كانت طفلة كالوردة البيضاء التي يتخللها حمرة لطيفة تعلو خديها ، تلهو وتلعب وتجري لا تعطي للدنيا بالا .... كانت جميلة جدا كالقمر المضيئ في ليلة ظلماء بلا نجوم ... ولكن .. للأسف هذه الوردة زُرعت في بستان لا يعتين به صاحبه كما يجب ... تركها وحيدة بلا ماء .. بل ومنع عنها أيضا نسائم الهواء .... كانت تستيقظ خائفة من ظلام الغرفة التي تنام فيها ... تبكي ولكن ما من أحد في البيت غيرها .... تظل تبكي وتصرخ بالساعات دون أن تجد من يجيبها ... وبعد معاناة يأتي إليها أحدهم مستنكر عليها صراخها وبكائها ... بل ويضربها بحجة علو صرخاتها ... فتجلس في مكانها مكملة بكائها ... ولذك فهي فيما بعد كانت عندما تخاف لا تبكي أو تصرخ ، وإن خانتها في يوم دموعها تنزل بصمت علي خديها لا يشعر بدموعها سواها ... كم من مرة أُهينت وضُربت بسبب وبدون سبب ، فكبرت لا تفرق بين الصواب والخطأ .... حينما نضجت وخرجت للدنيا والناس ، كانت تماما كالخارج من غرفة مظلمة إلي النور فجأة ، فأخذ يتخبط ويتخبط لحين اتضاح الرؤية أخطأت كثيرا هذه الفتاة ولكن دونما أن يسأل أحد ممن حولها نفسه أو حتي سألها هي نفسها : لماذا تخطئين ؟ ، بل لماذا تزداد أخطاؤك يوما تلو الآخر؟؟؟!! وبما أنه لم يسألها أحد ، قررت ان تصيغ السؤال لنفسها ، وتجيب أيضا لنفسها .... وقفت أمام مرآتها وبدأت تحادث نفسها قائلة : هل أنا ضحية أم مذنبة؟؟ بالطبع أنا مذنبة ولكن لماذا أذنب ؟ ألأني غبية؟ لا أنا لستُ غبية ؛ فأنا فتاة ذكية لها من رجاحة العقل ولباقة الكلام نصيب كبير ، ولكني اذنب ، إذًا فلماذا؟؟ أهذا سوء فهم مني للحياة ؟؟ أم أني ضحية الظروف؟؟ وظلت تحادث نفسها في المرآة طويلا ، حتي لظنت نفسها قد جُنت ، ولكن في النهاية لم تصل لإجابة ... وبيوم من الأيام وهي ذاهبة إلي عملها تفكر كم من الأناس ستجرح بغبائها ، وكم من الأشخاص سيرونها فتاة مستهترة لا تعلم لأصول الحياة طريق .. وهي منهمكة في كل ذلك جاء قدرها في سيارة سائقها متهور طائش وملأت صرختها المكان ، صرخت لأول مرة بعد سنين طويلة بصوت مسموع نُقلت للمشفي ، وحينما أفاقت وجدت حولها كل أهلها وأصدقائها وكل من عرفته يوما ، وكلهم ما بين بكاء وما بين نظرا خوف وهلع فنظرت في وجوههم قائلة : ما أجمل هذه اللحظة حينما أحسست بكل هذا الحب الذي لطالما تمنيت أن أراه في عيونكم جميعا ، واسمحولي أن اقول لكم بضع كلمات لتتذكروني بها : لا تلوموني إن كنت قد أحببت***دور الضحية في مسلسل حياتي دوما فأنتم قد أحببتم دور الجاني *** في نفس المسلسل دائما وأبدا ثم ابتسمت ابتسامة هادئة أخري ونظرت للجميع وقالت : أحببتكم جميعا ، بالخير تذكروني وفوق قبري بالزهور زوروني ثم أغمضت عينيها ولم تفتحها ثانية .... وكانت هذه هي نهاية فتاة عاشت (زهرة في بستان قذر ..) وماتت (زهرة في بستان نضر ...)