عبد الرحيم: عمومية الصحفيين صاحبة الحق في أي تعديل لقانون المهنة    التموين تنتهي من صرف مقررات مايو بنسبة 90%    في خدمتك.. كيف تتقدم للإبلاغ عن الغش التجاري وعدم الالتزام بالأسعار    وزير الاتصالات الإسرائيلي يأمر بإعادة معدات أسوشيتد برس في غزة    سيراميكا يتعاقد مع إسماعيل يوسف في منصب رئيس قطاع الناشئين    تفاصيل الحالة الصحية لمصابي حادث معدية أبو غالب (فيديو)    الأبطال وموعد العرض، كل ما تريد معرفته عن مسلسل الوصفة السحرية    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    توزيع مواد غذائية على الأُسر الأَولى بالرعاية في الإسماعيلية (صور)    أزهري: ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    محلل أداء تونسي يحذر الأهلي من الترجي لهذا السبب    امتدت لساعة.. قرارات مثيرة بعد جلسة الخطيب وجمال علام (تفاصيل)    الأعلى لشئون الإسلام وقيادات الإعلام يتوافقون على ضوابط تصوير الجنازات    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    محمود الهباش: لا يوجد أحقر من السياسة الأمريكية ولا ترى إلا بعين واحدة    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقى نظيره بجمهورية الكونغو الديمقراطية    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    تأثير استخدام مكيفات الهواء على الصحة.. توازن بين الراحة والمخاطر    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    إغلاق المدارس وتأجيل الامتحانات في باكستان بعد تجاوز درجة الحرارة 50 درجة مئوية    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    ب ممارسات حاطة بالكرامة والتقييد.. شهادات توثق تعذيب الاحتلال ل معتقلي غزة (تقرير)    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    تحقيق جديد في اتهام سائق بالتحرش.. وتوصيات برلمانية بمراقبة تطبيقات النقل الذكي    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    شبانة: مندهش من الأحداث التي صاحبت مراسم تتويج الزمالك    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيرين ليست خائنة وأنتم لستم أكثر وطنية.. المطربة اللامعة "حنجرة بدون رأس" وليست عدوا لمصر.. الخطأ كبير والاعتراف جاد فماذا نحن فاعلون؟.. وهل نتسامح ونقبل الاعتذار أم نستأسد ونذبح صوتا عظيما؟
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 11 - 2017

خطأ أعتقد تماما أنه عابر، تكررت أخطاء شيرين عبد الوهاب، ولكنها جميعا عابرة وغير مقصودة، جانب منها يعود لطفولية ما تسيطر على شخصيتها، وجانب تصنعه الغيرة، وربما تتصل جوانب أخرى بالتحصيل الثقافى أو القفزة الاجتماعية غير المصحوبة بقفزة معرفية ونفسية موازية، ولكن السيدة الثلاثينية جميلة الصوت ومحدودة الدماغ ليست سيئة النية ولا أقل منّا وطنية.
انتقدتُ شيرين من قبل لموقفها المراهق من عمرو دياب، ولمزحتها السخيفة فى تونس، المرة الأولى كانت محبة فى مشروع "عمرو" ونجاحه الاستثنائى، واستهجانا لغباء التورط فى مشاحنة شخصية مع منافس فى المجال نفسه، سواء كان أعمق تجربة وأقوى تأثيرا أو لا، وفى الثانية كانت محبة لبلد شقيق يمتلئ قلبى بهواه ولم أزره، وخوفا من أن يحسب التونسيون سخافة شيرين على مصر فتتوتر علاقات بلدين وشعبين بسبب غِرّة محدودة الوعى، ولكن فى هذه المرة لا أشعر أن جرعة الهجوم والتجييش المجتمعى العام ضدها كانت قاسية، واستشعرتُ من بعض رافعى السيوف والحراب فى وجهها أنهم فى مظاهرة "تطهر" غير مقنعة.

شيرين "حنجرة جميلة" وليست وجها دبلوماسيا أو سياسيا
لست من الفريق المفتون بمشروع شيرين عبد الوهاب، إن افترضنا جدلا أن لديها مشروعا فنيا - وهذا أمر غير دقيق - أحب صوتها الجميل القوى المطعّم بنكهة شرقية مصرية شجية، ولكن لا أحب أغنياتها السطحية مُعادة الإنتاج والتعليب، وفى كل الأحوال أراها صوتا عظيما وفنانة مهمة وإن لم تكن من قائمة تفضيلاتى، وأراها حنجرة بدون رأس، تابعت رحلتها منذ مطلع الألفية وظهورها فى ألبوم مشترك مع تامر حسنى، مرورا بمشكلاتها مع نصر محروس وتامر وعمرو مصطفى وعمرو دياب وتونس، وأخيرا نهر النيل، وارتحت لأن أتعامل معها كفنانة، ولا أحمّلها فوق طاقتها بالوقوف على كل حرف لها وكأنها وجه دبلوماسى أو سياسى أو أكاديمى أو فكرى، السيدة حنجرة جميلة وحسب.
حينما وصلت مقر "اليوم السابع" صباح أمس، وحكت لى إحدى الزميلات ما حدث، وأن شيرين أتبعت مزحتها السخيفة بنصيحة "اشربى إيفيان"، ضحكت وقلت: "المستفز إنها ما قالتش بركة أو نستله، وبتحرق دمنا بنوع مية 90% من المصريين مش هيعرفوا يشربوه"، وتجاوزت الحكاية، ولكن للحقيقة دعوت لها فى خاطرى، رغم قناعتى العميقة بأنها أخطأت وتستحق النقد والتوجيه، ليقينى أن مخالب لا حصر لها سيغرزها أصحابها فى لحمها، قليل منهم حسن النية، وكثيرون أصبحوا مغرمين بذبح الناس.
هل تعمدت "شيرين" أن تذكر إيفيان تحديدا كنزوع طبقى طارئ؟ أم أنها ذكرتها كون الحفل فى الشارقة وهذا النوع من المياه الطبيعية شائع الاستخدام بالإمارات؟ وهل لو قالت بركة أو نستله أو أى نوع آخر كانت مزحتها ستصل كما تخيلتها؟ أعرف أنك تستغرب هذه الأسئلة السخيفة فى هذا المقام الذى تراه جللا، ولكن صدقنى السخافة الحقيقية أن تتخيل - بسوء نية وقصد لا بإحسان ظن ورغبة فى التوجيه وضبط المسار - أن البنت المسكينة كانت تتعمد إهانة مصر، وأن تسن عليها سكاكينك!
أسود "السوشيال ميديا" يشوهون مصر ويزايدون على شيرين
طوال نهار وليل الثلاثاء كنت أتجول فى "فيس بوك" متابعا الحفلة والمولد المنصوب على مغنية، لم تدّع يوما أنها أكثر من مغنية، تجاوز الأمر حدود النقد والتقريع استهجان الخطأ، إلى الكرامة والعرض والردح الطبقى للفتاة الفقيرة التى "نسيت أصلها" بحسب تعبيرات الذابحين، والغريب أن حصة كبيرة ممن أشعلوا الحفلة وأكثر الناس مساهمة فيها هم من يسبون مصر ليل نهار على السوشيال ميديا ويدعونها "ماسر" ويستكملون قصائد مدحها بتعبيراتهم الكليشيهية "ربنا يتوب علينا من ماسر"، "ويا رب نخلع من ماسر"، وعبارات أخرى لو اقتبستها هنا لواجهت بلاغا بإهانة مصر ونشر الفجور وفُحش القول، وفضلا عن أنهم حرموا شيرين مما أجازوه لأنفسهم، فإنهم تجاهلوا أن لها فى عبارات المحبة رصيدا، ولو كانت أغنيات مصنوعة بركاكة، ورصيد المحبين - فى عُرف العدول - لا يسقط ب"زلة لسان".
ربما لقدر من إحسان الظن، أعتقد أننى أتحلى به، كنت أتوقع أن يكون الخلاف على خفة ظل شيرين أو ثقله، على ظُرف الإيفيه أو سماجته، على ملاءمة السياق أو مخالفته، ولكن ليس على وطنية أو خيانة، هذا تزيّد ما بعده تزيّد، ومصر أكبر من أن ينتقص منها تصريح أو يهينها "إفيه" ساذج، حاولت شيرين المزاح وأخفقت، هذا كل ما فى الأمر، وجميعنا نستهجن سوء حال النيل ليل نهار، ورئيس الدولة أكثر موضوعية وهو يُعدد مشكلاتنا وأزماتنا ليل نهار، فالاعتراف بداية الحل والمعرفة شرط تجاوز الأزمة، وكثيرون حضرات الثوار على "شيرين" يقضون حاجاتهم ويلقون زبالتهم فى النيل، فهل نحن أكثر إهانة له أم شيرين؟

إفيه شيرين "السخيف" يضعنا أمام تناقض قضاة الأخلاق
هل تعرف كيف يتعامل الفرنسيون مع "إيفيان"؟ نبعة الماء التى صنعت بلدا وأصبحت شريانا مقدسا طوال 194 سنة، منذ هبط رجل اسمه "فوكونت" البلدة الريفية الفقيرة التى تحمل الاسم نفسه على الجانب الشرقى من بحيرة ليمان، الواقعة بين فرنسا وسويسرا، فى العام 1823، وأقنع أسرة "كاتشات" التى تملك نبعة ماء طبيعية باستغلال هذا المورد، فكانت زجاجات "إيفيان" المميزة التى لم تتوقف تعبئتها طوال ما يقرب من قرنين، ولم تسمح فرنسا بتعطل خطوط إنتاجها فى أحلك فتراتها، مرورا بحربين عالميتين، حتى أصبحت أشهر وأغلى ماركة مياه فى العالم، وصنعت بلدة جميلة ووديعة فى حضن جبال الألب، بعدما كانت بلدة ريفية فقيرة ومهملة، فهل نحترم النيل كما يحترم الفرنسيون "إيفيان"، حتى نزايد على سيدة خانها التوفيق فى تعليق عابر نتورط جميعا فى أشباهه بشكل يومى؟ وهل توقفنا عن سبابنا المتواصل له بأكياس الأكل وعُلب المشروبات ونحن فى المراكب وعلى الكبارى مساء كل يوم؟
كان المصرى القديم، وفق النصوص الموثقة فى كتاب "الخروج إلى النهار"، يبدأ رحلة البعث والعالم الآخر فى قاعة "العدالة المطلقة" لتبرئة نفسه من كبائر العالم والحياة الدنيا، قائلا: "أعطيت الحق لفاعله، وأعطيت الظلم لمن جاء يحمله، لم أظلم إنسانا، لم أسئ استخدام حيوان، لم أُغضب الرب، لم أُحرض على القتل، ولم أُلوّث ماء النيل"، فهل لو ارتدنا بنا الزمن، ومعنا شيرين عبد الوهاب، إلى قاعة العدالة المطلقة فى مصر القديمة، سيجرؤ أى منا على المجاهرة بهذا القسم؟ تخيل أن شيرين التى حرمتها النجومية من السهر على كورنيش النيل أو كوبرى قصر النيل أو ركوب أحد المراكب المتهالكة على صفحته، يمكنها أن تقول "لم ألوث ماء النيل" ولن تكون كاذبة؟ فلماذا يُزايد ملوّثو النيل على من قالت ولم تفعل؟!


شيرين أخطأت.. ونقابة الموسيقيين والإذاعة والتليفزيون أيضا
الإهانة الحقيقية لمصر فى تصورى أن ترد نقابة المهن الموسيقية على خطأ شيرين بخطيئة، وأن تقرر حرمانها من تصاريح الحفلات، ما يُعنى حرمانها من الغناء، وأن يقرر اتحاد الإذاعة والتليفزيون منع أغنياتها، وهذا من قبيل رد الطيش بالطيش، ولا أراه إلا تبسيطا وقلّة عقل، ورسالة خارجية تحمل إهانة حقيقية وقوية لمصر، ربما تتجاوز أثر ما رأيتموه إهانة فى دعابة "شيرين" السمجة، فلا يُوجد بلد عاقل يقوّض قواه الناعمة بهذه الحدّة، ويُحاسبها بتلك الغلظة والعنف، إذا استثنينا بالطبع الحقبة المكارثية فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعتقد أننا نطمح لاستدعاء روح السيناتور جوزيف مكارثى لتفتيش صدور الناس ونواياهم.
مصر أكبر من الإهانات والآراء، العميقة أو السطحية، الظريفة أو السمجة، ولو كانت قذارة النيل إهانة فإن اللوم واقع على من فعل به هذا، ولو كانت البلهارسيا عارا فجرمها معلق فى رقبة من أصابنا بها، يتحمله محمد على وأسرته حتى فاروق، وتتحمله دولة يوليو، ويتحمله السادات ومبارك، ويستحق الأخير أن نذكر له جهدا كبيرا فى الثمانينات والتسعينيات للقضاء على هذا المرض، ولو كانت "شيرين" أخطأت فى دعابة سمجة، فممارسات ملايين المصريين فى أشغالهم وبيوتهم وعلى "السوشيال ميديا"، وفى مواقع "البورنو" التى نحتل موقعا متقدما فى قوائم زائريها، والتحرش بالفتيات والنساء فى الشوارع، هى ما يصنع صورة مصر ويهينها بالداخل والخارج، وليست دعابة عابرة من مطربة، فى حفل لا يتعامل رواده مع فنانتهم باعتبارها معادلا موضوعيا لمصر أو تكثيفا كاملا ووافيا لصورتها وشخصيتها ووعيها وحاضرها وتاريخها، فمصر أكبر من شيرين، ومنّا جميعا، ولو نطت مصر بلسان بشرى لسامحت وتسامحت.
شعرت بقدر من المبالغة فى ردود الفعل على خطأ شيرين، الذى أقر أنه خطأ، وأقرت هى نفسها أنها خطأ، ولكن المهم أن الضحية سلّمت وأسلمت رقبتها للسكين، فقد أصدرت شيرين عبد الوهاب بيان اعتذار مساء أمس، بيانا منكسرا ما كنت أحب لها أن تصدره، فضلا عن أنه عاطفى وركيك فى الصياغة والبناء، ولكننى أحسست بالضعف وقلة الحيلة والهوان على الناس وأنا أقرأه، واستشعرت كيف كانت حالتها وهى تُملى ما تضمنه على مستشارها الإعلامى، أو تسمعه منه وتُقرّه، المهم أن الحملة المقدسة آتت أُكُلها واستسلمت الفريسة لنهش "السوشيال ميديا"، ونجحت المهمة المقدسة فى كسر شيطانة على أيدى الملائكة، بعدما عيّرها الجميع بوضاعة الأصل و"الشبع بعد جوع"، فهل يكفى هذا لأن تتدفق حمم الوطنية فى الأدمغة وأن نشعر أننا قمنا بأدوارنا المقدسة وأدّينا ما علينا للوطن؟

هل تجد فضيلة التسامح لها مكانا؟ أم علينا مواصلة مهرجان الذبح؟
"إذا صح منك الودّ فالكل هين"، شطر من قصيدة للشاعر العربى الشهير أبى فراس الحمدانى - غنّت له أم كلثوم قصيدة "أراك عصىّ الدمع" - وبعيدا عن الموضوع الأصلى للقصيدة التى استشهدتُ باقتباس منها، فالمعنى العميق أن الثقة فى نبل الشعور تكفى للقفز على العثرات والأخطاء العابرة، وشخصيا لا أُشكّك فى وطنية "شيرين" وحبها لهذا البلد، بغنائها أو بمشاركاتها الاجتماعية وتبرعاتها العديدة للخير، وبهذا المنطق فإن سقطتها الأخيرة سقطة المحب لا العدو، وخطأ المُجلّ المُحترِم للوطن لا المُهين المُحقِّر منه، وليس الحبيب كالعدو ولا المُجلّ كالمُهين، ولا من العدل أن تُسَنّ السكاكين على العاشق كما تُسَنّ على الكاره المحارب.
كلنا أخطأنا ونخطئ فى حق هذا البلد، المُقصّر فى عمله مخطئ، والموظف المُرتشى مخطئ، والمهاجم الشتّام على "السوشيال ميديا" مخطئ، والمُحقّر من كل فعل إيجابى وإنجاز وطنى مخطئ، ومن يُلوّث النيل بنفاياته مخطئ، وبينما نخطئ ونتهرب من أخطائنا، أخطأت "شيرين" واعتذرت، فهل تجد فضيلة التسامح مكانا لها فى بلد التسامح، الذى لو نطق ترابه لسامح أعداءه قبل أصدقائه، أم أن علينا أن نواصل مهرجان المزايدة والذبح، منتصرين للخطأ ومتجاهلين الاعتذار؟!

حتى متى ستظل شيرين عبد الوهاب حنجرة بدون رأس؟
شيرين عبد الوهاب فنانة مهمة، وإن لم تصنع غناء مهما حتى الآن، وبموهبة حقيقية وجهد شاق ومضنٍ ارتقت من النشأة المتواضعة فى القلعة إلى حدائق علية القوم، ومن الفقر إلى الغنى، ومن المجهولية إلى النجومية والانتشار، مشكلتها أنها لم تتخلّ حتى الآن عن رواسب النشأة وما فيها من بساطة وعفوية وصراحة تقترب لحدود الصدمة، السيدة لا تعرف حتى الآن أنها أصبحت نجمة وسيدة مجتمع، وعليها أن تعرف أنها مهمة ومؤثرة، وأن كلمتها ليست ككلمة غيرها، ومزاحها ليس كمزاح غيرها، وخطأها أيضا ليس كخطأ غيرها.
إن كان لى شخصيا عتاب على شيرين عبد الوهاب، فهو أنها تهدر صوتا عظيما فى غناء تافه، ولم تسع - ولا يبدو أنها تواقة - لصنع مشروع حقيقى ولائق بهذا الصوت الرصين، وأنها ارتقت اجتماعيا بموهبة وجهد ولم تبذل منهما شيئا للارتقاء معرفيا وثقافيا، وطوال 16 سنة منذ انطلاقها وتحقيقها لنجومية عريضة تغطى أرجاء الخريطة العربية، لا يبدو أنها قرأت كتابا أو حضرت ندوة أو صادقت كاتبا أو مثقفا، وحتى الآن لا تلحظ أن موهبتها عارية، وإن كانت السماء منحتها وفرة فى الموهبة وحرمتها حظا من الذكاء، فهذا فى ذاته ليس مشينا، والشائن المشين ألا تسعى لتعويض هذا بالقراءة والمعرفة والتقرب ممن يفهمون ويُحسنون إدارة موهبتها، أزمة "شيرين" التى قد تقضى عليها أنها لا تُحسن إدارة موهبتها، ولا يوجد بين المحيطين بها من يأخذ بيدها، وهذا وحده كفيل بإغراقها، فى مرات مقبلة ومياه أعمق، لو أكرمها الله هذه المرة بالنجاة من موج النيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.