بين أحلام وطن ونبل ثورة وبراءة شباب يبدو أن الوقت قد حان لمقاربات ثقافية أكثر تعمقا فى ظاهرة الالتراس التى فرضت ذاتها مجددا بقوة فى الآونة الأخيرة بالمشهد المصرى مع دموع كرة القدم أو "الساحرة المستديرة" واللعبة الشعبية الأولى للمصريين. وفيما طفت وقائع عنف وجدل فضائيات وملاسنات ساحات وملاعب وقلق عائلات ومنازل مقترنة كلها بكلمة "الالتراس" فأن أحدا لايمكنه أن ينكر أو يشكك فى دور جماعات الالتراس فى خضم ثورة 25 يناير غير أن المشهد الراهن يدفع بشدة للتساؤل حول سبل تحويل فائض الغضب لدى هذه الجماعات إلى نبل البناء وهى تساؤلات مطروحة على العقل المصرى ومتصلة بسؤال البنية الثقافية الجديدة بعد الثورة الشعبية- حسب ما جاء في تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط-... ومع أن بعض الكتب والكتابات سعت بإخلاص لتناول ظاهرة الالتراس فى مصر فأن الحاجة تبدو جلية لمزيد من الكتب الأكثر عمقا على غرار ما يحدث فى الغرب حيث ترفد المكتبة الغربية بكتب تجمع مابين جاذبية العرض وعمق التحليل وأصالة الرؤى وواقعية المعالجات. وفى بلد كبريطانيا تحقق كتب الرياضة مبيعات عالية مثل الكتاب الجديد الذى صدر بعنوان :"هناك سماء ذهبية" يشرح المؤلف ايان ريدلى كيف غير الدورى الانجليزى الممتاز فى عقدين كرة القدم الانجليزية بينما لاحظ الناقد ايان موريس فى سياق تناوله لهذا الكتاب بصحيفة "أوبزرفر" البريطانية إستدعاء المؤلف لمقولات وتساؤلات فلسفية عميقة للكاتب الشهير اوسكار وايلد، من قبيل الفارق بين الثمن والقيمة. والكتاب يمس بالفعل العصب الحساس حيث الصدام المؤرق بين تحول كرة القدم لصناعة هائلة واستثمارات وارباح وعائدات وبين روح البراءة الأولى للعبة والجماهير التى عشقتها بعيدا عن لغة الأرقام ورائحة البورصة. ولا يمكن الفصل بين الالتراس كظاهرة عالمية وهذا التناقض المؤلم فى اللعبة الشعبية الأولى بأغلب دول العالم ومنها مصر بين براءة الحلم المجنح والواقعية الفظة للبورصة او بين القيمة والثمن بينما يشير هذا الكتاب الجديد لتلك الروح التجارية التى غلبت المستطيل الأخضر وكادت تحوله بالكامل لتلال وجبال من اوراق البنكنوت كأحد اسباب استفحال العنف الكروى والسلوك غير الرياضى اثناء المباريات وتبدو ظاهرة الالتراس التى تتصاعد فى العالم مركبة ومعقدة فهى تجمع مابين سياقات الرياضة والثقافة والسياسة فهى ظاهرة اجتماعية بقدر ماهى ظاهرة رياضية وثقافية أما من منظور اللغة فكلمة الالتراس لاتينية الأصل وتعنى تجاوز العادى والشىء الفائق أو الزائد عن الحد المألوف، وكل ماهو فوق الوضعية المعتادة فى مرحلة ما . وفى الواقع الرياضى عرفت عناصر الالتراس بالانتماء والولاء الشديد لفرقها الكروية وباتت أغانيها وهتافاتها الحماسية علامة تميزها وتبعث البهجة وتكسر الرتابة غير أنها تحولت أيضا فى مصر كما هو الحال فى دول أخرى إلى مصدر متاعب وتساؤلات قلقة. وإذا كانت روابط الالتراس قد ظهرت فى بعض الدول وخاصة بالغرب وأمريكا اللاتينية منذ عقود مبكرة فى القرن العشرين فأن العالم العربى لم يعرف هذه الظاهرة إلا فى السنوات الأخيرة ومع بدء الألفية الثالثة. وفى البدء تكونت أغلب روابط الالتراس العربية فى الفضاء الافتراضى لشبكة الانترنت ثم انتقلت لأرض الواقع الفعلى كمجموعات منظمة تتكاتف وتتعاون لدعم وتشجيع فرق نواديها فيما باتت الحرية احد مكونات ثقافة الالتراس جنبا الى جنب مع العمل الجماعى والميل للابداع والابتكار فى طرق التشجيع وصياغة اللافتات . ولأنها حريصة على استقلالها وحريتها- تعتمد روابط الالتراس على تبرعات ومساهمات أعضائها دون اللجوء لأى مصادر خارجية ومن ثم يصعب التأثير من أى جهة على توجهاتها حتى لو كانت مجالس ادارات الأندية التى تشجعها هذه الروابط ناهيك عن احتوائها. ومع ذلك فقد اقترح الكاتب والناقد الرياضى حسن المستكاوى فى سياق الأزمات الأخيرة للألتراس فى مصر أن الوقت قد حان لاشهار تلك الجماعات، وأن يكون لكل منها مجلس ادارة داعيا لاستغلال الطاقة الايجابية لهؤلاء الشباب بتكليفهم بحفظ الأمن داخل الملاعب.