"إحنا بنقي اللي زيك عشان نمسح فيهم أيدينا وقت اللزوم.. كل ما كنت مش نضيف كل ما بقيت لقطة.. واللي يتمسح فيك مش حيبان عليك".. جملة رائعة للراحل أسامة أنور عكاشة في الجزء الثاني من الملحمة الدرامية "ليالي الحلمية" قفزت لذهني وأنا أتابع المشهد العبثي بين المطربة شيرين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي وأشاوس القنوات الفضائية الذين يوزعون صكوك الشرف والوطنية بكل جرأة على من يعجبهم ويمنعونها عمن يختلف مع مصالحهم!! فالسيدة شديدة الانفلات على المسرح تحولت لصيد ثمين لمن يريدون مسح أيديهم أو تاريخهم أو سمعتهم فيها كلما مر بهم موقف يحبون الهروب منه وعدم مواجهته أو شعر عشاق "الهري" على مواقع التواصل الاجتماعي بالفراغ وعدم وجود مادة للحكي والنقد والسباب فيبحثوا في أوراق شيرين المليئة بالأخطاء وأحيانا الخطايا وأحدثها "قلشة" سمجة عن النيل أطلقتها في يونيو الماضي في حفل بمهرجان الشارقة للموسيقى.. والسؤال لماذا وكيف تذكر الجميع فجأة هذه الحفلة والقلشة وكيف انتشرت بالصوت والصورة كالنار في هشيم "السوشيال ميديا" والفضائيات؟ لماذا تذكر الجميع الآن حبهم لنهر النيل واحترامهم له؟ هذا الحب والاحترام الذي لا يوجد إلا كل ما يثبت عكسه من ممارساتنا معه على مدار عقود عديدة منصرمة حولناه خلالها لمقلب قمامة ونفايات ومخلفات وتعديات ومصدر للأوبئة والأمراض وليس البلهارسيا فقط... تتباكون على نهر النيل لأن شيرين قالت جملة منفلتة عنه فماذا عن سلوكنا جميعا المنفلت معه؟ مصر هبة النيل فكيف تعاملنا مع مصدر حياتنا ووجود حضارتنا وثقافتنا؟؟ شوهنا جماله ونقائه وأسأنا إليه.. نكلنا به وكأننا ننتقم من أنفسنا ووجودنا والآن ولأن "الشو" يتطلب ذلك نتصدر اللقطة كمدافعين عن نهر النيل.. النيل الذي يهدد وجوده في مصر كارثة تسمي "سد النهضة" تلك الكارثة التي لم يحرك إلا القليلين منا ساكنا تجاهها ولم يقلق معظمنا فشل المفاوضات بيننا وبين أثيوبيا مؤخرا، مما يتطلب جهودا رسمية وشعبية جبارة للحفاظ على حقوقنا التاريخية في مياهه لكن أقلّق بعضنا إلكترونيا وفضائيا "قلشة" قديمة وبايخة لشيرين التي أعطت بيديها للجميع الحق في النيل منها ومن أصولها وأسرتها المكافحة في كل المناسبات بسبب حالة عدم الانضباط التي تعاني منها !! تحولت شيرين لوسيلة التطهر الأولي عند بعض المصريين.. فكل من يريد التنصل من أصله البسيط المتواضع يعايرها بأصلها.. وكل من يعشق العنصرية والتمييز الاجتماعي يلقي بتبعة أخطاء شيرين علي تربيتها في منشأة ناصر.. من يعشقون تمثيل دور الوطنيين الشرفاء يمسحون أخطائهم السابقة واللاحقة في ردائها.. الهاربون من القضايا الجادة يجدون في السيدة مطية مضمونة للهروب الشيك وما أحلى الهروب باسم الوطنية والوطن ونهر النيل!! شيرين أخطأت للمرة المليون وأصبح من الصعب التعاطف معها أو الدفاع عنها بعد إصرارها على تكرار نفس الأخطاء ونفس الاعتذارات ومن حق المرضي النفسيين ومدعي الوطنية أن يقفزوا فوق أخطائها طالما سمحت لهم بذلك.. لكن رجاء ابتعدوا عن النيل واخجلوا منه ولا تتلاعبوا به.. استحوا من منة من الله لم تحافظوا عليها أو تحموها.. منة قد يغضب الله علينا فيحرمنا منها للأبد بسبب جرائمنا في حقها. أقذفوا شيرين بكل التهم والشتائم التي تتفق مع قيمكم وأخلاقكم لكن لا تدعوا أنكم تفعلون ذلك بسبب خوف أو حب لنيل الجنة كما كان يطلق عليه أجدادنا الفراعنة الذين قدروه وأقاموا من أجله الأعياد وتعاملوا معه كإله الخير والنماء أما نحن فلابد أن نسأل أنفسنا عمن منا يمكن أن يلقى الله ويملك وقاحة الادعاء بأنه لم يشارك في تلويث النيل حتى بالصمت العاجز قليل الحيلة علي التجاوزات في حقه على كافة الأصعدة.