بعنوان " صورة المرأة في السينما المصرية " كانت الندوة التي أقيم ت يوم الأربعاء الماضي في جمعية " محبي الفنون الجميلة " بجاردن سيتي ، والتي حظيت باهتمام الحاضرين وأغلبهم من النقاد والكتاب والفنانين ، قدمها الكاتب الصحفي والناقد " محمد كمال " وكان ضيفها الكاتب والناقد المسرحي والسينمائي " محمد الروبي " ، وقد بدأ الناقد محمد كمال بذكر لمحة من السيرة الذاتية للروبي والتي من بينها أنه نائب رئيس جمعية نقاد السينما المصريين والمستشار الإعلامي لنقابة المهندسين كما رأس صفحة الفنون بجريدة العربي حتى عام 200 وكذلك رأس تحرير مجلة المشهد الصادرة عن مهرجان فرق الأقاليم ، وكذلك مجلة الفنون الجميلة ، كما شارك في العديد من لجان التحكيم الخاصة بعدة مهرجانات مسرحية وسينمائية ، وله دراسات عن بعض نجوم الفن المصري مثل الفنان التشكيلي جمال السجيني ودراسات عن بعض نجوم السينما المصرية ومن ذلك كتاب عن الفنان " نور الشريف " بعنوان " الباحث " ، كما هناك كتاب آخر تحت الطبع بعنوان " صورة المرأة في السينما المصرية " وهو عنوان الندوة ، ومن هنا يقدم الناقد محمد كمال لموضوع الندوة بأنه يعد جسرا بين العام والخاص فهو موضوع يصلح أيضا للخطاب مع رجل الشارع ، ليبدأ بذلك استعراض مجموعة من أهم وجوه سيدات السينما المصرية في الأدوار المختلفة على شاشة جانبية ، يظهر عليها كل من تحية كاريوكا وأمينة رزق وزوزو نبيل وليلى فوزي وشادية وسعاد حسني ومديحة يسري ونادية لطفي وفاتن حمامة ونجوى ابراهيم وزوزو ماضي وعزيزة حلمي وميمي وزوزو شكيب وماري منيب وهند رستم وشويكار . وبانتقال الكلمة للناقد محمد الروبي يبدأ حديثه حول عنوان الندوة وأن التحدث عن صورة المرأة في السينما المصرية قد يعني بالضرورة التحدث عن تاريخ السينما المصرية ، مشيرا لأنه سوف يستعرض ذلك بطريقة " الفلاشات " ، بادئا بالإشارة لكون المرأة هي المؤشر الواضح على تقدم أو تاخر أي مجتمع وكونه تقدميا أو رجعيا ، مسترجعا كيف أن الحضارة الفرعونية القديمة كانت تحظى فيها المرأة بمكانة عالية مستحضرا في ذلك شهادة المؤرخ القديم " هيرودوت " حين زار مصر فقال " عجبا لهذه البلاد .. نساؤها ينزلن الأسواق .. يبعن ويشترين بل إن بعضهن تولين الحكم " مما يبين غرابة ذلك في ذاك الوقت حتى على الحضارة اللاتينية لهيرودوت ، لينتقل بنا الروبي لمصر في زمن ثورة يوليو حيث نص ميثاق الثورة على أن المرأة نصف المجتمع ، ليبرهن بذلك على صحة نظرية " الأواني المستطرقة والتي تنطبق على المجتمع حيث يصب كل ما فيه على بعضه ، ونفس النظرية تظهر في صورة المرأة في السينما المصرية ، فبينما قامت بدايات السينما على يد الرجال ، فقد انطلقت من حلم الرجل بنموذجين يريدهما للمرأة ، أولهما الفتاة الرقيقة الناعمة المهذبة وتكون الزوجة ، لكنه أيضا يريد المرأة المثيرة صارخة الجمال الشهوانية ، حتى ظهر تراوح بين النموذجين ، وقد كان صناع السينما في هوليوود يصنعون النموذج الثاني صنعا مثل " مارلين مونرو " لحد استغلال عيب خلقي كعرجة خفيفة في أحد ساقيها لصنع نموذج للمشية المثيرة ، ويستمرهذان النموذجان مع تاريخ السينما المصرية وبالتزامن أيضا مع تاريخ السينما العالمية ، وقد ساد النموذج الأول فترة من الزمن لنهاية الأربعينات وبداية الخمسينات ، وقد كان أول فيلم ناطق عام 1927 باسم " ليلى " امتدادا لتراثنا عن ليلى العامرية . ويتطرق الناقد محمد الروبي للنموذج الثاني والذي ذكر أنه تأخر قليلا في السينما المصرية عن السينما العالمية ، لأن السينما العالمية كان وراءها وقبلها تراث روائي تناول صورة البغي والتي لم تكن قد تحققت أو مهد لها عندنا ، فظل النموذج الأول سائدا لدينا مستشهدا في ذلك بجملة الفنان محمد عبد الوهاب في فيلم " غزل البنات " حين قال " وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فاني " ، فتأخر عشق الجسد لكن ليس كثيرا ، فالنموذج الأول كان الحلم بما فيه الحلم الطبقي حتى يظهر نفس النموذج في ثوب جديد قدمته " دلوعة السينما " شادية وهنا يبدأ ظهور النموذج الثاني من خلال هدى سلطان وتحية كاريوكا وبرلنتي عبد الحميد وغيرهن ، مع الحرص دائما على تقديم النموذجين بحيث يكون النموذج الأول هو المرغوب والمقبول اجتماعيا ويمثل الحبيبة والزوجة والنموذج الثاني هو المرفوض ويمثل العشيقة أو المحظية ، وكانت فاتن حمامة أكثر من مثلت النموذج الأول ولو لم توجد على ساحة السينما لخلقت خلقا . وحيث أن السينما بنت الواقع ، ومازال الحديث للروبي ، تظهر سينما صلاح أبو سيف وفي ذهنه المرأة الصانعة والمشاركة ، فقدم نقلة مختلفة مع نجيب محفوظ ، كما أن بنقلة ثورة يوليو وشبابها كان المجال مفتوحا لرؤية مختلفة للمرأة كفيلمي " لا أنام " و " أنا حرة " . أما فيلم " الآنسة حنفي " عام 1954 لاسماعيل ياسين فيرى الروبي أنه كان سابقا لعصره حيث بني على رجل يرى بتراثه أن البيت مكان المرأة ، فطرح فطين عبد الوهاب فيه سؤال " ماذا لو أصبحت أنت امرأة "؟ ، فيتحول هذا القاهر إلى مقهور في لحظة ، وبينما طرحت هذه القضية في الخمسينات نجد تراجعا في السبعينات بدعوات رجوع المرأة إلى البيت ، فيأتي فيلم رأفت الميهي في الثمانينات " سيداتي آنساتي " ردا على هذه النظرة الجديدة المتراجعة من خلال شخصية "فوزية" التي تحرم من الترقي في عملها لكونها امرأة ولا تعرف إلا بجمال ساقيها فتقرر التحول لرجل لتستطيع الحياة ، لكن تبقى المشكلة أن المجتمع لن يستقيم لو أصبحنا جميعا رجال أو جميعا نساء ، حتى يطلب في النهاية الزوج تحويله لامرأة . ويضيف أن هناك فيلم آخر لفطين عبد الوهاب هو " مراتي مدير عام " الذي يناقش شيزوفرينيا الرجل وينتهي بوعي بطل الفيلم بعدم استقامة المجتمع إلا بكل من الرجل والمرأة معا ، أما في التسعينات وما بعدها فقد انحدر المجتمع حتى وصل الأمر بعد " مراتي مدير عام " إلى " تيمور وشفيقة " الذي قلب فيه الموقف وتم تصدير التعاطف مع زوج الوزيرة . أما أخطر فيلم قدم في السينما المصرية من وجهة نظر الناقد "محمد الروبي" حيث يعلن الرجوع للخلف فهو فيلم " الشريدة " لنجلاء فتحي ومحمود ياسين وخاصة في مونولوجه الأخير ، وقد غيرت فيه قصة نجيب محفوظ ، ذلك أن صناع الفيلم تجار أرادوا مغازلة الطبقة القادرة على دفع تذكرة السينما في ذلك الوقت والتي يمثلها محمود ياسين في دوره ، حتى يتوج التراجع بعد ذلك بفيلم " تيمور وشفيقة " . ويصل الروبي لنقطته الأخيرة موضحا خطيئة مصطلح " سينما المرأة " بدلالتها المقصودة أي التي صنعتها المرأة بينما كانت المرأة قد شاركت بقوة في بدايات السينما مثل كل من عزيزة أمير وبهيجة حافظ وأمينة محمد وغيرهن ، ويضيف أن رغم ذلك فمن الغريب أنه من الثلاثينات وحتى الثمانينات لم تظهر مخرجة امرأة سوى ماجدة الصباحي في فيلم واحد لها ، أما في أواخر الثمانينات فلم يتعد الأمر ثلاث مخرجات منهن إيناس الدغيدي ونادية حمزة ، ثم يؤكد الروبي أن سينما المرأة هي السينما التي تناصر المرأة لا تصنعها امرأة ، مستعرضا بعضا من أفلام المخرجة إيناس الدغيدي مثل " عفوا أيها القانون " والذي رغم أهمية قضيته إلا أن المخرجة عرضتها بنفس الأساليب التي يستخدمها أكثر الرجال رجعية ، لكن أيضا ظهر مخرجون كبار مثل خيري بشارة وعاطف الطيب مهمومون بالمجتمع فقدموا أفلاما بمنطق أن المجتمع رجل وامرأة ، من بينها فيلم " أحلام هند وكاميليا " وغيرها ، خاتما بأنه علينا إعادة النظر في كل المفاهيم ومنها معنى كلمة " امرأة " ومعنى كلمة " رجل " .