نالت من الشهرة حقها، لأنها كانت شاعرة مجيدة، ولأنها أحبت ابن عمها الشاعر والفارس توبة الحميرى، ولم يتزوجها وظلا متحابين حتى ماتا على حبهما، إنها ليلى بنت عبد الله الرحال المشهورة بليلى الأخيلية وهو لقب لجدها من قبيلة بنى عامر التى اشتهرت بالحب العذُرى بين أبنائها! لقد رفض أبوها أن يزوجها من توبة بعد أن ذكرها فى شعره، وهى عادة قديمة لدى العرب تسمى «التشبيب»، وزوّجها لرجل من بنى الأذلع وكان غيورا، فى الوقت الذى لم يمتنع توبة عن زيارتها، فأخذ بنو الأذلع يترصدون له وعلمت ليلى بذلك فخرجت للقائه سافرة وعندما رآها على حالها علم أن القوم يريدونه فأسرع بالهرب.. ومما قاله فى ذلك: نأتك بليلى دارها لا تزورها وشطت نواها واستمر مريرها وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابنى منها الغداة سفورها ولم يجد زوجها حيلة معها غير طلاقها، فزوجها أبوها من آخر هو سواز القشيرى الملقب بابن الحبا، وكان شاعرا مخضرما من الصحابة وقد أنجبت منه العديد من الأولاد. وقد اشتهرت ليلى فى عصرها (الأموى) وعرفت الخلفاء والأمراء وكانت جميلة وشجاعة.. فخورة بنفسها وقومها: نحن الأخيلية لا يزال غلامنا حتى يدب على العصا مشهورا تبكى الرماح إذا فقدت أكفنا جزعا وتعرفنا الرفاق بحورا وتحكى كتب السيرة أنها دخلت على معاوية ابن أبى سفيان، فسألها عن توبة الحميرى، فقالت: كان يا أمير المؤمنين سبط البنان، حديد اللسان، نسجا للأقران، كريم المخبر، جميل المنظر، ثم أنشدت: بعيد الثرى لا يبلغ القوم قعره ألد ما لد يغلب الحق باطله إذا حل ركب فى ذراه وظله ليمنعهم مما تخاف نوازله حماهم بنصل السيف من كل فادح يخافونه حتى تموت خصائله وكان توبة قد قُتل فى غزوة له على بنى عوف، حيث استولى على إبل لهم من راعيها، فلحقوا به وقتلوه وقطعوا رجل شقيقه ولهذا عندما استمع معاوية لشعر ليلى فى توبة قال لها: ويحك! لقد كان عاهرا خاربًا، فردت عليه: معاذ إلهى كان والله سيدا جوادا على العلات جما نوافله عفيفا بعيد الهم صلب قناته جميلا محياه قليلا غوائله يبيت قرير العين من بات جاره ويضحى بخير ضيفه ومنازله فعقب معاوية: ويحك يا ليلى، لقد جزت بتوبة قدره، فقالت: والله يا أمير المؤمنين لو رأيته وخبرته لعرفت أنى مقصرة فى نعته وأنى لا أبلغ منه ما هو أهله، فسألها: من أى الرجال كان؟ فقالت: أتته المنايا حين تم تمامه وأقصر عنه كل قرن يطاوله وكان كليث الغاب يحمى عرينه وترضى به أشباله وحلائله غضوب حليم حين يطلب حلمه وسم زعاف لا تصاب مقاتله فأمر الخليفة لها بجائزة عظيمة، وقال لها: خبرينى بأجود ما قلت فيه من الشعر، فقالت: ما قلت إلا ما فيه من خصال: جزى الله خيرا والجزاء بكفه فتى من عقيل ساد غير مكلف فتى كانت الدنيا تهون بأسرها عليه ولا ينفك جم التصرف وقد دخلت ليلى ذات مرة على الحجاج بن يوسف أمير العراق فى عهد الوليد بن عبد الملك، فمدحته طمعا فى عطائه، وقالت: إذا هبط الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذى بها غلام إذ هز القنا سقاها سقاها دماء المارقين وعلَّها إذا جمحمت يوما وخيف أذاها إذا سمع الحجاج صوت كتيبة أعد لها قبل النزول قراها فقال لها الحجاج ألا تقولين: همام بدلا من غلام! وأمر لها بخمسمائة درهم وخمسة أثواب وخمسة جمال، فأنشدت مرة أخرى: حجاج أنت الذى لا فوقه أحد إلا الخليفة والمستغفر الصمد حجاج أنت سنان الحرب إن نهجت وأنت للناس فى الداجى لنا تقد فزادها الحجاج من عطاياه وقال لها أنشدينا ما قلت فى توبة: فأنشدته قولها: فتى كان أحيا من فتاة حيية وأشجع من ليث بخفان خادر أتته المنية دون درع حصينة وأسمر خطى وجرداء ضامر فنعم الفتى إن كان توبة فاجرًا وفوق الفتى إن كان ليس الفاجر فقال لها الحجاج مداعبا: ألم يكن بينك وبينه ربيبة قط أو خاطبك فى ذلك؟ فقالت: لا والله يا أمير إلا أنه قال لى ليلة وقد خلونا كلمة ظننت منها شيئا فقلت له: وذى حاجة قلنا له لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه وأنت لأخرى فارغ وحليل ثم أكملت: والله ما سمعت بعدها منه ريبه حتى فرقنا الموت، فقال لها الحجاج: فما كان منه بعد ذلك، قالت: وجه صاحبا له إلى خيامنا فقال: إذا أتيت خيام ليلى فاهتف بهذا البيت: عفا الله عنها هل أبيتن ليلة من الدهر لا يسرى إلى خيالها فلما فعل الرجل ذلك عرفت المعنى وأجابت عليه: وعنه عفا ربى وأحسن حفظه عزيز علينا حاجة لا ينالها ومرت الأيام والشهور وتصادف أن مرت ليلى مع زوجها على قبر توبة وهى فى هودج لها، فقالت والله لا أبرح حتى أسلم على توبة، فحاول زوجها منعها من ذلك، ولكنها أصرت وصعدت على تبة مرتفعة عليها القبر وقالت: السلام عليكم يا توبة ثم حولت وجهها إلى من معها وقالت: ما عرفت له كذبة قط قبل هذا، قالوا: وكيف؟ قالت: أليس هو القائل: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت على ودونى تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أوزقا إليها صدى من جانب القبر صائح وأكملت: فما باله لم يسلم على كما قال! وكانت بجانب القبر بومة فلما رأت الهودج فزعت وطارت فى وجه الجمل، فنفر فرمى بليلى على رأسها، فماتت ودفنت إلى جانب حبيبها!