وكأنه لا يبالي ولم يمر بخمس سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس، والتي اعتصرت جذوة إيرادته التي كانت تمول موازنة الدولة بقرابة السدس، لتأتي تفجيرات الطائرة الروسية ك "القشة التي قصمت ظهر قطاع السياحة المصري". وكان لقطاع السياحة المصري دخل في حالة من الركود عقب اندلاع ثورة يناير 2011، لتنخفض إيرادت القطاع من حوالي 13 مليار دولار في 2010 إلى ما دون ال 6 مليارات دولار خلال 2013. ووسط تضارب التقارير حول الطريقة التي أسقطت بها الطائرة الروسية في سيناء بمطلع الشهر الجاري، تعتصر أزمة طاحنة القطاع السياحي المصري والعاملين به على مستوى الشركات والأفراد. وبدا أن جهود الحكومة لدعم هذا القطاع الحيوي لا تؤتي ثمارها على الأقل في الفترة الحالية، ففي الوقت الذي توجه جميع أفرادها إلى مدينة شرم الشيخ، كانت رحلات المغادرة من درة التاج السياحي المصري سبباً للزحام الشديد في مطار المدينة التي لطالما عرف عنها ارتفاع نسبة الإشغالات بالفنادق في هذا التوقيت من العام. ويرسم المُحللون والشركات العاملة في السياحة صورة قاتمة لمستقبل القطاع على المدى القصير في أفضل حال. حتى تعليقات المسؤولين الذين استطلعت "مباشر" آراءهم" بدت وإن كانت على توازنها تحمل في طياتها قلقاً على المستقبل. وقالت ميرفت حطبة- رئيس الشركة القابضة للسياحة والفنادق، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، إن الإشغالات السياحية تراجعت في الفنادق التابعة للشركة إلى 30% في الغردقة، و20% في القاهرة، ولا تزيد عن 20% في الأقصر وأسوان، منذ 25 يناير 2011. وتضرر القطاع السياحي الذي يساهم بنحو 11.3% في الناتج المحلي الإجمالي بعد سنوات من الإضطرابات السياسية والأمنية.
وأضافت أن توقف رحلات الإنجليز، أثرت على فنادق وسط القاهرة، لأنهم يمثلون نسبة إشغال كبيرة لها. ولا ينحصر توقف الأفواج البريطانية على العاصمة فقط، فهناك فنادق في شرم الشيخ مخصصة فقط للسياح البريطانيين. وتحتل بريطانيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول المُصدرة للحركة السياحية الوافدة إلى مصر، منذ بداية العام حتى نهاية سبتمبر 2015، بنحو 729 ألف سائح بزيادة 8%، مقارنة بالفترة المماثلة خلال 2014، وفقاً لبيانات رسمية. تابعت، " توقف السياحة الروسية، لن يطول؛ لأن السوق الأنسب هو مصر، بالنسبة لهم لتفضيلهم السياحة الشاطئية، بجانب الأسعار المناسبة لهم، ولذلك تواجه الشركات الروسية خسائر كبيرة بسبب التوقف". تتصدر روسيا قائمة الدول المُصدرة للحركة السياحية الوافدة إلى مصر، وذلك بداية من 2010. وتوافد على مصر أكثر من مليوني سائح روسي، خلال التسعة أشهر الأولى من 2015، بنسبة انخفاض 10% مقارنة بنفس الفترة من 2014. وقالت إنه يجب تكثيف الإجراءات الأمنية وتشديدها، وإرسال رسالة طمأنة بذلك للعالم، بأن مصر آمنة. وتابعت: "ينبغي تنشيط السياحة العربية بشكل أكبر الفترة الحالية، بالتوازي مع السياحة الداخلية، لافتة إلى البحث عن أسواق جديدة، ومنها أوكرانيا". تختم قائلة، "سوف يجتمع وزير الاستثمار- أشرف سالمان، بسفير وقنصل أوكرانيا لبحث الأمر". وبالنسبة إلى المدير المالي لشركة شارم دريمز المدرجة في بورصة مصر قال،" إن العمليات الإرهابية أصبحت حدثاً متكرراً وعادياً في العالم، لافتاً إلى أحداث فرنسا الأخيرة". ولقى نحو 128 شخصاً مصرعهم فيما أصيب العشرات بأشرس هجمات إرهابية تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، يوم الجمعة الماضي، أضاف، "لدينا فندقان بشرم الشيخ تأثرا بتراجع الإشغالات من إجمالي 6 فنادق مملوكة للشركة." ولم يفصح "حلمي" عن حجم التراجع في الإشغالات داخل الفنادق المملوكة للشركة التي يبلغ رأسمالها 529.8 مليون جنيه. ولكنه يتوقع ألا "يستمر تراجع الإشغالات طويلاً". وسجلت "الشركة" خسائر في التسعة أشهر الأولى من العام الجاري بلغت 3.6 مليون جنيه. ولشركة سياحية أخرى مدرجة أيضاً في سوق المال المصري، فإن الوضع قد يبدو أكثر صعوبة. يقول مراد نصري- مدير العلاقات العامة بشركة جولدن بيراميدز بلازا، إن شركته التي تمتلك فندقين بمدينة شرم الشيخ، تراجعت فيهما نسب الإشغال بعد الأحداث الأخيرة من 80% إلى 20%، خلال 15 يوماً. تابع، "استمرار المعدل الحالي لفترة طويلة يحول الفنادق من الربح للخسارة". وحققت "الشركة" البالغ رأسمالها نحو 539 مليون دولار، أرباحاً تبلغ 19.66 مليون دولار بالنصف الأول من العام الجاري. وبحلول الساعة 11:15 دقيقة بتوقيت القاهرة، كان سهم الشركة منخفضاً 10% عن تداولات، أمس الأربعاء. يضيف "نصري"، "لابد من تصريحات أمنية واضحة وسريعة، تبين أن هناك إجراءات اتخذت لتوفير وزيادة التأمين، بدلاً من موقف الدفاع على النفس حالياً". وأمس الأربعاء، قال بيان صادر عن الرئاسة المصرية، إن اتصالاً هاتفياً جرى بين الرئيسين المصري والروسي، أكدا فيه على ضرورة "تعزيز أمن الطيران بين مصر وروسيا لاستئناف الرحلات". يتابع" نصري"، "حدوث تراجع في الإشغالات مؤقت، لا يمكن من خلاله الحكم على نتائج فترة مالية طويلة، لا سيما مع دخول موسم الشتاء". يختتم قائلاً، "لا توجد حجوزات جديدة حالياً، وفنادق القاهرة لم تتأثر بنفس الوتيرة". قال متحدث باسم وكالة توماس كوك للسياحة ل "مباشر"، "هناك الكثير من الحجوزات التي لا زالت قائمة إلى مصر لفترة الموسم الشتوي وبالتحديد لمدن الأقصر وأسوان، وهناك بعض الحجوزات التي تم إلغاؤها." وأحجم المتحدث عن الإفصاح عن عدد الحجوزات التي تم إلغاؤها أو البلدان، ولكنه أكد على "تأثر نسبي" في حجم السياحة الواردة إلى مصر عبر تلك الوكالة خلال تلك الفترة من العام. وأضاف، "بالتأكيد هناك تبعات لحادث سقوط الطائرة". وإلى تبعات تأثير تراجع القطاع السياحي على الصورة الأكبر للاقتصاد المصري، يرى المُحللون الذين استطلعت "مباشر" آراءهم "تأثيراً سلبياً على مؤشرات الاقتصاد الكلي". يقول بن ماي- مُحلل الاقتصاد الكلي لدى كابيتال ايكونوميكس لندن، ل "مباشر"، تعليقاً على أزمة القطاع السياحي في مصر، "للأمر تبعات بكل تأكيد على مؤشرات الاقتصاد الكلي، حيث تمثل السياحة نحو 9% على الأقل من إجمالي دخل البلاد من العملة الصعبة التي تعاني شحاً فيها منذ ثورة 25 يناير." وبلغ مستوى الاحتياطات الأجنبية لأكبر البلاد العربية سكاناً 16.414 بنهاية شهر أكتوبر الماضي، من مستويات قياسية بلغت نحو 36 مليار دولار قبيل ثورة يناير. يتابع "ماي"، "الأزمة المالية تعجل بصورة أكبر للجوء الحكومة إلى أسواق الدين العالمية من خلال تحقيقات مستهدفات الموازنة للعام المالي الجاري، وهو أمر قد يلاقي صعوبات بالغة أكثر من أي وقت مضى مع حالة من الكساد في أسواق السندات العالمية بعد أزمة الصين، واقتراب موعد رفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي." وأصدرت مصر سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو الماضي في أول عودة لها لأسواق الدين العالمية بعد أربع سنوات من الإضطرابات والأزمات السياسية الطاحنة. لكن وزير المالية، قال الشهر الماضي، إن مصر سترجيء إصدار الشريحة الثانية التي كان متوقعاً لها الشهر الجاري مع إضطرابات حادة شهدتها الأسواق الصينية. يختتم "ماي"، "يلوح قرض صندوق النقد أكثر من أي وقت مضى، ولجوء الحكومة بكل تأكيد للبنك الدولي لسد الفجوة التمويلية، وتحركات من قبل البنك المركزي بتحريك أسعار الفائدة." ويقدر صندوق النقد الفجوة التمويلية لمصر بنحو 20 مليار دولار على مدار العامين المقلبين، بحسب تصريحات أدلى بها مسعود أحمد- مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق. والفجوة التمويلية هي الاحتياجات المطلوبة لمواجهة عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات المطلوبة. وللقصة أبعاد إنسانية قد تبدو في مجملها أكثر صعوبة. يقول هاني محمود- مدير إحدى شركات السفاري في مدينة شرم الشيخ الساحلية، إن شركته قد أعطت إجازات غير مدفوعة الأجر لنحو 20 شخصاً من العاملين بها. يضيف "محمود" ل "مباشر"، "الوضع هنا أصبح صعباً للغاية.. شركتنا أعطت إجازات للعاملين بها.. وهناك فنادق استغنت بالفعل عن عدد كبير من العاملين". وبحسب بيانات رسمية، فإن نسبة العاملين في قطاع السياحة تبلغ 12.6% من حجم العمالة المصرية، ويبلغ حجم استثمار السياحة في قطاع الخدمات بنحو 5.5%. يتابع، "لا نعرف على وجه التحديد متى ستعود الأمور إلى ما كانت عليه". يُذكر أن طائرة روسية سقطت في شبه جزيرة سيناء، يوم الجمعة 6 نوفمبر 2015، ولقى جميع من كانوا في الطائرة الروسية - من طراز إيرباص إيه 321 وعددهم 224 شخصاً - حتفهم ومعظمهم روس. كانت الطائرة التابعة لشركة الطيران الروسية تنقل ركاباً قضوا عطلتهم في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر إلى سان بطرسبرج عندما تحطمت في شبه جزيرة سيناء، صباح يوم السبت الماضي. وعلّقت عدد من الدول رحلاتها إلى شرم الشيخ، من بيها بريطانياوروسيا، وقررت إعادة السائحين إلى بلادهم. وتراجع مؤشر قطاع السياحة والترفيه بالبورصة المصرية بنحو 17% منذ إغلاق جلسة الخميس 5 نوفمبر اليوم السابق لحادث الطائرة، عند مستوى 187 نقطة، مقابل 155 نقطة إغلاق الأربعاء 18 نوفمبر.