"قصة تبحث عن تعليق" باب جديد ينضم إلى الورشة.. سننشر فيه القصص بدون تعليق د. سيد البحراوي، وسننتظر منك أن تعلق برأيك على القصة.. وفي نهاية الأسبوع سننشر تعليقك بجوار د. سيد البحراوي؛ حتى يستفيد كاتب القصة من آراء المتخصصين والمتذوقين للقصة القصيرة على حد سواء.. في انتظارك.
"خُصلة نيروز"
سيارة دفع رباعي في وضعية الإنتظار، خلف المقود فتاة سوداء الشعر والعين، عينها الأخرى عسلية كما السكر المحروق، تحمل في يدها اليسرى زجاجة نبيذ من النوع الفاخر قد أنهت على نصفها تقريباً، تسند رأسها للخلف على الكرسي، تُمسِك بيدها اليمنى ناقل الحركة، بجوارها فتاة صهباء، تنظر إليها في قلق وسط ضجيج إحدى أغاني موسيقى (( الهاوس )) تمُد يدها نحو مشغل الأغاني بالسيارة لتغلقة وهي تقول: -(( جرمين )) ماذا بكِ ؟ نظرت إليها بتثاقل و قالت مُتلعثمة : -شيء ، لا .... لا . - لا شيء !! نحن وسط طريق (( العين السخنة )) ، الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، و الثمالة تمكنت منكِ ، كل هذا ولا شيء؟! بذات التثاقل عادت لتسند رأسها للخلف و نزلت دمعة من عينها اليمنى السوداء ، ضوء أنعكس على الجانب الأيسر من وجهها ، صادر من سيارة قادمة في الإتجاة المعاكس ، الدمعة تلمع على الجانب الأيمن المظلم من وجهها ليكون وجهها الصورة المثالية للكآبة ، الصورة المثالية للحزن ..........
بشفاه متثاقلة يغلب عليها الأسى أجابت : - لقد مات . أغمضت عيناها و أردفت : - (( نيروز )) قد مات . - ماذا ؟! متى و كيف ؟! تجاهلت (( جرمين )) تلك الأسئلة ، نظرت إلى الطريق الذي يلفه الظلام حيث الضباب بدأ يتكاثف ، أمسكت زجاجة النبيذ بيدها اليمنى و فتحت باب السيارة متجهة إلى الخارج . صرخت الفتاة الصهباء قائلة : -إلى أين !! هذا خطِر بخطوات متثاقلة إستمرت ((جرمين)) في التقدم حتى وصلت إلى الجانب الأخر من الطريق – الأتجاه المعاكس- ، توسطت الطريق ، نظرت نحو السيارة في الجانب الأخر و قالت متلعثمة : - (( جمانة )) شيء ....... يستحق .... لا . - تلك الحمقاء أنها ثملة ، لا تدرك ما تفعل قالتها (( جمانة )) و هي تندفع خارجة من السيارة ، ما أن أصبحت أمام مقدمة السيارة حتى لاحظت ضوء سيارة قادمة في الأتجاه المعاكس من وسط الظلام الذي يشوبه الضباب ، صرخت بأعلى ما يمكن : - (( جرمين )) تحركي ، هناك سيارة قادمة ، تحركي . ألتفتت (( جرمين )) إلى مصدر الضوء أمامها ، ألقت الزجاجة من يدها ، أغمضت عينيها مستسلمة لمصيرها .......... - حبيبي ، سآتي إليك . قالتها لنفسها شخص ما يضُمها إلى صدره ، يضع يده اليمنى على و جنتها اليمنى ضاماً و جنتها اليسرى إلى صدره ، إتسعت عيناها ، فهي تعرف هذا الشخص . - آسف ، كان علي إخبارُكِ إزداد إتساع عيناها ، سألت نفسها : هل أنا ميتة الآن ، هل صدمتني تلك السيارة ؟ أم إنه تأثير النبيذ ؟؟ وضع كلتا يداه على كتفها ، مباعداً إياها عن صدره قائلاً: - لم أخُبركِ بمرضي لكي لا تتألمي لألمي . نظرت إلى وجهة متفحصة ملامحه ، نعم أنه هو حب عمرها ، عِشق حياتها ، نعم إنه ((نيروز)) - أيها الغبي الأحمق . قالتها بهدوء يتنافر مع الموقف و هي تنظر إلى الأرض ، رفعت عيناها و صرخت : لماذا تركتني و رحلت ؟؟ و انهالت بصفعات و لكمات على أقصى نقطة استطاعت أن تصل إليها ، على صدره و هي تقول باكية : - لماذا لم تخبرني قبل رحيلك ؟؟ اللكمات و الصفعات مستمرة و لكنها تضعف و بكائها يزداد قائلة : - لماذا رحلت بدوني ؟؟ اللكمات تضعف أكثر و أكثر و بكائها يزداد قائلة : - لماذا أخفيت مرضك عني ؟؟ اللكمات و الصفعات توقفت تقريباً و بكائها يزداد صارخة : - أيها الغبي الأحمق ، أشعر بالوحدة بدونك ، ليس لدي من أثق به غيرك . ضمها مرة أخرى إلى صدره قائلاً : - أفهم مشاعرك ، لكنها الحياة . تحتضنه بقوة قائلة و دموعها مستمرة في التساقط كحبات الندى على أوراق الشجر : - لا تتركني مرة أخرى . مرر يده على خُصلة من شعرها الأسود قائلاً : - القرار ليس بيدي باعدها عنه مردفاً : - طالما تستطيعين الوقوف على قدميكِ أمضي للأمام ، لا تنظري للخلف ، حطمي قيد الذكريات الذي يربطكِ بالماضي . - هل هذا يعني أنك ستتركني و ترحل ؟؟ هز رأسه نافياً : أنا موجود هنا . أمسك يدها و وضعها على المكان الذي يسكنه قلبها . نظرت حيث وضع يدها و قالت رافعة عينيها إلية : هل تعني أن ........، لم تكمل العبارة فقد اختفى ((نيروز )) وسط الظلام الذي يشوبه الضباب ، صرخت بكل طاقتها : - (( نيروز )) .............. - ............. (( جرمين )) تحركي ، قالها صوت صارخ . ألتفتت إلى مصدر الصوت قائلة : - إنها ((جمانة )) . ثم ألتفتت إلى مصدر الضوء و يدها لا تزال على صدرها حيث قلبها . كررت (( جمانة )) صراخها و هي تندفع نحو (( جرمين )) : - تحركي .... تحركي ألتفتت مرة أخرى نحو (( جمانة )) ، حركت جسدها في اتجاه (( جمانة )) لكن شيء ما بداخلها أوقفها ، وضعت يدها على صدرها و قالت لنفسها : - سأثق بك . ((جمانة )) تصرخ بأقصى ما تستطيع : - لماذا توقفت ِ ؟؟ هيا تحركي .... تحركي الضوء يقترب أكثر و أكثر ، يضيء الجانب الأيسر من وجه (( جرمين )) و الابتسامة تعلو وجهها ، ليكون وجهها الصورة المثالية للسعادة ، الصورة المثالية للرضي .............
تخطاها ذالك الضوء ، اندفعت ((جمانة )) نحوها لتقيها السقوط وضعت يد (( جرمين )) خلف رأسها، قالت لها و الدهشة ترسم ملامحها : - كيف علمتِ ؟؟ - ماذا......... علمت ؟؟ - تباً أنتِ ثملة بحق ، أقصد كيف علمتِ أنها ليست سيارة ، كيف علمتِ أنهما درجتان من النوع البخاري ؟؟ ابتسامة ترتسم على وجهها : - لم أعلم ....... فقط بهذا و ثقة ، واضعة يدها على صدرها . اتسعت عينا ((جمانة )) بعد أن أدخلت (( جرمين )) السيارة قائلة : - (( جرمين )) شعرك به خُصلة بيضاء !!! - حقاَ !! . رفعت يدها ووضعتها على مكان الخُصلة سائلة : - هنا ؟؟ قالت ((جمانة )) متعجبة : نعم ، هنا بالضبط !! ارتسمت ابتسامة رضي على وجهة (( جرمين )) و قالت في نفسها : - إنها ذات الخصلة . تمت محمد أبوسنة
التعليق: خصلة نيروز/ مكعبات السكر، قصتا محمد تشيران إلى أنه يمتلك إمكانيات كتابة قوية ومتمكنة، يملك رؤية، ويستطيع تشكيل تجربة عميقة، ولغته سليمة وسوية (فيما عدا أخطاء قليلة). غير أنه من الواضح أنه لم يستقر بعد على الشكل المناسب، وهو في الغالب خارج إطار القصة القصيرة المعتاد (إلا إذا حذف الكثير من التفصيلات المكررة، وربما يكون أقرب إلى سيناريو الفيلم القصير، أو النص التفاعلي وخاصة في الوحدة الثانية. على كل حال النص الأول أفضل كثيراً.
د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة