" إفرحوا وابتهجوا، لأنّ أجركم في السّماوات عظيم. هكذا اضّطهدوا الأنبياء قبلكم."( متى 12:5) إنّها الآية الذّروة؛ وكأنّي بالرّبّ يضع قواعد الفرح الحقيقيّ للإنسان بل قواعد الكمال الإنساني، أي الانتقال من مشروع إنسان إلى إنسان. فالإنسان ليس كائناً حيّاً يفكّر وحسب، بل هو كائن حيّ يفكّر ويحبّ. وكما أنّه يجتهد في تطوير عقله وتقدّمه، كذلك ينبغي عليه أن يثابر ويجاهد في سبيل نموّ الحبّ في داخله. ويظهر لنا الرّبّ هذا النّموّ من خلال التّطويبات التّسعة الّتي تتدرّج من فقر الرّوح حتّى الاضطهاد، كما يبيّن لنا أنّ هذا الحبّ الكائن في الإنسان غير منفصل عن المحبّة الإلهيّة. فكلّ طوبى تشكّل خطوة نحو الحبّ الكامل، حتّى يبلغ الإنسان الفرح الكامل. وبالتّالي يدرك ملكوت السّماوات، أي أنه يمكث الله فيه ويمكث هو في قلب الله. فملكوت السّماوات ليس مرحلة لاحقة منفصلة، وإنّما ملكوت السّماوات حاضر الآن. " ولما سأله الفريسيون: متى يجيء ملكوت الله؟ أجابهم: لا يجيء ملكوت الله بمشهد من أحد. ولا يقال: ها هو هنا، أو ها هو هناك، لأنّ ملكوت الله في داخلكم. ( لو 21،20:17). ( "ملكوت الله في داخلكم"، عبارةٌ تفسِّر معنى الملكوت بوجهيه، حالة الانتظار للمجيء الثّاني وحالة حياة الإنسان في خبرة النّعمة. حين يشرح الآباء القدّيسون هذه العبارة الغريبة: "ملكوت الله في داخلكم"، يشدّدون أولاً أنّ اختبار الملكوت هو مسألةٌ روحيةٌ داخلية تتمُّ في القلب وليس في بلدٍ أو بقعةٍ جغرافيةٍ أو فترةٍ زمنيَّةٍ محدَّدة… ملكوت الله حاضرٌ عندما نجعل يسوع مالكاً – وحده- في قلوبنا!.. ملكوت الله في وسطنا، أي في محيطنا ومجتمعنا في طريقة حياتنا ككنيسةٍ حين نشهد ونصلّي، حيث شاء اللهُ لكلّ منا أن يصلّي ويشهد في حياته الفردية وجهاده الرّوحي وطهارته الداخلية. ( من كتاب "السّائحان بين الأرض والسماء" – الله والإنسان – الجزء الثاني- المطران بولس يازجي ). " الّذِين يزرعون بالدّمُوع يحصدون بالابتهاج" (مز 126: 5)، والّذين يزرعون بيدر حياتهم بالتطويبات التّسعة، يحصدون الفرح الكامل بربّنا وإلهنا يسوع المسيح، ويتساوون والأنبياء، حاملي كلمة الرّبّ.