مازال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل قادرا علي اثارة المعارك الصحفية والسياسية، ومازال أيضا قادرا علي البقاءفي الساحة الإعلامية كظاهرة صحفية ربما كانت غيرقابلة للتكرار. ومعركة هيكل الجديدة بدأت في قناة الجزيرة القطرية عندما تحدث هيكل عن الأسرة المالكة الأردنية وأثار عاصفة من الاعتراضات والهجوم المتواصل عليه من الصحافة الأردنية. وكانت أبرز النقاط التي أثارت الاحتجاجات هي ما قاله عن الملك الراحل الحسين بن طلال من أنه أجري لقاءات سرية مع الاسرائيليين قبل حرب 1967 وكانت علاقاته بالإسرائيليين وثيقة جدا، وأن الملك حسين كان يتقاضي راتبا شهريا من الاستخبارات الأمريكية. وقوله كذلك أن تقلب مواقف الملك حسين من القضايا العربية خاصة في وقت الأزمات يرجع إلي العقد النفسية والتاريخية التي ورثها وأن هذه العقد أثرت عليه بشكل بالغ وجعلته معبأ بأحقاد وكراهية تجاه الدول العربية المحيطة، بل وجعلته أكثر جنوحا إلي أعداء الأمة بدءا من انجلترا مرورا بأمريكا وصولا إلي إسرائيل. والاستياء الأردني من حديث هيكل كان كبيرا وشنت عليه الصحافة الأردنية هجوما لا مثيل له واتهمته بالعمل علي تزوير التاريخ وقلب الحقائق من خلال تشويه صورة المملكة عبر التاريخ، مشيرة في ذلك إلي أن هيكل قدم رؤية غير موضوعية لا تستند إلي أدلة عملية. ولم تنس الصحافة الأردنية وبعض النواب أن يطالبوا الحكومة المصرية بالتحقيق أيضا مع هيكل في هذه الاساءات المتعمدة لملوك الأردن. ورغم أن ما قاله هيكل قد بث في قناة تليفزيونية قطرية تستخدمها قطر ببراعة لإيجاد دور لها في الساحة السياسية إلا أن قطر لم تتلق هجوما مماثلا من الصحافة الأردنية بقدر ما انصب الهجوم علي هيكل وحده، ورغم أن هناك من الأسباب ما يجعل قطر ضالعة في توقيت إذاعة هذه الحلقات وفي الهدف منها. ففي قطر يشعرون بالغضب من عدم حضور قمة المصالحة العربية التي عقدت في السعودية ويعتبرون ذلك بالطبع تقليلا من قيمة وأهمية قطر، وهم كذلك يريدون أن يكونوا دائما في بؤرة صناعة الأحداث غير بعيدين عنها. وبعيدا عن الاستياء الأردني من اتهامات هيكل فإن السؤال الذي يتردد حاليا هو كيف أمكن لهيكل أن يمتلك كل هذه الوثائق وأن يحتفظ بها ومن الذي يمده بالوثائق التي قد لا توجد في حوزة أحد آخر غيره وهو السؤال الذي طرحه أحد أعضاء الحزب الوطني البارزين مطالبا الحكومة بالتحقيق في ذلك. والواقع أن الوثائق التي تتعلق بالعائلة المالكة الأردنية لم يحصل عليها هيكل من داخل مصر أو من خلال موقعه كرئيس سابق لتحرير الأهرام أو من خلال قربه من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حيث مكنه ذلك من الاطلاع والحصول علي الكثير من الوثائق خلال هذه المرحلة احتفظ بها هيكل طيلة كل السنوات. فالوثائق التي استند إليها هيكل ربما جاءت من خلال مجموعة الوثائق والمستندات التي حصل عليها من الشيخ عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني السابق الذي كان قد أمد هيكل بها عندما طلب منه كتابة مقدمة كتابه الشهير الذي ظهر قبل وفاته بعنوان "الملك عبدالعزيز.. دراسة وثائقية". والصحافة الأردنية تقول إن هذه الوثائق استولي عليها هيكل علي سبيل الأمانة وأساء استخدامها فيما بعد. وأيا ما يكن فإن الكشف عن هذه الوثائق الآن لا يخدم قضية ولا يحقق هدفا أو قيمة اعلامية لأنه لن يؤدي إلا إلي زيادة مساحة الاختلاف والصراعات العربية ويعمق من حالة الانقسام العربي السائد الآن في وقت يبحث فيه الجميع عن المصالحة وتجاوز صفحة الماضي. ولكن هيكل بالنزعة الصحفية الكامنة داخله لا يمكن أن يقاوم إغراء أية وثائق أو أوراق فيها الكثير من المعلومات والاثارة الكفيلة بأن تجعل منه نجما متوهجا مهما طال الزمن وإثارة ضجة بين الحين والآخر، ولكنها قد تكلفه كثيرا هذه المرة! Sayedelbably @ htmail.com