حقيقة لا لبس فيها، هي أن القاعدة والمحكمة الدولية صناعة بل أدوات محدثة بيد أمريكية بالخفاء والعلن. وبمعنى آخر أصبحتا مطية وحجة مختلقة للدخول الأمريكي إلى ساحة مدروسة ومستهدفة. وللتعبير بطريقة أخرى: إذا كانت السياسة التكتيكية قائمة بالأساس على خدمة الإستراتيجية القومية لدولة أو لدول كبرى، فإن تنظيم القاعدة والمحكمة الدولية هما الأداتان الرئيسيتان للتحرك التكتيكي الأمريكي في العالم، ولنسميهما القفازين أو القناعين المستعملين بما يخدم إستراتيجيتها الكبرى وخاصة في منطقة العالم العربي وما يتصل به في آسيا وإفريقيا. لقد استطاعت مراكز الدراسات والتخطيط الأمريكية خلق المبررات والدوافع لشن الحروب ، التدخل ، الحصار، إضافة إلى ممارسة الضغوط على الدول والأنظمة في مراكز التأثير على مصالح الولاياتالمتحدة ، هذه المصالح إقتصادية ،عسكرية، سياسية ، ثقافية، إضافة إلى المزاج الإمبراطوري الأنكلوسكسوني في إرهاب الشعوب أو الحكومات. إن الغرور والسيطرة هما دائما المنطق المميز عند قيام أجهزة التخطيط الإستراتيجي في الدول الكبرى بالإعداد لعمل كبير مثل شن الحروب، ويعتمد هذا المنطق على توفير المبررات والحجج لتقديمها وترويجها في تلك الدول تعبئة للجماهير وحشداً لها خلف القيادات السياسية، ولتقوية الجبهة الداخلية فيها. هذا ما تفعله الإدارات المتعددة في أمريكا وبريطانية وفي دول كبرى أخرى، كما رأينا في عملية تفجير الأبراج التي كانت قد أشرفت على نهاية مدة صلاحيتها، دون أخذ أي اعتبار لعدد الضحايا ما دامت الغاية عندهم تبرر الفظائع وأعمال قتل كهذه، إضافة إلى أعمال أخرى كتفجير قطارات أنفاق أو أسواق أو هدم أبنية بساكنيها كما حدث في إحدى الدول الكبرى عندما قام جهاز الأمن فيها بتفجير أبنية ضخمة بساكنيها واتهام المتمردين بفعلها، ومن ثم حشد التأييد الشعبي لإعلان الحرب لتدمير الخصم المجرم والإنتقام منه مهما كانت العواقب والضحايا. إن خلايا القاعدة تدار أمريكيا وخفية دون علم أعضاء تلك الخلايا المنفذين والذين لم ولن يكونوا أكثر من المادة أو الوقود المستعمل في تنفيذ ما تم التخطيط له في واشنطن مسبقاً ، وعلى اعتبار أن عناصر هذه الخلايا في غالبيتهم من الشباب المتحمس والمندفع حقدا على السياسات الغربية في المنطقة العربية والأجزاء المسلمة في آسيا وإفريقيا ، فإن مراكز التخطيط السياسي الأمريكي استغلت ذلك لصالحها فاستطاعت جعلهم أدواتها في التنفيذ التكتيكي، أما قيادات تلك الخلايا فهم العناصر المدربة والموجهة من قبل أجهزة أمنية تابعة لبريطانيا أو لأمريكا . إن أفراد تلك القيادات التي يمكن أن نسميهم بالمتأسلمين أو المستعربين إذا كانوا بالأساس ليسوا عربا أوعلى الأغلب هم عرب مرتزقة يجيدون التظاهر بالإيمان والتدين لخداع العناصر، ودفعها للتطرف أكثر، وبطريقة التعبئة وبرمجة دماغ على مستوى عالي من الخبرة، يجعلون من خلالها تلك العناصر مادة طيعة لتنفيذ ما يطلب منها بشكل أعمى ! أما علاقة تلك الخلايا بما يسمى مجموعة ابن لادن فهي، بعد حرب أفغانستان لم تعد أكثر من عملية خداع ! فلا وجود لتلك العلاقة على الإطلاق إلا ما تتناقله وسائل الإعلام التي تخدم العم سام نفسه، مع أن ابن لادن والظواهري ضروريا الوجود، لتحميلهم كل الخطايا والإرهاب كجزء من تلك اللعبة وليظهرا دائما بالمسؤلين عن ما تنفذه القاعدة من جهة، وكرمز بالنسبة للعناصر التي تتألف منها الخلايا، وكأن ابن لادن والظواهري فعلا هما القيادة والموجه لتلك الخلايا الضائعة بالنسبة لهما، ومن مبلغ الحقيقة أن نسلم بأنه، لا يعرف بتلك الخلايا ولا يوجهها إلا الأجهزة الأمريكية المختصة وبمساعدة محتملة من البريطانيين . أما دور الدول الأخرى الموالية للإدارة الأمريكية فتنحصر بتنفذ تعليماتها دون أن تطلع على المخططات ومحتواها أو أهدافها ، هذا مع العلم أن بعضا من تلك الحكومات قد تكون تعرف ، تتفهم، بل وتساهم بالكثير من الأدوار في الخفاء ، أما الأطراف الأخرى فما عليها إلا الصمت والخضوع أوالرضا كشريك أحيانا وتابع في أكثر الأحيان . لو أرادت الولاياتالمتحدة وحلفائها التخلص من ابن لادن وجماعته لتم ذلك دون تعب وبأسرع ما يمكن، لكن وجود ابن لادن ضرورة قسوى لنجاح الألاعيب والأفلام المرسومة للشعوب سواء كانت تلك الشعوب عربية أو غربية . لقد استطاعت القاعدة (خلاياها الأمريكية الصنع والتوجيه) أن تقدم خدمات جلى للمصالح والسياسات الغربية بما فيها مصالح إسرائيل، ومن هذه الخدمات : أولا- تقديم الذرائع والحجج لقيام أمريكا وحلفائها بتنغيذ ما رسموا له في أي منطقة مستهدفة. ثانيا- استغلال أو استعمال (خلايا ما يسمى بالقاعدة) للتأكيد على الصورة المرسومة عن الإسلام مسبقا في الثقافة الغربية من أن الإسلام والمسلمين يتصفون بالتعصب وحب قتل الأبرياء والعدوانية الرعناء والإجرام باعتبار الدوافع ناتجة عن تعاليمهم الدينية المتخلفة والمشجعة على العنف والإرهاب... ! هنا لنقف قليلا..! ولماذا يحاولون التأكيد على هذه الصورة المرسومة مسبقا في الثقافة الغربية والتي رسمها المتطرفون الغربيون متحالفين مع الفكر الصهيوني المتعصب فعلا في عدائه للعرب والمسلمين؟! من الواضح أن هدف السياسة الغربية ذات المنحى الإستعماري الإستعلائي الأعمى، قائمة أساسا على الطمع في خيرات الشعوب وثرواتها. إن تكريس هذا الفكر الحاقد والمتعالي في عقل الإنسان الغربي سيبقى مغذيا لسياسات الأوساط الإمبريالية والصهيونية ومسوغا لإستمرارها موجهة ضد العالم العربي، والذي لا يتصور الغرب نفسه بدونها ، وعلى أساس التناقض في المصالح بل وحتى في الوجود والثقافات. إننا نلاحظ أن نشاط خلايا القاعدة لا يظهر إلا حيث تريد السياسة الامريكية، والذي يتم ليتبعه تدخلها كما هو في اليمن والجزيرة العربية وإفريقيا ، بما فيها الصومال وكينية وفي غرب إفريقية حيث رفضت دولها طلبات الولاياتالمتحدة ببناء قواعد عسكرية لها هناك! إن النشاطات الإرهابية المدبرة أمريكيا، تستعمل لإشعار حكومات تلك الدول بضرورة الوجود الأمريكي ولزوميته في خدمة أمن أي من تلك الأنظمة الحاكمة. كما هو في أفغانستان، موريتانيا ، إندونيسيا ، الباكستان وفي الهند حيث الحاجة لاستعداء الهند على العرب والباكستانيين ولجذبها لحلف المصالح الغربية والإسرائيلية. أما نشاط القاعدة في العراق - فمن المدهش أنه لم يتهم أحد بعد الجيش الأمريكي بتمويل القاعدة هناك ، تزويدها بالسلاح أو تسهيل إيصال السلاح إلى خلاياها وتوجيه نشاطها وتوقيت تنفيذ عملياتها ومكان ذلك التنفيذ ! نعم لم يتهم أحد بعد الولاياتالمتحدة بالوقوف وراء نشاط القاعدة في العراق، إما بسبب الغفلة والجهل أو بسبب الخوف من قول الحقيقة وإغضاب أمريكا التي لا تريد لأحد هنا اتهامها، باعتبارها المسؤول الفعلي عن عمل القاعدة في العراق كما في غيره! إن متابعة الأحداث واستقراء خلفياتها يسمح لي أن أأكد هنا أن المخابرات الأمريكية هي التي تدير خلايا القاعدة في العراق كما في غيره بما في ذلك مهاجمة المسيحيين العرب في بيوتهم وكنائسهم لخدمة مآربها ، عملائها ومبرر استمرار وجودها فيه وفوق حقول نفطه الكبرى. أما دور إيران في هذه الأحداث فهو كبير وسري ويتصف بتعاون سري مخابراتي مع الأجهزة الأمريكية لخدمة مصالح الطرفين سواء كانت هذه المصالح متضامنة أو متضاربة.ويؤكد ذلك كون المتشبثين بالسلطة في العراق هم عملاء مزدوجي الوجوه ولذلك يحظون بدعم مزدوج أمريكي إيراني. لم تقم القاعدة بعمل واحد ضد إسرائيل أو حتى ضد الجهات العليا الحاكمة في الدول المفترض أنها معادية للعرب والمسلمين. أما أحداث أبراج نيويورك فلم تكن إلا عملية أمريكية سرية التخطيط والإعداد وليوكل بتنفيذها لمجموعة مغفلين من المتعصبين المسلمين، ولتصبح حجة للحروب، ومبررا لحشد تأييد الشعوب الغربية المتأزية من هذه العملية، خلف التهور العسكري أينما دعت ضرورات ومصالح تلك الاوساط. إننا نلاحظ كيف تقوم قناة الجزيرة بدور بوق إعلامي للقاعدة أحيانا، لتنقل بياناتها وخطابات قيادتها المزعومة وبث البرامج عن نشاطاتها !! أليس هذا مدهشا !؟ ما كان هذا ليتم إلا بتعليمات من الولاياتالمتحدة نفسها بهدف التأكيد أن القاعدة موجودة ويقودها ابن لادن والظواهري، كجزء من اللعبة الأمريكية في خداع الشعوب و الرأي العام ، فلو لم تشاء الولاياتالمتحدة هذا، لأنهت وجود القناة تماما، وخاصة أن القاعدة العسكرية الأمريكية على مقربة منها، إضافة إلى أن الكثير من الناس يتوقعون أن يكون ابن لادن والظواهري مقيمين في إحدى المزارع التابعة للمخابرات الأمريكية قرب واشنطن !. إلى ذلك، أكد أحد المصادر المطلعة في الولاياتالمتحدة أن المخابرات الأمريكية تستطيع التقاط كل ما يتم من اتصالات على سطح الأرض عبر الهواتف الجوالة وتأخذ منها كل ما يهمها. ناهيك عن الصور الدقيقة لكل شيء حسب كلام ذلك المصدر . إن هذه الأساليب الإجرامية الماكرة قد أصبجت شبه مكشوفة ومنذ اغتيال كل من الأخوين كندي. وليبقى للماسونية وللمؤتمر اليهودي العالمي اليد الطويلة مشاركة في الأمر والتوجيه! حتى أن اغتيال السيد رفيق الحريري لم يكن الهدف منه إلا ابتزاز الذين يواجهون إرادة الغرب بالرفض والتحدي ، وتهديدهم بالحرب تارة وبالحصار والعقوبات تارة أخرى . إن الأوساط الإمبريالية لن تتردد بفعل أكبر الجرائم لكي تبرر من خلالها أفعالها، ولخلق الحجج لتلك الافعال. لا بد من الإشارة إلى واحدة من تلك الأفعال- إنها عملية لوكربي التي نفذتها المخابرات الأمريكية نفسها، لتخلق المبرر وقتها لحصار ليبيا، ومن ثم إعلان الحرب عليها وتدميرها إذا ما رفضت الرضوخ لمطالبهم وشروطهم الشيطانية، ولإجبارها على التنازل عن كثير من المبادئ والسياسات بما فيها السياسة ذات الطابع القومي والوحدوي. المحكمة الدولية تم تشكيلها بمبادرة أمريكية من وراء الستار لكي تكتمل بها منظومة إرهاب الشعوب وابتزازها، ولاستعمال ما يسمى القانون الدولي مسوغا للحصار والضغوط وشن الحروب باسم هذا المجتمع والذي ليس له بهذ اعلاقة من قريب أو من بعيد ، وللتهديد بإسقاط الحكومات غير التابعة أو غير الملتزمة بالتعليمات الآتية من واشنطن وحلفائها. رأينا كيف تستعمل هذه المحكمة، مرة ضد سورية المقاومة ومرة ضد حزب الله المنتصر ومرة ضد حكومة السودان، والهدف، هو ، هو ! وقد رسم من قبل من يحرك هذه المحكمة ويعطي إدارتها التوجيهات والتوصيات كما يعطيها لخلايا القاعدة التي أسس ، ويؤسسها عند الضرورة عبر عملائه وموظفيه سواء كانوا عربا أو متأسلمين. إن مراكز الإعداد والدراسات التابعة للمخابرات البريطانية مختصة بصناعة وإعداد رجال دين، أئمة ومشايخ، ليتم زرعهم سواء في أوربة أو في العالم العربي ، كأن يظهر شيخ وإمام مسجد في بريطانية متميز بسوء المظهر واللباس وبذقن بشعة الشكل ويتظاهر بالتطرف والتحريض ضد الغرب نفسه، وفي عقر داره، وليكون نموذجا عن الإسلام والمسلمين، يثير ازدراء السكان هناك وينمي روح الكراهية للعرب والمسلمين!. ويرسلون بالبعض الآخر من هؤلاء إلى مناطق في العالم العربي لصناعة تيارات وجماعات دينية لاستعمالها عند اللزوم حيث يسهل انقيادها باسم التعاليم الدينية وهي ليست أكثر من قناع يبدو للبعض الساذج جميلا، لكنه يخفي وراءه ما يخفي من أعمال التجسس والتخريب في بنية الدين والمجتمع وللتحريض على القيم والمشاعر القومية العربية بهدف استثنائي هو القضاء على العروبة وعلى أي أمل بوحدة العرب ( أكبر ما تخشاه أوربة والولاياتالمتحدة)، ولتخريب الدين وتشويهه من داخله. لقد قرأنا وسمعنا وشاهدنا ما فعلته الأحزاب الدينية، التي أسستها بريطانية للعالم العربي في النصف الأول من القرن الماضي، وطيلة الخمسين سنة الماضية. لقد قرأنا كيف دخل نابليون مصر رافعا راية الإسلام نفاقا وخداعا، حتى أن أحد كبار مشايخ مصر قد صدقه لدرجة أنه أهداه أبنته وهي في السادسة عشرة من عمرها ليتزوجها وقد فعل !!! كذلك فإن الشيخ حسن الترابي والمعروف أي الأحزاب يقود في السودان، قام بتسليم الفدائي كارلوس الذي قاتل عن ومع العرب طويلا، وكان قد أعلن إسلامه ، قام بتسليمه لأعداء العرب والمسلمين !!! فهل هذا من شيم الإسلام والمسلمين. ثم قام ذلك الرجل بفرض الشريعة الإسلامية على من لا يعرفها ولا يؤمن بها عنوة، وهم مسيحيوا جنوب السودان، فأثارهم ودفعهم لكره العرب والإسلام والمسلمين، وهم الآن في طور الإنفصال بدعم اسرائيلي وغربي. إنما يدعوا إلى الدهشة ويؤكد ما سبق ، أن الترابي مع انفصال الجنوب رغم معرفته أن هذا الإنفصال يهدد أمن ومستقبل مصر والسودان ونهر النيل . وأشياء مثيرة آخرى - كأن يظهر شيخ متطرف في تعصبه وقد تخرج من مراكز المخابرات البريطانية للإعداد والتأهيل السري، يجمع الشباب اليافع حوله ويقوم بعمليات غسل لأدمغتهم باحتراف! وقد يقوم بتوزيع المال على بعضهم ليحظى بمحبتهم وإخلاصهم وقد يؤهلهم ليظهر منهم من يصبح عضوا في خلايا ما يسمى بالقاعدة ، وهناك من المتأسلمين من يوكل إليه بإنشاء تيارات دينية تعصبية صماء أو ينشئ مذاهب جديدة منحرفة تشد المجتمع إلى الوراء وتزرع به بذور التخلف والفرقة والإنزواء، بما في ذلك التحريض على نشر النقاب والجلباب ومنع العم من رؤية كنته والإبن من رؤية زوجة أبيه أو زوجة أخيه، وجعل التحدث بين الأقارب من وراء الأبواب، ويستطيع ذلك الشيخ جمع تلامذته بأي وقت يشاء ليقبلوا يديه ويرتموا على ركبتيه، مصطفين أمامه بخشوع ووقار، وكأنه الإله . ولعل هذا ما يتم في مناطق كثيرة في شمال إفريقية والشرق العربي واليمن والباكستان واندنيسيا. أعتقد أنه آن لنا أن نستيقظ ونفتح عيوننا لنفهم ماذا يجري حولنا وبنا. وعلينا أن لا نستغرب إذا ما ظهرت صورة لأسامة وهو يجلس على ركبة أوباما كما جلس بندر على ركبة بوش. د. حسن خلوف - موسكو