أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    مصطفى بكري مدافعًا عن العرجاني: لعب دورًا وطنيًّا مشرِّفًا في سيناء    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    من 100 سنة، مرسوم ملكي بحل أول مجلس نواب مصري بعد دستور 1923 (فيديو)    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    رئيس إسكان النواب: توجد 2.5 مليون مخالفة بناء قبل عام 2019    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    أخبار مصر اليوم: اللائحة التنفيذية لقانون التصالح بمخالفات البناء.. توفير 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة خاصة    رسالة من "دهب".. أشرف صبحي يخاطب شباب مصر في معسكر يالا كامب بجنوب سيناء    خبير اقتصادي: "ابدأ" نجحت في إنشاء مشروعات تتوافق مع السوق المحلي والأجنبي    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    «التضامن» تبحث تنظيم وحوكمة دعم الأشقاء الفلسطينيين في مصر    باحثة ل التاسعة: مصر لها دور كبير فى الوصول لهدنة بغزة لثقلها السياسى    الغضب بشأن غزة يخيم على فوز حزب العمال في الانتخابات المحلية البريطانية    بانسيريكوس يُعلن إنهاء تعاقده مع عمرو وردة.. واللاعب يوضح عبر يلا كورة سر الرحيل    بمشاركة كوكا، ألانيا سبور يتعادل مع أنقرة 1-1 في الدوري التركي    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    تفاصيل اجتماع رئيس الإسماعيلي مع اللاعبين قبل مواجهة فاركو    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    سبب رفض الكثير من المدربين فكرة تدريب البايرن    نشوب حريق هائل في 200 شجرة نخيل بإدفو شمال أسوان    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    متحدث التعليم: نظام التصحيح الإلكتروني "بابل شيت" لا يشوبه أخطاء    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    الحزن يسيطر على ريم أحمد في عزاء والدتها بمسجد الحمدية الشاذلية| صور    «خفت منها».. فتحي عبد الوهاب يكشف أغرب مشاهده مع عبلة كامل    قناة "CBC": برنامج "في المساء مع قصواء" في مواعيده المعتادة من السبت للثلاثاء 9 مساءً    ياسمين صبري تخطف الأنظار بتمارين رياضية في «الجيم» | صور    "ربنا يتصرف فيكم".. فريدة سيف النصر ترد على الاتهامات في كواليس "العتاولة"    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    أحمد كريمة: علم الطاقة «خزعبلات» وأكل لأموال الناس بالباطل.. فيديو    حسام موافي يكشف علاقة الإسهال بالتهاب الأطراف لمريض السكر    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    «السمكة بتخرج سموم».. استشاري تغذية يحذر من خطأ قاتل عند تحضير الفسيخ (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    خدمة الساعات الكبرى وصلاة الغروب ورتبة إنزال المصلوب ببعض كنائس الروم الكاثوليك بالقاهرة|صور    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بقير: أجانب أبها دون المستوى.. والمشاكل الإدارية عصفت بنا    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة العيون والصخب
نشر في أخبار السيارات يوم 17 - 11 - 2018

في طريقه إلي الجامع القريب؛ يعرف الأستاذ هذه البيوت المتساندة علي بعضها.
البيوت أيضا تعرف الأستاذ، وفي شقوق جدرانها الرطبة تختبئ تلك العيون. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها لجدارٍ ما، ثم يبتسم قليلا ويمضي.
لا يكاد يدوس علي الأرض. ينقل خطواته بشكل هامس يشبه التقاء جفنيه وانفراجهما علي مهل. كل شيء يتم الآن ببطء واسترخاء.
في الصباح لا ينهض مرة واحدة. يترك قدميه تلعبان حتي تظهرا من تحت الغطاء. هذا طقس اعتيادي لابد منه، لكنه ينتهي دائما بالتفكير في شيء واحد: خروج الروح! إنها تخرج من القدمين أولا، تتركهما يابستين ثم تواصل انسحابها المُميت من باقي الجسد. يُفكر الأستاذ ويغيب كثيرا، بينما تتواصل ألعاب القدمين بحركات متقافزة سريعة. حالا سيترك السرير، حالا.. لكنّ العيون التي في الشقوق لا تتركه. يتذكر العينين اللتين أطال الوقوف أمامهما بالأمس.. عينا »كمال»‬، اللتان أسبلهما الأستاذ منذ خمسين عاما فوق صهد الرمال، في حرب 1967. نفس النظرة الذاهلة، المأخوذة غصبا من حياة لم تبدأ بعد. وهاتان عينا »‬عبدالله»، بكل ما فيهما من ألق وذكاء. ياااه.. من يونيو والاستنزاف الطويل حتي أكتوبر، ثم تموت يا »‬عبدالله» في عز شبابك، بسكتة قلبية علي فراشك ووسط أهلك. ألهذا تلمع في عينيك سخرية من النوع المتعالي علي كل شيء؟ سيزيح الأستاذ كل شيء، ويتخذ قراره المُتأجِّل بالنزول من السرير.
تطوف به العيون في كل الأوقات. أحيانا لا يطيق ذلك. يضحك في نفسه، ويقتنع أن صلاحيته لا تزال باقية! في سجوده الذي طال أكثر من اللازم في صلاة العصر كانت »‬نادية».. انغرست عيناها في عينيه المغمضتين بثبات راسخ. عينان طفوليتان، تُشعان بالجرأة والاستهتار والانتعاش. خلطة لا توجد في تحويجة عطّار محترف. يتعجب الأستاذ من هاتين العينين بالذات، والتميمة السحرية التي أبقتهما ضد الزمن. يواصل ضحكاته الرفيعة التي لا تكاد تُسمع. لكنه ضحك بصوت عال في جلسته المفاجئة علي القهوة..
اقتحم النداء صمته وهو راجع من الصلاة. توقف ليري الجالسين، ويتفحص المقهي القديم الذي عاش معه أياما. الوجوه في منتصف العمر، ولا يعرف إلا القليلين منهم. قام أحدهم وألحّ في أدب. سحب له الكرسي وطلب الحلبة الحصا. قعد الأستاذ مائلا علي عصاه، ناظرا لهم واحدا بعد الآخر. يتكلمون، تعلو أصواتهم ويصخبون. في كل شيء يتكلمون. يكتفي بابتسامة وهزات رأس. تنسحب عيناه لكوب الحلبة ذهبية البريق. لا يشغله الطعم الحلو عن عينين مرشوقتين في وجهه. إنه »‬حسام المقدم» الذي يكتب القصص والروايات. يعرفه الأستاذ وله معه كلام، إلا أنه لا يرتاح لنظراته وسكوته. طلب منه مرّة أن يكتب شيئا عن حياته، وتلقي وعدا بذلك. ولما تأخّرَ التنفيذ أعاد الطلب والتذكير. نسي الموضوع، إلي أن رأي الكاتب فتجددت الشجون. لكنّ إيقاع المقهي يأخذه لوجوههم.. سرعتهم في الكلام، ونقاشهم الحامي بالأيدي والأصوات المحتدة. تأتي سيرة الحرب ضمن حديثهم. هذا هو الشيء الذي لا يمكن أن يُسكِت الأستاذ. يتكلم، يخرج صوته خشنا في البداية، وبعد ذلك تدور التروس القديمة وتصطخب. تتداعي الحكايات إلي خاطره وتنسال.. السويس ورجالها، و»‬يا بيوت السويس..». تغيم عيناه. يتدخل أحدهم باستفسار أو إضافة.. مثل السؤال عن نفق الشهيد »‬أحمد حلمي»! انفجرت قنبلة من الضحك: »‬أحمد حِلمي»؟ عينا الأستاذ أصبحتا كرتين كبيرتين. يوشك لسانه أن يقفز من فمه. يتكلم صوت آخر: »‬نفق الشهيد أحمد إيه صحيح... مِش حِلمي». في داخل الأستاذ نار تأكله: »‬يا أولاد الجن.. أحمد حلمي، أحمد، أحمد».. ويصيح مُتهللا: »‬حمدي، الشهيد أحمد حمدي». يضحك معهم ويخبط علي جبهته: »‬أحمد حمدي». تتواصل خيوط الكلام، متشابكة في بعضها، ويغيب ساندا ذقنه علي العصا.
يقف بهدوء ويشير إليهم، فيردون السلام في نفس واحد، طالبين تكرار تشريفه لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.