فى ميدان التحرير رفع الكثير من المعتصمين لافتات تقول" هنقابل تونس فى النهائى" من منطلق أن ما حدث مع بن على ونظامه كان له مفعول السحر فى تحريك هذه الثورة المصرية ، حيث يرى بعض المحللين السياسيين أن هناك ما يسمى بعدوى الشعوب وأن ثورة يناير الشعبية رغم أصالتها فهى جزء من هذه العدوى . تصوير : محمد لطفي المظاهرات والاعتصامات لم تتوقف فى مصر طوال السنوات العشر الأخيرة ومع ذلك لم يكن لها أى تأثير أو قدرة على تحريك الجماهير ، ولكن ما حدث فى تونس جعل الناس يشعرون بمدى أهمية مثل هذه التظاهرات ، إذا اتسع مداها- فى تغيير الأوضاع .. ولذلك سعينا لمعرفة مدى تأثير هذه الحقيقة التاريخية المسماه بعدوى الشعوب خاصة وأن العدوى انتقلت إلى الجزائر والأردن واليمن .. سألنا عدداً من شباب 25 يناير حول حقيقة تأثير ما جرى فى تونس عليهم حيث يقول أحمد عبد السلام، المعيد بكلية الإعلام جامعة القاهرة: وجهة نظرى أن ظروفنا فى الدول العربية متشابهة فيما يتعلق بالحريات والظروف السياسية الرجعية والفساد والفقر وتعظيم الفائدة لصالح رجال الأعمال ولذلك فإن الثورة التونسية شجعت الناس كثيراً على التمرد وأنا موقفى كان مختلفا فقد خرجت بسبب الكبت السياسى وعدم وجود اتصال بين الدولة وبين الشباب فلا أحد يسمع لنا ولا شك أن ثورة تونس أعطت لنا دفعة وكانت أشبه بالشرارة التى شجعت الناس على ذلك لكننا مع ذلك كنا سنخرج إذا حدث توريث لأن الشعب المصرى مش زى سوريا أيضاً حدث حشد وتجمع للشباب بسبب التعامل الأمنى القاسى معنا كمتظاهرين ومن هنا الناس بدأت تتعاطف مع بعض الشهداء ويتجمعون مرة أخرى. أما محمود عبد العظيم (25 سنة) محامى فيقول : الموضوع بدأ معى على الفيس بوك والحقيقة كان فيه حوار فى البداية بينى وبين بعض الشباب حول ما حدث فى تونس وهل ممكن يتحقق فى مصر خاصة وأن الشباب التونسى جمع نفسه أولاً على الفيس بوك وبال sms وهذا أعطانا الشجاعة لكى نخرج ونكرر التجربة ولكن بطريقتنا الخاصة وبمطالب خاصة أيضاً هناك حقيقة مهمة جداً وهى أننا تعلمنا من شباب تونس كيفية التغلب على عساكر الأمن المركزى ونشأت جروبات على الفيس بوك توضح لنا كيف نتخلص من عقبتهم فى أول يوم وكيفية الوقاية من القنابل المسيلة للدموع عن طريق استعمال الخل والكولا والمياه الباردة وبالفعل تم توزيع منشور على الشباب به الكثير من النصائح فى هذا الموضوع. أما محمود متولى (27 سنة) موظف فى إحدى شركات المحمول بالقاهرة فيقول: أنا فعلاً مؤمن بفكرة عدوى الشعوب لأن ما حدث فى تونس كان له فضل كبير جدا علينا خاصة وأنه كانت هناك مظاهرات فى السنوات الأخيرة ولكنها لم تحرك أحداً ولم تدفعنا لأن نجرى خلفها لكننا تعلمنا مما حدث فى تونس ومما حدث فى بعض الدول الأخرى أن حالة الإجماع أو التجمع هى التى تحقق الهدف المطلوب يعنى كلما اتحدت الكلمة كلما كانت الثورة أقرب للتحقق. ويرى تامر الخطيب (27سنة) من شباب 25 يناير: أن ما حدث فى تونس كان سببا وجيهاً لثورتنا حيث جعل الشباب يخرج لأننا كشباب وجدنا أن هناك فرصه لتغيير حياة الناس وقد أعطت دفعة للشباب أن يعمل ما تم ولو لم يكن الشباب وجد عنصرا واقعيا أمامه لم يكن يفعل ذلك وكنا سنظل سلبيين فالسكوت والسلبية لم تعد بعد من صفات هذا الجيل. أما ولاء محمود (22 سنة) بكالوريوس تجارة جامعة القاهرة فتقول: أنا أرفض هذا المبدأ لأننا كنا سنخرج وهذا كان مؤكداً ولكن الفكرة أن الناس تحمست أكثر فى مصر فخرجوا وراءنا، وبعدين إحنا مش أقل من شباب تونس. ويعلق الدكتور عاصم الدسوقى المؤرخ المعروف على هذه الظاهرة قائلاً : إن انتقال الثورة من مكان لآخر ليس مجرد محاكاة وإنما الانتقال يأخذ شكل التشجيع أى أن الشعوب تشجع بعضها خاصة وأن أسباب الثورة فى مصر موجودة منذ نهاية الثمانينات مع انطلاق برنامج الخصخصة وبداية ظهور ما يعرف بتزاوج السلطة مع رأس المال وما حدث فى تونس مؤخراً أدى إلى تشجيع الانفجار الشعبى فى العديد من الدول وهذه الظاهرة تكررت كثيراً فعندما حدثت الثورة الإسلامية فى إيران سنة 1979 وجدنا أن الجماعات الإسلامية فى مصر قد تحمست بشدة لتكرار التجربة وبدأ نشاطها يتصاعد حتى قاموا باغتيال السادات ولكن هناك مواقف ثورية لا تنتقل للمجتمعات الأخرى فما حدث فى مصر عام 1977 وهو ما سمى بانتفاضة الخبز لم ينتقل للدول المجاورة وذلك لأنه لم تكن هناك أسباب أو ظروف لتشجيع هذه الدول للثورة مثلما حدث فى مصر إذن عدوى الشعوب ترتبط بشكل كبير بفكرة التشجيع والظروف المؤهلة أو المواتية. أما الدكتور أسامه الغزالى حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية سابقاً ورئيس حزب الجبهة الديمقراطية فيقول : هذه الظاهرة مؤكدة بنسبة 100% ومعروفة أيضاً فى التاريخ ، ولكن التواصل بين الشعوب سيزيد من تكرار هذه الظاهرة لأن حالة التفاعل بين الدول وبين الشعوب أصبحت أكثر فاعلية مما مضى بفضل وسائل الإعلام والإنترنت وسيكون من المحتمل أن تتأثر شعوب أخرى ودول أخرى بهذه الثورات وتسعى لتكرارها ، وانا شخصيا أري أن ثورة يناير هى أول ثورة على نظام الحكم فى العصر الحديث وهى ثورة شعبية بالمعنى الحقيقى للكلمة.. ويقدم الدكتور محمد صبرى الدالى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان تفسيراً شاملاً لهذه الظاهرة حيث يقول: عدوى الشعوب ظهرت بشكل فعلى فى القرن التاسع عشر عندما بدأ يكون هناك إمكانيات اتصال أفضل وقد ظهرت بشكل أكثر وضوحا فى ثورة سنة 1830 بفرنسا حيث قلبت نظام الحكم وأدت إلى إحداث ثورات مماثلة فى إيطاليا والنمسا ولندن وبولندا كما تكرر نفس الأمر فى الثورة الثانية التى قامت أيضاً فى فرنسا وقد أعقبها انتفاضات شعبية كبيرة فى بقية بلدان أوروبا أيضاً ثورة 1919 ليست فى مصر فقط وإنما هى موجودة فى بلدان كثيرة حيث كانت هذه الثورة عالمية وليست محلية فحدثت فى الصين والهند حيث اندلعت بها ثورات مماثلة فى نفس هذه العام ضد الاحتلال والوجود الأجنبى وفى الفترات الأخيرة مع تراكم الوعى التحررى ونشوء ما يعرف بالرأى العام العالمى ونتيجة تشابه ظروف المجتمعات فإن الثورات أصبحت مثل الفيروس أو العدوى التى تنتقل بسهولة ولكن نسبة النجاح قد تختلف أو لا تختلف من مكان لمكان ففى تونس حققت الثورة تغيرات كمية وكيفية وفى مصر حققت تغيرات نوعية عن طريق الإطاحة برأس ورموز النظام البائد. والسؤال الآن .. بعد سقوط النظام في كل من تونس ومصر .. الدور على مين؟