انتبهوا أيها السادة .. إلى كل المعنيين بكتابة القصة القصيرة يكل أشكالها وألوانها .. إلى السادة النقاد الكبار الذين تشهد أعمالهم ، وتاريخهم الأدبي بالإجادة والإحترافية .. إلى الكتاب الذين خصصوا صفحات متخصصة في الصنوف الأدبية للقصة القصيرة ، وأخص بالذكر القصة الومضة .. بعضكم يساهم إسهاما جيدا في إنحدار مسيرة الأدب القصصي وتخلفها عن الركب .. لا أدري بعلم أو بدون علم . هذه الظاهرة المشاعة على الفيس العربي ، وبعض الصالونات الأدبية ، والندوات عن القصة الومضة ، ويتزيّدوا .. أجيبوني هل ممكن أن نخلق كاتبا جديدا يكتب بالقلم الرصاص أديبا متمكنا يمثل دولة كأديب محترف من كتابة الومضة حتى ولو كان كل تاريخه الأدبي مئة ألف ومضة عبقرية ؟ هل ممكن أن يكتب الومضة كاتب حديث عهد بالكتابة الأدبية بما أنه حصل على جوائز في جروبات معنية بذلك على الفيس ؟ هل يعقل لكاتب الومضة المحترف ألآ يستطيع كتابة القصة القصيرة بشكلها التقليدي ، ولا يتذوّقها ؟ هل الناقد المحترم الذي أخذ على عاتقه تحليل القصة الومضة ، ورسّخ معاييرها الفنية فيما يعرض عليه ، رسالته تلخصت في حد النص الذي يقرأه ، وغفل قضية الكاتب وبيئته وظروفه ومشواره الأدبي ؟ هل القصة الومضة في طريقها المقبل المزهر في نيتها أن تلغي القصة القصيرة بشكلها التقليدي .. بما أجادت هذه الجروبات بالإيحاء أن القصة الومضة أسهل لأنها في تكوينها تحمل كلمات أقل من القصة القصيرة ، وتركيزها على الدهشة والمفارقة ، وللأسف تغفل عناصر القصة كمفهوم واحد للقصة مهما اختلفت أشكالها ، وتصفق لهذا وتمجد كاتبها بالجوائز ، وتتعمّد نسيان أن الومضة هي لون أدبي جديد لفن القصة ؟ هل القصة الومضة على فيسنا البوكي بالذات جرثوم يهودي يقصد خلق جيل من الكتاب يمزق عباءة القص والحكي وفن القصة بشخوصها وأحداثها ، وتنتج لنا جيل زرع شيطاني ليس له جذور ؟ .. تماما كما فعل الفكر الصهيوني بحال العرب في كل شيء .. اخترع المطاعم التي تقدم أفخم (ساندوتش) ووجبات (التيكاواي) حتى يفرّق رباط الأسرة وكيانها ، ولا يجلسون على مائدة واحدة للطعام ، وطلّق النساء وخرّب البيوت العربية بجهلن بفن الطهي ، وإدارة الأسرة والمنزل ؟ أنا في غاية الإندهاش ، وأنا أعلم أن غلبية من أعنيهم في مقالي هذا سيقفون ضدّي ويتعمّدون تجهيلي ، وسأرى تعليقات غريبة الشكل .. من يقرأ ربع الموضوع بسرعة كفن الومضة الذي تخصص فيه ، ويبروز الموضوع على أني رجل مدّعي علم ولا أفهم أصول الفن الأدبي الفز الرهيب (القصة الومضة) أو أني لا أحبّها ، أو أني ضدّه هو شخصيا .. أو أجد من يقرأ المقال كله ، ولكنه قرأه بنيّة الإختلاف معي لا لنيّة العلم ، ولذلك إما يحلل الموضوع على نيّته المسبقة سلفا ، وهذا سيجعل موقف الإختلاف واضح جلي له ، أو أنه لا يفهم عباراتي وما تعني . سأريح الجميع وأعود لأسألتي .. متى بدأ فن القصة الومضة ؟ ومن أول من كتب فيها ؟ بلا فلسفة ، ومن غير ما أسرد عشرات الأسماء لأدباء عمالقة على مستوى العالم كتبوا فن القصة الومضة .. أقول أن كل من كتب القصة الومضة الفنية الذكية التي تبدو سهلة شكلا ، ولكنها صعبة في التكنيك .. هم كبار الكتاب على مستوى العالم بعد ميراث وتاريخ أدبي ، وعشرات المؤلفات في فن القصة القصيرة والرواية . وهذه الأسباب التي ذكرتها ، وهذه الصرخة ، وهذا الرجاء لألآ نخلق جيل جاهل نصرفه عن القراءة الطويلة والمتعة ، ونكون مساعدين له بغرسه في آليات العصر الحديث بشكله المضر الذي يساعد على التخلف بما فيه من سرعة إيقاع وعجلة غير متعقلة ، ونساعد على إندثار الكلام واللغة كما نراه اليوم بين الشباب في تجمعاتهم ، يتكلمون بالرموز والحركات استسهالا ، ونجد الكتابة على الفيس بوك والتعليقات بالفرانكو آراب ، كما اعتاد الكتاب للأسف المثقفين اليوم شذب أصول جوهرية في اللغة العربية ، وهي الكتابة بدون همزات ، وكتابة التاء المربوطة هاء مربوطة والعكس ، وإغفال تام لعلامات الترقيم التي تعطي تفسيرا جيدا لفهم الخطاب ، وتضبط الإيقاع النفسي لدى المتلقي ، وآفة أخرى هي الفصل بين العبارات والجمل بسطر طويل من النقط لا يوجد له أصل في اللغة ، واستعمال الفاصلات والفواصل الغربية بدلا من العربية . وأريد أن أوضح أن الأدب كما تعلمنا هو بغيته التأثير الحسي الراقي على المتلقي من خلال كلام له معنى مفيد ، كي نجد أثره الإيجابي على المتلقي .. يحفظ مأثوراته ويتعلم من حكاياته ، فهذا يجعلنا أن نصنف مراتب الألوان الأدبية الكتابية من حيث مدى تأثيرها على المتلقي ، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تحتل الومضة مكانا أعلى من القصيدة الشعرية ، أن تكون عوضا لنا عن الرواية وأهميتها ، وعن قصة قصيرة بمشهدها الفريد الملتقط من الحياة ، أو موقف شخصية وتصوير وتجسيد حزنها وفرحها من خلال حدث . فالمغالاة في أمر القصة الومضة الذي نسي البعض أنها أصلا قصة ، وإظهارها بهذا الثوب المرقع عن ثوبها الفني الراقي الذي يأتي بعد تاريخ أدبي وميراث .. يجعل الكتاب الجدد الذين يتعلمون ممن سبقهم أن يستسهلوا كتابتها بأي كلمات مرصوصة لها العجب والدهشة . ليس معنى أن كاتبا جديدا أتى بومضة معجزة أو ألف غيرها أنه أصبح أديبا بلا تجريب في أصل الفن الأدبي القصصي ، وهذا يعتبر بالنسبة لي مثل : " كذب المنجمون ولو صدفوا أو صدقوا" فأريحونا من الخطر القادم على الأجيال التي تتعلم منا فن كتابة النصوص الأدبية في الرواية والقصة القصيرة والشعر والعديد من فنون الكتابة الأدبية ، ولا تساعدوا الفيس بوك بإيقاعه السريع الفاقد للدقة والتبحر والتمييز أن يجرفنا ، ويخلق لنا لغة خاصة وثقافة خاصة وألوان أدبية من آلاف البروجرافات والخواطر الفارغة على شكل الومضة التي تملأ الصفحات والجروبات . أريحونا بربكم .