مستشار ترامب يدعو إلى فرض عقوبات على مسؤولي الجنائية الدولية    رصدنا جريمة، رئيس إنبي يهدد اتحاد الكرة بتصعيد أزمة دوري 2003 بعد حفظ الشكوى    جوميز يتحدى الأهلي: أتمنى مواجهته في السوبر الأفريقي    حلمي طولان: مستاء من سوء تنظيم نهائي الكونفدرالية.. وأحمد سليمان عليه تحمل الغرامات    أهالي سنتريس بالمنوفية ينتظرون جثامين الفتيات ضحايا معدية أبو غالب (فيديو وصور)    متحدث "مكافحة الإدمان": هذه نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة    برقم الجلوس.. موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 الترم الثاني (الرابط والخطوات)    بالصراخ والبكاء.. تشييع جثامين 5 فتيات من ضحايا غرق معدية أبو غالب    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    سيراميكا كليوباترا : ما نقدمه في الدوري لا يليق بالإمكانيات المتاحة لنا    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    إبداعات| «سقانى الغرام».... قصة ل «نور الهدى فؤاد»    تعرض الفنانة تيسير فهمي لحادث سير    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    لعيش حياة صحية.. 10 طرق للتخلص من عادة تناول الوجبات السريعة    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    هتنخفض 7 درجات مرة واحدة، الأرصاد الجوية تعلن موعد انكسار الموجة شديدة الحرارة    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    شارك صحافة من وإلى المواطن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة ليلي الأخيلية بين شعراء عصرها
نشر في أخبار السيارات يوم 02 - 08 - 2018

تشكل حياة ليلي الأخيلية وشعرها ظاهرة تتجمع فيها كثير من السمات السلوكية والخلقية والفنية والملامح التي نمت من خلالها القصيدة العربية وعمودها الشعري وأغراضها المختلفة والملامح المثالية في التعبير والتصوير التي استنتجها النقاد والعرب في فترة لاحقة، وهذه السمات متناثرة ولا شك في ديوان الشعر العربي الكبير الذي أحصاه الرواة في القرون الهجرية الأولي، وناقشه العلماء والباحثون والمحققون في فترات موازية أو تاليه وأصبح من المألوف أن نجد في كل شاعر كبير مجموعة من هذه السمات تعطي لإنتاجه مذاقاً خاصاً ونكهة مميزة، وتشكل هذه المذاقات في مجملها حديقة الشعر العربي الكبيرة.
لا شك أنه داخل هذه »المذاقات الفردية»‬ توجد »‬فصائل» يمكن التماس التقارب العام بين أفرادها وإن تفرقوا أزمنة وأمكنة، مثل شعراء الطبع وشعراء الصنعة، وشعراء البادية وشعراء الحضر وشعراء الرجال وشعراء النساء أو الشواعر والشاعرات وهي فصيلة تنتمي إليها ليلي الأخيلية »‬جنساً» وإن كانت لا تنحصر داخلها »‬إنتاجاً» كما سنري.
والواقع أن الجزء القليل الذي وصلنا من شعر »‬ليلي الأخيلية» ليشير إلي أنه يتجمع لديها قدر كبير من سمات الفصائل الشعرية المتنوعة والتي يكاد يكون بعضها في ظاهرة متفاوتاً أو شبه متعارض، ولكن شخصيتها الجريئة الشجاعة وتجاربها الناضجة والواثقة والصريحة،بما في ذلك تجربة الحب، جعلت هذا التنوع ينصهر في شعرها حتي يهب المتعة الحقيقية في كل صوره.
ومن هذه الناحية نستطيع أن نغامر بالقول بأنها كادت أن تنفرد بجمع أكبر قدر من الفصائل الشعرية المتنوعة في تاريخ الشعر في عصرها علي الأقل وهو العصر الأموي وقد يقود مزيد من الاستقصاء بامتداد تمتعها بهذه الظاهرة في كثير من العصور التالية.
علي أن التميز في الجمع بين الفصائل لا يعني بالضرورة تميزها في كل فصيلة علي الآخرين والأخريات الشعراء والشاعرات.
تطالعنا في صباها المبكر. مقطوعة منسوبة إليها (لعلها وحدها التي نسبت إليها في عصر صدر الاسلام) وقد قيلت عقب مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان مقتله في أعقاب حصار وتمرد وثورات واضطرابات في الأمصار انتهت بتسلق داره عليه وقتله؛ تقول ليلي الأخيلية:
أبَعْدَ عثمان تلقي الخير أمته
وكان آمن من يمشي علي ساق
فلا تقولنْ لشئ سوف افعله
قد قدر الله ما كل امرئ لاقِ
ويستوقفنا البيت الاخير الذي يشف عن نفس مستسلمة أمام ضربات الزمن لا تكاد تثق بالتمرد عليها ولا بالتخطيط لتنفيذ ما تود أن تفعله ما دامت تثق في صحته وسلامته، وهي نفس تكاد بعد ذلك أن تبلغ النقيض نضجاً وإرادة وكسراً للقيود التي فرضها المجتمع العربي القديم علي دوائر تحرك المرأة والقصيدة معاً، لكنه تمرد إيجابي يجبر ذلك المجتمع نفسه علي الاعجاب بذلك الخروج وتجاوز هذه الدوائر.
كانت الدائرة الأولي التي وضٌعت فيها »‬ليلي الأخيلية» هي دائرة »‬بطلات العشق العذري العفيف» في صدر الاسلام والعصر الاموي وتلك دائرة ينضم اليها معشوقات مشهورات من أمثال »‬ليلي العامرية» صاحبه قيس و»‬بثينة» صاحبة جميل، و»‬عزة» صاحبه كٌثَيِر، وكان القانون العام الذي يحكم هذه الدائرة إمكانية اللقاء خلسة وسراً والإعجاب الذي قد يؤدي إلي طلب يد الفتاة فتتم الاستجابة إذا تحققت بقية الشروط إلا في حالة واحدة هي أن يتسرع العاشق إذا كان شاعراً فيبث هواه شعراً يتناقله أفراد القبيلة في مجالسهم فيرفض أهل المعشوقة طلب زواجه منها إلي الأبد لكيلا يقال إنه زواج في العلن، يغطي علاقة مريبة حدثت في السر وألمح إليها الشعر خفية، وقد حدثت هذه التفرقة القاسية مع كل العشاق المنتمين إلي هذه الطائفة ومنهم ليلي الأخيلية وحبيبها توبه بن الحٌمَيِر، وأصيب بعض العشاق من خلالها بالجنون كما حدث مع قيس بن ذريح الذي هام علي وجهه في الصحاري وخالط كائناتها.
وأجٌبر كل المعشوقات علي الزواج برجال آخرين وظل كل العاشقين يواصلون البوح بهواهم شعراً دون أمل في اللقاء ومن عصارات هذا البوح تكوّن »‬ديوان الشعر العذري» الذي امتد تأثيره من الأدب العربي إلي الآداب العالمية، ومن دائرة الحب البشري إلي الحب الإلهي في القرون التالية.
كان كل العاشقين بالطبع شعراء لكن معظم المعشوقات لم يكن كذلك، وظللن »‬نساء في الظل» وملهمات علي البعد وفي كل الأحوال شغلن الجانب السلبي أو الراكد، فيما عدا ليلي الأخيلية التي خرجت من منطقة الظل، وظلت تمثل سلوكاً أو شعراً جزءاً إيجابياً من الدائرة المتحركة، فعلي مستوي السلوك والمشاركة، كانت هي التي نبهت حبيبها علانية إلي مخاطر كمين له. كان قد أعده فرسان قبيلتها، بعد أن استصدروا إذن من »‬السلطان» بإهدار دمه إن هو زارها في قبيلتها بعد زواجها كما كان يفعل، وعندما علمت بإعداد الكمين واقتراب موعد حضور توبة،قامت بحيلة ذكية، إذ تصدت له قبل مكان الكمين – سافرة الوجه – ولم تكلمه كلمة واحدة ففهم توبة الإشارة وقال عبارته المشهورة:
وكنت إذا ما جئت ليلي تبرقعت
وقد رابني منها الغداة سفورها
وأدرك أن في الامر خطراً فأطلق العنان لجواده مبتعداً عن القبيلة ونجا بفضل إشارتها الذكية.
كانت المحبة قد وحدت الروحين حضوراً أو احتجاباً وهو ما دعا توبة لأن يقول:
فإن تمنعوا ليلي وحسن حديثها
فلن تمنعوا عني البكا والقوافيا
فهلا منعتم – إذ منعتم كلامها -
خيالاً يوافيني علي البعد هاديا
ونجحت في أن تشكل »‬شريك الروح» دون أن تتوقف عند دور »‬الملهمة» السلبية وينعكس ذلك في مقطوعة توبة الرائعة:
وقال رجالٌ لا يَضيرك نأيها
بلي، كل ما شف النفوس يضيرها
أليس يضير العين أن تكثر البكا
ويمنٌع منها نومها وسرورها
أري اليوم يأتي دون ليلي كأنما
أتي دون ليلي حِجة وشهورها
لكل لقاء نلتقيه بشاشة
وإن كان حولاً كل يوم أزورها
يحدث هذا الشوق الدائم الذي لا ينطفئ مع أنهما يؤكدان عفة اللقاء والبعد عن الشهوة الحسية أو التفكير فيها، تقول ليلي رداً علي سؤال الحجاج عندما لقيته وقد ذهب شبابها بعد رحيل توبة : أصدقيني إن كان قد حدث بينكما ريبة؟فتجيبه بأنها وقد سمعت منه في خلوة كلمة تشير إلي أنه قد خضع فيها لبعض الأمر.
فقالت له:
وذي حاجة قلنا له: لا تبح بها
فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي ان نخونه
وأنت لاخري فارغ وخليل
فلم بعد إلي ذلك أبدا
وهو الذي يقول في شعره بأنه إذا زارها في بيت زوجها لا يعدو أن يقول لها: »‬اسلمي»، وهل في تحية السلام ما يعيب؟ وهو تبرير كاد يلحقه بأبطال روايات جان جاك روسو في القرن الثامن عشر التي يتسامح فيها بعد العشاق الذين يزورون محبوباتهم بعد الزواج كما حدث في رواية »‬هلويز الجديدة» التي تأثر بها الأدب العربي الحديث.
أليس توبة هو القائل:
ولو أن ليلي في السماء لأصعدت
بطرفي إلي ليلي العيون الكواشح
وأغبط من ليلي بما لا أناله
ألا كل ما قرت به العين صالح
وهو القائل:
عليّ دماء البٌدن إن كان زوجها
يري ليَ ذنباً غير أني أزورها
وأني إذا ما زرتها قلت: يا اسلمي
فهل كان في قولي اسلمي ما يضيرها
والبيت الأخير وحده يحمل دلالة شديدة الثراء والتنوع في تفرد قصتهما بين قصص الشعر العذري.
وخارج دائرة هذا التفاعل الايجابي الذي ينفي من خلاله كل من العاشق والمعشوق سلبية الخضوع المطلق أو الجنون أمام قسوة المجتمع تتبدي شجاعة المرأة ناثرة وشاعرة حين تٌسأل عن حبيبها في حياته أو بعد رحيله، فعندما تلتقي معاوية في الفترة التي كانت في عنفوان شبابها. ويسألها: ويحك يا ليلي أكما يقول الناس كان توبة؟ فقالت: يا أمير المؤمنين ليس كل ما يقول الناس حقاً والناس يحسدون أهل النعم حيث كانوا، ولقد كان يا أمير المؤمنين سبط البنان وحديد اللسان ،شجاً للأقران ،كريم المخبر عفيف المأذر، جميل المنظر وهو يا امير المؤمنين كما قلت له:
بعيد الثري لا يبلغ القوم قعره
ألدّ مٌلدّ يغلب الحَق باطله
اذا حل ركْبٌ في ذاره وظِله
ليمنعهم مما تٌخاف نوازله
حماهم بنصل السيف من كل فادح
يخافونه حتي تموت خصائله
وتلك شهادة تتكرر أمثالها في العلن، أمام الولاة والأمراء والخلفاء وأعيان القوم، وتكسر دائرة الصمت التي احكمت بالعاشقات العربيات من قبلها خوفاً من كسر حاجز التقاليد .
هكذا تبدو المخالفة في الدائرة الاولي بين ليلي الأخيلية وصويحباتها من معشوقات الشعراء العذريين أمثال عزة وبثينة وليلي العامرية في نمط الشخصية وطرائف التعبير، فهي من حيث المبدأ شاعرة وهنّ لسن كذلك.
ويقودنا ذلك إلي ما ذهب إليه القدماء من المقارنة بينها وبين الشاعرات الآخريات (حتي خارج دائرة الحب) وكان لابد أن يرد اسم الخنساء وشعرها المشهور في رثاء أخيها صخر وهي بالتأكيد أشهر شاعرة عربية قبل ليلي الاخيلية، وقد ذهب الأصمعي (ت 216ه) إلي تقديم ليلي الأخيلية علي الخنساء. وأشراف قريش في مجالسهم كانوا يرون أن الاخيلية أفصحهما. وذهب ابن قتيبة إلي تقديم الخنساء، أما المٌبرد (ت 285ه) فذهب إلي اعتبار كل منهما ذات مذهب شعري مختلف وأن المفاضلة بينهما أمر صعب وشهد بأنهما كانتا »‬متقدمتين علي أكثر الفحول» أما أبو زيد الأنصاري (ت 215ه) فقد قال: ليلي أغرز بحراً وأكثر تصرفاً وأقوي لفظاً والخنساء أذهب في عمود الرثاء». وكان الفرزدق (ت 114ه) يقدمها علي نفسه. وكان أبو نواس يعجب بشعرها ويحفظه (ت 198ه) كما ضرب أبو تمام برثائها المثل (ت 231ه) ووصف أبو العلاء المعري شعرها بالحسن حين قال في شرح »‬سقط الزند».
شجتك بظاهر كقريض ليلي
وباطنه عويص أبي حزام
وهذه الشهادات الهامة من كبار نقاد وشعراء القرون الأولي تدل علي عظم مكانتها واحتلالها مرتبة مميزة بين الفحول لم تتح لغيرها من الشاعرات في هذه المرحلة المؤسسة لمفهوم عمود الشعر ومقوماته الكبري، وحديث هؤلاء الاعلام عنها – علي اختلاف قرونهم. يدل علي شيوع شعرها في روايات علماء كأبي عبيدة (ت 209ه) والأصمعي (ت 216ه) ويأتي ذكر لديوانها عند أبي علي القالي تلميذ ابن دريد في القرن الرابع حمله معه من المشرق إلي الأندلس كما اهتم بأخبارها وشعرها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب »‬الأغاني» وهو من تلاميذ ابن دريد كذلك.
ويتجدد الاهتمام بها في العصر الحديث مع لويس شيخو (ت 1927م) الذي استند إلي ما كٌتب في الأغاني وحماسة أبي تمام وكذلك فعل المستشرق الفرنسي دي كوبييه الذي أصدر في بيروت سنة 1897 كتاباً عن ليلي وشاعرتين عربيتين آخريين.
ثم قدم خليل العطيةتحقيقاً جيداً للديوان جمع فيه نحو خمسين قصيدة ومقطوعة نسبت لليلي الأخيلية وهو ما أمكن بقاؤه من رصيد شعري يبدو أنه كان كبيراً لشخصية شعرية مميزة في القرن الأول الهجري.
في هذا الديوان الذي عني بجمعه وتحقيقه خليل إبراهيم العطيه وجليل العطيه، وصدر عن وزارة الثقافة والإرشاد العراقية في ستينات القرن الماضي تجمعت نحو خمسين قصيدة ومقطوعة تضم ثلاثمائة بيت يحتل الرثاء فيها المقام الأول في شكل ثماني عشرة قصيدة أو مقطوعة تمثل نحو 40% من حجم التراث الشعري لليلي الأخيلية. والرثاء هنا امتداد عميق لشعر الحب، فهو يدور حول الحبيب الراحل توبة بن الحُمير الذي قتل غالباً في خلافه معاوية عام 55ه علي حين أمتد الاجل بمحبوبته بعده نحو ثلاثين عاماً أخري حتي ماتت في عام 85ه وهي مسافرة تقصد قتيبة بن مسلم في خراسان. وينسج الرواة حول لحظة موتها وعلاقته بشعر حبيبها حكايا فنية لا نشك في اختلاقها، لكننا أيضاً لا نشك في تحقيقها للمتعة عند طلاب السمر الذين كانوا يتغذون علي حكايات الرواة وينتظرونها ويؤجرنهم عليها، كما ينتظر الجمهور المعاصر حكايات المسلسلات أو الأفلام دون أن يطرحوا الأسئلة حول مدي درجة الواقع أو الخيال في الحكاية.
تنطلق الرواية من بيتين جميلين قالهما توبة بن الحٌمير متصوراً ان ليلي لو مرت علي قبره بعد موته وألقت عليه السلام لرد عليها او طار نحوها رمز من قبره يحييها.
يقول:
فلو أن ليلي الأخيلية سلمت
علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا
إليها صدي من جانب القبر صائح
ويقول الرواة أنها في سفرتها الاخيرة مرت في الطريق وهي علي ناقتها لتلقي النظرة الأخيرة علي قبر توبة وبرفقتها زوجها علي جمله وهو حانق علي إصرارها فلما اقتربا من القبر قال لها: تسلمي علي الكذاب فترددت فهتف بها: سلمي علي الكذاب لنري إن كان سيرد عليك أو يرسل لك شيئاً من جانب قبره فوقفت ليلي بجانب القبر وصاحت السلام عليك يا توبة فلم يرد، فقال زوجها هو كاذب. كرريها فصاحت بصوتها واقتربت بالناقة من حافة القبر وكررت نداءها، وهنا استيقظت بومة كانت تنام بجانب القبر فزعة. وطارت في وجه الناقة التي أصابها الفزع فنفرت واضطربت واهتزت وجرت فوقعت ليلي من فوق ظهرها، فدق عنقها وماتت لساعتها بجوار قبر توبة وتحقق بينهما القرب في الممات الذي حرما منه في الحياة، والرواية في ذاتها ممتعة حتي مع كذبها لكنها تفسر غلبة شعر (الرثاء / الحب) علي ديوانها أو ما بقي منه.
لكن ليلي الأخيلية باعتبارها شاعرة كبيرة مارست جوانب الشعر الأخري التي يمارسها كبار الشعراء (ولم تقتصر علي ما يشيع عند الشاعرات) فقد دخلت في المنافرات الشعرية والتهاجي وردت علي النابغة الجعدي رداً عنيفاً حين هجا زوجها (ابن الحيا) وجعلت ابن دريد يعده بسبب عجزه عن مجاراتها من الشعراء المغَلّبين أي المفحمين.
ودخلت دوائر المديح فمدحت معاوية بن أبي سفيان وواليه علي المدينة وعبدالملك بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يعجب بالحوار معها نثراً وشعراً ويخشي أن تنقلب عليه فقال لحاجبه يوماً: اقطع عنا لسان هذه الشاعرة ففهم الحاجب الامر حرفياً علي ما يقول الرواة – واتي بسكين وجزار ليقطعه فهبت فيه ليلي صائحة وملأ صراخها القصر، فلما علم الحجاج كاد أن يقطع لسان الحاجب الغبي قائلاً: اقطعه عنا بالعطاء يا غبي.
وارتقت إلي مرتبة كبار النقاد في عصرها. يحتكم إليها الشعراء. لكي تفاضل بينهم فهم يجتمعون مرة ويتفقون علي التباري في وصف قطيع من القطا ثم يذهبون إلي ليلي لتفاضل بينهم وتحكم بأيهم أشعر فتفضل من بينهم »‬السلولي» قائله:
ألا كل ما قال الرواة وأنشدوا
بها غير ما قال السلولي – بهٌرج
لكنها في بعض المواقف تدخل دائرة (الشعر الرجالي) الخالص، حين ينسب إليه أبيات في المفاخرة مثل :
نحن الذين صبحوا الصباحا
يوم النخيل غارة ملحاحا
نحن قتلنا الملك الجحجاحا
ولم ندع لسارح مراحا
إن تراث ليلي الأخيلية أو ما وصلنا منه ينم عن فحولة في الملكة الشعرية في عصر صفاء اللغة الأول وهي فحولة تخرج عن دائرة الرجولة والأنوثة إلي دائرة الإنسان الشاعر كما يدل سلوكها علي صفاء وصدق ووضوح رؤية لا تخشي معها التقاليد الهشة وإن كانت تجل القيم الراسخة للبداوة التي ترسخ الجيد منها بنور الاسلام الذي شهد عصر ليلي خيوطه الاولي وهي تنير براءة البادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.