إنهم في كل مكان. في كل المباريات الرياضية لكرة القدم فقط سوف نجد لافتاتهم مرفوعة. هتافاتهم التي ترتج بها الملاعب الرياضية ويقطعها مخرجو بث المباريات علي التليفزيون، يمكن أن نسمعها في الشوارع وفي معظم المظاهرات الشعبية منذ 25 يناير وحتي الآن. علي جدران المدينة سوف نجد توقيعاتهم، ورسوماتهم التي تدعم الفرق الرياضية التي يشجعونها وتدافع عن حريتهم في التعبير. إنهم الألتراس، أو كما يصفهم محمد جمال بشير في كتابه الصادر مؤخراً عن دار دون "عندما تتعدي الجماهير الطبيعة" فرد الألتراس أهمية هذا الكتاب تأتي من أنه لا يتعامل مع "الألتراس" بصفتهم ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة، كما أنه ليس مجرد "تجربة شخصية" لأحد مؤسسي رابطة ألتراس نادي الزمالك. بل هو مزيج بين الاثنين يضاف إليه طموح شخصي نراه بوضوح لدي المؤلف لكتابة ما يشبه "المانفيستو" لما يجب أن يكون عليه فرد الألتراس ولما يجب أن تكون عليه روابط الألتراس. في مقدمة الكتاب يضع محمد جمال أو (جيمي) كما هو معروف علي شبكة الانترنت، موجز لأخلاق فرد الألتراس وعلي رأسها مفهومه للرجولة ويشدد في أكثر من مكان أن "فرد الألتراس لا يعارك من أجل العراك و لا يستعين بالبلطجية أو من هم خارج المجموعة، فقط يحارب من أجل مجموعته و من أجل ناديه وقت اللزوم فهدفه الرئيسي ليس العراك و لكن الدفاع عن اسم مجموعته و ناديه." أما روح الألتراس فهي كما يقول جيمي: "وحش خلاق و طاقة إبداعية قابعة داخل كل فرد فينا" لذا فالألتراس ليس مهنة بل هي روح قد تتلبس مهندس أو طبيب أو صحفي أو طالب جامعي. أما الروابط بين أعضاء المجموعة فهي روابط أخوية لا تنفصل أو بتعبيره في المقدمة "احتياجي لحضن شقيق لأبكي ... و احتياجك لرفيق ليشاركك لحظات نجاحك". بهذا المقدمة ذات الصبغة الشعرية يبدو واضحاً أن الكاتب لا يضع الألتراس تحت المجهر من الخارج بل هو جزء من تلك الحالة، وأهمية الكتاب تنبع من قدرته علي نقل روح وإحساس تلك الحالة الاجتماعية المتفردة التي أصبح لها تأثير كبير مؤخراً علي الكثير من شئون الحياة. أهمية هذا المدخل أنه يكشف لنا الفرق بين جماهير الأندية العادية التي نشاهدها جالسة في مدرجات الملاعب وبين جماهير الألتراس. فجماهير الأندية وكرة القدم تسعي "إلي دعم صراعاتها الرياضية الاجتماعية بينها وبين العائلة والأصدقاء مثلا المهتمين باللعبة، بتشجيع نادي يحقق فوزا دائما يمكنها من ربح تلك الصراعات الاجتماعية". كما يميز جيمي بين روابط المشجعين العادية التي يدعمها النادي والإعلام لحشد الجماهير إلي اللعبة وتحقيق الأرباح، وكيف تطورت هذه الروابط في الثقافات والدول المختلفة ليظهر "الهوليجانز" في انجلترا، و"البارابرافا" في أمريكا اللاتينية. وكيف أهلت مثل هذه الروابط لظهر الألتراس في الدول العربية كرابطة تتطور وتتعلم من التجارب السابقة في أمريكا اللاتينة وأوروبا. العقيد يقتل التنين يبدأ جيمي بعد ذلك في استعراض تاريخ ظهور روابط الألتراس في الدول العربية تحديداً في شمال أفريقيا، ليكشف لنا أن أول رابطة من روابط الألتراس العربية تشكلت في ليبيا عام 1989. وكانت رابطة ألتراس "دراجون" لنادي الاتحاد الليبي التي اتخذت من التنين شعاراً لها لحشد جماهير الفريق خلفها. لكن في أقل من أسبوعين قامت قوات العقيد وأجهزته الأمنية بقمع الحركة وتشتيتها ليتبدد أول حلم لرابطة ألتراس عربية. احتاج الامر لأكثر من عشر سنوات، ولظهور الإنترنت الذي سهل من التواصل بين جماهير كرة القدم المختلفة في جميع أنحاء العالم. ليتمكن الجمهور العربي أخيراً من الإطلاع علي تجارب روابط التشجيع في الدول الأخري وليتم الإعلان في 22 أكتوبر سنة 2007 عن أول ألتراس جزائرية هي "فردي ليون" أو "الأسود الخضراء" التي تساند الفريق العاصمي الأخضر المولودية. وفي خلال أقل من شهرين تكاثرت روابط الألتراس في الجزائر، بينما كانت روبط الألتراس في "تونس" قد مرت بمرحلة طويلة من النهوض والسقوط منذ عام 2002. حتي تحولت لروابط قوية مع عام 2008. الأمر الذي مثل تهديداً بالنسبة للسلطات التونسية فأصدرت في 2009 قراراً بحل جميع روابط الألتراس ومنع دخولهم لمدرجات الملاعب ومنعهم من استخدام أي لافتات أو قمصان تعكس ثقافة الألتراس. كانت المغرب ومعها دول الشمال الأفريقي هي أول الدول العربية التي شهدت ظهور مجموعات الألتراس. بينما في مصر كان التشجيع يعتمد علي "الكابو" وهو الشخص الذي يقود هتاف الجماهير داخل المدرجات. لكن منذ 2005 بدأت تتشكل النواة الأولي لمجموعات الألتراس في الزمالك والأهلي. الألتراس والثورة يسرد محمد جمال بشير في الكتاب قصص متنوعة عن حالة البطش والقبض العشوائي والضرب العنيف الذي كان يتعرض له أفراد الألتراس المصري علي يد قوات الأمن المصرية، والذي تزايد بمرور الوقت خصوصاً مع طموح بعض روابط الألتراس لتنظيم "دخلات" ذات مغزي سياسي كمحاولة الألتراس "وايت نايتس" نادي الزمالك تنظيم "دخلة" يعبرون فيها عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية. ومع انتشار الدعوة لمظاهرات 25 يناير ظهر فيديو مجهول المصدر علي موقع "يوتيوب" وقد كان أشبه بإعلان عن مشاركة الألتراس ونزولهم لتلك المظاهرات تعبيرا. لكن جيمي يوضح في كتابه أن نزول الألتراس لم يكن نزولاً رسمياً بل كان بمبادرات فردية لبعض أفراد الألتراس، ولم تصدر به تعليمات رسمية أو تتفق روابط الألتراس علي التنسيق والنزول كجماعات كاملة. كيف تكون ألتراس؟ بعد سرد لتاريخ روابط الألتراس المصرية القصير والحافل في الوقت ذاته، يحدد المؤلف في فصل بعنوان "عقلية وثقافة الألتراس" أهم القيم التي التي تصنع فرد الألتراس وهي:عدم التوقف عن التشجيع و الغناء طوال التسعين دقيقة من عمر المباراة أيا كانت النتيجة، عدم الجلوس نهائيا أثناء المباريات، حضور جميع المباريات الداخلية و الخارجية ايا كانت التكلفة و المسافة، الولاء و الانتماء لمكان الجلوس في الاستاد. ومن قيم الألتراس ينقلنا جيمي إلي هيكل عمل مجموعات الألتراس، وكيف ينظمون أنفسهم في مجموعات عامل تتولي كل واحدة منها مسئولية محددة، ويتوقف أمام الجزء الخاص بتمويل أنشطة روابط الألتراس ويقول في ذلك الجزء: " التمويل الذاتي في الالتراس يعتبر من جوهر نشأة مجموعات الألتراس القائمة بالاساس علي التضحية والفداء يتجلي هنا بالتضحية بالاموال من اجل النادي ورفع مكانته ومكانة جماهيره. كذلك تحافظ مجموعات الالتراس علي استقلاليتها عن طريق اعتماد سياسة التمويل الذاتي التي تدعم فكرة الاستقلالية في تبني المواقف والهجوم علي ادارات الاندية مثلا في حالة خروجها عن النص أو عندما تري الجماهير إنها تخدم مصالحها الشخصية وليس مصلحة النادي العامة". ثم يأخذنا المؤلف إلي جزء أعمق نحو القيم والأعراف التي تحكم هذا العالم معني الشرف والكرامة، ومتي وكيف يتم استخدام العنف، ومتي تنحل رابطة الألتراس؟ وفي أثناء شرحه لتفاصيل ومصطلحات هذا العالم يذكر عشرات الحكايات بعضها حدث في أندية أوروبية أو عربية حيث تمثل هذه الحكايات الأساطير المؤسسة لعالم الألتراس. ثم في نهاية الكتاب يضع جيمي فصل بعنوان "قاموس الألتراس" يوضح فيه معاني أهم مصطلحات عالم الألتراس. وفهرس أخر يحتوي علي كشف بأهم روابط الألتراس في مصر والمنطقة العربية وأوروبا.