وزير التعليم يشهد حفل ختام بطولات الجمهورية ومسابقات التربية الفكرية ببورسعيد (صور)    جامعة كفر الشيخ تحقق إنجازا فى تصنيف التايمز العالمي    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية وسط أوروبا    أسعار الأسماك اليوم، الكابوريا ترتفع 35 جنيهًا في سوق العبور    وزير الإسكان: غدا بدء تسليم أراضى بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 بمدينة العبور    السيد القصير ومحافظ جنوب سيناء يتابعان المشروعات الزراعية والثروة السمكية    مدبولي يتفقد مجمع مصانع العربي للغسالات بكوم أبو راضي (صور)    وزير التموين: 60% زيادة في توريد القمح خلال الموسم الحالي    مسئولو التطوير المؤسسي ب "هيئة المجتمعات العمرانية "يزورون مدينة العلمين الجديدة    إخلاء أحد مجمعات النازحين السوريين في لبنان    محمد فايز فرحات: المواقف المصرية منذ بداية الأزمة في غزة قوية وواضحة ومعلنة    حاكم خاركيف الأوكرانية: تم إجلاء نحو 10،000 شخص من المنطقة بسبب المعارك    9 مجازر جديدة بغزة، 35386 شهيدا حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي    الأهلي ضد الترجي، القنوات الناقلة لمباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا    نهائي أبطال إفريقيا.. "الكرات الهوائية" دفاع حديدي في الأهلي والترجي (أرقام)    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    مصرع شاب سقط من علو في القليوبية    خبير ل المصريين: كل متاحف مصر اليوم مجانية.. وعليكم زيارتها    إصابة المخرج محمد العدل بجلطة في القلب    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    معهد القلب يشارك بمبادرة قوائم الانتظار بإجراء 4 آلاف عملية قلب مفتوح    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    لقاء سويدان تهنئ عادل إمام في عيد ميلاده: «صاحب السعادة»    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    رفع 32 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب تخريج الأحاديث المكذوبة عن عذاب القبر ( الجزء الرابع )
نشر في شباب مصر يوم 20 - 01 - 2014

مازال الحديث موصول بإذن الله عن كتاب تخريج الاحاديث المكذوبة عن عذاب القبر ونقول في هذا الحديث بيان أن البكاء المذكور في الحديث الذي قبله، ليس المراد به مطلق البكاء، بل بكاء خاصا وهو النياحة، وقد أشار إلى هذا حديث عرم المتقدم في الرواية الثانية، وهو قوله: " ببعض بكاء...".
ثم إن ظاهر هذا الحديث واللذين قبله مشكل، لأنه يتعارض صدق أو لا تصدق من أحاديث الصحيحين وفقه البعض
سبق وذكرت أن كثيرا من الدعاة يقولون بقصر أدمغتنا في أن نفهم القرءان أو ندرك الحديث، وإني أستشهد كل قارئ على نفسه أن يقرأ معي بعض أعاجيب الصحيحين (البخاري ومسلم) عن القبر وذلك مما يلي:
ففي صحيح مسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم: (2773). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأحمد بن عبدة الضبي واللفظ لابن أبي شيبة قال ابن عبدة أخبرنا وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع جابرا يقول: أتى النبي – عليه الصلاة والسلام - قبر عبد الله بن أُبَيّ، فأخرجه من قبره، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، فالله أعلم.
وبكتاب فضائل الصحابة حديث رقم: (2400). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أُبَيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فسأله أن يعطيه قميصه أن يُكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه، فقال رسول الله إنما خيرني الله فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة }، وسأزيد على سبعين قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله وأنزل الله عز وجل { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره }.
وأيضا بذات الترقيم بذات صحيح مسلم ( 2400 وحدثناه محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد قالا: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله بهذا الإسناد في معنى حديث أبي أسامة وزاد قال فترك الصلاة عليهم.
أنصدق الرواية رقم: (2773) التي تثبت عدم صلاة النبي على المنافق عبد الله بن أُبي، أم نصدق الرواية رقم: (2400) .التي تثبت أنه صلى عليه؟، وكلاهما بصحيح مسلم.
وفي صحيح البخاري عن ذات الموضوع باب (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، حديث رقم: (4393). حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لما توفي عبد الله جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول الله – عليه الصلاة والسلام - إنما خيرني الله فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } وسأزيد على السبعين قال إنه منافق قال فصلى عليه رسول الله فأنزل الله { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
وبالحديث رقم: (4394). حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني عقيل عن بن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال لما مات عبد الله ابن أُبي بن سلول دعي له رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ليصلي عليه فلما قام رسول الله وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على بن أبي وقد قال يوما كذا وكذا وكذا قال: أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } إلى قوله { وهم فاسقون } قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله – عليه الصلاة والسلام - والله ورسوله أعلم.
بينما وفي باب { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } حديث رقم: (4395). حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال لما توفي عبد الله بن أُبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنما خيرني الله أو أخبرني فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فقال سأزيده على سبعين قال فصلى عليه رسول الله وصلينا معه، ثم أنزل الله بالقرءان:
((وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ *)).سورة التوبة آية رقم : (84) .
بما يعني أن النبي قد صلى الجنازة على رأس النفاق بالمدينة.
هل يقنع القارئ مهما كان عقله كبيرا أو صغيرا أن يقوم رسول الله بإخراج جثة منافق أو صحابي، ليتفل فيه فيتبلل جسد الميت بريق رسول الله؟، وهل لا بد إذا ما أخرجه من قبره أن يضعه على ركبتيه الشريفتين – عليه الصلاة والسلام -!؟، وكيف يعطى النبي قميصه أو يلبس الميت قميصه بينما من السُّنة أن يكون الكفن بلا قميص أو عمامة؟!. فهل ذلك المسلك المزعوم فعله لرسول الله من بين الأحكام التي يريد أهل السنن أن نتلاطم فيها، أم ماذا يريدون منا أن نفهم؟.
وكيف تكون الآية بسورة التوبة:
((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).سورة التوبة آية رقم : (80)
ثم يقوم رسول الله ليصلي عليه الجنازة، ترى ماذا سيقول في صلاته؟، ألن يستغفر له؟، أم بماذا سيناجي ربه في تلك الصلاة، وكيف تنهى الآية عن الاستغفار بينما يوجه عمر بن الخطاب النبي لعدم الصلاة طالما أن المنهي عنه الاستغفار فقط!؟.
أرى أن علم أسباب النزول مشكوك في غالبه، وما روي من أحاديث يساندون بها تلك المصنوعات الروائية إنما هي إفك افتراه البعض على الله ورسوله.
ومن جماع أحاديث البخاري ومسلم عن أمر عبد الله بن أُبي لا تعلم إن كان رسول الله صلى عليه الجنازة أم لم يصل، وبمناسبة موت رأس النفاق بالمدينة المنورة لماذا لم يتكلم النبي – عليه الصلاة والسلام - شيئا أو يذكر عن عذاب القبر في شأن عبد الله بن أبي بن سلول؟، ألم يكن يمشي بين الناس بالنميمة كذاك الذي زعم به يتعذب في قبره لأنه كان يمشي بين الناس بالنميمة؟، وهل تم دفنه بمقبرة وحده أم دفن بالبقيع؟، أذكر ذلك لمن يزورون البقيع على أنه مدفن للصالحين، ويتمنون أن يدفنوا بالبقيع ظنا منهم أن من جاور السعيد يسعد، وهل فكر أحد المتسننين بلا سُنَّة عما إذا كان الصالحون من الصحابة يتأذون من مجاورة المنافقين بمدفن واحد، وذلك وفق فقه من يتحرون أن يُدفنوا وسط الصالحين ويتصورون ذلك من الفقه.
وأرى أن ذكر مثل تلك الأحاديث دعوة للتحايل على أوامر الله، أكان رسول الله لا يعرف مرمى الآية القرءانية التي تنهى عن الاستغفار للمنافقين والمشركين؟، أو لم يكن يعلم معنى { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } أنها تعني مُطلق الكثرة؟، ومن الذي أعلم الفقهاء بعد ذلك بهذا المعنى؟ (أنها تعني مطلق كثرة الاستغفار مهما بلغ العدد)، لذلك فإن وضع تلك الروايات وأمثالها إنما يعبر عن فتنة لعقول العقلاء من المسلمين.
إن كثيرًا من فقهاء المسلمين حينما يخالفون بعض ما جاء من روايات بالبخاري ومسلم، فإنهم يقومون بذلك دون أن يطرف لهم جفن، ويسوقون من أعاظم المبررات ما يسوقون، وإذا ما خالف أحد غيرهم أصغر صغيرة بتلك الكتب فإنهم يرجمونه بإنكار السُّنة، وغيرها من أفاعيلهم وسُبابهم المشهور.
ودعني أسوق لك المثل، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم بصحيحيهما (مسلم ح رقم: (529-532). والبخاري ح رقم: (1265). و رقم: (3267). و رقم: (4177). (وغيرهما كثير) ما يفيد تحذير النبي للمسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ونهى عن تجصيصها ووضع صورهم عليها، وغير ذلك، لكن لأن تلك الأضرحة تستجلب الفرج المادي الدنيوي لبعض المُلتصقين بها فقد باركها بعض أساطين الفقهاء، وجعلوا للنذور الممنوحة لها حصصا قانونية للبعض يقتسمونها رغم أنف ما جاء بالصحيحين، وقالوا تبريرا لأفعالهم أن نهي النبي في ذلك الشأن نهي تنزيه، وليس نهي تحريم، فهنيئا مريئا لمن حذا حذوهم واغترف بغرفتهم، واستمتع بفقههم.
ومما يؤسف له أن الشيطان حين يئس وأعوانه أن يدس بالقرءان مدسوساته، لجأ إلى السُّنة لينفث فيها سمومه، يفسد بها العقائد، ثم دعا الناس لتعظيم السُّنة، لذلك تجد ثقافة الناس وقد اهتمت بالسُّنة على حساب القرءان، وتصوروا في النبي مُشرِّعا، فهم يخالفون بذلك القرءان، بل ويعمدون إلى مثل فعل الكافرين، وفي ذلك كله يقول جل جلاله: ((وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *)).سورة الأعراف آية رقم : (203) .
فتراهم يقولون برجم الزناة المحصنين، وبقتل تاركي الصلاة عمدا، وبعذاب القبر، وغير ذلك من السنن المفتراة، تماما كما فعل اليهود حين اهتموا بالتلمود (كتاب الأحاديث عندهم) على حساب التوراة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما كان الله ليضع شيء يجب الإيمان به في يد الرواة والمفسرين ولا يوضحها إلا على أيديهم، ولي أن أتساءل ما حال المسلمين بقارة آسيا وهم أضعاف عدد العرب، كيف سيكون إيمانهم وليس لديهم تفاسير مفسرينا وكتابات الرواة؟، فليس عندهم إلا القرءان، بينما نحن ننادي باستكمال القرءان بالسُّنة، بما يعني احتياج الأصل للفرع، واحتياج الكل للجزء، واحتياج المحفوظ بحفظ الله لغيره ممن هو دونه، بل هناك من تطاول وقال بأن القرءان يحتاج للسُّنة أكثر من احتياج السُّنة للقرءان، وما أرى ذلك إلا من ضلال تلك المذاهب.
كما أن أعلام الخرافات حين ترفرف على عقول المسلمين لا ترفرف عليها إلا من خلال موروثات أضرت بالمسلمين أكثر مما نفعتهم، فبتلك الموروثات تقاتل المسلمون وحتى يومنا هذا، فلم يترك رسول الله مسلما سنيا وآخر شيعيا، إنما هي أسماء نتشيع لها لنفترق ونتباغض ونتخاصم بعد موت رسول الله:
((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ *)).سورة آل عمران آية رقم : (144) .
وأقصوصة عذاب القبر لن يرضى بنفيها من حصلوا على شهادات جامعية عليا من خلالها، وإلا لكانت شهاداتهم باطلة، فهم يدافعون عن كيانات دنيوية ودونية تنتهي بإفساد عقائد المسلمين.
وقد ورد بالحديث [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ]، فإن معنى ذلك أن يحتاط المسلم لنفسه، خاصة في شأن العقيدة، فطالما لم يرد نص صريح بالقرءان نص بلا تأويل لمتأول فإن من الحكمة ألا أعتقد فيه، فلن يحاسبني الله بمقتضى البخاري ومسلم، كما أن اختلافهم (البخاري عن مسلم عن غيرهما) وما سكت عنه أحدهم وأورده الآخر، لا شأن لأحد به فيما يخص العقائد والإيمانيات، إنما سيحاسبنا جميعا على الإخلاص بمقتضى صريح نصوص القرءان، وليس بما يغوص له البعض ليستخرجوه ويقولون بأنه عقيدة، أو بأنه حرام، فما وضع الله ذلك بيد بشر، حتى إن كانوا أنبياء، وليس في ذلك تسفيه للسُّنة كما يحلو للبعض أن يُزايد، لكن الأمر أمر تأصيل فقهي لأمور العقائد والإيمانيات، وترتيب للأولويات؛ فمن الأدب تقديم القرءان على السُّنة، ومن الأدب والإيمان ألا نتوهم النقص في كتاب الله.
وعودة إلى أمر الحلقة التليفزيونية بقناة المحور عن إنكاري لعذاب القبر، فلقد تصدى بعدها جهابذة السُّنة للأمر يدافعون، وما كان يهمهم إلا الدفاع عن صروحهم التي شيدوها عن قيمة ومدى الاستدلال بالسُّنة القولية، أما موضوعية الأمر فقد كانوا أبعد الناس عنه، بل تركوا كافة الآيات القرءانية التي استدللت بها في عدم وجود عذاب أو نعيم بالقبر، ولم يردوا عليها، ودعني أسرد لك ما قاله أحد هؤلاء الجهابذة بقناة الرحمة يوم الأربعاء الموافق 11/11/2009، لتدرك كيف أشرك هؤلاء رسول الله بالله في الحكم، أو على الأقل كيف يدلسون على الناس ويظهرون أشياء ويخفون أخرى.
فقد قال وهو يحاول التعريض بإسلامي ما يلي:[ يقول الإمام الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول: إن ثبوت حجية السُّنة واستقلالها بتشريعات الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام ].انتهى.
أرأيت تعبير ( استقلال السُّنة بتشريعات الأحكام) فإن كان يقصد السُّنة العملية فنحن معه، ويكون في هذه الحالة يضرب الكلام بعضه ببعض وليفهم من شاء ما شاء، وإن كان يقصد السُّنة القولية فقد أسند لرسول الله مهمة لم يُرسل بها، فما كان رسول الله مُشرعا، إنما كان مبلغا ومبينا وبشيرا ونذيرا:
((مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ *)).سورة المائدة آية رقم : (99) .
وقال تعالى:( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل آية رقم : (44) .
فكيف بعد تلك الآيات نقول بأن السُّنة القولية تستقل بالأحكام الإيمانية؟، أي تكون ناشئة لحكم يخضع له الناس في إيمانهم؟!.
هذا فضلا عن أن عذاب القبر ليس حكما تشريعيا حتى يقول ذلك الشيخ الشهير مقالة الإمام الشوكاني، ويضعها بغير موضعها، فعذاب القبر قضية إيمانية وليست حكما بفريضة ولا سُنة، فالحاكم له أن يُشرِّع من الأحكام ما يفي بمصلحة العباد، فكيف ننكر ذلك على أقوال الرسول – عليه الصلاة والسلام - ؟، لكن للإيمانيات شأن آخر عجز الشيخ عن إدراكه.
كما عجز الشيخ الشهير عن إدراك الفرق بين النظر والرؤية والبصر، فلم يفرق بينهم، وكم أشفقت عليه وعلى عقله وقد عجز عن إدراك تناقض مقاله، وعجز عن كشف إشراكه الذي أوقعه به إبليس، فقد قال نقلا عن شيخه بن القيم في معرض ذكره أنواع السُّنة النبوية، بأن [ هناك سُنة موجبة لما سكت القرءان عن إيجابه، أو محرمة لما سكت القرءان عن تحريمه ] ...ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن لا يصدق فعليه بتسجيل برنامج (جبريل يسأل والنبي يجيب) بقناة الرحمة، فليرجع إليه ليدرك حجم الإشراك لمن يزعم الوحدانية والحكم لله، وتكلم الشهير فقدَّم العلم على العقل، ولم يدرك أن العلم نتاج العقل، فما يمكن لمجنون أن يكون عالما، لكن العكس صحيح، وبرهن على مقاله في ذلك بأن لله اسم (العليم)، ولا يوجد لله اسم يسمى (العاقل)، وهو مما يجعل الإنسان يشفق على مثل تلك العقول النقلية التي لا تتحرك عن أقوال وجهد الأجداد من السلف، بل تراه فقد الهداية وهو يفرح بالعلم.
وتكلم عن أن النقل ضرورة لإدراك الفقه، لكن لا يمكن الاكتفاء بالعقل لإدراك الأمور، وأوافقه لكن مع التعديل، لأن القرءان منقول لنا ومع ذلك أمرنا ربنا أن نتفكر ونعمل عقولنا فيه، وطالما أعملنا العقول في القرءان فلماذا لا نُعمل العقول بالسُّنة النبوية القولية التي لم يتعهد الله بحفظها، والتي اختلف رواتها؟، فهذا ثبت عنده الحديث لكنه لم يثبت عند الآخر، وهذا حديث حسن، وآخر حسن صحيح، وثالث صحيح، ورابع ضعيف، وخامس مرسل، ومعلول إلى ستين نوعا، فكيف يكون المختلف فيه من الإيمانيات؟، وكيف نتعبد الله بحسن وصحيح وضعيف أيكون ذلك من الإيمانيات الواجبة!؟.
وهم لا يقولون لك أبدًا أن البخاري ومسلم حين ذكرا حديث: [ تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله ]، لم يذكرا أبدًا كلمة (وسنتي) التي يحلو لدعاتنا القول بها نقلا عما انفرد به مالك، إني أراهم وهم يُفسدون عقول الناس ويمنعون أدمغتهم أن تنطلق من وصايتهم وعقالهم اللعين، وأراهم يعزفون لكم لحنا في الدين ولا يريدون لكم أن تسمعوا غيره.
ورأيته وهو يقول كلمة الحياة البرزخية، إن هؤلاء الأشياخ عبثوا بمعاني كلمات القرءان خارج الأُطر والموضوعية القرءانية، لأنهم يؤصِّلُون في الناس كلمة حياة البرزخ، بينما لا يوجد شيء اسمه البرزخ يحيا الناس فيه، فالبرزخ هو الحائل والفاصل، وليس مكانا نذهب إليه ونعيش فيه بهذا الاسم، لقوله تعالى:
( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) سورة المؤمنون آية رقم : (100) .
ويقول تعالى:
((بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ *)).سورة الرحمن آية رقم : (20) .
ولن يسعفني الوقت ولا الصفحات لأتتبع هذا الشيخ وأمثاله في تُرَّهاتِهم للرد عليها، لكن عزائي أن تلامذته وقد سمعوه سيقرءون كتابي هذا، ويوما ما سيفيقون من إغماءة المخدر الذي وضعه فقهاء جهل الناس في الناس، فما كان لهؤلاء أن يكونوا فقهاء إلا بجهل كثير من الناس وتوقف عقولهم عن العمل، فهم فقهاء بالصدفة، ويزعمون بأننا نعادي النقل، بينما نحن نذم من توقف عن تطهير المنقول البشري الذي يمكن تطهيره، وننادي أن يتم التطهير بالعقل وآليات اليوم.
والذين ينادون بكل فقه السلف، ويؤثمون كل من حاول نقد فقه الأسلاف، هم في الحقيقة ليسوا بفقهاء، فالفقيه هو من يستنبط الأحكام، ويُعمل العقل، أما هؤلاء فهم مجرد نَقَلَة لتراث بكل ما فيه، ومهما كان ما فيه، ولا يهمهم وهم في ذلك الهدير إلا أن يكونوا على فقه السلف، وكأن السلف هم أهل العصمة بينما نحن نُمَثِّل الخطيئة في نظر وعقول هؤلاء الناقلين بلا تعقل.
بحث فقهي:
مع سرد وتخريج للأحاديث المزعومة
عن القبر وعذابه
بالبداية أود أن يعلم القارئ أن هذا الجزء من الدراسة لمن تعوَّد المُدارسة الفقهية، فالعوام والذين لا همَّ لهم إلا الطعن في جهد الآخرين بلا علم إلا من قلوب طيبة يملكونها، قد يجدون صعوبة في تتبع وتذوق وإدراك قيمة المعاني العلمية الواردة بذلك الجزء، لكن حسب الجميع أن يتبع أحسن القول كما أمر الله جل في علاه.
ولقد اعتدنا على تناقض الروايات المنسوبة لرسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، واعتدنا على اختلافات أئمة الحديث والفقه، ورجمهم من يقول بتناقض بعض الأحاديث مع القرءان بعدم الدراية وبالقصور العلمي، لذلك أنقل للقارئ الكريم بعضا من فقههم بخصوص الأحاديث الواردة بعذاب القبر، ثم تخريجًا لبعض الأحاديث الواردة بالصحيحين (البخاري ومسلم)، من خلال علم الجرح والتعديل الذي ينتهجه أئمة علم الحديث، ليقف القارئ على حقيقة وأصل ما يعتنقه من فكر.
لكن أوضح بالبداية أن الحديث النبوي مهما صحت درجته، ومهما تم تدوينه بكتب الصحاح، فلا يؤخذ به ولا يعتمد عليه لاستخراج أحكام الإيمان والعقائد، وقد أوضحنا ذلك بالفصل الأول من تلك الدراسة، كما أن فقهاء الحديث اعتمدوا لصحة الحديث أن يكون سنده صحيحا، فهم بذلك يحكمون على صحة المتن، وهو الأمر المخالف للسوية الفكرية، إذ ان صحة المقولة هي التي تُبين صدق القائل وليست شهرة الراوي بالصدق هي التي تجعلنا نحكم صدق كل مقولة تصدر عنه، لكن اعتماد الأمة عكس ذلك النهج دهورا أفقد الكثير من مناهجنا الرشاد.
ولابد أن نعلم أن التصور القرءاني هو أصدق تصور لما يحدث بالحياة وما يحدث بالممات وبعده، وليثق كل منا ويعيد إيمانه بالآية الكريمة التي قال تعالى فيها:
((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *)).سورة الأنعام آية رقم : (3Cool .
والآية الكريمة:
((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا *)).سورة النبأ آية رقم : (29) .
وليس هناك كتاب بعد كتاب الله يمكن الاعتماد عليه في شأن العقائد، والله عز وجل لم يجعل الإيمانيات مُجَهَّلَة يستنبطها من يستنبطها ويجهلها من يجهلها، ولم يتركها لرسوله ليبينها في علم الحديث الذي نهى – عليه الصلاة والسلام - الصحابة عن كتابته، وهو النبي الصادق القائل:[من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا]، وهو القائل: [من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار]، وقد قال الله تعالى للصحابة وللناس جميعا:
((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ*)).سورة آل عمران آية رقم : (144)
وفيما يلي نبدأ التأصيل والتخريج للأحاديث النبوية التي دونت بعد وفاته – عليه الصلاة والسلام - بمائة وخمسين سنة لكن بعد شرح لأمر معضل وإلي اللقاء في تكملة الجزء الخامس من هذا الكتاب القيم لينير القلوب الجامدة المغلقة فتكون سهلة في الحياة هكذا أمر الله تعالي لها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.