القدس ثالث المدن المعظمة في الإسلام, بعد مكةالمكرمة, التي شرفها الله بالمسجد الحرام, وبعد طيبة, أو المدينةالمنورة, التي شرفها الله بالمسجد النبوي, وضمت قبر الرسول صلي الله عليه وسلم. ولمدينة القدس أو بيت المقدس مكانة عظيمة في الإسلام, ويكفي أن الله سبحانه وتعالي شرفها بالمسجد الأقصي, الذي بارك الله حوله. ويشير الدكتور القصبي زلط عضو مجمع البحوث الإسلامية إلي أنه لعظم مكانة المسجد الأقصي فقد أعلن القرآن الكريم أهميته وبركته, قبل بناء المسجد النبوي, وقبل الهجرة بسنوات, وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن, منها الحديث المتفق عليه الصلاة في المسجد الأقصي تعدل خمسمائة صلاة في غيرها من المساجد, ما عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي. وأضاف أن القدس هي أرض الإسراء والمعراج, فقد جعلها الله سبحانه منتهي رحلة الإسراء الأرضية, ومبتدأ رحلة المعراج السماوية, فمن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه, أي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصي, وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه, بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر, ومن فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.. فقد شاءت إرادة الله أن تبدأ هذه الرحلة الأرضية المحمدية الليلية المباركة من مكة ومن المسجد الحرام, حيث يقيم الرسول عليه الصلاة والسلام, وأن تنتهي عند المسجد الأقصي, ولم يكن هذا اعتباطا ولا جزافا, بل كان ذلك بتدبير إلهي ولحكمة ربانية, وهي أن يلتقي خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام, ويصلي بهم إماما, وفي هذا إعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بني إسرائيل إلي أمة جديدة, ورسول جديد, وكتاب جديد: أمة عالمية, ورسول عالمي, وكتاب عالمي, كما قال تعالي: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا. لقد نص القرآن الكريم علي مبدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة( سورة الإسراء), فقال تعالي: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.. والآية لم تصف المسجد الحرام بأي صفة مما له من بركات وأمجاد, ولكنها وصفت المسجد الأقصي بهذا الوصف الذي باركنا حوله, وإذا كان حوله مباركا, فمن باب أولي أن يكون هو مباركا. ويؤكد د. القصبي زلط أن قصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك, الذي ربط فيه جبريل البراق, الدابة العجيبة التي كانت وسيلة الانتقال من مكة إلي القدس, وقد ربطها بالصخرة حتي يعود من الرحلة الأخري, التي بدأت من القدس أو المسجد الأقصي إلي السموات العلا, إلي سدرة المنتهي وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة: الصخرة, وحائط البراق.. مشيرا إلي أنه لو لم تكن القدس مقصودة في هذه المرحلة, لأمكن العروج من مكة إلي السماء مباشرة, ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود, كما دل علي ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة. والقدس جزء من أرض فلسطين, بل هي غرة جبينها, وواسطة عقدها, ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة في عدة مواضع في كتابه الكريم.. والقدس عند المسلمين هي أرض الرباط والجهاد, فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصي, وحديث الرسول عن فضل الصلاة فيه, من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام, وستكون للمسلمين, وسيشدون الرحال إلي مسجدها, مصلين لله متعبدين, وقد فتحت القدس التي كانت تسمي إيلياء في عهد الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب, واشترط بطريركها الأكبر سفرونيوس ألا يسلم مفاتيح المدينة إلا للخليفة نفسه, لا لأحد من قواده, وقد جاء عمر من المدينة إلي القدس في رحلة تاريخية مثيرة, وتسلم مفاتيح المدينة, وعقد مع أهلها من النصاري معاهدة أو اتفاقية معروفة في التاريخ باسم العهد العمري أو العهدة العمرية أمنهم فيها علي معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم, وشهد علي هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين, أمثال: خالد بن الوليد, وعبدالرحمن بن عوف, وعمرو بن العاص, ومعاوية بن أبي سفيان. وقد أعلم الله نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء, أو يهددونها بالغزو والاحتلال, ولهذا حرض أمته علي الرباط فيها, والجهاد للدفاع عنها حتي لا تسقط في أيدي الأعداء, ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم, كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود, وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم, وأن كل شيء سيكون في صف المسلمين حتي الحجر والشجر, وأن كلا منهما سينطق دالا علي أعدائهم, سواء كان نطقا بلسان الحال أو بلسان المقال.. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين, لعدوهم قاهرين, لا يضرهم من جابههم, إلا ما أصابهم من لأواء( أي أذي) حتي يأتي أمر الله وهم علي ذلك, قالوا: وأين هم يا رسول الله؟.. قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.