يشهد تاريخ الصحافة المصرية بمكانة خاصة للمراسل الصحفي العسكري. فعددمن أهم صناع الصحافة في مصر بدأوا حياتهم المهنية علي جبهات القتال ومن أبرز الاسماء في هذا المضمار الكاتبان والصحفيين البارزان محمد حسنين هيكل وجمال الغيطاني, وأدت حالة السلم التي تحياها مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلي انهاء فكرة المراسل العسكري خاصة في ظل غياب المحررين المصريين عن ساحات القتال في العراق وافغانستان وغيرها من الدول التي صارت قبلة للمحررين الصحفيين المهتمين بحكايات الحرب. الا ان المطابع تشهد سنويا ومنذ عام2004 عشرات الكتب التي خطها محررون ومصورون صحفيون جعلوا من تلك الدول قبلتهم, يرصدون ويسجلون وقائع الحرب ويوميات الشعوب المحاصرة, في محاولة لتقديم صورة مغايرة لما تسعي لترسيخه الحكومات سواء تلك التي تنتمي إليها الجيوش المحتلة, أو حكومات الدول التي اختارت التعاون مع المحتلين في قهر شعوبهم. هذا الهدف تحديدا هو ما دفع الصحفي الامريكي المستقل ديفيد رودDavidrohde إلي التجول بين افغانستانوباكستان لسنوات راسل فيها صحفا أمريكية عدة ابرزها النيويورك تايمز بيوميات الحرب من خلال عيون سكان البلدين ثم خرج منها بكتابه حبل وصلاةAropeandaprayer والذي يحكي فيه قصة سبعة أشهر قضاها محتجزا من قبل جماعة طالبان علي الحدود بين البلدين. وذلك بعد نشره لفصول الكتاب علي عدة حلقات في صحيفة النيويورك تايمز. تبدأ فصول الكتاب بتكليف ديفيد رود بعد اجازة قصيرة في الولاياتالمتحدة بعمل تغطية صحفية في المنطقة الحدودية المتوترة بين باكستانوافغانستان حيث تضعف قبضة الحكومتين نتيجة للتركيبة الجيولوجية المعقدة لجبال وكهوف تلك المنطقة التي تتعاظم فيها قبضة طالبان, يعود ديفيد رود إلي تلك المنطقة الملتهبة, أملا في أن يخرج بقصص صحفية متميزة أبطالها أعضاء جماعة طالبان, والسكان العزل لتلك المنطقة إلا ان ديفيد رود وجد نفسه بعد أيام قلائل سجينا في صحبة مقاتلي طالبان, ينتقل قسرا بصحبة المقاتلين بين البلدين بينما تجري زوجته شريكته في كتابة الكتاب مفاوضات لاطلاق سراحه. هذه النظرة الشخصية التي تبدو للوهلة الأولي ضيقة التي ينطلق منها الكتاب بتبادل الحكي بين رود وزوجته لم تمنع الكاتب من الخروج بالقصة الصحفية التي أرادها وسافر من أجلها, فقد استغل الصحفي الاسير صحبته لمقاتلي طالبان ليقترب منهم أكثر في محاولة لكسب ثقتهم ليكتب من خلال يومياته معهم قصة تلك المنطقة الوعرة وسكانها الذين يتعاونون مع طالبان بشكل أو بآخر. لا يصم ديفيد رود في كتابه هؤلاء المقاتلين والمتعاونين معهم فهو يلفت إلي كون تلك المنطقة الجغرافية الموحشة مهملة تماما من قبل السلطات في البلدين ومهملة من قبل المجتمع الدولي ككل, يحيا سكانها تحت ظروف انسانية صعبة ولا يجدون من يمد إليهم يد العون. هذا الرصد الذي يقوم به الفائز بجائزة البوليتزر( ارفع الجوائز الصحفية في الولاياتالمتحدة) مكنه من اجراء مقابلة مهمة مع أحد قادة طالبان في محاولة منه لكشف حقيقة ما تنقله وسائل الاعلام الامريكية ورغبة في التعرف علي حقيقة هذه الجماعة التي تصورها الادارة الامريكية كمجموعة من الوحوش منزوعة الانسانية. هذه النظرة المختلفة لرود وسعيه لكشف حقيقة ما تدعيه حكومته كان هو السبب في وقوعه في الاسر حين تبين ان موافقة القائد العسكري والديني لحركة طالبان لم تكن سوي فخ للايقاع به والتفاوض عليه, الا انه عبر الاسر تمكن من انجاز مهمته. ينقل الكتاب وقائع شخصية شديدة الحميمية في محاولات الزوجة( مصورة صحفية) للتفاوض لاطلاق سراح زوجها في الوقت الذي تواصل فيه عملها في احدي مجلات الازياء الشهيرة راصدة التناقض بين عملها الذي يعتمد علي تغذية الرفاهية وواقع حياتها الذي يحيا فيه زوجها اسيرا في احد الكهوف المعزولة عن العالم المتحضر وفقا لرؤيتها. الا أن الفصول التي كتبها ديفيد رود تحاول معادلة هذه النظرة الشخصية التي غلفت بها كتابة زوجته لينقل صورة واضحة لحياة مقاتلي طالبان في تلك البقعة المنعزلة. مقدما مبررات يمكن فهمها لانخراط هذه المنطقة في عنف يقوده عدة الاف من المقاتلين ضد جيوش خمس دول علي الأقل مازالت موجودة في افغانستان. راصدا جرائم ارتكبتها الولاياتالمتحدة في حق شعوب تلك المنطقة منذ توطينها لهؤلاء المقاتلين ودعمهم خلال الحرب الباردة, مرورا بدعمها لانقلاب اطاحت بالاستقرار في البلدين( افغانستانوباكستان) انتهاء بحربها علي الارهاب التي ساقت مواطني البلدين إلي الموت والمعاناة التي لم تنته حتي الآن. كما يكشف عن الممارسات التي يقوم بها النظام الباكستاني الحليف للولايات المتحدة ضد سكان هذه المناطق وحرمانهم من الخدمات الاساسية مما يقذف بهم إلي احضان الجماعات المتشددة التي توجه ضربات لهذا النظام. كما يقدم الكتاب جوانب لم يكشف عنها من قبل لحياة مقاتلي طالبان والدورات العسكرية التدريبية التي يخوضونها علي ايدي قادتهم المدربين علي يد العسكريين الامريكيين وعسكريين آخرين من الدول التي تعاونت مع الولاياتالمتحدة في تدريبهم خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتجدة والاتحاد السوفيتي السابق.