"المنشآت الفندقية": صرف 6 دفعات من صندوق إعانة الطوارئ للعاملين بالسياحة – مستند    الأوقاف: افتتاح 19 مسجدا ب 9 محافظات غدا - صور    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    غرامة "200 جنيه".. مطالب بتغليظ عقوبة انتحال صفة طبيب    الرئيس السيسي يحتفي بعمال مصر: تحية إجلال وتقدير لكل يدٍ مصرية تزرع الأمل    قرار عاجل من الري بشأن مساحات ومناطق زراعة الأرز    فيديو.. اقتحام الشرطة الأمريكية لحرم جامعة كاليفورنيا    ماكرون لا يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا في حال اخترقت روسيا "خطوط الجبهة"    واشنطن تدعو روسيا والصين لعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    ميقاتي يحذر من تحوّل لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    «الشيوخ» ينعى رئيس لجنة الطاقة عبدالخالق عياد    بينهم شيكابالا والجزيري.. 10 غيابات تضرب الزمالك في مواجهة البنك الأهلي    صدام جديد.. أنشيلوتي يُجبر نجم ريال مدريد على الرحيل    ضبط 4 أشخاص بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في القليوبية    حملة تموينية بكفر الشيخ تضبط أسماك مجمدة غير صالحة    "أبواب حديد وعربات يد".. قرار من النيابة ضد عصابة سرقة المقابر بالخليفة    «اكتشف غير المكتشف».. إطلاق حملة توعية بضعف عضلة القلب في 13 محافظة    وزيرة الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من مهلة الشهر لدفع الوديعة للمسجلين في مبادرة السيارات    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    كشف ملابسات فيديو الحركات الاستعراضية لسائقين بالقاهرة    حار نهارًا.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 2-5-2024 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط المتهم بإدارة ورشة لتصنيع وتعديل الأسلحة النارية بالبحيرة    الأمن تكثف جهوده لكشف غموض مق.تل صغيرة بط.عنات نافذة في أسيوط    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من منصة الجونة السينمائية    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 3.. أحداث مرعب ونهاية صادمة (تفاصيل)    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    رئيس جامعة حلوان يكرم الطالب عبد الله أشرف    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم دينا فؤاد عن مسلسل "حق عرب"    وائل نور.. زواجه من فنانة وأبرز أعماله وهذا سبب تراجعه    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تحتاج لإجراء عملية جراحية    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    مدرب النمسا يرفض تدريب بايرن ميونخ    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    كوارث في عمليات الانقاذ.. قفزة في عدد ضحايا انهيار جزء من طريق سريع في الصين    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب يوضح الاحاديث المكذوبة والموضوعة عن عذاب القبر ونعيمه
نشر في شباب مصر يوم 08 - 01 - 2014

((إليكم كتاب محقق قيم يوضح الاحاديث المكذوبة والموضوعة التي كتبت عن عذاب ونعيم القبر للمستشار أحمد عبده ماهر وهو مفكر اسلامي مصري قال فيه المستشار أحمد عبده ماهر أن عذاب القبر ونعيمه لا يوجد في القبر عندما يموت الانسان وقد استشهد بالايات القرآنية والاحاديث الصحيحة المتفقة مع القرآن الكريم فقد أثبت بالدليل القاطع من كتاب الله أن القبر لا يوجد به حساب وأن الحساب في الاخرة فلو كان في القبر عذاب أو نعيم ما فائدة يوم الحساب في الأخرة فعذاب القبر ليس له وجود في الاسلام الصحيح وانما الاحاديث الموضوعة والضعيفة التي دست في كتب الاحاديث قديما هي سبب الزوبعة في كل ما يحدث من تخويف الوعاظ للناس بهذا العذاب حتي يخاف الناس وتنصاع لاوامرهم وتكون لهم قداسة كأنهم الهة تعبد من دون الله تعالي في الأرض وكانت النهاية أن الناس انشغلت بالعذاب وتركت الدنيا بدون العمل مع أن الله العدل والحق ولا يعذب الناس مرتين فالنعيم أو العقاب أو العفو عن الناس مؤجل في الآخرة هكذا يقول كتاب الله تعالي ولكن عبدة الاحاديث الموضوعة والقصص الواهية هي من تسئ للإسلام الحنيف ليلا ونهارا والخلاصة في هذا الكتاب القيم الادلة الدامغة بعدم وجود عذاب أو نعيم في القبر وأنا الحساب للناس يوم القيامة فقط والجنة والنار بالاخرة فقط وليس في القبر واليكم ملخص هذا الكتاب القيم من أستاذنا المحترم أحمد عبده ماهر ومعه تخريج الاحاديث الضعيفة بسندها حتي يكون كل شئ موثق وبالدليل من القرآن وأليكم ملخص كتاب أوهام عذاب القبر من موقع ( منتديات العلم والعلماء شباب العرب )
كتاب أوهام عذاب القبر
تأليف: المستشار والمحكم الدولي أحمد عبده ماهرالمحامي.
تقديم الأستاذ الدكتور/أحمد عبد الرحيم السايح
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وقطر وأم القرى.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
مما ينبغي أن نؤكد عليه: أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والعقليات، ولذلك جاءت حركاتهم في الحياة الدنيا تخضع لمعايير المواهب والمنح التي وهبها الله لهذا وذاك.
والمستشار/أحمد عبده ماهر يتمتع بمنح منحها الله إياها، ومواهب كبيرة، لذلك تجده متميزا في كلماته وما يكتب، فالفكر والكلمة حقيقتان متلازمتان في حياته، لذلك جاءت كلماته في مؤلفاته معالم مضيئة على طريق تصحيح ما أفسده الدهر من موروثات ومناهج أضرت بالعقائد، وهو يمتلك طاقات إصلاحية يبذلها دوما لأجل الأمة.
وإذا كان هناك كثير من الكُتَّاب دعوا إلى إنقاذ الأمة من وهدة التخلف وغبار الجهل، فإن المؤلف له عبقرية فذَّة في عرض مفاهيم التصحيح بما يمتلك من موهبة فريدة وعطاء متميز.
وقضية عذاب القبر لا هم للمتاجرين بالدين إلا ذكرها، وكأنها عمل إنتاجي تفتخر به الأمة، وذلك رغم تعارضها مع مبادئ الإسلام ودلالات الآيات القرءانية، لذلك جاء المؤَلَّف الماثل لاجتثاث جذور المفاهيم المغلوطة وقلع أصولها ودوافعها النفسية والفكرية، مستمدا قوته من صريح كتاب الله، وكتب المحدثين في الجرح والتعديل، مع عدم إهمال دور العقل القويم في استخراج الأدلة.
فالكتاب الماثل أداة بناء ذات فصول ثلاثة، وملحق به تخريج لبعض أحاديث من عذاب مزعوم بالقبر، سواء ما ورد منها بكتب الصحاح أو مما اشتهر القول به على ألسنة الدعاة، فضلا عن تصحيح بعض تحريفات التفسير لكتاب الله.
فالفصل الأول تحت عنوان: موت بلا عذاب بالقبر (تقديم أصولي).
والفصل الثاني تحت عنوان: من الوفاة حتى حساب الآخرة.
والفصل الثالث بعنوان: تفنيد حجج أنصار فكرة عذاب القبر.
والملاحظ أن الفصول الثلاثة تميزت بالتوثيق والتنقيب مما أعطى الدراسة قوة وعمقا.
ولعل تلك الدراسة توجد في الناس الوعي والتعريف بخطورة الاستعمال المنحرف والشاذ لبعض مقولات الأقدمين، وعلها تعيد إليهم الشخصية الإسلامية التي رباها رسول الله في الصحابة الأطهار، الذين كانوا يتفاعلون مع الكون بالقرءان، ولم يكونوا يحاولون قهر من بالكون لتأويلاتهم عن القرءان. أ.د/أحمد عبد الرحيم السايح
مقدمة المؤلف:
بسم الله الحبيب، الرحمن الرحيم الكريم، فمنذ سنوات خَلَت وأنا أُتابع وأُشارك حركة تطوير الخطاب الديني التي نحن في أمس الحاجة إليها، وذلك نظرا لما وصل إليه أمر الدَّعوة والدُّعَاة ببلادنا.
ولقد شاركت في ذلك بمؤلفات عديدة منها كُتُب:
(1) - (كيف كان خُلُقُهُ القرءان .
(2) - وإسلامنا والتراث .
(3) - و كنوز ورحمات من القرءان.
وبكثير من الخُطَب المنبرية، والمقالات التي تُرجِمَ الكثير منها إلى لغات متعددة ، ونُشرت بالعالم عن طريق أجهزة إعلامية مختلفة، وشاركت وحاضرت ببعض المؤتمرات الدولية الراعية لإصلاح الدعوة.
وأحمد الله أن وفقني برحمته للخروج من تَدَيُّن الإشراك والبدع، إلى تدين القرءان والمِنَح ، وأن هداني لمن يعينونني بقوة كي أخطو بخطوات الرشاد، وشكر خاص وواجب لقناة المحور الفضائية لإسهامها في نشر الحقائق وتنوير الشعوب، وبكل التقدير والعرفان أُقدم الفارس النبيل الذي وقف خلف هذا الكتاب وأشكره، وهو الأستاذ/عبد الفتاح عساكر، ذلك الجندي الذي تراه خلف كل الأعمال ، وكل الاجتهادات مُعينا ومؤازرا، فهو الذي بذل الجهد الأكبر في التخريج الفقهي لأحاديث عذاب القبر، كما نتوجه بالشكر للأستاذ/ إبراهيم عياد لمساهماته في التصويب اللغوي.
وعلى القارئ أن يعلم أن التخريج الفقهي للأحاديث الواردة عن عذاب القبر روعي فيه أن يكون مستمدا من كتب علماء الحديث، وتم تطبيق منهجهم بأن الجرح مقدم على التعديل، وقد يصدم القارئ من أحاديث يتناولها الناس كمُسَلَّمات يؤمنون بها بينما تُمثِّل عين الصدام مع القرءان فضلا عن فساد سندها.
والكتيب الماثل يضيف تَنَوُّعًا لمسيرة إصلاح الدعوة في أمر استفحل الاعتقاد فيه، حتى صار الناس يتعوَّذون من عذاب القبر في صلاتهم، بينما لا شرعية ولا وجود لذلك العذاب المسرحي الموهوم، وهو كتاب قد يستعصي على غير الباحثين تقدير ما به، ولقد حرصت أن يكون ما انتهيت إليه موثقا بأدلَّة من القرءان والسُّنة النبوية الصحيحة، ومن العقل، وهو إن كان صادما لمعتقدات الكثيرين إلا أن الباحثين عن الحق لابد أن يخضعوا له، بدلا من الخضوع لموروثات الإشراك بالله والعبادة بطقوس بلا علم، والتي دأبنا عليها حفاظا منا على تراث نظنه كله خيرًا ونقدسه بلا تمحيص.
ولقد دأب المسلمون على عدم التفكير فيما بثه فينا عمائم الماضي، لكننا بعد أن تعلمنا القراءة والكتابة ظللنا على معتقدنا بقصور فكرنا، حتى استيقظنا على متخصصين يقولون برضاع الكبير، وقتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، وطهارة بول النبي، والتداوي بأبوال الإبل.
وترانا وقد تجمدنا عند رؤية الأقدمين لتفسير كتاب الله، تلك الرؤية التي شابها أخلاط من الإسرائيليات، وروايات مخالفة لكتاب الله تأثر بها المفسرون، فصرنا نُكذِّب آيات القرءان لذمة مرويات السُّنة، في الوقت الذي لا نعترف فيه لمجتهد باجتهاد، سواء أكان متخصصًا أم غير متخصص، وبرعنا في قذف المجتهدين بكل الوسائل والمَذَمَّات.
وصرنا نُمَجِّد السُّنة النبوية القولية، ونرفعها على القرءان عمليا، وإن كنا نعتني نظريا وقوليا بأسبقية القرءان، وصار تفسير أئمتنا لآيات كتاب الله يخضع لثقافتهم الروائية عن الحديث النبوي، وعظَّمنا النبي ولم نُوَقِّر الله، وصرنا فرسانا للسُّنة القولية، بينما لم نستظل بالقرءان، ولفظنا التدبر فيه، ولم يبق لنا منه إلا بعض المطالعة، نظن بها أننا على الحق، فنسأل الله أن يهدينا قبل أن نلقاه.
وتجدنا حين تبرز بيننا دراسة تتصادم مع ما ألفينا عليه آباءنا نسعى بقوة لتأكيد الزَّخَم القديم وكأنها مبارزة بين أمة بأكملها من جانب، وأحد الأصنام المنبوذة بالضفة الأخرى، لذلك كله نشب فينا فكر عذاب القبر وغيره من الخرافات، لذلك أهيب بأخوتي وأبنائي المسلمين إبان تناولهم للأمر أن يُنَفِّذُوا بعدالة وموضوعية ما أمرهم الله بقوله
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )الزمر: 18.
وإن ما تم بثه فينا من كوننا غير مؤهلين وبالتالي غير أهل للفكر في دين الله ما هو إلا نوع من تكذيب القرءان، فالله عز وجل يسَّرَ لنا القرءان، بينما نقول بصعوبته وعدم إمكان فهمه إلا لمتخصص، والله أمرنا بتدبر القرءان والتفكر والتعقل فيه، بينما نحن نمتنع لذمة مدسوسات إبليسية زرعت فينا هبوط الهمة تجاه كتاب الله.
بل رأيت الناس وهم لا يدركون أن الخطاب القرءاني للناس جميعا على اختلاف لغاتهم، فبالله عليكم إذا ما كان أهل اللغة العربية هذا حالهم... فماذا يكون حال باقي الأجناس المخاطبين بالقرءان أيضا!!، لا شك أننا بحاجة ماسة لننفض غبار الزَّخَم القديم الذي أهملنا به كتاب الله، فتركنا عقولنا نهبا لآخرين لعقود خلت، ولنتدبر جميعا بلا استثناء كتاب الله، فنحن مأمورون بذلك بلا مراء، بل يسَّرَهُ الله لنا.
ولابد من إعلاء كتاب الله وآياته على المرويات والقصص والأقصوصات التي نستقي منها أمور تديننا ، فمهما تصورنا درجة صحتها، فليس لها أن تنافس القرءان إلا عند قلوب أشركت بالله، ولنعلم أن أهل الزمن القديم كانوا رجالا لزمانهم، والله لم يجعل حقبة زمنية بغير رجال، فنحن رجال اليوم وهم كانوا أسياد الأمس وأجدادنا، ولكل منا الفرصة ليكون رجل عصره بلا تسيد أو سيادة من أحد.
المؤلف
أحمد عبده ماهر
الفصل الأول:
موت بلا عذاب بالقبر.
تقديم أصولي:
مقدمة لازمة لفهم أصول الإيمانيات:
لعل الكثيرين إن لم تكن الأغلبية تشغل فكرهم الدار الآخرة وما يكون فيها من أحداث، ولقد أدرك بعض الدُّعاة ولع الناس بذلك الأمر، فأفاضوا وأسهبوا واغترفوا من غث التراث وأضاعوا السمين، وصاروا يدفعون بعلوم ما أنزل الله بها من سلطان، ويزُجُّون بها في أدمغة الناس، وبات أساطين ذلك الفكر عند العامة هم أهل الدين والتدين، وأصبح من يعزف لحنًا غير لحنهم مجرما، وتراهم ينعتونه منكرًا للسُّنة أحيانا، وقرءانيا أحيانا أخرى، وهو منكر للمعلوم من الدين بالضرورة عند آخرين، لذلك ماج الناس في أوحال يقول بها بعض المتخصصين قبل العامة، ويترخصون في القذف بلا مبالاة.
وأرى من الضروري لكل مسلم أن يعلم أن الاستدلال على الأحكام الشرعية التي يجب الإيمان بها لابد أن ينبع من نص قطعي الثبوت، وإلا فكيف ستنبع أحكام يلزم الإيمان بها من خلال نصوص ظنية الثبوت؟، وهل ترك الله العقائد والإيمانيات لتفسير الفقهاء؟.
ونصوص القرءان الكريم قطعية الثبوت كلها، لكن بالنسبة لدلالة الآيات فمنها آيات قطعية الدلالة، وأخرى ظنية الدلالة، فالذين قاموا بتأويل نصوص ظنية الدلالة من القرءان الكريم وصوروها أحكاما لعذاب بالقبر، إنما خالفوا أسس الفقه والتفسير والعقيدة، فقد كان من المتعين عليهم لاستنباط أي حكم يتوجب الإيمان به، أن يكون ذلك من خلال نصوص القرءان قطعية الدلالة، وهو الأمر غير الموجود بالنسبة لعذاب القبر، وبما يمتنع معه الاستنباط.
فمن النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، قوله تعالى:
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ*). سورة العنكبوت آية رقم57).
فلأنه قرءان، فهو قطعي الثبوت، ولأننا على يقين بأن هناك موتًا محتمًا يليه بعث مؤكد، ففي ذلك قطعية الدلالة، فلا يماري في ذلك النص إلا كافر.
ومن النصوص قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، قوله تعالى:
((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ*)). سورة غافر آية رقم : (46) .
فهو نص قطعي الثبوت لأنه قرءان، وهو ظنِّي الدلالة لأننا اختلفنا في تأويله، فنحن لا نعلم شكل العرض ولا ما إذا كان يعني عذاب القبر أم يعني ابتلاءات دنيوية ثم يليها أشد العذاب بالآخرة، أَوَ يكون ذلك الأمر لآل فرعون فقط كما يدل بذلك النص، أم أنه ينسحب على الناس جميعا؟، ولتلك الاختلافات بيننا فهو نص ظني الدلالة، فلا يُستنبط منه حُكم إيماني مُلزم، ومثل قوله تعالى:
((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا*)).سورة الفتح آية رقم : (10) 0
فلا يستطيع أحد معرفة شكل ومراد كلمة يد الله، لذلك فهو نص ظني الدلالة.
أما السُّنة النبوية القولية فكلها ظنية الثبوت وظنية الدلالة، وهو ما اتفق عليه أهل العلم جميعا بلا خلاف بينهم، فيمكن العمل بها، لكن لا يمكن استخراج الإيمانيات منها، لأن الأحكام التي يجب الإيمان بها لابد أن تنبع من يقين، فلا يُستخرج اليقين من ظني أبدًا، وعلى ذلك فجميع أحاديث عذاب القبر فضلا عن كونها ملفقة على الرسول (سيأتي بيانه)، فلا يمكن الاعتماد عليها في استنباط حكم يؤمن به المرء.
ولا يقولن قائل بالقول الممجوج، بأن السُّنة القولية مُكَمِّلة للقرءان، وأن هناك أحاديث تُقرر عذاب القبر، إلا إن كان يظن النقص بالقرءان، أو يظن بأن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - يخالف ما تنزل عليه من قرءان، وذلك ليس بتكذيب للسُّنة القولية التي يُفضل العمل بها ما لم تُخالف نَصًّا قرءانيا، وما لم تُخالف قويم العقل أو الأخلاق، كالرضاع المزعوم للرجل الكبير، أو التداوي بأبوال الإبل وغير ذلك مما علق بها.
أما السُّنة العملية الشارحة للفرائض والمُفَصِّلَة لها فهي الوجه العملي لتنفيذ كتاب الله، وهي من وحي السماء، وهي عندنا فريضة وليست سُنَّة، وهي فقط المُبينة بيقين لما أجمله القرءان بوحي من السماء، بما يعني أن الوحي في هذا الشأن تم تبيينه بالوحي.
ولست بدعا من المفكرين والباحثين أو الفقهاء الذين قالوا معي بعدم وجود عذاب القبر ولا نعيمه، وهم جمهرة، بل قال بذلك أجلَّة من علمائنا، منهم فضيلة الشيخ/ محمد متولي الشعراوي، لكن هناك من يمررون للشيخ أشياء ويطمسون أُخرى، فلقد ذكر فضيلته ذلك بمجلة حواء بالعدد 132 بتاريخ 13/2/1982 الصفحة رقم: (31) ، فقال : [إذن فلا يوجد عذاب بالقبر ولكن عرض ورؤية فقط لموقف الإنسان من عذاب أو نعيم]، كما ذكره أيضا بإصدار أخبار اليوم في كتيب باسم (الدار الآخرة)، وقال بأنه لا يوجد زمن بالقبر، وأتفق مع الشيخ في مسألة عدم وجود عذاب أو زمن بالقبر، وأختلف معه فيما انتهى إليه قوله من عرض ورؤية موقف الإنسان بالقبر، فحقيقته إنه ساعة خروج الروح يدرك الكافر حقيقة كفره وصدق رسالة النبوة.
كما ذكره الأستاذ/محمد عبد المنعم مراد بكتابه (عذاب القبر إفك وضلال مبين)، وكتاب (شفاء الصدر بنفي عذاب القبر) للدكتور/ إسماعيل منصور، وكتاب (استحالة عذاب القبر) للأستاذ/إيهاب حسن عبده، وكلها مراجع لكتابنا الماثل، لكن ماذا نقول للمصفقين الذين يحلو لهم الترويج لفكر العذاب قبل الحساب، وإنكار صريح القرءان؟!!.
إن ما ورثناه من تأويلات بعض السادة المفسرين والدُّعاة عن وجود عذاب قبر ليس إلا جهدًا بشريًا أخطأ ولم يُدرك الصواب، وأما الأحاديث النبوية الواردة بشأن وجود عذاب قبر فليس فيها حديث واحد صحيح السند رغم ورودها بكتب الصحاح (وذلك على مقياس علم الجرح والتعديل)، وذلك فضلا عن تصادم متون تلك الروايات مع نصوص آيات القرءان الكريم بما يُبطلها، ولقد تصدى كثير من علماء السُّنة لتلك الأحاديث بالتحليل واستخرجوا عللها سيرد تفصيله لكن الناس والدعاة يبقون دوما بأحضان ما ألفوا عليه، وما ذلك إلا من نتاج عدم القراءة، وتقديس القديم بنظرية (هذا ما ألفينا عليه آباءنا).
ولقد تنوع هجر المسلمون للقرءان، فهناك من هجر اللفظ بعدم القراءة، وهناك من هجر المعنى بعدم تدبره، وهناك من هجر الهدف القرءاني بعدم تنفيذ وصاياه وأوامره، كل ذلك فضلا عن هجر الكافرين له بوصفه كتاب عقيدة، وارتمى الجميع في أودية من كتابات البشر ورواياتهم حتى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، بالبعد عن كتاب الله، لذلك فالكتاب أداة تنبيه ضد الكفر بآياته.
بل لقد تَهَيَّج الشعور تجاه القرءان، حتى جعله الناس كتابا لاهوتيا، وجعلوه كتابا يتذكرونه بالجنائز والقبور، فلم يُحَكِّمُوه في أفكارهم وحياتهم، حتى لا تجد أحدهم إلا ينبري بالاستشهاد بالحديث النبوي في أقواله، بينما تجد آيات القرءان بعيدة عن فكره ومنواله.
وترى الناس إذا ما فكَّروا بالقرءان جعلوا من كُتُب المفسرين وسائط بينهم وبين الله، وفي ذلك تأكيد لموات القرءان في قلوبهم، بل تراهم وقد امتنعوا تقريبا عن التمحور لتدبر القرءان، بينما يتمحورون لقراءة جهد السابقين بلا فكر منهم فيه، وكأن معاني الآيات توقفت عند جهد السابقين وعقولهم، وهو الأمر الذي جعل الدرب العملي لأمة الإسلام الحالية في وادٍ ودستورها القرءان بوادٍٍ آخر.
وترى الناس لا تُدرك عن حياتها في عالم الذَّر شيئا، كما لا يُدركون شيئا عن حياتهم وهم أجِنَّة في بطون أُمهاتهم، لكنهم ترسموا مستقبلهم في قبورهم من خلال مرويات ما أنزل الله بها من سلطان.
ولقد تلونت بعض العقول وانتقت من كتاب الله ما يحلو لها، وتأولته على أنه عذاب قبر، وتركت بالمقابل صريح الآيات التي تؤكد عدم وجوده، فتسببوا في إضلال الأمة، بل في السقوط في هُوَّة التكذيب لكتاب الله، بل دسوا التعوذ من عذاب القبر المبتدع داخل صلوات الناس باسم السُّنة النبوية، والسُّنة بريئة من ذلك التعوذ الدخيل.
وسوف نوالي بالشرح خلال الفصل الثاني من تلك الدراسة كيف ترك مشاهير الدعاة الكثير من الدلائل الواضحة عن عدم وجود مرحلية أو زمن داخل القبور، فارتموا في أودية الوهم، حتى استفحل شرهم وانتشر كالنار في الهشيم بجسد الأمة، وسيثبت للقارئ تناقض كافة أحاديث عذاب القبر مع آيات كتاب الله، وسيتحقق الأمر من مئات الأدلة القرءانية الواضحة، وليس من خلال تأويلاتهم الفاسدة لآيتين أو ثلاث تصوروا بالوهم أنها العذاب المزعوم، وليس للنعيم المزعوم بالقبر أي دليل من القرءان، لذلك اشتهر عذاب القبر ولم يشتهر نعيمه.
السُّنة النبوية القولية وركائز الهداية:
إن الأحاديث النبوية القولية محل خلاف وجدل كبير، وهي كما يقول علماء الحديث ظنية الثبوت وظنية الدلالة، أفستُبنى العقائد والإيمانيات على أُسُسٍ ظنية من الحديث النبوي، أو على أسس تأويلية لمتأولين للآيات ظنية الدلالة بالقرءان؟.
إن فصل الخطاب في الأمر أن الحديث النبوي إن لم يتفق مع ما جاء بكتاب الله فلا يمكن الحكم بصحته حتى وإن خرج البخاري بشخصه من قبره ووقف بجانب الحديث يسانده، فقد نشأ فن تحقير ومصادمة القرءان باسم (حديث صحيح)، وهو ما لا يسمح به أي عاقل غيور على دينه، وأراه إشراكا يصاحب إيمان أولئك المخالفين للقرءان.
وبذلك المصطلح (حديث صحيح)، وببعض العلوم الوضعية، تمت الفُتيا بطلاق الهازل وزواج المازح، ومن السُّنة الصحيحة عندهم إرضاع المرأة للرجل الكبير، وأصبح للقبر عذاب وحساب منسوب للنبي وللأحاديث، وأخذ بذلك العذاب الشيخ الغزالي القديم في كتابه إحياء علوم الدين، وابن تيمية في كتابه العقيدة الواسطية.
وما أرى ذلك إلا تسلطا من الدُّعاة على عقيدة أهل القبلة، وتسلطًا أيضا على القرءان، حيث أصبح حساب الآخرة يخص الله والقرءان، وصارت الدعوة إلى الله بالقتال كما تُريد سُنَنِهم المزيفة، بدلا من الحكمة والموعظة الحسنة، وبدلا من ترك الناس من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كما أمر الله في كتابه، وجعلوا للرِّدة حدًا يُزهقون به الأنفس بلا سند من علم قويم، والقتل عندهم لترك الصلاة، وللزنا وغيرهم، كل ذلك فعلوه باسم السُّنة النبوية البريئة منهم.
ويمكن للقارئ الذي يستطيع الخروج من شرنقة الجمود الفكري والموروثات أن يجد الحقيقة بتَعَقُّله لآيات كتاب الله وتَفَهُّمِه وموازنته بين الأقوال، وبذلك يكون ممن نفَّذوا قوله تعالى:
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ*)) آية رقم18.)من سورة الزمر.
فأنت دوما مُكلف بأن توازن بعقلك بين ما يُقال وما يتم النَّصب به والافتراء بالكذب أو الضلال، باسم ما يطلقون عليه أنه من الدين، وحق الاختيار والموازنة بين الأقوال أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، مهما قلَّت درجة ثقافته.
وإياك أن تستمع لإفك بعض الدُّعاة بأن للعقل حدودًا، وأنه لا يحق لك التفكير إلا إذا درست بالأزهر وحده، فإنه إن كان الأمر كذلك فلست بمُكنَتِكَ أن تعرف أحسن الكلام من أسوأ الكلام، وبالتالي فلن تُنَفِّذ ما أمرك الله بسورة الزمر، أم تراك تتصور أن الذين سينفذون ذلك التكليف هم الأزهريون وبعض أصحاب اللِّحى فقط!؟، أو أن القرءان يتوجه بالخطاب للمتعلمين من العرب، ولا يحق للإنجليز أو الأميين أن يوازنوا بين ما يقال لهم!؟.
إنني أهيب بكل من تعلَّم القراءة والكتابة أن يرقي بنفسه فكريا من خلال تنفيذ الأمر الإلهي (اقرأ)، وليعلم المسلم أن دعوة النبي كانت عبر تلاوته للنص القرءاني بلا تَزَيُّد ، فلم يكن يشرح للمشركين الإسلام والقرءان ، بل كانوا هم يفهمونه بما يَسَّرَهُ الله للناس لفهم النص القرءاني:
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ*)).سورة القمر الآيات رقم 17،22،32،40) .
وكانوا يؤمنون ، أو يعاندون الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت: ((يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ*)).سورة الأنفال آية رقم:(6) .
فهل نجحد الحق مثلهم؟.
وقرءاننا مُنَزَّل لكل البشرية، سواء أكانوا عربًا أو عجمًا، ولكل الطاقات الفكرية والثقافية، ويسره لكل هؤلاء وغيرهم، لكن الغريب أن أكثر دُعاتنا يُصِرُّون على قصور أدمغتنا حتى عن أدمغة المشركين الأجلاف أيام مهد الدعوة، وقاموا بغرس ذلك في الناس فلا تكاد تجد من يقبل دينا إلا من مُعَمَّمْ، وترى الناس تخاف أن تُفَكِّر، وهم يجعلون مرجعيتهم في تفسير القرءان للطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم من الأقدمين، بعد أن زينها لهم المتخصصون، رغم تيقنهم من تشبع تلك التفاسير بالإسرائيليات، وتجد الناس ترفض أخذ العلم من باحث معاصر يحدوه الإخلاص لدين الإسلام، وهو أحد أهم أسباب فساد أمرهم، وتوقف تقدمهم، ونزوح آخرين منهم إلى ديانات أخرى.
ولينظر القارئ إلى قول الشيخ شلتوت يرحمه الله في حكم الأحاديث النبوية بالنسبة للعقائد، فيرى فضيلته أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل العقلي الذي سَلِمَت مقدماته، وانتهت في أحكامها إلى الحس أو الضرورة لأن العقائد مبناها اليقين، واليقين سبيله العقل والنظر الصحيح، أو الدليل النقلي وهو القرءان الكريم المحكم الدلالة، أو السُّنة الصحيحة المتواترة المحكمة في دلالتها، وذلك نادر الوجود في الأحاديث. (المرجع: رسالة الدكتوراة الخاصة بالدكتور/عبد العزيز عزت عبد الحكيم محمود وموضوعها الشيخ شلتوت ومنهجه في التفسير، وأشرف عليها الدكتور/ محمد عبد المنعم القيعي رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بالقاهرة عام 1989).
ويذكر الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي يرحمه الله وهو الرئيس العام الأسبق للجمعيات الشرعية بمصر، بل هو أول مؤسس لها، وأول إمام لأهل السُّنة بمصر، حيث ذكر بالجزء الأول من كتابه (الدين الخالص) بالصفحة الرابعة ما يلي: [ إن حديث الآحاد لا يكفي لتكوين عقيدة يطمئن المرء إليها ويعلق أمله يوم لقاء الله عليها، لأن رواة الآحاد ليسوا معصومين وليست أخبارهم متواترة المعنى، وهم بشر ليسوا أنبياء وبالتالي فإنه يجوز عليهم النسيان، وحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا، فثبت أن خبر الواحد مظنون، ووجب أن لا يجوز التمسك به في العقائد].
إن فكرة عذاب القبر ساندها المُزَوِّرون من الأقدمين بأحاديث نسبوها للنبي الخاتم، وقالوا حديث صحيح، والذين من بعدهم تأثروا بتلك الأحاديث المزيفة لحبهم رسول الله، فتأولوا بغير حق بعض الآيات القرءانية، وتصوروها تدعم ذلك الزيف المزعوم عن عذاب القبر، وبهذا انتشر الزيف في تفسير كتاب الله أيضا.
بل سيجد القارئ تخريج الأحاديث المنسوبة زورًا للنبي، وقد وضعتها بنهاية الكتاب، واشترك في تخريج بعضها جماعة أنصار السُّنة ونَشَرَتْهَا بمجلتها المسماة (التوحيد) بالعدد الصادر في شهر شوال لعام 1430ه (سبتمبر 2009)، تلك الأحاديث التي تتحدث عن أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وعن ضمَّة القبر، وعن تحدُّث القبر مع الميت، وجميعها معلولة السند فضلا عن المتن، وعموما فالأمر لا يحتاج لتخريج الأحاديث، لأن جميع روايات عذاب القبر مُخالِفة مُخالَفة صريحة لكتاب الله، وهو ما سنبينه بالفصل الثالث من الكتاب، فضلا عن ملحق تخريج الأحاديث بآخر الكتاب.
لكن لا يجب أن يَفْهَم القارئ أن الجماعة تتبنى رأيي في عدم وجود عذاب بالقبر، فأنا أختلف معهم في كثير مما انتهت إليه فتاويهم وأفكارهم الخاصة، وإن كنت أحمل التقدير لبعض مشايخهم وأتباعهم، وهناك تخريج أيضا لأحاديث صحيحي البخاري ومسلم من واقع كُُتُب الرجال التي وضعها أئمة أهل السُّنة، ليتضح أن الأمر كله يقع بين التدليس والإسفاف والوهم، ولعله بعض إسرائيلياتنا التي نحافظ عليها بتراثنا ولا نريد تصويبه.
أذكر ذلك من باب أمانة العرض العلمي، لذلك يكفيك أن تكون صاحب قراءة في كتاب الله، فالدين لا تُحَدِّدَه لحية السلفية، ولا عمامة أزهرية، ولا مسبحة الصوفية، ولا غيرهم من الفرق الإسلامية، إنما حدده الوحي السماوي في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتجد رواياتهم عن رسول الله وقد فاتها ما فاتها، وتناقض أولها مع آخرها، ومع القرءان، ومع هذا فهم لا ينتهون ولا ينتبهون.
وأما ما يُزَوِّرُونَهُ ثم يُتبعونه بقولهم:
((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)).سورة الحشر آية رقم:(7) .
فما أراه إلا استغلالا لبساطة الناس وعدم اطلاعهم، مع تأويل فاسد لمعنى ما نزل من الحق، وتصور منحرف لمهمة النبي.
وأبسط ما يمكن أن نضرب به المثل في هذا الشأن ليفهمه الناس: [ أن للحكومة أن تأمر وتمنع، لكن للطبيب أن يوصي وينهى ]، فكلمة (ما آتاكم)، وكلمة (وما نهاكم) ليست أحكاما، وهي تختلف عن قوله تعالى: (إن الله يأمركم)، وقوله (ولا تقولوا)، وقوله تعالى (حرمت عليكم)، وغير ذلك من الأوامر واجبة التنفيذ، أو المنع الملزم للعباد.
معنى ذلك أن قوله تعالى: ((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)) إنما يعني وصاياه – عليه الصلاة والسلام- ، فضلا عن أن أمر تلك الآية يحكي عن توزيع الفيء وعدم الاعتراض علي قسمة رسول الله للصحابة فيه، وهو أمر خارج الإطار الماثل، وراجع (أول ص75) من هذا الكتاب. لكن من أراد عنه المزيد، وعن معنى (وما ينطق عن الهوى)، فليرجع إلى كتابنا ( كيف كان خُلُقُهُ القرءان) فبه المزيد.
القبر وأوهامه ليست من الإيمانيات:
ومن بين ما ابتلينا به أن كل من سمع كلمة من شيخه فهو يترسم الكفر فيمن قال بغيرها، وذلك من انتشار الجهل بدين الله، وكثرة استحواذ أئمة البدع على فكر الناس، وتعطل العقل عن العمل، فالإيمانيات ذَكَرَها الله في كتابه وحددها، وليس من بينها عذاب القبر أو نعيمه، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*)).سورة البقرة آية رقم:(285) .
ويقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا*)).سورة النساء آية رقم:(136) .
فتلكم هي الإيمانيات الواردة بكتاب الله بلا تعقيد، وليس من بينها عذاب القبر المزعوم ونعيمه المغبون.
وبالسُّنة النبوية لا ترى أثرا لعذاب القبر فيما يجب الإيمان به، ففي فهرس الترمذي - حديث رقم: (3738) . - قال: قال عمر بن الخطاب: كنا عند رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فجاءه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى أتى النبي – عليه الصلاة والسلام- ، فألزق ركبته بركبته، ثم قال: يا محمد ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال فما الإسلام، قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك......
وهو الأمر الذي حدد الإيمانيات تفصيلا بالقرءان وبالسُّنة، فليس من بينها عذاب القبر، فتلكم هي هداية القرءان والسُّنة في أمر حُكم عذاب القبر والإيمان به أو عدم الإيمان، وذلك حتى لا ينحرف غُرٌّ مفتون بفُتات من بعض القراءات، أو شهادة علمية حصل عليها بليل فينبري بها ويستخرج نعوتا بالكفر يهجو بها المخالفين لرأيه.
خلاصة الفصل:
لذلك يجب على المسلم أن يجعل للقرءان الهيمنة فيما يخص الإيمانيات والعقائد، ويليه السُّنة المتواترة التي ينقلها جماعة مسلمة عن جماعة مسلمة أخرى، فيستحيل على الجميع توافقهم على الكذب، حتى يكون ما يؤمن به لا جدال فيه ولا شك، وأن يستدل بعد ذلك بعقله على ما استخلصه من كتاب وسُنَّة متواترة، فالإيمان يكون بالعقل، والعقيدة يستدل بها العقل القويم من خلال الكتاب والسُّنة المتواترة، فبذلك النهج يثبت إيمان المرء من خلال مرجعية رصينة، فالسقطات تكون من خلال صاحب العقل العاطل، والسُّنة النبوية بكتب الحديث لا يصح استخراج حكم عقائدي منها وحدها، لأنها أحاديث آحاد، وقد سبق ذكر رأي أئمة السُّنة في حكم أحاديث الآحاد (راجع ص17).
فكي تقف على حقيقة أمر عذاب القبر ونعيمه لابد أن تدرس بالتمحيص أعمال الدار الآخرة وأحوالها كلها، وعليك مراجعة معاني آيات كتاب الله ومراميها بدقة، وليس كما يفعل بعض الدعاة فيقتطعون آية واحدة من سياقها، يستدلون بتأويلاتهم المنحرفة عنها لتزكية أفكارهم المريضة بداء تعظيم وتقديم الرواية على حساب الآية.
الفصل الثاني : من الوفاة حتى حساب الآخرة:
أولا:الوفاة وخروج الروح (الموت والوفاة):
يرى الكثيرون أن الإنسان يتكون من روح وجسد، ويرون أن الإنسان حين يموت تخرج روحه، فيقولون صعدت روحه إلى بارئها، وهم بذلك المفهوم يُخرجون النَّفس من حساباتهم، ومن غير المقبول أن نتصور أن النَّفس هي الرُّوح، وذلك لورود الكلمتين بالقرءان (النفس و الروح)، وكُلٍّ لها معناها المُتَفَرِّد، وإذا كان هناك فكر يرى بأن قول المولى عَزَّ وجل :
((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*)).سورة ص آية رقم:(72) .
يعنى أن الله نفخ في سيدنا آدم من روحه سبحانه وتعالى، فإنه إفك كبير، وذلك أن المتتبع لكلمة روح هنا وبالآيات السابقة يرى بما لا يدع مجالا للشك، أنها تعني العلم والعقل والمنطق والأداء اللاإرادي لأجزاء الجسم، لكن لا تعني أبدًا أن بالإنسان روح الله سبحانه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فالله أزلي لا يموت، وهو الأول فليس قبله شيء ولا واحد، وليس مكونا من أجزاء (جسد ونفس وروح)، بل هو الحي الواحد الأحد جل جلاله.
لذلك لابد أن أصحب القارئ إلى قراءة بتدبر لبعض مما ورد عن النفس بالقرءان، وذلك فيما يلي:
1 يقول تعالى:
((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ*)).سورة آل عمران آية رقم:(145) .
يعني أن النفس هي التي تموت .
2 ويقول تعالى:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ*)).سورة آل عمران آية رقم:(185) .
فجماع البندين رقم: [1و2]. يعني أن النَّفس هي التي تموت.
3 ويقول سبحانه:
((وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ*)).سورة ق آية رقم:(21) .
4 ويقول تعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*)).سورة الفجر آية رقم:(27-2Cool .
فجماع البندين:[ 3و4] يعني أن النفس هي التي يبشرها الله بالطمأنينة وهي التي تذهب إليه سبحانه وتعالى.
5 ويقول تعالى:
((وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ*)).سورة يوسف آية رقم:(53) .
فذلك يعني أن النفس هي التي تعصى، وأن من المحامد لوم الإنسان نفسه ومحاسبتها قبل لقاء الله.
6 ويقول جل وعلا:
((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ*)).سورة القيامة آية رقم:(2) .
فالنفس هي التي تُعيد النَّظَر في سلوكياتها.
7 ويقول سبحانه:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)).سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي عادت النفوس للأجساد البالية عند البعث، بعد إعادة تشكيل هياكلها الجسدية ثم إحيائها بالنَّفس.
وهكذا نرى من الآيات السابقات أن النَّفس هي التي تموت، وهي التي تُبعث، وهي التي تُزوج بأجسادها يوم القيامة، وهي التي يناديها الله، وهي التي ترجع إلى الله...وهكذا.
والله خَلَقَنا من نفس واحدة، فقال:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا*)).سورة النساء آية رقم:(1) .
والله ألهم كل نفس طريق الفجور وطريق التقوى، فقال سبحانه:
((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*)).سورة الشمس آية رقم:(7-Cool .
والنَّفْس هي التي تجعلك تتحرك الحركات الإرادية، وبغيرها تكون بلا تَعَقُّل، وإذا مات ابن آدم انسلخت منه نفسه وليست روحه، وذلك من قوله تعالى:
((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*)).سورة الزمر آية رقم:(42) .
ولكي يرى كل منا عمله، وتتم محاسبته، وليدرك موقفه، فإنه حين تقوم القيامة، يعيد الله له نفسه إلى جسده، حتى تعمل أجهزة الجسم وأعضاؤه، ويَحُس الإنسان ويُدْرِك، وفي ذلك يقول الله تعالى:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)). سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي يتم تزويج النفوس بأجسادها مرة أخرى عند البعث.
من إجمالي البيان السابق نرى أن نفسك التي بين جنبيك تحتاج منك العناية، كي تنقذها وجسدك من عذاب أليم يوم القيامة، وتستودعها نعيمًا عظيمًا وأبديًا، ولا شأن للروح بالأمر، لذلك يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)).سورة المائدة آية رقم:(105)
أما الروح فهي الفطرة الأصلية التي فطر الله الناس عليها (خوف، فرح، معرفة فطرية للأشياء وأوصافها الأساسية)، وهي حركة الجسد غير الإرادية كالتنفس وحركة القلب، فأنت تنام ونفسك عند الله، بينما جميع أجهزتك وأعضائك الحيوية تعمل، فتلكم هي فطرة الله في جسدك، وتلك الفطرة العلمية والعملية الأساسية تُسمى الروح. والروح هي التي سببت سجود الملائكة لآدم –عليه الصلاة والسلام-، وهي من أمر الله، أي من عالم الأمر(كن فيكون)، ولا نكاد نفقه من كنهها إلا قليلا، لكن الانتباه، والاختيار، والوفاة، كل ذلك من خصائص النَّفْس.
والروح بالنسبة للإنسان كالطاقة الكهربائية بالنسبة للأجهزة الكهربائية، فهي تسري فيك لتكون جاهزا، لكنها لا تُحكم إلا من خلال مفتاح وهو النَّفس التي تجعل للإرادة كيانًا في تصرفات العبد، فيمكن للعبد أن يقطع تيار الحياة بإرادته (بنفسه) بالانتحار، يعني ذلك أن النفس لها سيطرة على الروح والجسد، وجعل الله قانون ذلك في كتاب، فيمكنك صيانة نفسك وجسدك وروحك، ويمكنك أيضا تبديد الجميع، وتلكم هي حرية الاختيار التي منحها الله لك.
بينما الروح التي يعتقد بها الناس، والتي يقول عنها ربنا سبحانه وتعالى:
1 ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً*)).سورة الإسراء آية رقم:(85) .
فهي كما ذكرنا القوى المحركة لا إراديا للجسد، أما قوله سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) فهي تعني علمنا كُلَّه، سواء أكان عن الروح أو عن غيرها، فعلمنا جميعا في عمومه قليل، وليس الأمر أن الله يطرح غموضا عن الروح بذاتها.
ولكلمة الروح معان أخرى، حيث يقول المولى عز وجل:
2 ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ *)).سورة الشعراء آية رقم:(193-195) .
فالروح هنا جبريل.
3 ويقول تعالى: ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا *)).سورة النبأ آية رقم:(3Cool .
فيعني ذلك أن الرُّوح ستكون أحد الشهود على العبد يوم القيامة.
4 ويقول جل وعلا: (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *)).سورة المجادلة آية رقم:(22)
أي أن التأييد بالروح يكون للعباد المؤمنين دون الآخرين.
ولقد قمنا بالاحتفاء باليوم الأربعين لوفاة موتانا، ظنا منا أن الأرواح تنزل إلى أفنية قبورها في ذلك اليوم، وتزيَّدَ آخرون، فتصوروا الأرواح تنزل كل يوم خميس وليلة الجمعة، وبالأعياد، على أفنية قبورها، لذلك فهم يشُدُّون الرِّحال لزيارة القبور في تلك الأزمان والأوقات، وما ذلك إلا لتغليبهم لدور الروح على دور النفس في الكيان البشري، وهو عكس الحقيقة الواردة بكتاب الله عن النفس والروح.
مرحلة خروج النفس من الجسد:
بعد أن علمنا بأن النفس هي التي تخرج من الجسد وينتج عن ذلك الموت للجسد، والوفاة للنفس، لكن يبقى سؤال: هل تخرج نفس الكافر وتغادر الدنيا كما تخرج نفس المؤمن؟، لا شك أن من عاش لدنياه بلا دين غير كمن عاش بدينه لحسن دنياه، فمن كان يعيش بالدين وللدين ويذكر الله كثيرا فإنه يكون من المبشرين المطمئنين، فتخرج نفسه وتغادر الرداء الطيني (الجسد) بسهولة وطمأنينة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي*)). سورة الفجر آية رقم:(27-30) .
فتخرج روحه سهلة وفي ذلك يقول تعالى:
أما الكافر الذي لم يؤمن بالله وكتبه ورسله، فإنه يفزع ويصيح حين تحضره الوفاة، حيث يقول تعالى:
((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*)). سورة المؤمنون آية رقم:(99-100).
وذلك لأنه لم يكن يطمئن إلا للدنيا وعناصرها، وتكون ساعة الاحتضار هي أول مراتب تذكره ما كان يقال له، ويشعر حينها بمذاق الموت، كما فعل فرعون، لكن هيهات له أن يعود، فالفرصة تكون لمرة واحدة، فذاك قوله تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا).
وفي شأن وفاة المؤمن والكافر وإخراج الملائكة للنفس من الجسد يقول تعالى:
((وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *)) .سورة النازعات آية رقم:(1-2) .
ثم يُبعثون وهم يعلمون إن كانت نُشطت نفوسهم أو نُزعت منهم، فالكافر يقول:
((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *)).سورة يس آية رقم:(52) .
والكافر يعرف أيضا بسوء مصيره حين يموت من الملائكة، لكنه لا يُعذب ولا يعرف تفاصيل مقعده من النار كما يزعم بذلك من زعم، وذلك من قوله تعالى:
((... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *)) .سورة الأنعام آية رقم:(93) . : 93؛
فلذلك فهو ينادي يوم البعث ويقول: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، لأنه علم يقينا بأن القيامة العامة هي يوم الجزاء.
ثانيا: تشييع الجنازة:
لماذا قام رسول الله للجنازة؟، وهل تُكَلِّم الجنازة المُشيعين وتقول لهم (يا ويلها أين تذهبون بها)، وقولهم عن الجنازة التي تكون لأحد الصالحين فإنها تقول وفق زعمهم (أسرعوا بي، أسرعوا بي، والله لو علمتم ما أمامي لأسرعتم)، وجعلوا كل ذلك أحاديث ينسبونها لسيدنا النبي محمد – عليه الصلاة والسلام -.
وأسهبوا في غُسل وتكفين الميت واعتبروهما من السُّنة، وأعجب كل العجب، لكون الدَّفن والكَفَن فيه سُنَّة، وفيه فرض، وفيه واجب، وأرى كل ذلك من تعقيدات الفقهاء، ورفاهية فكرية في غير ما سبب، لكني لا أعني إلغاء التكفين والغُسل، لكن كنت أود أن يكون ذكر الأمر باقتصاد ملائم للموضوع.
وقالوا بضرورة أن تكون جُثث النساء في جانب، وجثث الرجال في الجانب الآخر، أَفَتُرى ذلك لأن الجنس موجود بالقبر في منطقهم، أم أنه نوع من الحجاب بعد الموت؟، ولست بصدد دعوة لدمج الجثث، لكني أعني أن ذلك قد يكون ثقافة تفضيل وليس علم تأصيل، ولا حرمة فيه ولا تحليل، وقد لا يكون علم بالأصل.
فطُرُق غُسل الميت وتنوع الأكفان، وإفراد أبواب بالفقه للجنائز، مع الإسهاب المُسِف في ذلك، لا يقدم في مصيره ولا يؤخر مهما فعل الورثة، فلا أرى للتعاليم الفقهية أية قيمة في ذلك الشأن، إلا في أضيق الحدود، فالناس يموتون منذ آلاف السنين قبل رسالة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ويتم تغسيلهم وتكفينهم دون شروط واجبة ولا مستحبة، ولا تكلُّف في ذلك الأمر إلا عند الذين تصوروا ذلك علمًا وتقوى، بينما هم في رفاهية القشور الثقافية.
وقيام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - للجنازة إنما هو قيام إجلال لقدر الله بالموت، حين معاينة رحلة النَّفس إلى مستقرها، ورحلة الجسد إلى مستقره يراه يقينا، ويراه مُنَفَّذًا، لذلك فهو يقوم وكله خشوع مناسب للمقام، لذلك فقد قام – عليه الصلاة والسلام - لجنازة يهودي...كما يروي ذلك من رواه.
لكن الجنازة لا تُكَلِّم أحدًا، وليست منوطة بالكلام أصلا، وإذا كانت تتكلم فلا يسمعها أحد، فليس ذلك إلا زراعة الوهم الذي لا فائدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.