الخشت: حققنا قفزة كبيرة بتصنيف "كيو إس" بالتقدم 200 مركز خلال عامين بنسبة تطور 40%    الحكومة الجديدة، جمعة وشاكر وشكري والملا أكثر الوزراء المعمرين في الحكومة    وزير التجارة يترأس لجنة الاختبارات للمتقدمين للعمل بوظيفة ملحق تجاري بالوزارة    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024 بأسواق الجمهورية    محافظة الجيزة: استقرار ضخ المياه بصورتها الطبيعية لمناطق حدائق الأهرام    وزير المالية: مصر تتخطى المتوسط العالمي في الشفافية المالية وإتاحة البيانات    الضرائب: عدم إصدار الفواتير الإلكترونية والإيصالات الالكترونية مخالفة للقانون    هيومن رايتس: إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض بجنوب لبنان    سراج الدين: لهذا السبب لم نحصل على قرض لبناء استاد الأهلي.. وموعد الكشف عن التصميم    يورو 2024، يويفا يستعرض تألق حراس المرمى في تاريخ البطولات    نتيجة الشهادة الإعدادية بسوهاج بنسبة نجاح 85.83%    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 12 مليون جنيه خلال 24 ساعة    «معلومات الوزراء» يسلط الضوء على مخاطر المعلومات الخاطئة والمضللة على العالم    الفنون التشكيلية يفتتح معرض "البصيرة" للفنانة ناهد إسماعيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 5-6-2024 في المنيا    وزير الصحة يطلق المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام ب 9 محافظات    الرقابة الصحية: 5 إصدارات جديدة لمعايير المستشفيات والخدمة الطبية لضمان جودتها    عبد الغفار يثمن تقرير الصحة العالمية عن أسباب نجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "تصفيات كأس العالم".. جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    الكشف عن موعد افتتاح الملعب الجديد للمصري البورسعيدي    صالح جمعة: كهربا أراد مغادرة الأهلي في يناير.. وإمام عاشور الأفضل    حمادة طلبة: الزمالك يحتاج صفقات سوبر.. وأرفض محاسبة جوميز بالقطعة    جامعة الجلالة تعقد ورشة عمل حول استثمار الإمكانيات التكنولوجية لتقليل الاستيراد    التربية الإيجابية أساس بناء الإنسان    جامعة باليرمو الإيطالية تقرر مقاطعة نظيراتها الإسرائيلية    صدمة وبكاء لطلاب الثانوية الأزهرية من امتحان الجبر والهندسة الفراغية.. فيديو    وفاة طفلة غرقاً في إحدى الترع أثناء اللعب ببورسعيد    تجديد حبس مسجل خطر ضبط بحوزته آر بى جى فى أطفيح بالجيزة 15 يوما    الجمعية الفلكية بجدة تكشف تفاصيل ميلاد ذى الحجة بالمملكة العربية السعودية    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى.. و"الاحتلال" يشدد إجراءاته فى القدس    ل رجل برج الجوزاء.. كيف يمكن أن تكون جوزائيًا وناجحًا؟    هالة خليل وفريق "كايروتا" فى معكم منى الشاذلى.. الجمعة    300 عرض مسرحي تقدموا للمشاركة بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    «كله فى القهاوى» فن وسياسة وأدب وقصص أخرى    عمر هلال: كتبت فوي فوي فوي فى 3 سنوات والفيلم كوميديا سوداء تعبر عن الواقع    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    تعرف على فضل العشر الأُوَل من ذي الحجة والأيام التي يُحرم فيها الصيام    ما هو السن الشرعي للأضحية وهل يجوز بالتضحية بالتي لم تبلغ السن المحدد؟    دار الإفتاء توضح أحكام ذبح الأضحية شرعا وشروطها    وزارة النقل: لم نلغ مشروع مد المترو لقليوب وندرس إنشاء ترام بالساحل الشمالى    إي اف چي هيرميس تنجح فى إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولى لمجموعة "فقيه للرعاية الصحية"    نبيل عماد يكشف دوره في انضمام أحمد حمدي للزمالك.. وكيف بكى قبل نهائي الكونفدرالية    صحة الوادى الجديد: تنفيذ قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة حياة كريمة    خبير دولي: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية لم تنقطع لحظة واحدة    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    البرلمان العربي يثمن مصادقة البرلمان السلوفيني على قرار الاعتراف بدولة فلسطين    النائب طارق عبد العزيز ل"قصواء الخلالي": الرئيس السيسى ركز على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى    أسعار البيض اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    صحيفة تسلط الضوء على الانقسام بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الأصول الروسية    مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    انطلاق فعاليات الاجتماع الفني لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر بفيينا    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    "الناجح يرفع إيده" رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الأقصر    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 5-6-2024 مهنيا وعاطفيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية حول السياسات الدوائية وتسعير الدواء
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 12 - 2018

فى مقال أخير ممتاز نشرته جريدة «الشروق» الغراء، تعرض الأستاذ مدحت نافع إلى تجربته الشخصية فى دراسة إشكالية خاصة بأثر اتفاقية «التريبس» على صناعة الدواء فى مصر، وعلى آليات تسعير الدواء ومشاكله بشكل عام، واتسم المقال بالكثير من الفائدة رغم بعض الملاحظات المفاهيمية البسيطة، مثل مفهوم الدواء المثيل والبديل والأصلى والمقلد وهى مفاهيم مختلفة فى أدبيات الصحة العامة، ورغم ما ذكر عن أننا ننتج محليا أدوية لعلاج السرطان بنسب تصل ل 80% إلى آخره.
وفى هذا السياق نتعرض إجمالا للقضية المتعلقة بالسياسات الدوائية وتسعير الدواء، فالمعروف فى منهجية اقتصاد الصحة والدواء أنه ينظر للخدمات الصحية والدواء نظرة خاصة باعتبارها من السلع العامة التى لا يجب أن تخضع فقط لقواعد العرض والطلب للسوق، ففى إطار خصوصية الحق فى الصحة والحق فى الدواء يجب أن تحدد التزامات الدولة من أجل الوفاء بهذه الحقوق الشاملة والمعيارية ما يقتضى عدم تركها لقوانين السوق المطلقة أو آليات العرض والطلب، وينبغى أن تخضع آليات شراء الدواء والحصول على الخدمة عبر القطاع الصحى المتكامل الموحد وليس عن طريق الأفراد مباشرة، ويتحمل القطاع الصحى مسئولية التعامل مع عبء تحريك الأسعار بدلا من المواطنين وفقا لقواعد مرنة تلتزم بالشفافية واﻻستجابة لمختلف القوى التى تساهم فى تلك العمليات كما تتحمل الدولة المسئولية المهنية والأخلاقية عنها.
***
من هنا يتم النظر إلى قرارات التسعير الأخيرة سواء قرار 373 لسنة 2009 أو قرار 499 لسنة 2012 باعتبارهما حلقة فى سلسلة حلقات من منظومة الدواء ككل. والجدير بالذكر أن دول العالم إجمالا لديها نظم مختلفة للتسعير الدوائى باستثناء بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية كما أن تسعير الدواء ﻻبد أن يبنى على دراسات تجرى على المستوى الوطنى وتكون غاية فى الخصوصية وتشمل أسعار الدواء المتوافر فى السوق بالقياس إلى مستويات الدخول فى القطاعات الأكثر احتياجات إليه من المرضى، هذا بالإضافة إلى قياس توفر الدواء عبر المناطق الجغرافية المتعددة داخل الدولة الواحدة. وفى معرض نقدنا لقرار التسعير 499 مع مجموعة من الخبراء وجدنا أنه يستند فى ديباجته إلى القانون الذى تم إلغاؤه وهو قانون 230 لسنة 1989 والذى كان يعطى رئيس الوزراء حق تسعير بعض السلع الهامة ومنها الدواء وتم استبداله بقانون اﻻستثمار رقم 8 لعام 1997 والذى ﻻ يستثنى أى سلعة من التسعير كما أنه (أى القرار 499) يبنى تقديراته للتسعير على مرجعية سعر البيع للجمهور فى العالم مطبقا نظام المرجعية الخارجية للتسعيرExternal Reference Pricing والمقصود به اﻻستناد إلى أسعار الدواء فى دول أخرى من أجل تحديد أسعار الدواء محليا أو من أجل التفاوض عليه ويشمل القرار قائمة من 36 دولة مرجعية للاسترشاد بها فى الحصول على سعر بيع المستحضرات الدوائية للجمهور على الرغم من أن القرار ﻻ يلتزم بها بالضرورة، إذ يعجل مرجعية التسعير مفتوحة لتشمل جميع الدول ويؤخذ على نظام المرجعية الخارجية للتسعير ضعف الأساس النظرى له إذ إنه يفترض أن سعر الدواء مثالى فى دول معينة وعلى الدول الأخرى الاحتذاء بها، ومن ثم فقد أدى هذا القرار إلى تفاقم أزمة ارتفاع أسعار الدواء عموما وزيادة معاناة المواطنين بسبب عدم قدرتهم على تحمل أسعار الدواء فى سوق مفتوحة لا تراعى الأبعاد الاجتماعية لهم وﻻ يضمن حماية صحية عبر نظام صحى متكامل تأمينى.
***
وبناء على ما سبق طرحنا فى رؤيتنا خريطة الطريق التالية:
أهمية وضع سياسة دوائية وطنية شاملة مبنية على أسس تنموية ومتوازنة تتسم بالشفافية واﻻتساق مع التزامات الدولة بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان، كما تقوم تلك السياسات بتحديد أدوار الجهات الوطنية المختلفة المعنية بالدواء ولتوضيح كيفية التنسيق بينها، كما يجب أن تشمل تلك السياسة رؤية شاملة وبعيدة النظر لقضايا الدواء فى مصر، ومنها على سبيل المثال: الرقابة على الدواء فى السوق المصرية والبحث والتطوير وتسعير الدواء ومستقبل الصناعة الدوائية الوطنية بما يضمن تدعيم هذه الصناعة والحفاظ عليها كأحد أعمدة اﻻقتصاد الوطنى وتشجيع الاستثمار بها ليس فقط بتصنيع الأدوية الجنيسة (المثيلة) ذات المكونات الواردة من الخارج، كما هو معتاد بل عن طريق تيسير سبل اﻻبتكار والبحث العلمى كى يتم تخليق المركبات داخل المصانع المصرية، إلى جانب أهمية تأسيس مجلس أعلى للدواء مستقل عن وزارة الصحة يتسم بالحياد ويضم جميع الأطراف العاملة فى قطاعات الصيدلة والدواء ويضم ممثلين عن المجتمع المدنى والمواطنين يشرفون على وضع السياسات واﻻستراتيجيات الدوائية التى تحمى حق المواطن فى الحصول على الدواء، هذا المجلس سيتولى أيضا القيام بأحد الأدوار المفتقدة أﻻ وهو التنسيق بين الجهات العديدة المعنية بالدواء أو التى يمس عملها قطاع الدواء بأى مستوى مع وضع وتوفير قاعدة بيانات ومعلومات حول عناصر التسجيل والتسعير والرقابة وخطط اﻻستيراد والتصدير تتسم بالشفافية والتحديث.
وفى جانب سياسات تسعير الدواء ﻻ يجب أن تغفل العوامل اﻻقتصادية واﻻجتماعية فى البلاد وهى ليست بالضرورة سياسات التسعير الإجبارى وإنما تتسم بالشفافية والمرونة، كما يجب أن تكون متوافقة مع مستويات الدخل الحقيقية وليس مع متوسط الدخل المعلن والذى غالبا ما يبعد تماما عن واقع المجتمع المصرى الذى يقع فى قرابة 35% من السكان تحت مستوى اﻻحتياج للدعم، بالإضافة إلى وقوع قطاع كبير من العمالة فى قطاع غير الرسمى ولذلك فمن المهم جدا أن تسبق الدراسات وضع سياسات للتسعير، كما يجب أﻻ نغفل حقيقة أن أنظمة التسعير تختلف باختلاف احتياجات الدولة وأنه على كل حكومة دمج أو مزج الأنظمة التسعيرة الموجودة فى جميع دول العالم من أجل الوصول لأفضل طريقة ممكنة من التسعير مع الحفاظ على القدرة التفاوضية على سعر بيع المستحضرات للجمهور (عبر نظام التأمين الصحى الشامل)؛ لأنها إحدى ضمانات إتاحة الدواء المادية لغير القادرين من المرضى.
ومن المقترح تقسيم الأدوية الموجودة فى السوق إلى شرائح بحسب سعر البيع مع السماح لشركات الدواء بتسعير الأدوية الواقعة فى الشريحة الدنيا واﻻهتمام بتقريب أسعار الأدوية المتماثلة التى تنتجها جميع الشركات، كما يجب التركيز على صناعة الأدوية البديلة لتلك التى يتوقع ارتفاع أسعارها بالتنسيق مع الشركات الوطنية مع بذل الجهد للتفاوض الثنائى بين الحكومة والشركات العالمية لتصنيع الدواء بجميع أنواعه فى مصر، إلى جانب وضع اﻻتفاقيات الدولية فى اﻻعتبار عن تطوير السياسة الوطنية الدوائية خصوصا والتى قد تؤثر بالسلب على الصحة والدواء ويتمثل ذلك على سبيل المثال فى اﻻستفادة من المرونات القائمة فى اﻻتفاقيات التجارية الدولية خصوصا اتفاقية الجوانب المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (التريبس)، ومن أمثلتها اﻻستخدام الحكومى أو الترخيص الإجبارى والتى يمكن للدولة بموجبها الحصول على رخصة لإنتاج المستحضرات الدوائية الواقعة تحت الحماية عند الحاجة إليها فى حالات الأزمات الصحية ومنها الأوبئة والتى قد يندرج تحتها اﻻلتهاب الكبدى سى، أو متلازمة نقص المناعة المكتسب كأمثلة لأمراض علاجها باهظ التكلفة، والجدير بالذكر أن اتفاقية «التريبس» اشترطت عدم التعسف فى حماية حقوق الملكية الفكرية بما يتفق مع الصالح العام اﻻجتماعى واﻻقتصادى، كما جاء إعلان الدوحة بشأن اتفاقية «التريبس» والصحة العامة مؤكدا حق الدول فى حماية الصحة العامة وضمان حصول الجميع على الدواء إدراكا لخطورة تطبيق اتفاقية «التريبس» على الصحة وﻻ سيما فى الدول النامية والدول الأقل نموا، كما شمل الإعلان تأكيدا على حق الدول فى اﻻستفادة الكاملة من المرونات المتضمنة فى اﻻتفاقية من أجل توفير الدواء لشعوبها حال الحاجة إليها ومنها التراخيص الإجبارية لتصنيع الدواء، وتحديد الحالات التى تمنها لها هذه التراخيص وتعريف حالة الطوارئ الوطنية والأوضاع الملحة التى تشمل أزمات الصحة العامة على اختلافها.
وأخيرا ﻻ يمكن حل إشكالية تسعير الدواء إﻻ من خلال العمل على بناء نظام صحى وطنى متكامل تأمينى يدعم صناعة الدواء محليا ويعطى ميزة تفاوضية فى مواجهة اتفاقيات التجارة التى تشمل الخدمات الصحية والدواء والتى من شأنها تطبيق معايير حماية الملكية الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.