الضوء الإعلامى، ستتضاءل توقعات مدبرى عمليات الاختطاف بكسب دعاية واسعة النطاق، أو الحصول على فدية كبيرة مقابل الصحفيين.
وبعد رفض وسائل الإعلام عرض الشريط المصور، تم التفاوض بشأن فدية مع أسرتى وكانوا يطالبون بفدية قيمتها 7 ملايين دولار فى ذلك الوقت، وتلقيت وعدا من الخاطفين أن يتم التوصل إلى تسوية مع أسرتى.. لكن شيئا من هذا لم يحدث.
طالبان وأمريكا
وفى صباح أحد الأيام، بكى أحد مختطفينا لدى ورود أنباء حول شن قوات حلف «الناتو» ضربة جوية أسفرت عن مقتل نساء وأطفال فى جنوب أفغانستان. وشرح لى أحد الحراس أن زعيمهم يمقت الولايات المتحدة بسبب قتلاها من المدنيين.
وكان باديا أن الخاطفين ينظرون إلى وربما كانت تلك هى نظرتهم إلى جميع الغربيين باعتبارى فاسدا أخلاقيا، وانهم يظنون أن تركيزى ينحصر فى السعى وراء المتع الدنيوية.
وقالوا لى إن أمريكا غزت أفغانستان كى تزداد ثراء، وليس لمساعدة الأفغان. ورفض المختطفون التقارير الصحفية المنتشرة التى تقول إن حركة طالبان قامت بحرق عشرات المدارس التى بنيت أخيرا من أجل منع الفتيات من الحصول على التعليم.
وأبقى علينا خلال معظم فصل الشتاء داخل مبنى كانت الحكومة الباكستانية قد شيدته ليصبح مركزا صحيا، وقضى حراسنا أيامهم هناك يستمعون إلى الإذاعة ويصيحون بعبارة «الله أكبر» عندما يسمعون أخبارا عن مقتل جنود أمريكيين وأفغان.
وكان معظم هؤلاء الحراس رجال أفغان تترواح أعمارهم بين نهاية العشرينات وبدايات الثلاثينات، البعض منهم لاجئون نشئوا فى باكستان، وجميعهم حصل على مستوى محدود من التعليم داخل مدارس حكومية ومؤسسات دينية تعرف باسم «المدارس». والبعض منهم لم يتعد المراحل الأولى من التعليم العالى، ولم ير أى منهم بلدا غير أفغانستان وباكستان، ولجميعهم أقارب أو أصدقاء قتلوا على يد القوات السوفييتية أو الأمريكية.
حاولت أن أتعرف على أحد الحراس، وكان يستعد إلى أن يكون انتحاريا. كان شابا فى العشرينات من عمره وقال، إنه كان يدرس الهندسة فى مدرسة عليا، ولم يذهب إلى الجامعة لكنه كان ذا تعليم جيد نسبيا مقارنة بباقى المقاتلين.
وعندما سألته لماذا يريد أن يموت، قال إن الحياة فى هذا العالم عبء على أى مسلم حق. وأضاف أن الدار الآخرة هى بغيته وأن العلاقات الدنيوية مع والديه وأقاربه لا تهم.
فى مارس احتفوا بهجوم انتحارى فى مسجد داخل مدينة جامرود الباكستانية نجم عنه مقتل ما يصل إلى 50 مصليا وهم يؤدون الصلاة. وقال إن هؤلاء الذين يعيشون فى ظل الحكومة الباكستانية الملحدة يستحقون ذلك.
وكان الخاطفون قد نقلونا من ميرام شاه، عاصمة شمال وزيرستان، إلى مدينة نائية فى جنوب وزيرستان. وعلمتُ أننا كنا فى منطقة ماكين، معقل زعيم طالبان باكستان بيت الله محسود، حيث يوجد مقاتلون من الأوزبك والعرب والأفغان والباكستانيين.
وانتقدت حركة طالبان الهجمات التى تقوم بها الطائرات من دون طيار، وأعرب الآسرون عن كراهيتهم للرئيس باراك أوباما أكثر من الرئيس بوش. وانتقدوا إدارة أوباما لأنها زادت من الهجمات الصاروخية وقصف الطائرات بدون طيار فى منطقة القبائل الباكستانية ومن عدد القوات الأمريكية داخل أفغانستان.
وبدا أمامى أن هناك أزمة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، فالطائرات التى تعمل من دون طيار قتلت عددا كبيرا من القادة البارزين لطالبان وأعاقت عملياتهم، ومع ذلك كانت حركة طالبان قادرة على جذب متطوعين.
فى الوقت نفسه كان يتم الهجوم على مدنيين لا ذنب لهم واتهامهم بالعمل كجواسيس لأمريكا ويتم إعدامهم بعد ذلك. فقد سمعنا أن المسلحين الأجانب ألقوا القبض على رجل اعترف بأنه جاسوس وبعد انتزعوا أحشاءه وقطعوا رجله، وبعد ذلك ضربوا عنقه وعلق جسده فى متجر محلى كتحذير.
شتاء قاسٍ
وكان المنزل الذى أقمنا فيه داخل منطقة ماكين هو أسوأ منزل نقيم فيه داخل باكستان، حيث انتشرت فيه البراغيث وكان فناؤه به الكثير من القمامة. وكان الطقس فى ماكين أشد برودة من ميرام شاه، وتسببت الأمطار التى تسقط من حين لآخر ودرجات الحرارة القاسية فى أوضاع مزرية.
وكان الحراس يكلفوننى ببعض الأعمال اليومية الروتينية تشغل نصف يومى، وكانت تهدف هذه المهام للحط من قدرى حيث إنه طبقا لثقافة الباشتو يحظى الكبار بالتبجيل. وساعدتنى الأعمال اليومية على قضاء اليوم، حيث كنت أقوم بملء برميل المياه فى الحمام مرتين يوميا، وكنت أقوم بكنس الأرضيات عندما تتسخ. ونادرا ما كان يسمح لى بالخروج من المنزل، ووجدت أن عالمى يقتصر على مساحة ضيقة تقاس ببضعة أقدام مربعة.. وكان تركيزى يوميا هو البقاء.
وكان طاهر يعانى هو الآخر، وقال: «هذه ليست حياة.. أريد أن أموت».
وأصبحت مشاهدة شرائط جهادية مصورة هى أفضل ما يقضى فيه الحراس أوقاتهم. ولم تكن الأفلام التى يشاهدونها تقتصر على الصراع فى أفغانستان وباكستان فقط؛ بل كانت هناك أفلام للقتلى المدنيين سواء فى فلسطين، أو كشمير، أو العراق كى تعطى رسالة مفادها أن عددا كبيرا من المسلمين يتعرضون للذبح فى جميع أنحاء العالم.
وكنت أخشى أن تؤثر تلك الأفلام على سائقى أسد؛ فبعدما انتقلنا إلى ماكين كان قد أصبح أكثر لطفا مع الحراس وبدأ يحمل سلاح الكلاشينكوف وفى أواخر أبريل عززت زيارة مفاجئة قام القائد الذى كان قد اختطفنا آمالنا فى وجود مفاوضات تجرى بخصوص إطلاق سراحنا.
وقال أسد لى «لقد تأخرت أسرتك للغاية» وأدركت أنه لم يستطع الحصول على اتفاق كامل. فقد كانت زيارته هى خطوة أخرى ضمن جهوده للحصول على المال من أسرتى. وكان يرفض طوال الخمسة أشهر التى كنت مختطفا فيها أن يقلل من قيمة الفدية التى كانت تبلغ 5 ملايين دولار بالإضافة إلى مبادلتى بالسجناء. ثم أملى على بعض السطور الإضافية بهدوء وهو يجلس فى مقابلتى: «إذا لم تساعدونى، فسوف أموت». وأجبرنى على تصوير شريط فيديو آخر.
وخلال التصوير، كنت أتعمد أن أظهر أننى أقرأ من نص معد سلفا، وحاولت أن أبكى بطريقة مبالغ فيها حتى تدرك عائلتى أن ذلك ليس حقيقيا، وبعد ذلك وفى نفس الليلة، أعلن أبوالطيب أن الحكومة الأفغانية وافقت على تحرير 20 سجينا فى مقابل الإفراج عنا.
ولكن المشكلة أن عائلتى لم توافق على دفع الفدية التى كانت تبلغ 5 ملايين دولار.. فقلت له: «عائلتى لا تملك خمسة ملايين دولار».
ابتسم أبوالطيب وقال لى إننى «شخص مهم»، وأضاف أن أخى كان رئيسا للشركة التى تعمل فى تصنيع طائرات وبالتالى، فإذا استطاع أخى أن يبيع إحدى تلك الطائرات فسوف تحصل عائلتى على مبلغ الفدية. بدا واضحا من كلامه أنه حصل على معلوماته حول عائلتى من خلال شبكة الإنترنت. فقد كان أخى بالفعل رئيسا لشركة لاستشارات الطيران ولكنها شركة صغيرة تتكون من ستة أشخاص فقط ولا تصنع أى شىء.
وفى أواخر مايو أخذونا إلى ميرام شاه، حيث أخبرونا بوجود صفقة نهائية. وفى اليوم التالى قالوا إنه لم يكن هناك أى اتفاق.
الهروب
ولشهور عديدة، هى فترة الاختطاف، كان أبوالطيب يبالغ إلى حد كبير فى أهميتى؛ فقد زعم كذبا أن ريتشارد هولبروك الدبلوماسى الأمريكى حرر السجناء الصرب فى عام 1995 كى يتمكن من تحريرى فى البوسنة عندما اختطفت أثناء وجود هناك لإعداد تقرير حول جرائم الحرب ضد المسلمين. بل إنه كان يصر على أننى أحد الأصدقاء المقربين لهولبروك، الذى أصبح حاليا المبعوث الخاص لإدارة أوباما فى أفغانستان وباكستان.
وسجلت شريط فيديو آخر ورفضت أن تصوب أى أسلحة نحو رأسى، كما رفضت أن أبكى، وتحدثت أمام الكاميرا بهدوء وأكدت أن ثلاثتنا بأفضل حال.
ثم جاءت خطة الهروب فى يونيو، بعد سبعة أشهر و10 أيام فى ظل الأسر على أيدى طالبان.
قررنا الهروب أنا وطاهر وتركنا السائق بسبب خوفنا من أنه قد يفشى بسر الهروب.
قفزنا من شباك المرحاض عن طريق حبل كان موجودا داخل المنزل راودنى الخوف من أن يستيقظ الحراس الذين يحتجزوننا ويمنعونا من الهرب. ولكن ساورنى خوف أكبر من أن نقبع فى الأسر لسنوات.
وسرنا عبر زقاق ثم تحولنا إلى مجرى نهر جاف. وسألت طاهر بمجرد وصولنا إلى مجرى النهر الجاف: «إلى أين نتجه؟» أجاب طاهر: «هناك قاعدة تتبع الميليشيا هناك»، مشيرا باتجاه اليسار.
وكان أفضل فرصة أمامنا أن نسلم أنفسنا إلى ضابط عسكرى فى القاعدة الباكستانية فى ميرام شاه. وفجأة سمعت صياحا على يسارى وسمعت أحدهم يحشو بندقية الكلاشينكوف. رفع طاهر يده وقال شيئا بلغة الباشتو. ثم سمعت رجلا يلقى بالأوامر بلغة الباشتو بصوت عال. رفعت يدى وكان قلبى يخفق بشدة.
قال طاهر: «إذا تحركت سوف يطلقون الرصاص علينا». وأضاف «هذه هى القاعدة العسكرية». لقد استطعنا الوصول إلى الباكستانيين.
رفعت يدى عاليا فى الهواء ولم أجرؤ على أن أتحرك. فيمكن أن يردينا حارس باكستانى متوتر قتلى أثناء وقوفنا فى الطريق.
قلت لطاهر وأنا أفكر فى أن الحراس الباكستانيين ربما تكون لديهم مخاوف من أن نكون انتحاريين نرتدى صدريات محملة بالمتفجرات: «أخبرهم أننا سوف نخلع قمصاننا». فقال طاهر: «اخلع قميصك»، وقد فعلت ذلك على الفور. ثم قال طاهر: «إنه يسأل إذا كنت أمريكيا».فقلت بالإنجليزية: «أنا صحفى أمريكى». وقد فوجئت بوقع صوتى فى الهواء الطلق. ثم أضفت: «من فضلكم ساعدونا». ثم قال طاهر: «إنهم يتكلمون إلى قائدهم على اللاسلكى. فهم يطلبون تصريحا بدخولنا».
بعد ذلك بقليل، وصل ضابط باكستانى وطلب منى طاهر أن أقف. وقف الضابط على مبعدة عدة أقدام منا وعلى الجهة الأخرى من السلك الشائك. ثم تحدث إلى طاهر بنبرة بدت لى مطمئنة.
شكرت الضابط بلغة الباشتو وباللغة الأردية وبالإنجليزية فقد كنت أحاول يائسا كسب ثقته. فقال الضابط بالإنجليزية: «كيف حالك؟». فأجبت: «كيف حالك أنت؟» فى محاولة لتأكيد هويتى الأمريكية.
وقد أدهشنى دماثة خلق الحراس الباكستانيين، فكنت أستمتع بالحنو الذى يمكن أن تحصل عليه من الغرباء. فلأول مرة منذ عدة أشهر لم أكن أشعر بالعداء. وقام طبيب بتنظيف الجروح الموجودة فى قدم طاهر وتضميدها وكذلك الموجودة فى يدى.
بعد أن عدت إلى نيويورك علمت أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص كانوا يعملون على تحريرى بما فى ذلك أسرتى وزملائى ومسئولون حكوميون ومستشارون أمنيون واكتشفت أن خاطفى قد اختلق عددا كبيرا من القصص وكانت جميع المعلومات التى أخبرنى بها عن المفاوضات كانت مفبركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.