وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لافتتاحه مسجد السيدة زينب    يؤديها 35 ألف طالبًا وطالبة.. انتظام امتحانات نهاية العام بالوادي الجديد (صور)    إجلاء أكثر من أربعة آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية    20 صورة ساحرة.. ماذا فعلت العاصفة الشمسية في الأرض؟    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    اختلت عجلة القيادة.. مصرع سائق في حادث بسوهاج    نقل 11 مصابا في حادث سير لمستشفى ديرب نجم    أسامة كمال عن أزمة تصوير الجنازات: هل المواطن يستمتع ب مشاهدة الصراخ والبكاء؟ أين حُرمة المتوفي واللحظة؟    18 مايو.. متاحف الآثار تفتح أبوابها للزيارة مجانا    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. تشريعية الشيوخ تستكمل مناقشة تطبيق القانون المدني على عقود الإيجار    مصر لديها أكبر عدد للواعظات فى العالم بواقع 691 واعظة .. الوعظ النسائى قصص وحكايات ترويها واعظات الأوقاف    فصائل فلسطينية: قصفنا حشود الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة شرق رفح    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    وزير التعليم العالي : 7 مستشفيات تابعة للجامعات الخاصة في مرحلة متقدمة من الإنشاء والتجهيز    أسعار اللحوم اليوم الأحد 12-5-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خالد الغندور: 3 لاعبين في الأهلي بيشجعوا زملكاوية    حارس باريس سان جيرمان يعلن الرحيل رسميًا    رئيس الوزراء يشهد الجلسة الافتتاحية لفعاليات «يوم مؤسسة التمويل الدولية»    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات «سكن مصر» بالقاهرة الجديدة    حالة الطقس اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    تفاصيل مصرع ربة منزل وطفلتها في انقلاب موتوسيكل بترعة بأطفيح    جدول مواعيد القطار الأسرع في مصر والقطارات المكيفة على خط «القاهرة - أسوان»    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    المالية: تبكير مواعيد صرف مرتبات يونيه للعاملين بالدولة    سلطان طائفة البهرة: أقدر مساعي أجهزة الدولة المصرية لإنارة بيوت الله    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 12 مايو 2024: مشاكل ل«الثور» ومكاسب مالية ل«الحوت»    فيلم "السرب" يتربع على إيرادات شباك التذاكر خلال 12 يوم    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    مشتريات عربية تقود صعود مؤشرات البورصة في مستهل تداولات الأسبوع    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    توقيع بروتوكول تعاون بين محافظة القليوبية وجامعة بنها    السيطرة على حريق نشب فى عشش بمنطقة البساتين    «المالية»: تبكير مواعيد مرتبات صرف يونيه للعاملين بالدولة بمناسبة إغلاق السنة المالية وعيد الأضحى    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للعبة ببجي موبايل    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    موعد عيد الأضحى المبارك 1445ه: تفاصيل الإجازة وموعد وقفة عرفات 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 12 مايو    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    المجلس الاقتصادى والاجتماعى يواصل التحضير للقمة العربية بالانعقاد اليوم على المستوى الوزارى.. خطة الاستجابة الطارئة للعدوان على غزة تحظى بزخم كبير.. ومندوب فلسطين يكشف تفاصيلها.. واهتمام بالغ بالتحول الرقمى    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    مصرع شاب في حادث تصادم بطريق شبرا بنها – الحر في القليوبية    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    علي الدين هلال: المصلحة الوطنية لكل دولة عربية الحفاظ على استقرار المنطقة    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب القدس والأقصى وغاية الإسرا - مداخل ومقدمات
نشر في شباب مصر يوم 21 - 05 - 2012


القدس والأقصى وغاية الإسرا - مداخل ومقدمات
( أسلوب أدبي ممتع ومنهج علمي مقنع )
دكتور
عبد العزيز أبو مندور
مداخل ومقدمات
قد تكون ذكرى نكبة فلسطين والعرب الكبرى التى مرت عليها أكثر من أربعة وستون سنين عجاف لم تنم لينا عين ولم يهنأ لنا بال حزنا وكمدا على ما أصاب بلادنا وما يتعرض له القدس والشريف والمسجد اللأقصى من تهديدات كان من أعظم الأسباب التى أسرعت بنشر هذا الفصل الهام ( مداخل ومقدمات )
أعرف أن كثيرا من القراء المعاصرين والمثقفين وشباب النانو تكنولوجى والفيمتوثانية قد لا يهتم بقراءة المقدمات والفصول التمهيدية للكتب الثقافية والمؤلفات القصصية والتاريخية والأدبية والعلمية وغيرها ، وإن كان لهم العذر فى ذلك لأن الكثير من تلك المقدمات قد لا تزيد القارئ علما ولا تفيده عملا ، فلا يصرفنا عن كتابتها صارف من ذلك لأننا نظن أنها قد تساعد القارئ فى التعرف على المرامي الحيوية التى يستهدفها المؤلف من ورائها ، ناهيك أنها كالباب الذى يدلف منه إلى صحن الدار ، فربما يقابله رب البيت، فيحظى بالحفاوة والتكريم .
هذا وكنت قد أرسلت ذلك الفصل ( مداخل ومقدمات ) إلى هذا العنوان [email protected] بناء على مراسلات بينى وبين جريدة الشعب الإلكترونية ، وبناء على رسالة على صفحتى للفيسبوك بأن أرسل كتابى ( القدس والأقصى وغاية الإسرا ) لنشره على فصول بجريدة الشعب ، فحتى الآن لم يرد علي وللم يتم النشر ، فكان علي أن أقوم بالنشر على مدونتى البسيطة ، وكما فى المثل الشعبي ( حمارتك العارجه ) ----------
( وعلى الله قصد السبيل )
1- تنويه منهجي
هذا الكتاب ( القدس والأقصى وغاية الإسرا ) يقدم الدليل الكافى والبرهان الساطع الوافى على عروبة القدس الشريف وهوية المسجد الأقصى الإسلامية ، فقد وجدت فى رحلة الإسراء والمعراج الدليل الناصع الشافى بما لا يدع لكائن من كان مجالا للشك إلا منكر أو معاند وسفسطائي مجادل مراء.
هذا ، وقد حاولت جادا أن أجد لكتابى هذا اسما يليق به وبموضوعه ، فقد كنت أعلنت عنه فى إصدارات لى سابقة باسم ( ريحانة الإسراء والمعراج ) ، فحبست معتقلا أسيرا لهذا الاسم فترة طويلة ، فقد همت غراما بمبحث طويل فى الريحان كنوع من تبرير التسمية ، فكدت أن أنقله بأكمله إلا أن الأحداث المتلاحقة فى القدس والأقصى وذكرى النكبة فى فلسطين عدلت العنوان كثيرا ؛ بل وعدلت فى أفكار الكاتب والكتاب حتى صار إليك أيها القارئ الكريم كما هو عليه الآن.
لقد شاء الله تعالى أن عدلت الأفكار واستحدثت موضوعات الكتاب وحددت غايات جديدة لم تكن فى نيتنا بالقدر الكافى ولا بالغرض المأمول فى هذا الكتاب ، غايات فرضتها المرحلة الحرجة الحالية والأحداث الأخيرة التى تمر بها أمتنا وتتعرض لها مقدساتنا العربية والإسلامية فى القدس العربية و المسجد الأقصى من ممارسات إجرامية يقوم بها المحتل الإسرائيلي الغاصب مستترا تارة ومجاهرة فى وقاحة تارة أخرى ، فهو يعمل فى دأب لا يمل ولا يكل على طمس معالم القدس العربية وتهويدها ؛ ناهيك عن سعيه الخسيس وتدبيره الدنيء والخبيث فى المسجد الأقصى وتعريضه للانهيار والهدم ؛ محاولة صهيونية تترية متآمرة هدفها الأول زرع دولة إسرائيل اللقيطة من النيل إلى الفرات ، فيعتمدون على حلم زائف باطل وأسطورة صهيونية كاذبة عن هيكل سليمان المزعوم .
وكان علينا أن نواجه تلك الهجمة الصهيونية الشرسة على ديار المسلمين بتقديم الدليل القاطع على عروبة القدس والبرهان الساطع على هوية المسجد الأقصى الإسلامية ، فوجدنا أن خير دليل وأعظمه هو تدارس قصة الإسراء والمعراج دراسة جديدة معاصرة صالحة ، فنستخرج منها الأدلة الموضوعية والتاريخية والعقائدية والعلمية على ما نحن بإزائه حتى نستطيع أن نقدم لأمتنا الدعم المعنوي والعلمي والحضاري الكافى فى سبيل تخليص المسجد الأقصى من بطش المحتل اليهودي الغاصب وتطهيره من دنس اليهود ورجسهم وتحرير القدس العربية وعودتها كما كانت على مر التاريخ عربية خالصة وعودة اللاجئين وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس العربية وسائر بلاد العرب والمسلمين كما كانت عليه قبل عام 1948م.
ولا يعنى هذا أننا سنغفل ما فى الرحلة من غايات أخر عالية القدر سامية المعنى والمحتوى ، فما أكثر تجلياتها العلمية النيرة ، ومنافعها العملية المثمرة ، وآثارها النفسية المتوثبة ، ومكارمها الخلقية الراقية ، ما يشرح الصدر ، ويزكى النفس ، ويصلح البال ، ويطيب الخاطر ، ويطمئن القلب ، ويغذى الفؤاد ، ويسكن الروح ، فتشعر وتشم وتتذوق وتلمس وتسمع وتبصر فى طريق سيرها ومسار حركتها ، وفى كل مرتقى فى درجات القرب والعلا ما تحمله من ذكرى عطرة ؛ وشذى ريح طيبة تهفو لها نفس المحبين ؛ وتحن إليها أفئدة المقربين.
والحق أنه لا يستطيع باحث أو مؤرخ أو كاتب أو أديب أن يتكلم أو يكتب عن القدس والمسجد الأقصى دون أن يتعرف على قصة الإسراء والمعراج ، فبدون ذلك لا يستطيع أحد أن يتعرف على سر تلك الأهمية العظمى التى احتفل بها العرب والمسلمين وأولوها من العناية والرعاية وعظيم التقدير الشيء الكثير فى كل عصر ومصر ، فرادى وجماعات ، دول ومجتمعات .
ولا أخفى أننى فى بدايتى و صغر سنى لم أقرأ قصة الإسراء كما حكيت عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فلا أدرى السبب المباشر الذى منعنى من قراءتها ، فليس لأننى لا أحب القراءة ، فالقراءة تسرى فى عروقي فطرة فطرنى الله عليها أحمده سبحانه وتعالى عليها حمد الشاكرين.
ولم يمنعنى من قراءتها غلو ثمنها ، فقد كانت طبعتها الشعبية أرخص من قصص طرزان ، وأرسين لوبين ، وشارلوك هولمز ، وروايات الهلال ، وسلسلة كتابى ، واقرأ ، وكتاب الجيب ، ومؤلفات أجاثا كريسى البوليسية ، ومجلات سندباد وعلى بابا وسمير.
و كذلك لم يصرفنى عن قراءتها كبر حجمها، فهي لا تتعدى ملزمة من القطع المتوسط، فقد كنت مغرما بقراءة المؤلفات الأدبية الروائية الطويلة مثل( فى بيتنا رجل ) لاحسان عبد القدوس و ( الأرض ) لعبد الرحمن الشرقاوي، و( رد قلبى ) ليوسف السباعى، وثلاثية نجيب محفوظ ، وغيرها.
ناهيك عن إرادتي النهمة لقراءة تلك الكنوز العلمية الزواخر المفاخر التى عشقت اقتناءها وقراءتها مثل ( سيرة ابن هشام ) ، و( إحياء علوم الدين ) للغزالي ، و( المقدمة ) لابن خلدون ، و( عيون الأخبار ) لابن قتيبة ، و( وتاريخ الجبرتى ) لعبد الرحمن الجبرتى ، و( الموطأ ) للإمام ملك ، و( الجامع لأحكام القرآن ) للقرطبي ،و( الأم) للإمام الشافعي ، وغيرها.
فتلك المجلدات الكبيرة كانت متوفرة – بفضل الله – فقد نشرتها مطابع الشعب أواخر الستينيات على أجزاء فى طبعات جيدة ؛ بعشرة قروش للجزء وهى أسعار معقولة فى تناول من هم فى مثلنا من طلبة المدارس ، فكان من المتيسر لنا جميعا شراؤها ، وتجليدها ، فاقتناء مثل تلك الكنوز العلمية الكبرى- عندنا - أغلى من الفضة واللجين والتبر والذهب !
أما قصة الإسراء والمعراج المنسوبة لابن عباس رضي الله عنهما ، فما صدنى عنها إلا نوادرها الغريبة ، وما فيها من تهاويل ، يكثر تداولها بين القصاص ؛ يرددونها فى الموالد خاصة ، فيقرأها كل من يعرف القراءة ، ومن لا يعرف يحفظها عن ظهر قلب وكأنها حقائق، هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، فقد أنكرها العلماء المدققون ، فلا يذكرونها ، بل لم أعرف لأي المصادر أسندت ، ولا من أي الكتب استلت ؟!
نعم يأخذ العلماء من أمثال الإمام أحمد بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق ، ولكن – الرواية المنسوبة لابن عباس رضي الله عنهما فى قصة الإسراء والمعراج لا يعرف لها سند صحيح.
ومن هنا فضلت استبعادها كليا من حساباتى وأنا أكتب ( الريحانة)، فغايتنا الوصول إلى الحقيقة ، أو حتى الاقتراب منها نوعا من القرب دون لبس أو غموض، فلا بد للحقائق من الأحاديث الصحيحة والحسنة، فلا يمكن تفسيرها بالحديث الضعيف.
هذا ، ولم نقبل النقل والنسخ من الكتب المنشورة على مواقع الشبكة العنكبوتية ( النت ) ، فمعظم نصوصها غير محققة ولا منقحة ، بل ربما لا تكون مكتملة ، فمعظم كتاب الشبكة العنكبوتية حتى أصحاب المواقع مثلهم كمثل أصحاب الفضائيات الخاصة هواه لا صلة لهم بالبحث العلمي ومناهجه وضرورات التدقيق والصدق والأمانة العلمية ، فلا يميزون بين محق ومبطل ، ولا طلب لهم للحقيقة ، فالأمر لا يعدو هوايات أو أهواء وتجارة ( بزنس ) ، ناهيك عن الأخطاء الإملائية الفادحة التى تخرج بالنص عن معناه المقصود ، فهى أخطاء قد تقع – بوعي أو بدون وعي – إلا أنها فى النهاية تعرض الباحث إلى جهد مبالغ فيه من أجل تصحيحها و تلافى أخطائها ؛ فتلك ضرورة منهجية ، فيلزمه الرجوع بالنصوص فى مظانها و إلى مصادرها الأصلية سواء كانت مخطوطات أو مطبوعات ورقية .
قلت لزوجتى: لا يجب على أحد من طالبى الحقيقة والعلم الصحيح أن يعتمد فى هذا العلم على النقل من محركات البحث أو مواقع الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت )، كما لا ينبغى أن يأخذ من الاسطوانات المدمجة دون تحقيق وتدقيق ، فمن أراد أن يتيقن ، فعليه أخذ العلم نصا من مصادره ومظانه الأصلية.
فما لبثت الحاجة ألطاف ( هانم ) أن قالت أنها كانت تستمع لإذاعة القرآن الكريم – فهى مغرمة بها منذ صغرها - ؛ قالت أنها استمعت فى التو إلى الدكتور إسماعيل الدفتار( وهو عندى كما تعلم زوجتى من كبار أساتذة الحديث الذين لقيتهم بجامعة الأزهر واستأنست بنصحهم أثناء تحضيرى لرسالة الدكتوراه).
قالت : سمعته يجيب أحدهم أنه لا يجوز الاعتماد كلية على أخذ هذا العلم من شبكة الإنترنت دون تحقيق أو تمحيص ، فهو ذات المعنى الذى سمعته منك من قبل ، فلذلك جئت لأحدثك به.
ولما كان سرورى بهذا عظيما ، حمدت الله على ما والاني به من فضله ، فزادنا الله سبحانه وتعالى تأييدا ؛ فكان لزاما علي أن أرجع إلى المصادر الأصيلة ، فلا بد من النص فى القرآن الكريم حتى يستيقن الباحث ، ولا بد من كتب السنة الصحيحة والمسانيد ، فلا تطلب أحاديث الإسراء والمعراج إلا من مظانها العلمية الموثقة.
ومن هنا أقول لأولئك الكتاب الذين بدءوا البحث من نقطة الصفر ، وهم نفر ليس بالقليل - ، فقد نقل الأستاذ / أبو المجد حرك - الإسراء والمعراج دراسة موضوعية - عن الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره ؛ نقل الكثير من المناقشات القديمة ، وأضاف إليها التشكيكات الجديدة فى قصة الإسراء والمعراج.
ولا شك أنها - فى جملتها مناقشات لا ينقصها جدية المسعى.
ولكنه - والحق يقال كان يكفيه تلك النقول ، فما عليه من ذلك التشكيك فى بعض روايات الحديث وهو ليس - على حد علمى - من علماء الجرح والتعديل ، فقد نقل عنهم ، فكان يكفيه ذلك ، فيبرأ لنفسه من الوقوع فيما لا يحمد عقباه من تغليط الأمة.
هذا ، ولا يخفى على كل صاحب فطرة سليمة وذوق رفيع أن العلماء المجتهدون - كما نفهم - لكل واحد منهم على اجتهاده من الأجر على قدر ما أصاب أو أخطأ ، فإن أصاب فله أجران ؛ وإن أخطأ فله أجر ، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة ، فليس أحد منهم معصوم من الخطأ ، فكل واحد يؤخذ منه ويرد– كما يقول الإمام مالك - إلا المعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا عصمة لأحد بعده ، فلا نبي بعده ، فهو العاقب جاء فختم الله تعالى به الأنبياء.
لقد دهشت غاية الدهشة وأعجبت شديد الإعجاب بعلماء الأمة وحكمائها ، فينقل بعضهم عن بعض بأمانة تامة ودقة تامة بعد التحقق والتدقيق ، فلا يخالف واحد منهم نصا صريحا فى القرآن والسنة ، فلا تجد واحدا منهم ينسب شيئا لنفسه قد سبق إليه ، بل نراه يذكر ما أخذه من سلفه أو ممن يعاصره ، ويثبت مصادره ومظانه دون أدنى غضاضة ، فقط بعد تدقيق علمي متين وتمحيص للنقل أمين ، فينقل عنه ذلك بمنتهى الصدق والأمانة.
لقد أرسوا لنا قواعد وأسس البحث العلمي الصحيح.
ولا أبرح هذا المكان قبل أن أنوه ، بل أشيد بذلك الجهد العلمي والحضاري العالمي الذى اضطلع به القائمون على المكتبة الشاملة ، فإن كنا لا نعلمهم إلا بحسن الخلق وخدمة العلم والباحثين ، فعملهم الدؤوب والمتواصل فى نشر المكتبة الإلكترونية الشاملة مجانا يظهر لنا دورهم الهام وما يتحملونه من مسئوليات كبار فى نشرها مجانا كرسالة علمية وحضارية فى العالم كله شرقه وغربة بما يعرفه العامة والخاصة دون مساعدة من أحد ، فقد أباحوها للجميع بلا استثناء ، فلم يحمل موقع المكتبة الشاملة أحدا من زواره ممن ينتفعون بها أية مسئولية لا مادية ولا معنوية رغم اتساع رقعة نشر رسالتها فى الآفاق ، فلا ريب أن كثرت أعباءها ، فكان عليها أن توفى بما إلتزمت به أخلاقيا ، فاعتبرته واجبا وفرض عين عليها ، فلم تطلب من أحد من المنتفعين بها من أمثالنا من الدارسين والباحثين فى العالم كله شرقه وغربه - بطريق مباشر أو غير مباشر - أية مساعده تعينها فى تلك المهمة الكبرى ، فلم تحجر على أحد ولم توقف أحد أو تطالبه بالتسجيل أو تصده عن تحميل المكتبة بحجة عدم عضويته كما تفعل غالبية المواقع النتية التى لا تقدم إلا النذر القليل والمجهود المقل ؛ ذلك إذا قيس بالعمل الضخم الذى يقدمة القائمون على موقع المكتبة الشاملة برنامجا وبرمجة وموقع ، فالنسبة منفكة ، فمن أين للفقير العالة أن يقارع الأغنياء فيما لم يؤهل له ؟ !
ناهيك أنك وأن تدخل موقع المكتبة الشاملة تدخله كأنك تدخل بيتك ومسقط رأسك ، فتأشيرة الدخول مجانية للجميع بلا استثناء ، فأنت أيها الزائر عضو فى تلك النافذة الحضارية المفتوحة للجميع بدون تسجيل ، فباب موقع المكتبة الشاملة لا يقفل أمام أحد مهما كان ومن أين كان ومتى كان ، فجدية العمل فى المكتبة الشاملة لا تجارى ومجهوداتها العلمية والحضارية لم يسبق إليه حتى أن مكتبة الإسكندرية التى صدعت الناس بقسم التراث وتحقيق كتبه وقفت عاجزة عن أقل من هذا العمل الضخم ، فلم تتطلع حتى لمجرد المشاركة وتقديم المساعدة ، فلو فعلت لنالت من شرف ذلك الكثير ، ولكن – من أين لها ذلك الشرف ؟ فمكتبة الإسكندرية وقسم التراث بها مكتبة مغلقة ، فلا تسطع أن تدخل موقعها وتتعرف على أقسامه ومحتوياته ، بل لا تستطيع أن تحصل منه على ما تريد ، لا نسخا ولا تحميلا ، بل لا تعرف حتى الحصول على مجرد القراءة ولو كانت عابرة ، فلا شيء مسموح ، لا فى قسم التراث ولا فى غيره ، فما كان من المسئول إلا الاعتراف بهذا العجز ، أوليس من عمل مكتبة الإسكندرية المنافسة فى نشر التراث ؟ أم أن عملها ينصب على اكتنازه ، فلا يحق لها ذلك كمكتبة من المفترض أنها مصرية ؛ فتلك نظرة أنانية لا تليق إلا بالأفراد ،فلا يختلف سلوكها عن سلوك وأحوال مكتبات الكليات والجامعات المصرية ، فيصعب عليك أن تنتفع بما فيها إن وجد ، فغالب مواقع الكليات بالجامعات المصرية خاوية ، فلا تعرض إلا أسماء رؤسائها ووكلاء الكلية ورؤساء الأقسام - مع أنهم متغيرون لا بقاء لهم ولا دوام.
ولا أزيد ، فقط مزيد الشكر والامتنان للقائمين على المكتبة الشاملة ومبرمجها الذى لم يكشف لنا عن هويته حتى الآن ، فهو جندي مجهول ومجاهد فى محراب العلم مستور جزاه الله عن أمتنا خير الجزاء.
أما وأن عنوان هذا الكتاب قد عدلته الأحداث والخطوب الجسام التى تواجهها أمتنا وصدرها مكشوف للعدو أكثر من ذى قبل ، فلا نعدم أن التسمية التى كانت مقترحة ( الريحانة ) فحواها قائمة ومعناها مخزون ومضمونها شائع فى كثير من فصول الكتاب ، فسترى من أنوار وبركات ومنافع رحلة الإسراء والمعراج الكثير والعديد من البركات المادية والمعنوية التى تبنى الأمة خيرة ، وتنشئ حضارة لا تطاولها حضارة فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، فالفرد آمن فى سربه ، و المجتمع منتظم فى عمله ووظيفته ومهامه ، فالكل فى واحد ، أمة واحدة ، مطالبها وغاياتها متساوقة على قلب رجل واحد ، فالحب يشملها ، فؤادها ، والعدالة تحكمها ، عقلها ، والرحمة تسوسها ، قلبها ، والإحسان حضنها ، روحها ، فحوافزها الفردية دافعة ، ولحمتها الأسرية مترابطة ، ناهضة ، ومظاهرها الاجتماعية متكافلة ، ونظمها الاقتصادية ناهضة متوازنة مترابطة ، وأنظامتها السياسية مقسطة منصفه.
*****
2- تاريخ الذكرى
لقد احتفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالإسراء والمعراج أعظم احتفال دون تحديد يوم أو تاريخ له ، فالذكرى قرآن يتلى وأحاديث تدرس ، فليس لها يوم معلوم أو زمان محدد أو مكان دون آخر ، بل هي كالصلاة التى فرضت فى ليلتها بطريق الأمر المباشر ، تقام على مدى اليوم كله فى العالم كله 00 !
ومع ذلك لم ينتبه حكامنا من العرب والمسلمين إلى تلك الأهمية وذلك الاحتفال العظيم بتلك الرحلة الخالدة ، فقد تذكروها كتاريخ ، وتدارسوها كمعجزة ؛ وهى كذلك وأكثر من ذلك معجزة لسيدنا محمد صلى وكرامة تفضل الله تعالى عليه بها ، فهى خاصة مخصوصة به صلى الله عليه وسلم دون – لا شك فى هذا ، فلا مثيل لها فى سيرة الأنبياء جميعا صلى الله عليهم وسلم ى، إلا أن علمائنا وحكامنا قبعوا تحت أغطيتهم يقصونها ويحكونها لأبنائهم نثرا وشعرا وخطبا ودرسا عاما بعد عام ، ويتفننون فى سرد أحداثها كل على طريقته ، فأحيانا يخرج البعض من شدة ولعه عن السياق العام ويضرب فى مجاهل الغيب بلا سند أو مرشد.
ولكن - ليس معنى هذا أن لا نحتفل بهذه الذكرى فى مناسباتها ، فتلك عادة حسنة قد تكون ضرورية ؛ وبخاصة فى أيامنا العصيبة هذه ، وبعد ما تهددتنا قوى الصهيوبية ( الصهيونية + الصليبية ) فى محالة لطمس الهوية العربية لمدينة القدس والمعالم الإسلامية للمسجد الأقصى .
و ما أحب أن أوضحه أننا ونحن نصنف كتابنا هذا ( القدس والأقصى وغاية لإسرا ) ، وما كشفت عنه من الخصائص المحمدية المتفردة ؛ كان من بين أهدافنا – بلا ريب – الاحتفال بمناسبة تلك الذكرى المحببة إلينا جميعا كأمة تهفو بقلوبها وعواطفها النبيلة نحو كل ما يتصل برسولها الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومتابعة سيرته العطرة فى كل ما يتصل به ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، تأسيا به صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم فى حياته كلها لنا أسوة حسنة ، أمرنا بها.
يقول عز من قائل " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً "
( الأحزاب : 21 )
وهذا يعنى ببساطة محبة الله تعالى لنا ورحمته بنا ، وهدايته لنا ، وإرشاده لنا ، وتوفيقه لنا ، وتسديده لنا ، وانتصاره لنا ، ودفاعه عنا ، فقد وهدنا النصر والمدد من سبحانه وتعالى والمعونة العظمى لنا فى كل أمورنا إن نحن تابعنا حبيبه صلى الله عليه وسلم.فى كل ما جاء به.
يقول سبحانه وتعالى " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ( آل عمران : 31 )
ومن هنا نقول : إن احتفالنا بمناسبة الإسراء والمعراج – لاشك – مظهرا من مظاهر المحبة لله سبحانه وتعالى ، فمحبتنا لحبيبه محبة له سبحانه وتعالى ، فمن يحبه يحبه ، فيحبه من يحبه0
ولكن – ما نود أن ننوه إليه أنه لم يخطر لنا ولم يكن فى بالنا تحديدا ، ولا تاريخا معينا لتلك الذكرى ، فالتأسى به صلى الله عليه وسلم ومدارسة سيرته الزكية واستخلاص الفوائد التربوية والعلمية والسلوكية منها ليس له يوم أو ساعة ، بل هو مدرج فى فطرتنا ، ينساح فى الوجود منذ فجر الإنسانية وظهور آدم عليه السلام ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى ، لم يقطع الباحثون وكتاب السير بتاريخ محدد لتلك الذكرى ، فلا ينبغى علينا أن ننسبها ليوم دون آخر ، فليست فريضة كالحج أو صوم رمضان أو الصلاة مثلا محدد تاريخها معلوم وقتها بدلائل علمية وزمنية قطعية معلومة عند علماء الأمة من الأئمة والفقهاء.
لقد احتفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة - كما بدأنا - وتحدثت عن الإسراء والمعراج دون تحديد يوم أو تاريخ له ، فالذكرى قرآن يتلى وأحاديث تدرس ، فليس لها يوم معلوم أو زمان محدد أو مكان دون آخر ، بل هي كالصلاة التى فرضت فى ليلتها بطريق الأمر المباشر، تقام على مدى اليوم كله فى العالم كله !
ذلك لا يمنعنا من متابعة العلماء فى محاولاتهم واجتهادهم فى معرفة تاريخ الذكرى ، كما لا يمنعنا مانع من الاحتفال بما توافقوا عليه من تاريخ تلك الذكرى العظيمة المحببة إلى نفوسنا جميعا ، فنحن أمة خيرة ، بل هي خير الأمم التى أخرجت للناس.\
*****
3- الإسراء والمعراج وأهمية ذكرى
كلما هلت علينا ذكرى رحلة الإسراء والمعراج المباركة الميمونة تذكرت معها النكبة والفاجعة التى أحلت بفلسطين والمسجد الأقصى و القدس الشريف بسبب الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لأرض فلسطين السليبة ، فكانت حلت علينا الذكرى هذه السنة مواكبة لذكرى النكبة ، فقد اغتصبت فلسطين منذ ما يقرب من أربعة وستون سنة ، ومازلت فلسطين محتلة ومنقسمة والقدس الشريف مهددة والمسجد الأقصى رهن جيش المحتل الغاصب يمنه أهله من الصلاة فيه ، بل مهدد بانهيار ، فما يفعله المحتل والعدو اليهودي الغاصب كل يوم من حفريات تحت المسجد الأقصى تهدد بانهياره وضياع معالمه الإسلامية ، فيتم ذلك بطريقة منظمة ومبرمجة فكريا وعقائديا وسياسيا وإداريا وعسكريا ؛ ومنفذة عمليا على الأرض تحت سمع وبصر حكامنا من العرب والمسلمين ، وصمت وسكوت العالم المريب من حولنا ، بل واستمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل وتأكيد رؤسائها على التزاماتهم بهذا الدعم من أول الرئيس ترومان وحتى الرئيس الحالى باراك أوباما الذى ظهر أكثر تشددا بالرغم من مظاهر الدبلوماسية الناعمة التى يتظاهر بها ومداهنته للمسلمين والعرب ومحاولة خداعهم بزيارته لمصر فى عهد الرئيس المخدوع والمخلوع ؛ وخطابه فى جامعة القاهرة الذى قمت برفضه ومعارضته فى حينه بمقالة نشرت بجريدة المصريون وغيرها بعنوان( خطاب أوباما زبدة سوداء فى صيف القاهرة القائظ).
ولا ريب أننا لسنا فى حاجة إلى التأكيد على دعم أوباما الأمريكي لدولة إسرائيل المحتلة وعرقلة كل ما يحقق عودة الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية السليبة ؛ فذلك أظهر من ضوء الشمس فى وضح النهار .
ويمكننى أن أنقل لكم بعض ما جاء فى خطابه الموجه للصهيونيين اليهود فى إسرائيل.
يقول أوباما الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية الحليفة الكبرى لدولة العصابة الإسرائيلية المجرمة ؛ والذى يصر أدعياء التطبيع مع إسرائيل أن يسموه باسمه العربي باراك حسين أوباما – مع أنه يرتدى طاقية المتطرفين اليهود ويتبع تقاليدهم وشعائرهم الكهنوتية فى دفن الأوراق فى شقوق حائط البراق ، فيصرح بوضوح كما تنضح كلماته أنه صهيوني من التراز الأول ، بل فى المقدمة من يهود العالم ، يقول :
1- والقدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تقسم.
2- إتحادنا قائم على مصالح وقيم مشتركة.
3- هؤلاء الذين يهددون إسرائيل يهددوننا.
4- إسرائيل كانت دائما فى الخطوط الأمامية فى مواجهة هذه التهديدات.
5- سوف اتقدم للبيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن إسرائيل .
6- أمن إسرائيل والذى يبدأ بضمان كفاءة القدرة العسكرية الإسرائيلية.
7- سوف أضمن أمن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من أى تهديد ، من غزة إلى طهران.
8- الدفاع المشترك بين إسرائيل وأمريكا يعتبر مثال للنجاح ويجب ان يتعمق.
9- وكرئيس سوف أتقدم بمذكرة تفاهم تنص على تقديم 30 بليون دولار فى شكل مساعدات لإسرائيل خلال العقد القادم ، استثمارات لأمن إسرائيل والتى لن يقدم مثلها لأى دولة أخرى.
10- وبالمضي قدما ، يمكننا أن نعزز التعاون فيما بيننا حول الدفاع الصاروخي.
11- وسوف نقوم بتصدير المعدات العسكرية إلى حليفنا إسرائيل فى نفس إطار المبادىء التوجيهية لحلف شمال الاطلسى.
12- وسوف أدافع دوما عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها فى الأمم المتحدة وحول العالم وكرئيس لن أقدم أية تنازلات إذا تعلق الأمر بأمن إسرائيل.
هو يقول باختصار شديد وبالعامية المصرية : أنا خدام التراب اللى تحت رجليين إسرائيل.
ومن هنا كان لزاما علينا ونحن نحتفل بذكرى الإسراء والمعراج أن نعى جيدا أننا ما لم نعمل جادين مجاهدين لاستعادة القدس والأقصى وتخليصه من قبضة المحتل الإسرائيلي الغاصب ؛ فلا ينبغى أنننجرف وراء تلك الأحداث الثورية والثورات التى شنتها شعوبنا العربية على حكامها الطغاة ، فلا يجب ؟أن يصرفنا ذلك عن مهمتنا الكبرى فى تخليص المسجد الأقصى والقدس وتحرير الأرض وحماية العرض ، فلن تقوم لنا قائمة ونكون قد فرطنا فى أخص شئوننا كعرب وكأمة مستخلفة ، فلا يحق لنا أن ننتسب لأمة الإسلام ، فالمسجد الأقصى مهدد بالانهيار والهدم ، ويعمل المحتل اليهودي الإسرائيلي الغاصب على تشويه معالم القدس الشريف وتهويدها بمختلف الأساليب التترية والإجرامية الخبيثة من هدم منازل المقدسيين ، وسحب تراخيص البناء ، والتشكيك فى ملكية المنازل والمحلات ؛ وما إلى ذلك من أساليب دأب على ممارستها بشكل إجرامي وهمجي سافر ، فالغرض من ذلك كله تغيير معالم القدس العربية تهويدها ؛ وطمس هوية المسجد الأقصى العربية والإسلامية و التمهيد لهدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم.
لقد ظنوا أنهم بتلك الأعمال الإجرامية يستطيعون أن يطمسوا الحقيقة ، ويهيلوا التراب على تاريخ القدس العربية ويسيطروا على المسجد الأقصى ويقطعوا الروابط الإيمانية المقدسة بينه وبين بقية المقدسات الإسلامية وما حوله من أرض العرب والفلسطينيين ، بل لا تسطيع القوة الإسرائيلية الغاشمة مهما أفسدت فى الأرض وطغت ، ومهما مارست من البطش والعدوان أن تمنعنا من تخليص المسجد الأقصى ومقدساتنا العربية والإسلامية وتحرير القدس الشريف ، ، فهمها تخاذل البعض حكامنا عن دورهم الذى كان منوطا بهم بحكم وظائفهم ، فلن يثنى ذلك من عزمنا نحن الشعوب العربية والإسلامية ، فنحن ماضون إلى تحقيق النصر بعون الله تعالى وتأييده .
إننا نملك من الأدلة الكافية التى نقدمها لك فى هذا الكتاب على كذب اليهود وادعاءاتهم وتفنيد مزاعمهم بالتاريخ والجغرافيا والوقائع العلمية والحضارية والأثرية ، بل سنقدم لك الأدلة من التوراة والعهد القديم، فلم ينفعهم تحريفهم لها.
لقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة على مر الأيام من يهتمون بشؤونها من ساسة وحكام وعلماء ودارسين ومؤلفين ومفكرين وصحافيين وفنانين مخلصين يعملون ليل نهار على تقديم الدليل والبراهين والحجج الدامغة على عروبة القدس الشريف وهوية المسجد الأقصى الإسلامية ، ولعل كتاب ( فلسطين ارض الرسالات السماوية ) للمفكر الفرنسي الكبير روجيه جارودي ، وما قدمه كتاب ( القدس ) للدكتور يوسف القرضاوى من هذه الأعمال المحترمة والموثقة.هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية ، وهذا الكتاب يقدم الدليل تلو الدليل على ذلك ، فرحلة الإسراء والمعراج خير شاهد.
لقد ظلت القدس الشريف عربية كما كانت منذ أن أنشأها العرب اليبوسييين ؛ وكان اسمها ( يبوس )، فهو الاسم الذى أطلقه عليها اليبوسيين عند انشائهم لها ، فقد كان اليبوسيون والذين أطلقت عليه التوراة اسم الكنعانيون أقدم من استقر في فلسطين ، فأسسوا حضارة فلسطين القديمة فيها وبقيت بيت المقدس كنعانية عربية يبوسية ، فلم تعرف القدس الشريفة أحدا من الأغراب إلا بعد أن تعرضت لغزو العبرانيين ، بعد نحو ألفي سنة ، أي في نحو سنة (1000) قبل الميلاد .
وهذا مما يبين أن القدس لم تكن يهودية فى يوم من الأيام - كما سنبينه فى حينه - بالحجة الدامغة والدليل العلمي والمادي والتاريخي ، فقد كان العبرانيون طارئين عليها ، فقد كانوا يشعرون بالغربة فيها ، وإزاءها ، كما تحكى التوراة التى يدين بها اليهود رغم تحريفهم لها.
وقد وصلنى فى وقت قريب من أخى الفاضل الدكتور يحي وزيرى كتابه الجديد ، وهو عبارة عن دراسة خاصة فى ( إثبات توسط مكة المكرمة لليابسة) ، فهو بكل المقاييس دراسة علمية حديثة ومبتكرة اعتمد فيها على وسائل الاتصال والمعلومات التكنولوجية العصرية المتقدمة دون أن يغفل مجهودات من سبقه من علماء فى هذا المجال.
هذه الدراسة تهدف فى المقام الأول لما نحن فيه من تقديم أدلة دامغة على كذب اليهود وافتراءاتهم ، فقد برهن بالدليل الهندسي والمعماري والأثري على عروبة القدس والهوية الإسلامية للمسجد الأقصى وأبطل زيف حكاياتهم الأسطورية عن هيكل سليمان عليه السلام .
من هنا نقول بصدق أن لا أحد يهودي أو إسرائيلي ولا صهيوبي ( صهيونى + صليبي ) أو أى إنسان كائن من كان يستطيع أن يشكك فى عروبة القدس وهوية المسجد الأقصى الإسلامية ، فما تفعله إسرائيل الآن من جرائم تهدف إلى تغيير معالم المسجد الأقصى العربية والإسلامية ، ومحاولاتهم التترية والإجرامية لطمس هوية القدس العربية ؛ لن تجدى مع القدس والأقصى فتيلا ، بل جرائمهم تلك دليل كاف على زيف ادعاءاتهم ، وبشاعة عنصريتهم.
لقد ظلت فلسطين والقدس منذ نشأتها بأيدى عربية والمسجد الأقصى تحت حكم أمة العرب والمسلمين ، فحمايتها ورعايتها وعمارة مقدساتها الدينية ( اليهودية والنصرانية والإسلامية ) فريضة وواجب ديني ووطني وسياسي ، فلم تمس بسوء على مر التاريخ إلا ما نالها وما أصابها على يد الإسرائيليون المفسدون فى الأرض وأيد اليهود المحتلين الآثمة فى كل مرة تكون لهم فى الأرض جولة أو صولة.
تلك أرضنا ومقدساتنا ، فلا دعوى لتزييف المزيفين ولا لتدليس اليهود المحتلين الغاصبين ؛ فلا حق لأحد فى القدس الشريف والمسجد الأقصى غير أمتنا ، فليس لهم علينا إلا ما كان لهم فى الماضى القريب من حماية مقدساتهم وعدم المساس بها وتيسير زيارتهم لها وإقامة شعائر دينهم بها سواء كانوا من اليهود أو النصارى ما لم يكونوا محاربين.
أما أن إقامة دولة على أرض العرب والفلسطينيين غصبا ونهبا وعدوانا لمجرد وعد غاشم من صليبي حاقد فلن يطول ، ولن يدوم ، بل هو وهم زائل إن شاء الله تعالى ، فليس فى قوة وعد بلفور البريطاني الصليبي المحتل الغاشم أن يؤسس دولة على أرض العرب والفلسطينيين إلا ظلما وعدوانا ونهبا واغتصابا ، فقد أعطى من لا يملك حقا لمن يستحق ، فلن يجدى مع أصحاب الحق والأرض والجغرافيا والتاريخ الحقيقيين فتيلا ، فلا تؤسس الحقوق بالغصب والعدوان ، فلا بد من يوم أن يسترد المظلوم حقه ، فذاك الوعد الحق " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" ( الحج : 40 )
ومن هنا نقول أن ما أخذ بالقوة والحيلة والكيد والنهب والسرقة لا يسترد إلا بالقوة والمقامومة الفعالة وإعلاء فريضة الجهاد. ( والله غالب على أمره )
يقول عز من قائل " اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ "
( البقرة : 45 )
ولكن – يجب أن لا نعطى العدو المجرم الغاصب أية فرصة ليهنأ وينعم بجرائمه النكراء ، فلا بد أن نقاوم بطشه وطغيانه بمختلف أساليب الردع والدفاع عن النفس والأرض والعرض ، والعمل على أحياء فريضة الجهاد فى كل شبر من أرض العربة والإسلام ؛ وتقديم الأدلة على أحقيتنا فى حماية أرضنا ومقدساتنا واستعادة حقوقنا المسلوبة فى القدس وفلسطين ، والثأر والقصاص لشهدائنا ودماء آبائنا وأجدادنا ، وتخليص المسجد الأقصى من أيدى الغاصب وتطهيره من دنس المحتل الصهيوني الغاصب حماية أبنائنا من كل ما يهدد أمنهم وحياتهم ؛ وإعادة القدس والأقصى إلى سابق عهده بالعرب والمسلمين أمنا وسلاما وحرمة.
لقد كشفت رحلة الإسراء والمعراج عن تلك الأهمية الكبرى التى يحظى بها المسجد الأقصى والقدس الشريف فى حياة العرب والمسلمين كافة فى الزمان والمكان ، بل إننا نقدمها اليوم ليس فقط على أنها معجزة لا مثيل لها من قبل ، فهى معجزة خاصة مخصوصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء عليهم السلام ، فلم يتح مثلها لنبي من الأنبياء من قبل ، فقبل أن يظهر النبي الخاتم عبد الله وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثا للرحمة الإلهية فى الوجود ، لم يكن ينشغل أحد من العرب فى الجاهلية بالمسجد الأقصى ولا يلتفتون للأهميته الدينية الجليلة ، فقد كانوا - فيما ندر - فى جاهلية وعبادات شركية وثنية ، فلا يعنيهم ولا يمثل لهم المسجد الأقصى شيئا إلا بما عرفوا من أهميته بالنسبة لأصحاب الكتب السماوية من وأتباع موسى وعيسى عليهم السلام ، فالبرغم من أنهم كانوا فى رحلتهم التجارية المشهورة ( رحلة الشتاء والصيف ) يترددون على بلاد اليمن شتاء ، وبلاد الشام صيفا ، إلا أنهم لم ينشغلوا فيما يبدو بالمسجد الأقصى إلا بالقدر الذى يعرفه سائح من السياح فى زيارته لأثر من الآثار القديمة ، فقد كانوا يعرفون المسجد الأقصى والقدس الشريف جيدا بالاسم والوصف ، ناهيك أن القدس مدينة عربية فى أساس النشأة والسكان والتاريخ والجغرافيا – كما سنرى - ، فلا يعارضه أنها كانت فى حوزة النصارى ومن قبلهم اليهود قاتلهم الله ، فقد كانت تلك البقعة المباركة مطمعا لكل الشعوب ، فالمسجد الأقصى منذ نشأته كان محرابا ومنزلا لجميع الأنبياء من بعد الخليل إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام ، فلا يستطيع أحد أن يتقدم خطوة فى معرفة تلك الأهمية وذلك السر إلا بالتعرف على قصة الإسراء والمعراج.
*****
4- الإسراء والمعراج ورحلات الفضاء
لا شك أن رحلة الإسراء والمعراج التى وقعت وتحققت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت هي أول رحلة يتمكن فيها الإنسان من قطع المسافات الطويلة بسرعة سريعة لا تقاس بالسرعات المعروفة لنا ، كما أنها أول رحلة وقعت وتحقق بها الإنسان حتى الآن إلى الفضاء الخارجي ، بل إلى السموات العلا ، وهو ما لم يتحقق لأحد قبله ، ولن يتحقق لأحد بعده ، إذ لا نبي بعده ، فهو العاقب ، وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، فهي من المعجزات التى لم تتحقق لأحد سواه صلى الله عليه وسلم ، فقد جمعت بين رحلتين:
1- رحلة أرضية من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف ؛ قطعت فيها الفيافى والقفار والمسافات الطويلة ؛ وهي ما يعرف برحلة الإسراء .
2- ورحلة سماوية من قبة الصخرة والمسجد الأقصى إلى السموات العلا ، إلى سدرة المنتهى ومقام " أو أدنى " حيث لا حيث ولا مكان ولا زمان ، فلا يعرف حقيقة هذا الوصول ، وهذا المقام إلا الله سبحانه وتعالى ؛ ومن تحقق به ممن أقدره الله سبحانه وتعالى على ذلك ، فليس إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتلك الرحلة العلوية هي ما يعرف برحلة المعراج .
وإن كانت رحلة الإسراء أعجب رحلة أرضية قام بها إنسان من حيث السرعة الخاطفة ؛ ومن حيث الغرض والهدف والغاية الأسمى التى تحققت فيها وبها ، فليس ذلك لطول المسافة واتساع الفيافى والقفار وتباعد البلاد ، بل لتلك السرعة الخاطفة التى قطعتها الرحلة فى بضع ليلة ، فلا تلحقها سفريات نبي الله سليمان عليه السلام على متن الريح ( بساط الريح ) ، فتلك السفريات لم يتحدد لها مدة ولا مكان بعينه ، فيبدو أن الريح كان وسيلته عليه السلام فى السفر كلما أراد الإنتقال من مكان إلى مكان ، وكلما أراد أن يتفقد ملكه الشاسع العريض ، ويتطلع على شئون رعيته من اللإنس والجن والطير ، كل ذلك وغيره من أغراض تلك الرحلات القصيرة التى لا تتعدى ملكه عليه السلام ، فاعتبار الأهداف من رحلاته ، وكذلك طول المسافة لا يخفى ، فهو فى الحسبان .
ولا تلحقها رحلة ذى القرنين ؛ ذلك العبد الصالح ، فهي رحلة جغرافية جاب فيها المشرق والمغرب فى مدة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، فلم يسجل أحد تلك المدة حتى الآن ، ولا نظن أن أحدا يستطيع ذلك فى الوقت الراهن إلا ما شاء الله ، فهي رحلة أرضية ؛ وسياحة أرضية لأهداف علمية أرضية ، أعظم ما تحقق فيها هو إثبات توسط مكة المكرمة البسيطة ( الأرض) ، وهو ما بيناه فى كتابنا ( الكون كله خريطة محمدية ) ، وما أثبته بعد ذلك بست سنوات الدكتور يحى وزيري فى كتابه العلمي ( ) 00 !
أما رحلة المعراج ، فحدث ولا حرج ، فليس هنا مناسبة تذكر أو مقارنة بين المسافات والأبعاد ، فهي رحلة سماوية ، لا يحيط بمسافاتها وأبعادها إلى خالق السموات والأرض ، ويكفيك أن تعلم كم من الزمن يقطع الملائكة تلك الرحلة فى عروجهم ، لكي تقف عند حد العقل الإنساني فى قياساته وأبعاده وحدوده الحسية والمادية ؟!
يقول عز من قائل " تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ "
( المعارج : 4 )
ويقول سبحانه وتعالى " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ " ( السجدة : 5 )
وكان من المدهش أنها وقعت فى جزء يسير من الليل ، وهو بضع ليلة ، طويت فيها الأرض ، وتلاشت فيها السحب ، وتناهت السموات العلا .
إنها أغرب رحلة حقيقية فى الأرض والسماء قطعها الإنسان إلى الفضاء الخارجي ، بل إلى السموات العلا ذهابا وإيابا ، وحصل فيها من الفوائد والعطايا والهبات والثمرات العلمية والعملية والسلوكية والحضارية والنتائج المعنوية والمادية ما لم يتحقق لأى إنسان آخر منذ خلق الله السموات والأرض وإلى أن تقوم الساعة ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نعم مازال الإنسان يحلم بالسفر إلى الفضاء الخارجي والطيران والسباحة فى الهواء والهبوط على كواكب المجموعة الشمسية ، فلا غاية له أولية إلا تحقيق هذا الحلم وذلك الخياال حتى يشبع غروره العلمي ؛ فهو غاية حلمه !
ولما كان كل ما يحلم به الإنسان فى بداياته الأولى هو ذلك الحلم الذى كان يصعب عليه تحقيقه لعلة الآليات والأدوات العلمية والتكنولوجية ، لم يحمله ذلك على التوقف عن الحلم والتفكير فيه ، فراح ينسج من خياله الحكايات والقصص التى تعرف اليوم باسم قصص الخيال العلمي ، فقد قص القصاص وكتب الأدباء والروائيين والشعراء عن الحلم وسبحوا فى خياله وتصوروا أنفسهم طائرين هابطين من الأرض إلى السماء والعكس كالطيور أو ما هو أبعد .
لقد شغفت منذ نعومة أظفاري بتلك الحكايات وقصص الخيال العلمي وخاصة رحلات وحكايات السفر إلى القمر، بل إنني كنت أفاخر زملائي بأنني من بينهم أول من قرأ وأقتنى ما كتبه قصة ( ه. ج. ويلز ) وغيره من روايات وقصص عن السفر إلى القمر والفضاء الخارجي ؛ الأمر الذي أضفى علي وقتى وحياتى وتفكيرى مزيدا من الاهتمام بقصص الخيال العلمي ..
ولعل تلك الاهتمامات المبكرة كانت من الدوافع التي دفعتني دفعا إلى كتابة واحدة من قصص الخيال العلمي الفريدة في موضوعها ، وهي بعنوان ( العالم امرأة ) - لم تنشر بعد ، فقط كانت محاولة لوضع فكرة أدبية فى سياق فكري وعلمي معقول - إن كان لنا بذلك سبيلا !
والحق يقال أننى فى تلك الفترة المبكرة من عمرى لم أكن أعلم إلا القليل عن رحلة الإسراء والمعراج التى طوت المسافات الأرضية واخترقت السموات العلا ، مخلفة وراءها القمر والكواكب والنجوم والمجرات وما فيها من المجموعات الشمسية وكواكبها ونجومها التى لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء ، فتضاءلت الكواكب والنجوم وتلاشت !
هذا ، وكنت مثل غيرى من طلبة المدارس فى ذلك الوقت ؛ فلم يكن من بين مشاغلنا فى فترة الصبا والشباب الحديث عن مثل هذه الرحلة المباركة الميمونة ( رحلة الإسراء والمعراج )، ولا ما يتصل بها من اهتمامات أيمانية وعلمية ، ولا حتى مجرد التفكير ، فلعل السبب أن مناهج التعليم عندنا كانت ومازالت قاصرة فى هذا الاتجاه الهام والضروري من أجل الغايات العلمية الرفيعة ، وترقية الذوق السلوكي ، وإثراء التجربة الثقافية ، وتأصيل الأسس المنهجية ، وتقوية الدوافع الإيمانية والعلمية ، وكل ما ينمى طموحات الإنسان بعامة والمسلم بخاصة.
وجاء وقت الريحانة !
وعندما شرعت فى تأليفها شعرت بلذة بالغة تزداد كلما طالت مدة التحضير لها ، و التفكير فى فصولها ، فقد كانت رغبتى جارفة ألا تكون تكرارا ، أو نقولا لما قرأت من مؤلفات حول رحلة الإسراء والمعراج ، وألا تكون نسخة مما سبق لى أن كتبت ، فقد تضمنت أطروحتي للدكتوراة ( الحقيقة المحمدية عند الصوفية ) فصلا بالغ العمق ، بعنوان - الإسراء والمعراج .
نعم ، لقد تغيرت بعض اهتماماتي واتخذت مسارا منهجيا ذا أبعاد ومطالب علمية ؛ ترنو نحو التعرف على السر الحقيقي من وراء كلف الإنسان وغايته الحقيقية وسعيه الدائب - منذ خلق - إلى الطيران والسباحة فى الهواء ، والسفر إلى الفضاء الخارجي ، والانخراط فى إنجاز وإحراز السبق فى رحلات الفضاء ، وما تتكلفه تلك الرحلات من نفقات باهظة ؟!
وتساءلت :
ما هو السبب الحقيقي الذي يدفع الإنسان دفعا إلى التفكير في الطيران ، وما أعقب ذلك من المحاولات المستميتة ، وذلك الصرف في الإنفاق والتمويل المالي والمخاطر البشرية التي بلغت حد السفه من أجل السباق الجنوني لغزو الفضاء الخارجي ؟!
لقد شغلت محاولات الطيران التي قام بها الإنسان الكثير من المؤرخين المعنيين بقصة تاريخ الطيران ورحلات الفضاء0
ولعل أشهرها محاولة العالم المسلم ( عباس بن فرناس ) فى عصور إزدهار الحضارة الإسلامية ووقت أن كانت أوربا غارقة فى ظلمات العصور الوسطى ومحاكم التفتيش ، فقد بلغ شغفه بالطيران الدرجة التي يضحى فيها بنفسه ، والتي سجلت - رغم فشلها - على أنها أول محاولة للطيران قام بها إنسان في العالم !
ثم من بعده جاءت المحاولات تترى ، الناجحة منها والفاشلة ، فقد كانت محاولة ابن فرناس كطلقة البداية في السباق الطويل !
ولكنها- لم تكن هي وحدها المحرك والدافع الحقيقي لتلك المحاولات التي باتت الآن تطرق أبواب المجهول !
لقد تبين لنا أن القصة بدأت منذ فجر البشرية وظهور الإنسان على الأرض ، فبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى أبو البشر آدم عليه السلام ، وكرمه بالعلم وأسجد له ملائكته واستخلفه ، أسكنه الجنة ، ثم أهبط منها هو وزوجه السيدة حواء بعد غواية الشيطان لهما.
أهبط آدم عليه السلام من الجنة هبوط كرامة ، فما اهبط إلى الأرض إلا لتشريفه وتكريمه ، فقد أعده الله سبحانه وتعالى ليكون خليفته المؤتمن على خلقه ليحكم فيهم بالعدل و بما علمه الله تعالى من الحق ؛ هو ومن يأتى بعده من حزب المحبة المحمدية الذاكرين الله تعالى كثيرا ، فليس كهبوط إبليس عليه لعنة الله ، فهبوط إبليس هبوط مذلة وإهانة وخزي له ولحزبه من الغاوين أهل الحقد والحسد و الغفلة والنسيان والعمى!
ويختلف هذا الهبوط من أعلى عن محاولات الإنسان التى تحققت بالهبوط بالمظلات ، فقد أهبط آدم ليكون خليفة فى الأرض ، أهبط فى مظلة واقية من الملائكة الذين سجدوا له وانخرطوا فى حزبه ، أهبط محمولا على محفة الرحمة ، وعلى بساط النور ، أهبط بسلام كما أهبط نوح عليه السلام من سفينة النجاة بسلام.
كان هبوط آدم عليه السلام أول هبوط فى تاريخ البشر من أعلى إلى أسفل ، لا كما تصور زميلنا الدكتور مصطفى كامل الشيبى فى قصته ( أول مظلى فى التاريخ ) ، صحيح إن الهبوط مختلف ، فهبوط آدم عليه السلام هبوط خليفة مستخلف فى أرض الله ليحكم بين الخلائق بالعدل وبما أراه الله من الحق ، ولكن - هبوط بطل قصة الشيبى مخالف ، فهو هبوط هارب من محبسه ، من فوق الجبل إلى سفحه بعد أن صنع من ثوبة ما يشبه المظلة ، ، وقفذ بها من أعلى الجبل إلى السفح ، وهو يشبه ما كنا نفعله صغارا ونحن على سطح المنزل ، فنحاول أن نملأ ثوبنا بالهواء ليصير خلفنا كالبالون ، ثم نقفذ إلى الأرض ، فكأن الناس فطروا على إرادة الهبوط كما فطروا على إرادة العلو والطيران و الرغبة فى السباحة فى الهواء !
كان هبوط آدم عليه السلام هو أول هبوط وقع لإنسان من أعلى إلى أسفل ، من الجنة والسموات العلا إلى الأرض.
ومن ثم - وكما أفهم - كانت رحلة الهبوط من الوطن الأصلي إلى الأرض من أجل الاستخلاف وعمارة الأرض مقدمة ضرورية لرحلة العودة إلى الجنة طالما تحققت شروط الاستخلاف من الحكم بالعدل وما أنزل الله ؛ وطالما تحققت الغاية من الاستخلاف وعمارة الكون والحياة !
أما إبليس اللعين ، فقد أهبط هبوط مذلة ولعنة ومهانة ، فهو وحزبه من الغاوين أعداء الخليفة إلى يوم الدين ، فمآلهم إلى النار ، فقد خالفوا شروط الاستخلاف ، وتعاونوا ضد الخليفة مع كل قوى الشر فى العالم ، فأفسدوا الكون والحياة وخربوا البلاد والديار ، وأشاعوا فى أرض الله الفساد ، فحكم عليهم بالبوار والطرد والاستئصال ، فتلك سنة الله فى الكون مع كل من خالفوا وعارضوا ميثاق الاستخلاف والخليفة سواء من الجن أو الإنس ، فمصيرهم إلى البوار والاستئصال ، وهو ما حدث لقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ممن عرفنا ، وما لم نعرف .
عموما ، لقد حذى اليهود من بعد موسى والأنبياء وداود وسليمان عليهم السلام حذو المفسدين فى الأرض فانخرطوا فى حزب الشيطان وأفسدوا فى الأرض وعاثوا فيها فسادا ، فسلط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة ، فقد أذاقهم بخت- نصر البابلي من القتل وذل الأسر والتشريد ما لم يحيق بهم من قبل ، وكذا فعل معهم سرجوس الروماني ، وقد أذاقتهم أوربا صنوف الذل والهوان ، حتى لم يجدوا إلى بلاد العرب والمسلمين حماية وأمان .
نعم لم نر لهم وجودا حقيقيا فى التاريخ كله- قديمه وحديثه على السواء - ، فهم دائما يعيشون فى عزلة عن المجتمعات فيما يسمى بمصر حارة اليهود ، فهم كالغجر الذين على أطراف المدن ، فلم يكن لهم دولة فى أى مكان فى الأرض المقدسة وأرض فلسطين ، بل ولا أي مكان فى العالم ، إلا فى عصر داود وسليمان عليهما السلام ، فلما أفسدوا وخالفوا كعادتهم عهود ومواثيق الأنبياء شردوا وقتلوا وطردوا وأسروا ، ومزقوا كل ممزق .
وهاهم قد عادوا ، وأعادوا الكرة ، فأفسدوا ، فلينتظروا وعد الآخرة.
لقد كشف كتابنا ( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) عن سر الاستخلاف وتشكيل الأحزاب وأهمية دور الخليفة وحزبة من أهل المحبة الإلهية فى عمارة الكون والحياة بشكل لم يسبق إليه ، والعجب العجاب أن كتابنا هذا دون سواه من مؤلفاتنا لم يلق حتى اليوم فرصته من النقد والتحليل ، لأسباب ليس هنا مجالها ، فلا نشغل بها بال الصفي العزيز.
وإن كان مما يعلم أن هناك مؤلفات لا تسلم من المثالب والعيوب حصل أصحابها على جوائز الدولة التقديرية ، بل ولقيت الترحيب من مكتبة الإسكندرية ومديرها الدكتور / سراج الدين ، حتى بات من قناعة بعض المثقفين أن ذلك توجه وزارة الثقافة ووزيرها السابق فى نظام المخلوع / فارق حسنى ، مما قد يشكك فى توجهات الحكومة والنظام الحاكم نفسه ، فعجلت بالتخلص من رأس النظام بثورة كبرى فى 25 من يناير2011م .
إن الأخطاء التى ارتكبها هؤلاء اليساريون والماركسيون القدامى وتلامذتهم من المحدثين - سواء كانت بطريق مباشر أو غير مباشر ؛ وبوعي أو بدون وعي - ليست بالأمر الهين الذى يمكن السكوت عنه ، فكلها عيوب وأغاليط تمس عقيدة المسلم وإسلامه وأخلاقه فى الصميم ، فقد تجاوزت تلك المؤلفات التى كرم أصحابها النظام الفاسد المفسد المنحل كل المحظورات الدينية والحدود الإيمانية بالطعن فى النبوة والتطاول على الذات العلية وسب الصحابة ومحاربة الفضيلة وإشاعة الفاحشة فى ديار المسلمين مثل ( وليمة أعشاب البحر ) و( شرفة ليلى مراد ) ومؤلفات القمنى الساقطة.
هذا ، مما أثار حفيظة الغيورين ، فوقفوا لأمثال هؤلاء الفاسقين بالمرصاد نقدا وتفنيدا ، فبعد مناقشات حامية حول تلك المؤلفات السوداء على صفحات الجرائد ، ومواقع الشبكة العنكبوتية العالمية ( النت ) وبخاصة ( موقع جريدة المصريون ) وكثير من الجهات الثقافية المحترمة ، طالب بعض الغيورين من مفتى الجمهورية الرأي والفتوى فيما يكتبه أصحابها دون جدوى ، ثم بدا له ، فأفتى بتجريمها بوجه عام.
والحق أن الأزهر ومؤسساته لم يتحرك لهم ساكن حتى هذه اللحظة للدفاع عن سر وجودهم ، بل صرح بعض كبار المسئولين من أمثال الدكتور / أحمد عمر هاشم ، ووزير الأوقاف السابق فى نظام الرئيس المخلوع الدكتور/ محمود حمدى زقزوق ، فتعللوا بأنهم لم يقرأوا ما كتبه ذلك المسيئ المسمى بالقمنى ، مع أنهم أعضاء فى المجلس الأعلى للثقافة ، ناهيك أنهم يدافعون عن أنفسهم ورؤسائهم ومشايخهم لمجرد النقد الموجه لأحدهم ولو كان بسيطا ، فهل الدفاع عن الشخصيات العامة عندهم أولى من الدفاع عن الرسالة والرسول ؟!
وكان يعفيهم ويكفيهم أن يقولوا كلمة الحق ، فهي مهمة العلماء يقولونها فى وجه كل سلطان جائر ؛ كان يكفيهم اعتراف القمنى بنفسه على نفسه بتزوير شهادة الدكتوراة التى حصل عليها من أمريكا ، وليس بعد التزوير ذنب ، فمن غشنا فليس منا .
إذن ، ما هي أهميتهم وطبيعة عملهم ، وما سبب تواجدهم على رأس مؤسسة الأزهر والمؤسسات العلمية والثقافية 00 ؟!
هذا ، ويبدو لنا أنه منذ أهبط آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض حاملا أمانة الاستخلاف ، وهو يحاول هو وحزبه من أهل المحبة المحمدية- صلى الله عليه وسلم - أن يؤدى أمانة الاستخلاف في الأرض ، كل على قدر الوسع الذي هو وسعه ، وهمه الأكبر هو السعي جاهدا للرجوع إلى وطنه الأصلي الذي فارقه بسبب أكلة وشهوة لا تغنى ولا تسمن من جوع !
لقد علم الآدمي أن الرجوع إلى الوطن ليس بالأمر السهل ، فقد أهبط من الجنة بمركب إلهي ، وهذا يعنى في المقام الأول أنه يحتاج في العودة إلى مركب إلهي أيضا 00 !
ومنذ ذلك الحين ، والبحث جار عن وسيلة السفر إلى العالم الذي جاء منه الإنسان ، في محاولة دائبة على تصور وسيلة الوصول وتصنيع تلك المركب المنشودة !
ولعل البعض يتصور - ويحق له ذلك - أن كل واحد لا بد الموت حامله على آلة حدباء إلى رحلة النهاية !
ولكننا - نتكلم عن المحاولات التي يبذلها الإنسان وهو على قيد الحياة ، فما بعد الموت ليس له فيه حيلة أو إرادة أو اختيار ، فهو إما مساق إلى خطاطيف النار ، أو مراكب الأبرار !
وأتصور أن معظم المحاولات في البداية كانت على سبيل التسلية والتسرية ، فلم يكن في استطاعة الإنسان إلا تصنيع مراكب الأنهار ومواخر البحار ، وسيارات البر والقفار.
واللطيف المدهش أن القرآن الكريم لم ينكر عليهم بحثهم ، بل خاطبهم خطاب تحفيز ، لا خطاب تعجيز ، فإن كان يحمله ، فلن يعدو أحد من الجن والإنس قدره !
يقول سبحانه وتعالى " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " ( الرحمن : 33 )
ومن ذلك الحين والعلماء يحاولون - عن طريق العلم - غزو الفضاء الخارجي ، والوصول إلى كواكب المجموعة الشمسية في مجرتنا المعروفة بدرب التبانة !
ولقد خطر ببالى أن الإنسان لو لزم طريق الهداية والصلاح لهانت عليه الرحلة ، فبلغها وهو على الأرض ساجدا لرب العالمين ، ولكنه لغفلته واغتراره بعقله وعلمه المحدود أبى إلا أن يضرب فى محاولاته بحثا عن وسيلة مادية ومركب من صنعه تقربه من مبتغاه !
ولما كان الأمر يبدو بعيد المنال ، لم يثن الإنسان عن عزمه أن يتسرى بتأليف قصص من نسج الخيال - باتت في أول الأمر وكأنها أساطير من أساطير ألف ليلة وليلة- يطير بها إلى تخوم الفضاء الخارجي !
إلا أنني ما زلت على يقين أن هذه الصور الخيالية والقصص الأسطورية ما كان لها أن تنسج إلى من واقع لمسه الإنسان في زمن من الأزمان كان !
وكما قلت ، فإن قصة هبوط آدم عليه السلام ما زالت ماثلة في الأذهان ، وبخاصة أن القرآن الكريم قد احتفل بقصة آدم عليه السلام أيما احتفال ! كما أنها مسطورة بشكل أو بآخر في كتب العهد القديم وصحف الأنبياء ! فليس هناك شعب من الشعوب ذات الحضارات القديمة إلا وفى تراثه وثقافته شيئا ما - خطأ كان أو صواب - عن هذه القصة العظيمة0
كتب الكثيرون كثيرا عن رحلات الفضاء والطيران وأفعال الجن والإنس والسحرة والاختراعات الخيالية التى تحقق بعضها وما زال البعض قيد التجريب.
و توالت قصص الخيال العلمي وأساطير ألف ليلة وليلة ، وقصص البساط السحري والمرايا المسحورة ، وما كان مما نعرفه ومالا نعرفه ، ولعلنا نجنى اليوم فى عصرنا التكنولوجي بعض ثمار هذه القصص الخيالية ، فقد جمع معظمها فى الكمبيوتر ، بل جهاز الموبايل المحمول مع الصغار والكبار ، إلا مراكب الفضاء ، فتلك صنعة الكبار ، باهظة التكاليف !
وعموما ، يبدو لنا أن صناع تاريخ الطيران قرأوا الكثير من أعمال تسيولكوفسكي ( 1857 - 1935 م) الذي كانت أعماله - كما يقول جاجارين أول رائد فضاء في العصر الحديث - أقوى من أعمال جول فيرن ، و هيربرت ويلز ، و بقية كتّاب قصص الخيال العلمي الآخرين Science Fiction - فكل ما قاله هذا العالم تحقق منه بالتجارب الشخصية .
يقول جاجارين فى نهاية محاضرة له " لن تبقى الإنسانية إلى الأبد على الأرض ... "
نعم ، فمنذ زمن طويل والإنسان يراوده حلم بالطيران مثل الطيور.
ولقد تتبعت بعض محاولات الطيران الإنسانية ومراحلها كما يلى :
1- مرحلة الطيران باستخدام مركبات تحملها النسور ، وكانت من أعمال النمرود الذى جادل إبراهيم عليه السلام فى ربه سبحانه وتعالى ، فلم يثنه عجزه أمام نبي الله عليه السلام والبهت الذى أصابه ، ولم يتعظ بنجاة إبراهيم عليه السلام من النار التى قذفه فيها ، بل صمم على الصعود لرب إبراهيم ليقاتله بنفسه - حاشا وكلا - ، فصنع له مركبة مثل المنطاد يطير بها نسران مربوطان بها ، يتحركان بحسب شواء لحم مرفوع أمامهما يتحرك فى الإتجاه المراد التوجه إليه ، يمينا أو شمالا أو أعلى صعودا أو أسفل هبوطا.
2- مرحلة التطاول الفرعوني ، فقد حاول فرعون أو تصور أنه يستطيع أن يصل إلى السماء ، فقد طلب من هامان رئيس الكهنة أن يوقد له على الطين ، ومسألة الوقود الفرعوني على الطين ليست مسألة عارضة ، بل تحتاج لدراسة علمية ، فقد حكاها القرآن الكريم " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ " ( القصص : 38 ) ، واللطيف أننا تبينا بعد ذلك أن هامان هذا لقب وليس اسما ، فهو لقب معناه البناء ، فربما كان هامان هذا هو كبير مهندسى فرعون .
3- محاولة الطيران برفرفة الأجنحة فى العصور الوسطى النيرة فى عالمنا الإسلامي وهي التى قام بها عباس ابن فرناس فى بلاد الأندلس الإسلامية ، وقصته مشهورة فى ثقافتنا العربية ، بل ومعروفة للأوربيين .
4- محاولة المناطيد أوائل القرن 20م
5- محاولة استخدام المحركات الميكانيكية أو النفاثة.
6- لقد بذل المخترعون محاولات كثيرة ماكينات طائرة في مطلع هذا القرن ، فقد نجح الأخوان رايت في أن يحققا ذلك الحلم بإطلاق طائرة قوية تتحكم في الطيران في شمالي كارولنا في 17 ديسمبر 1903 ، فأطلقا طائرتهم الأولى من منزلق في دايتون - اوهايو ، وقد زودوا الطائرة بمحرك بقوة 12حصانا ، 00 وفي أول محاولة للطيران لهما00ارتفعت الطائرة بعيداً عن الأرض مسافة 120 قدماً في 12 ثانية ، ثم أعقب ذلك بعشر سنوات ظهور الطائرات.
ولا شك أن الطيران فى الجو بواسطة الطائرات جعل عالمنا اليوم أصغر كثيراً مما كان ، فيمكننا أن نسافر من احد أطراف الأرض إلى الدنيا إلى أقصاها في بضع ساعات ولا شك أن الطيران فى الجو بواسطة الطائرات جعل عالمنا اليوم أصغر كثيراً مما كان ، فيمكننا أن نسافر من احد أطراف الأرض إلى الدنيا إلى أقصاها في بضع ساعات
7- رحلات الفضاء ، تلك أعجب المراحل فى تاريخ الطيران التى ما زال الإنسان يتابعها بشغف مشبوب بالمخاطر ، فلم يكتف الإنسان بصناعة الطائرات التي تحمله إلى أبعد مكان في العالم في ساعات معدودة ! بل إن حلمه الذى يقض عليه مضجعه ما انفك يراوده في اختراق الفضاء الخارجي والوصول إلى الكواكب والأفلاك ، فجاءت أغرب محاولاته فى صناعة الصواريخ والمركبات الفضائية ، وما أعقب ذلك من محاولاته المتعددة ، وما قام به من رحلات بغرض إقتحام الفضاء الخارجي ، ففي الرابع من أكتوبر 1957 هز العالم كله خبر إطلاق القمر الصناعي السوفياتي ( سبوتنيك الأول ) إلى الفضاء ، بوصفه أول قمر من صنع الإنسان يدور حول الكرة الأرضية.
و بعد ذلك بأقل من شهر ، و تحديداً في 3 / 11 / 1957 أطلق السوفيات إلى الفضاء سبوتنيك الثاني و على متنه الكلبة ( لايكا ) ، فكانت أول كائن حي يرفعه الإنسان خارج الجاذبية الأرضية ، فقد تم تزويد القمر بالأجهزة الضرورية للمحافظة على حياة الكلبة لايكا ، بالإضافة إلى أجهزة لقياس الإشاعات الشمسية والإشعاعات الكونية ، وزوّدت المركبة بكل ما تحتاجه الكلبة لايكا للعيش بضعة أيام في المدار ، ووضعت أجهزة لقياس النبض والتنفس وضغط الدم موصولة بأعضاء جسم الكلبة لايكا لمعرفة تأثير الفضاء الخارجي على حياة الكائن الحي بصفة عامة ، وقدمّت الكلبة لايكا إلى المواطنين السوفيات يوم 27 أكتوبر هدية وتحية حين نبحت على الميكروفون.
وتبين أن الكائن الحي بإمكانه أن يتحمل الإجهاد الناجم عن عملية الإطلاق وعملية الهبوط ثانية إلى الأرض ، وأن يتحمل الفترات المحدودة التي ينعدم فيها الوزن ، فلم يكن هناك أي تأثير على الكلبة لايكا بسبب حالة إنعدام الوزن في المدار ، إذ استطاعت أن تأكل و تشرب و تنبح و تتحرك لمدة أربعة إلى عشرة أيام ، قبل أن تموت جوعاً أو خنقاً ( بسبب نفاد الأكسجين ) أو تسمماً .
و تتالت الإنجازات السوفياتية المذهلة في مجال غزو الفضاء , وأثبتت أنها سابقة على الولايات المتحدة بمراحل كبيرة ، وكانت المفاجأة الكبرى ، ففي يوم 12 نيسان 1961م أذاعت وكالة تاس السوفياتية للأنباء خبراً هز العالم كله : أطلقت إلى الفضاء سفينة فوستوك في مدار حول الأرض و على متنها رائد الفضاء السوفياتي ( يوري جاجارين ) كأول إنسان في تاريخ البشرية يخترق حاجز الجاذبية الأرضية و يدور حول الكرة الأرضية.
و لقد كتب الكثير عن يوري جاجارين ، بما يشكل مكتبة كاملة . و قيل فيه و في رحلته الكثير مثل :
- إنه كولومبوس الفضاء.
- و كولومبوس الكون.
- فتح باب السباق في غزو و عسكرة الفضاء.
- كانت رحلته أول لقاء من الجنس البشري مع المنطقة المجاورة في الفضاء.
- هو أول إنسان يرى كروية الأرض من الفضاء.
- سيبقى إسمه حياً في الذاكرة لقرون قادمة من السنين.
- هذا التحليق يعد من أهم أحداث العصر و يدشن مرحلة جديدة في تطور الحضارة البشرية.
- دشنت رحلته عصر الفضاء و السفرالفضائي .
- لقد ذهب جاجارين إلى حيث لم يذهب أي إنسان من قبل..
وبالرغم من أننا نشجع الجهود البشرية فى غزو الفضاء الخارجي من أجل استكشافات علمية تيسر حياة الإنسان على الأرض ، إلا أننا أيضا لا نقبل تلك العبارات الإنشائية التى تجعل من جاجارين أسطورة إلا بالقدر الذى حدث ، ناهيك أن الصورة الأسطورية التى صنعوها لبطلهم .
لقد تحطمت أسطورة جاجارين مع تحطم طائرته فى الفضاء ، فاحترق الملحد معها حتى تبددت أجزاؤه وتلاشت فى الفضاء ، فقد غرته رحلته فى الفضاء وتطاول على خالق الكون كله والفضاء ، فنطق بكلمة الإلحاد ، فقد صرح جاجارين بقوله إنه بحث عن الإله فلم يجده ، فكانت عاقبته فى النار حرقا فى الدنيا ومآله إليها فى الآخرة إن شاء الله !
لا نخفى أن هناك إنجازات علمية مذهلة تحققت فى مجال رحلات الفضاء والتطلع إلى غزو المريخ والزهرة وكواكب أخرى.
نعم ، إننا لا ننكر ما حدث ، ولكن - دهشتنا من أن المشككين من منكرى رحلة الإسراء والمعراج وهم من المتعالمين والماركسيين القدامى وتلاميذهم من التنويريين والعلمانيين المعاصرين ، جميعهم يصدقون بكل أريحية ما يقال عن الكلبة ( ليكا ) ، ورائد الفضاء ( يورى جاجارين ) ، وغيرهما كرائد الفضاء ( نيل أرمسترونج ) الذى أذاعوا أنه أول إنسان هبط وطفى وقام برفع علم أمريكا على سطح القمر ، يصدقون ذلك ، بل مازالوا يصدقونه ويهللون له ، وحتى بعد أن ظهرت فى الأفق وثائق أوربية غربية تشكك فى مصداقية كثير من الإنجازات ، واعتبرتها مفبركة !!
لقد أهاجوا الشك فى معظم نتائج رحلات الفضاء التى هللوا لها من قبل !
قرأت من قبل مقالا ربما فى جريدة الأهرام أو فى كتاب ( كرسي على الشمال ) للأستاذ / أنيس منصور ، يتكلم فيه أنهم وجدوا نصوصا في ( العهد القديم ) من الكتاب المقدس . خاصة سفر ( حزقيال ) وأنهم عثروا علي سفن فضاء جاءت أوصافها مطابقة لسفن الفضاء الآن.
ويبدو أنهم كانوا يفسرون ذلك علي أنها نبوءة بما سوف يحدث مستقبلا .
ولكن علماء آخرين فسروا أنها ماض حدث , وان كانت في أماكن أخري من الكون هبطت إلي الأرض وغادرت ولا نعرف لماذا ! ، بل ذهب المؤرخون أنها كانت منذ أيام أبي التاريخ هيرودوت ، وأنه رآها في سماء مدينة منف المصرية , رأي كرات من النار تقترب من الأرض ثم تذهب بعيدا.
والحق أننى قرأت سفر حزقيل هذا فلم أجد فيه شيئا مما قاله أنيس منصور أو ما نقله عن غيره.
ولكننى – قرأت فى سفر الملوك الثانى ( 12-2-Kings - (ص: 5) حوارا بين إيليا وابنه اليوشع ، فيه ذكر لمركبات من نار وخيل من نار صعد بعدها إيليا فى العاصفة إلى السماء ، فإذا صح ذلك ، فلا يوصف بأنه مركبات فضائية ، بل وسائل سفر من وسائل يرسلها الله سبحانه وتعالى إلى الأنبياء كرامة لهم دون سواهم .
يقول أليشع لأبيه إيليا : ليكن نصيب اثنين من روحك علي». 10
فقال : «صعبت السؤال. فإن رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون ». 11
وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما ، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. 12
وكان أليشع يرى وهو يصرخ : « يا أبي ، يا أبي ، مركبة إسرائيل وفرسانها ». ولم يره بعد ، فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين ، 13
ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه ، ورجع ووقف على شاطئ الأردن. 14فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء وقال : « أين هو الرب إله إيليا ؟ » ثم ضرب الماء أيضا فانفلق إلى هنا وهناك ، فعبر أليشع. 15
ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا : « قد استقرت روح إيليا على أليشع ». فجاءوا للقائه وسجدوا له إلى الأرض. 16
وقالوا له : « هوذا مع عبيدك خمسون رجلا ذوو بأس ، فدعهم يذهبون ويفتشون على سيدك ، لئلا يكون قد حمله روح الرب وطرحه على أحد الجبال ، أو في أحد الأودية ». فقال : « لا ترسلوا ». 17
فألحوا عليه حتى خجل وقال : « أرسلوا ». فأرسلوا خمسين رجلا ، ففتشوا ثلاثة أيام ولم يجدوه. 18
ولما رجعوا إليه وهو ماكث في أريحا قال لهم : « أما قلت لكم لا تذهبوا؟ ».
لقد فسر بنو إسرائيل الذين حكى لهم إليشع قصه أبيه ومركبات النار ، فسروا ذلك بأنه روح الرب حملته .. !
ومن هنا أقول أن ذلك التفسير هو الأقرب والمعقول لدى أصحاب البصائر والألباب ، فلا يصح فى فهمنا لأحوال الأنبياء عليهم السلام تفسير كل ما يرى هابطا إليهم من السماء سواء كانت مراكب من نار أو غير ذلك مما خصوا به من وسائل السفر إلى السماء على أنه سفن فضاء أو أطباق طائرة ، وإلا فسرنا النيازك والشهب بذات المفهوم ، وهو ما لا يصح فى منهج العلماء .
لقد ادعى بعض رؤساء الإتحاد السوفيتي ( روسيا حاليا ) وكذا رؤساء الولايات الأمريكية معرفة سر تلك السفن أو الأطباق الطائرة كما يسمونها ، بل وعدوا بكشفه وأن يطلع شعبه على حقيقة تلك الكائنات ، ولكن - أحدا منهما لم يفعل ، بل إن كل منهما استسهل إلقاء الاتهامات على الآخر بدلا من أن يكشف عن جهله ، فيؤكد الروس أنها أسلحة سرية أمريكية ، وكذلك الأمريكان قالوا إنها أسلحة روسية ، فبقيت ظاهرة سفن الفضاء العجيبة ( الأطباق الطائرة ) الشائكة طائرة هابطة من ستين عاما !
وتكلم الناس عن كتاب ظهر منذ فترة قريبة في أمريكا بعنوان ( الأطباق الطائرة بعض الحقيقة ) يقول : إنها ظاهرة حقيقية . وان أمريكا وروسيا قد اتفقتا علي الكتمان , كما اتفقتا أيضا علي عدم إذاعة شيء عن الذي رآه رواد الفضاء في داخل سفنهم أو وراءها.
وما يكشف لك أن الأمر كله ظني ، ووهمي ينقصه الدليل العلمي أن الرئيس الروسي جورباتشوف- رجل المخابرات الأمريكية ، الذى عمل على تفكيك الإتحاد السوفيتي - لما قيل أن الأطباق الطائرة ظهرت في سماء موسكو - صرح في حماس غريب بأنها خرافات وأنه يمنع الكتابة عنها , وفعلا منع.
ولما كنا لا نصدق شيئا ولا نكذبه إلا على أساس منهجي معلوم فإننا لا ننكر ما حققه علماء الفضاء مما لم يكن ميسورا فى الخيال ، فلا علينا أن نصدق أو نكذب ما قيل إلا بشاهد أو دليل .
وعموما ، فأوربا والعالم الغربي والدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتى ( روسيا حاليا ) قد قطعا شوطا طويلا فى أبحاث الفضاء وأنفقوا الكثير على رحلات الفضاء وتصنيع الصواريخ والمركبات الفضائية وتصميم الملابس الخاصة برواد الفضاء بحيث تكون واقية لهم مما يعترضهم من مخاطر الرحلة.
إلا أن البعض يرى أن العلماء قد أهملوا كثيرا صحة رواد الفضاء.
‏ ويتبين لك حجم مخاطر رحلات الفضاء بمجرد معرفة نسبة ما يقبل من الشباب - رغم إقبالهم الشديد ليكونوا رواد – إلا أنها نسبة قليلة جدا ، ناهيك عن الاختبارات الشاقة لاختيار الشاب المناسب دون الأربعين ، فلقد اختارت هيئة الفضاء الأمريكية ( 13 ) شابا من بين ( 1056) شابا ، فالرحلات الفضائية العادية طويلة ذهابا وإيابا‏ ، وأمل واضعى برنامج الرحلات أن يمكث الرائد أياما أو أسابيع علي كوكب المريخ أو علي القمر‏ ، فلا يستطيع ذلك إلا الأقوياء من المتدربون ، ومع ذلك فلا يسلم رائد فضاء من فقدان قوته وتماسكه وتوازنه النفسي والعقلي ، ناهيك عن حجم الخسارة الجسمية ، فلا يسلم من الأمراض أقلها هشاشة العظام .
وأنقل لكم ما كتبه الأستاذ أنيس منصور فى هذه النقطة الحاسمة عن مخاطر رحلات الفضاء الحالية فى عموده اليومي - مواقف - بالأهرام.
يقول : لقد اهتم علماء الفضاء بكل شيء مثل الصواريخ حاملة للأقمار الصناعية‏ وبالأقمار‏ ، ومئات العقول الإلكترونية ، ومحطات المتابعة الأرضية‏ ، كما اهتموا اهتماما بالغا بالمراصد المدارية‏ التي تدور حول الأرض مثل مرصد هابل الذي اكتشف حقائق لم نكن نعرفها‏ ؛ وهي الحقائق التى سوف تغير بل نعيد كتابة علوم الفيزياء الفلكية وغيرها من العلوم التى تبحث فيما بين السماء والأرض، وما بين الأرض والكواكب والنجوم‏ والثقوب السوداء وغيرها‏.‏
وبعد خمسين عاما – كما يقول - من الرحلات الفضائية اكتشف العلماء أنهم نسوا شيئا مهما‏ ؛ لقد نسي العلماء صحة رواد الفضاء‏ ، فرائد الفضاء يعدونه لرحلات طويلة‏ ، فرحلة المريخ مثلا تحتاج إلي تسعة أشهر ذهابا ومثلها إيابا‏ ،‏ ثم ساعات علي سطح المريخ‏.
لقد علموا أن أهم ما يواجه رائد الفضاء هو هشاشة العظام‏ ، فلو أنه ذهب وعاد دون معالجة لانهار جسمه كله ؛ فعظامه هشة قابلة للكسر فورا‏.
ولذلك فرائد الفضاء يجب أن يعالج في أثناء وجوده في منطقة انعدام الوزن ، ويكون العلاج فورا‏.‏
وتزداد دهشتنا – مع ذلك كله – من هذا الإنفاق المسرف على رحلات الفضاء وأبحاث المتواصلة لوكالات الفضاء العالمية مثل وكالة الفضاء الأمريكية الأشهر ( ناسا ) ، فهو إنفاق بلا نتيجة حقيقية تذكر ، فلم يحقق السعادة لفقراء الناس على وجه البسيطة ، ولا حقق إعمار الأرض ، بل كان وبالا على شعربنا العربية والإسلامية بخاصة وشعوب العالم الفقيرة بعامة ، فما زالت الأرض خربة ؛ إما بفعل إهمال أهلها ، أو بسبب الحروب التجريبية المدمرة التى تشنها دول الريادة الفضائية على غيرها من الدول الفقيرة بغرض نهب ثرواتها ، والسيطرة على اقتصادها ، لعلها تعوض ذلك الإنفاق المسرف من ناحية ، وتحقق الاستعلاء والسيادة الوهمية عليها من ناحية أخرى ، فحجم ومخاطر ونفقات رحلة واحدة منها لا يقاس بميزانية دول المنشأ ، بل باستغلالها لغيرها واغتصاب حقوق الدول الصغيرة وتسخيرها ونهب ثرواتها ، فيكفى أن تنظر فيما تفعله تلك الدول الكبرى فى بلادنا العربية والإسلامية وإرهابنا بتهم لا تنطبق وصفا وفعلا إلا على المتهم لا علينا .
نقول ذلك ، لأن رحلات الفضاء بما فيها من جهود علمية وتقنية وتكنولوجية عالية لم يشهد العالم لها مثيل من قبل ؛ وكذا ما يسرته من وسائل الاتصال والمعلومات ، فقد أنتج المدهش والعجيب فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حتى كأن العالم فعلا قرية واحدة ، إلا أنها لم تكن أبدا - وحتى الآن - فى سبيل تقدم الجنس البشري ورقية الأخلاقي ، ناهيك أنها لا ترعوى ولا تهتم بما وراء عالمنا الدنيوي والمادي ، فلم تهتم بتحريك ودفع كوامنه وقواه الروحية ومشاعره وعاطفته الدينية نحو العالم الأخروي حيث الحياة الحقيقة التى نساق إليها فى نهاية المطاف وغايتنا من رحلة العمر مهما طالت أو قصرت ؛ فكان ينبغي أن يكرس العلماء جهودهم سعيا وكدا واجتهادا وجهادا من أجلها ، فهى الغاية المنشودة من وراء هذا العالم.
والحق أننا ، لم نلمس أن أحدا من هؤلاء العلماء فى مجال السفر إلى الفضاء الخارجي والكواكب من حولنا ؛ - من هنا أوهناك - خطرت له فكرة العودة إلى الوطن الأصلي والجنة التى أهبط منها أبو البشر آدم عليه السلام ، فلم نلمس ذلك ولو بمجرد التفكير !
ومن ثم كانت سعادتنا غامرة وفرحتنا كبيرة أن وجدنا تلك الأخبار السارة التى بثتها رحلة الإسراء والمعراج وبشرت بها كل الطامحين للعودة إلى وطنهم الأصلي فى جنة الخلد التى وعد المتقون ، فقد أسري بسيدنا محمد عبد الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم وعرج به إلى السموات العلا – كما سنرى – وعاد ولم يتغير عليه حاله فهو فى حفظ الله تعالى ورعايته وحمايته وحصنه ، فلم يصبه شيئا مما يكتنف رحلات الفضاء من مخاطر و صعاب ، فالسرعة التى أسري به فيها لا تستطيع المعادلات الرياضية والفلكية والفيزيائية ؛ وما لا أعرفه أنا وأمثالنا منها أن تتصورها.
ولكى تدرك عجز العقل الإنساني عن تصور تلك السرعة الخاطفة ، فسترى وتعلم أنه قد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف ، ثم عرج به إلى السموات العلا وإلى حيث لا زمان ولا مكان وعاد بعد أن قطع مسافات لا تقاس بما يقيس به العقل القاصر من مقاييس الناس ؛ فلا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى " وإلى ربك المنتهى " ؛ كل ذلك فى بضع ليلة ، فلا يكفى أن تتصور تلك السرعة الخاطفة ؛ ؛ ولا تلك المسافات اللامتناهية التى تشق عنان السماء وما فوقها إلا كفرض وتصور فى حاجة أن نتحقق من صحته بسند علمي وبرهان شرعي صحيح قطعي الدلالة وهو أمر ليس بتوفر لأمثالنا ، وما تكلم فيه غيرنا إلا من باب تصوره كسرعة البرق ، وقياس المسافة إذا علم الزمن بسرعة الضوء ، أو ما يعرف بالسنة الضوئية فى أيامنا هذه – وهو ما نتناولة بالتوضيح فى حينه .
فلا يكفى أن تتصوررحلة الإسراء والمعراج بمجرد معرفتك برحلات الفضاء وما يكتنفها من مخاطر لا يسلم منها رائد فضاء مهما أحسن وأحكم تدريبه وروعيت صحته ، فقد تعهدوه بكل الأجهزة الواقية والملابس الخاصة ، وما يقدم له من نصائح خبراء الصحة والطب ، ناهيك أنه يعود فى نهاية الرحلة إما شاكا مرتابا أو ضالا ملحدا ؛ فلا علم له يذكر ، منهك القوى مهدود البنيان يعانى طيلة حياته من هشاشة العظام ، وما خفي كان أعظم.
ولعل ذلك يرجع فى المقام الأول - كما قلنا – أنه لم يكن من مقاصد رحلات الفضاء تلك ، بل ليس من مقاصد العلم الحديث والمعاصر العمل من أجل اليوم الآخر ، فغاياته مقصورة على التطاول فى البنيان ، ، فهي حظوظ نفسية ومطالب مادية دنيوية زائلة ، فليس له تطلع إلى الغايات والمقاصد الأخروية العليا السامية !
أما رحلة الإسراء والمعراج ، فقد ربطت بين الأرض والسماء إلى يوم القيامة برباط وثيق لا تنفصم عراه ، فلا تنفصل الدنيا فيها عن الآخرة ، ولا الروح عن الجسد ، فكان من تجلياتها أنها معجزة لا كالمعجزات ، ومن غاياتها - وإن تعددت - غاية لا كالغايات ؛ فحشوها العلم والحلم والبركات والمنح والهبات والدرجات العلا ، فقد أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فى تلك الرحلة المباركة ، كما قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه البخاري ومسلم " ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى ، وغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك "
ومن هنا أقول ما لم أسبق عليه – كما أفهم - كان الرباط قويا بين رحلة الإسراء والمعراج وبين استخلاف الله سبحانه وتعالى الإنسان فى الأرض ، فهي عودة إلى الموطن الأصلي ، فلما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحقق بالخلافة فى الأرض على الوجه الأتم الأكمل ، فقد جمع بين الحقيقة والشريعة ، فكانت رسالته عالمية وعامة ، فقد أرسل إلى الناس كافة ؛ جاءت معجزة الإسراء والمعراج تتويجا لرسالته وتأكيدا على تمام الدين واكتمال الأمر ، فبه بدأ الأمر وختم ، فنال الجائزة والعودة إلى موطنه الأصلي الذى أهبط منه أبونا آدم عليه السلام من قبل ، فنال ما لم ينله أحد وهو مازال فى عالم الشهادة.
( وعلى الله قصد السبيل )
*****
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.