.. حدق الرجل بى ملياً..كان أحدب الظهر ، توترت .. لم يكن حدبه ما وترنى بل تلك اللمعة بعينين انطفأ بريقهما منذ زمن بعيد ، من أين تراه يأتى اللمعان بهذا العمر ، كان كفأر مذعور فى الظلام باغته ضوء الكشاف .. لن تلتفت اليه الا عندما يرسل تلك الخرفشات والأصوات المتباعدة كالنقر بين حين وآخر ، ينبئك حدسك بوجود كائن ما بمكان ما على مقربة من جزعك ، تتوجس منتظرا ، تتسع حدقتاك ، تتشمم ذعرا من نوع فريد ، فماهية خوفك غير معلومة المصدر ،( كنت كلما لامسنى طرف جديلتها أتخبط رعبا فى الظلام ولم تكن سوى بعض شعرات نافرات .. جديلتها سميكة وخشنة كآداة تنظيف ) أما هذا الكائن فله وجه صغير جداَ وعينان جاحظتان ، وجلد مهترئ متغضن ، لم يترك به الزمن أخدودا الا وحفره .. ، أنفه الكبير كان شيئا لم أكف عن التحديق به اضطراراً ، كان يخاطبنى بينما عيناى مثببتان بأنفه لا تبرحان ، حكه بطرف اصبعه ، كان اصبعا معقوفا ، كل مابه عجيب حتى قميصه الأحمر المجعد وربطة عنقه القصيرة الصفراء المنشاة كانت تتحرك فى اتجاهه كتوأم ملتصق فإن مال يمينا مالت وإن مال يسارا مالت ، يبدو أنه تراكم الأتربة والزيوت المتطايرة لأعوام وأعوام ، ربما بعض الأبخرة أيضاً ، تاريخ تليد تلك الربطة بلا شك .. تاريخ يوازى حجم أنفه وتجعد أنسجته وتحدب ظهره وانطفاءه العام كمصباح منفى بميناء قديم . كم أخشى الصور ، فبرغم حرصهم على اصطناع ابتسامة تظل أعينهم متشحة تلك النظرة البلاستيكية لهؤلاء المهوسيين بصناعة الاغلفة ، والزجاجية لمرتادى المعارض وهواة جمع الصور زيتية كانت وفوتوغرافية ، أعرفهم حين يتسكعون بالأروقة معتمرين خوذاتهم التى هى أدمغتهم ، فاغرى الأفواه ومتشدقين بتلك العبارات المنمقة كثيابهم الكلاسيكية السوداء ... أشار للمرآة فى حال رغبت تعديل مساحيقى ، فعلت سريعا ثم عدت أواجهه مشبكة يداى ، زم شفتيه وأشار بيده إشارة تعنى .. تمام سيدتى ، هلا جلستِ من فضلك أهكذا ..؟! نعم ، إلى اليسار قليلا ،اخفضى رأسك ، نعم هكذا ، ميلى لليسار .. قليلا قليلا سيدتى ، مممم .. نعم ، هكذا تماما .. أنظرى لإصبعى من فضلك .. لقطة مثالية ، رائع سيدتى .. لقد انتهينا ..