الزمان.. الواحدة صباح أحد أيام يونيو... المكان .. سطح الباخرة المتجهة للأراضى المقدسة .. المشهد صمت مُطبق ومكان شاغر من ثمة أحد وقدماى تصعدا درج سُلّم الباخرة الجانبى وتقدير خاطىء للموقف أنه بأعلى السفينة ثمة بشر مسافرين غيرى .. أغمضت عيناى لدى صعودى السُلّم رهبة من لون ماء البحر الأحمر ووحشته وصوت الموج الذى هو بنبرة صوت فهد مُفترس . لازلت أصعد لازالت عيناء مُغمضتان .. أحسست أن السُلّم قد انتهى درجُه .. لابد أننى قد وصلت لسطح الباخرة .. انها المفاجاة .. لم أجد هناك ثمة رفيق أو أحد المسافرين غيرى ءأنس به وحشتى .. دقائق هى مُرعبة حقا .. أنظر لأعلى .. واذا بسماء سوداء تتزين بنقاط لامعة ذات بريق حاد وكأنها مُطبقة على رأسى .. أنظر لجانبى الباخرة فأجدها تمخر بحرا هائج هو كوحش كاسر ينسج الموج صوتا كصوته كما ينسج خوفى من لون مياهه المُرعبة والمُفتقرة لشاطىء صورة هُلامية من كائن لايُمكن وصفه لكنه لاتُدانيه كل وحوش الأرض مجتمعة .. ليس لى للفرار من حالة الرعب الهائل سوى اغماض عيناى كنعامة هربت من قانصها بدفن رأسها فى الرمال وهى توقن قتلها لامحالة .. انه وجه الله الجبّار .. نعم هو احساس أصابنى جعل من هذا الوصف ولاغيره مُلائما غير مجحود.. نعم انه وجه الله الجبّار .. ياالله .. كم لأدواتك من سماء وأرض ومياه بحر من مقدرة تعبيرية تترجم صورة جبروتك وعزّتك وكم هى قادرة على أن تترجم كذلك معانى اللطف والرحمة من صفاتك .. الأدوات هى ذات الأدوات والزمان هو ذات الزمان والمكان هو ذات المكان .. لازلت مغمضا عيناى .. لازال الخوف يدمرنى ... يُدغدغنى ... أوشك أن أنهار ... واذا بصوت يُداعبنى من قريب ويد تهدهد على كتفى .. لاتخف وانظر للسماء ثانية لترى جمال لطف الله ورحمته .. كان الصوت لأحد المسافرين مثلى وقد فهم لم أغمضت عيناى وارتعدت فرائسى بينما الايمان فقد دفعه للأسطح للتدبر .. أفتحت عيناى بعد ان ثبتنى الله وهدّأ الرجل من روعى. ونظرت ثانية للسماء .. القمر يتجلى من بين النجوم المتناثرة ليُداعب مياه البحر ويجعل منها سبائك فضيّة وخرزات من لؤلؤ غير مصنوع بيد بشرية .. نعم قمر ونجوم متناثرة هنا وهناك وضوء فضّى يزين جيد كون رائع .. بالسماء أشكال هندسية من نجوم متنوعة يبرز القمر من خلالها بطلّته المُثيرة الخالبة .. سكونُُ ناطق يُحرك كل مافى النفس من أحاسيس ومشاعر ليختلط معها لينسجا لوحة من عشق ووجد ولوعة شوق وضحكات ودموع .. من ايمان وتوحيد وتسليم وانقياد بنفس طائعة الى خالق كل هذا الوجود.. انها الثالثة صباحا والقمر هو القمر والسماء هى السماء والنجوم لازالت متناثرة ..ضربات مُتلاحقة من قلبى الضعيف.. برودة متأججة سكنت فى كل زرّة من كيانى .. رعشة جسد لكنها ليست كرعشته الأولى .. انها فرط سعادة بجمال .. لارعشة رعدة من خوف .. الأدوات هى الأدوات وملك الله واحد بينما تجليّات الله برحماته فى كونه وكذا تجلياته بجبروته من عزّته وعظمته تختلفان .. لا ذلت أسبح فى ملكوت الله أتفقد السماء بعيناى وأتدبرها بقلبى .. لاأحد جوارى غير جليسى .. زمان ومكان كهذين يُلهمان المرء الكثير والكثير من حكم وفيوضات .. انه الرجل ذو الوجه الأبيض الفضى كلون مياه البحر يبتدرنى قائلا تعالى معا نتبادل من وراء هذين المشهدين العظيمين حكمات مأثورة .. فأجبته هيّا .. قال : لقد بنى الكون بضحكة طفل ورعشة برىء فلاتهدموا عالمكم بقتل الأطفال وترهيب الأبرياء.. قلت: ان غلبك دمعك يوما فأرسله.. .. ان لم تفعل فأنت حجر أصم قال: قد يضيق العالم على المرء ويتسع له صدره وقد يتسع له العالم بينما صدره فعليه يضيق قلت: ان ضاقت عليك دنياك يوما فاعلم أن فى الصبر فرج قريب.. قال: ان سلاح الحب أمضى ألف مرة من كل أسلحة العالم .. فبادر عدوك بوردة من يدك.. انك حتما ستملكه قلت: وراء ابتسامة الأخر مغزى وكذا من وراء عبوسه فتدبر الأمرين تنجو بنفسك قال: القيم لاتُشترى لكنها تعتنق والأخلاق لا تباع لكنها تُخترق قلت: ان شعرت يوما بأن العالم تحت أقدامك فاعلم أنك فى طريقك الى الأخرة قال: ان لم يهتز قلبك لدموع رجل ولم يُزلزل كيانك لبكاء طفل فأنت والحائط من سلالة واحدة قلت: لن يصلح القديس امراة تحالفت مع الشيطان..حتى وان خرج بها من أقطار الأرض قال: ان بكت لأجلك عين أخيك ..فاعلم أن أبيكما واحد قلت: الحب فضاء رحيب والكره ضيق خانق فلاتستعيض الكون بكهف صغير قال: لو صافحك أحدهم بأطراف أنامله فانفض عنه لانه يزدريك.. قلت: قالوا: أن المرأة ام وأخت وابنة قلت :وزوجة تجمع كل هؤلاء معا قال: التمس لعدوك ألف عزر بعدم معرفته قدرك قلت: ان حرق الثائر ذاته لأكبر دليل على أن الكون بلا قلب قال: يؤتى الانسان من مأمنه ..فاحذر صديقك قبل عدوك قلت: لايثير الرجال عرى المرأة بقدر مايثيرهم عفافها وثقافتها قال: صليبهم وهلالنا ليسا معتقدا مشترك ولكنه اعتقاد وطن يلزم احترامه قلت: لو قاد الشعب يوما حكامه فلن تفلح ثورات الحكام أن تمنعه الغرق قال: لو جاهرك أحد بسيفه فاعلم أن عقله فى خطر قلت: لن تنجح كل قوانين العالم أن تردع رجلا قد فقد حياءه قال :سبحان من ألهم المرء حكمته بتدبره .. قلت : سبحان من أهداه رجاحة عقله بتذكره .. قال: تدبر الكون تأتيك الحكمة من جديد....