افرحوا في الرّب كلّ حين، وأقول أيضاً: افرحوا. ينبغي أن نذكر دائماً أنّ بولس كتب رسالته إلى فيليبي وهو في السّجن. ولا ريب أنّه كان في ضيق عظيم إلّا أنّه في هذه الرّسالة ذات الفصول الأربعة استخدم عبارة الفرح ثلاثة عشر مرّة. وإن دلّ هذا على أمر فهو يدلّ على أنّ بولس يختبر الفرح في خضمّ الضّيق . الفرح سرّ الإنسان المرتبط بالله، فبولس إذ اعتمد عبارة (كلّ حين) أراد القول إنّ الفرح في الرّبّ ثابت، عميق في النّفس ومتعالٍ فوق كلّ زمان ومكان لأنّه فرح يفيضه الله في قلب محبّيه، ما يعني أنّه فرح لا يزول. لكنّ عبقريّة بولس في هذا القول تكمن في تشجيع المؤمنين رغم الضّيق لأنّ الفرح يعزّز التّفكير السّليم ويساعد الإنسان على الاتّزان الفكريّ والإيماني على حدّ سواء. وأما الحزن والاكتئاب فيؤدّيان إلى خلل في التّفكير واضطراب في النّفس، ممّا يخلص بالإنسان إلى الهلاك. يظهر القدّيس بولس جليّاً معنى وأهمّيّة الفرح في الرّسالة إلى فيليبي فيقول: “افرحوا في الربّ كلّ حين، وأقول أيضاً: افرحوا. ليكن حلمكم معروفاً عند جميع النّاس. الرّب قريب.” (فيليبي 5،4:4) الفرح قوّة تظهر اتّزان الإنسان وصبره ورصانة عقله وفكره من جهة، ومن جهة أخرى الفرح بصيرة تبيّن للمؤمن أنّ الرّبّ قريب. هو قريب من الإنسان من خلال الإنسان. وهو قريب بالفرح القوّة الكامن في النّفس. فيكون الإنسان دليلاً ومساعداً ومسانداً في كلّ حين، ليرى كلّ إنسان قرب الرّبّ. الفرح قوّة بها يقاوم الإنسان كلّ سوء في كلّ حين ليستعدّ إلى ما بعد الأزمة، فينهض ويكمل ويستمرّ بفرح.