عشقت المرأة أما وشقيقة وصديقة وزميلة وحبيبة وزوجة وابنة وعشرة عمر.. اقتربت فاحترقت.. عرفت الكثير عنها ومع ذلك زاد جهلي بها.. بكل اهتمام راقبتها واستمعت لها وانشغلت بها.. ولم أفهم.. فأقنعت بعض النساء بكشف أسرار الرجال مقابل كشف بعض أسرار المرأة وفعلت.. فألقوا في كفي ببعض الألغاز مازلت أحاول فك طلاسمها.. ومع ذلك كنت دائما مدافعا عنها عندما يهاجمها الرجال.. قالوا فتش عن المرأة فهي سبب كل المصائب.. قلت إنكم تضطهدون المرأة لجهلكم بعالمها.. وتدفعون الثمن تعاسة وشقاء.. فعندما تمنح المرأة السعادة لرجلها كومضة برق.. لا يشعل نار أنوثتها ليملأ الدنيا نوراً ودفئا.. بل يسارع بجهله إلي اضطهادها.. فتغرقه في حزن دفين. لا تتشابه النساء في نغمة الصوت أو طبيعة شخصيتها.. أو حتي في درجة انحناء خطوط صدرها.. فلكل امرأة مفرداتها.. رائحتها.. مناطق التأثير فيها.. مستوي ذكائها أو حتي ميولها.. والمرأة في الصعيد غيرها في السواحل.. والبدوية غير الريفية.. والمرأة الهادرة القوية غير الهادئة الملائكية.. وحتي لو كانت بعض مفردات فك شفرة النساء واحدة.. فإنه من المستحيل أن تتكرر تفاصيل أسرار امرأة مرة أخري أو حتي تتشابه.. والرجال عندنا تربوا في عالم الذكور لايعرفون إلا أقل القليل عن عالم الأنوثة بصفة عامة.. ويجهلون تماما التفاصيل الصغيرة الكثيرة التي تميز امرأة عن أخري.. والأخطر أن المرأة أيضا لا تعرف الكثير عن عالم الرجال.. وعندما يلتقيان تمر لحظات السعادة سريعا ثم تتوالي مراحل فشل العلاقة بينهما حتي تنهار.. سواء كانت علاقة عمل أو زواج أو حتي صداقة عابرة.. وغالبا ما تدفع المرأة ثمن فشل العلاقة من سمعتها وأعصابها لأن الرجل لا يعيبه شيء أو لأن «الراجل يعمل عملته ويمشي عاوج عمته» كما يقول المثل الشعبي.. وفي ذلك أبسط أنواع الاضطهاد. الأنوثة عندما تتابع ابتسامة امرأة في لحظة خجل.. أو وهي تمشي باسترخاء علي شاطئ بحر.. أو وهي تضحك من موقف طريف فاجأها وهي تلقي محاضرة في الاقتصاد مثلا.. أو عندما تتابع حرص المرأة - أي امرأة - علي طريقة وضع مكياجها أو اختيار ألوان ملابسها أو نوع عطرها.. ولو تابعت امرأة عندما تتحدث بلغة الجسد سواء كانت جالسة أو واقفة مبتسمة أو ضاحكة.. إذا فعلت ذلك فأنت أمام عالم من السحر اسمه الأنوثة.. إنها نعمة الله التي اختص بها المرأة لتجذب إليها الرجل لتعمر الأرض وتدور دورة الحياة وبدلا من أن نتعامل مع هذه النغمة بأكبر قدر من الاحترام نجد مجتمعنا يضطهد المرأة لأنها أنثي.. فمنذ السنوات الأولي لطفولة البنت تسارع إلي مكياج أمها لتلطخ بها وجهها تعبيرا عن أنوثتها فتواجه الطفلة بالردع الخشن أو العقاب الناعم.. وعندما تكبر قليلا وتعبر عن فطرتها بقليل من المياعة والدلع الطفولي تتهم بالانحراف أو السير في اتجاهه.. وإذا أخفت المرأة أنوثتها ينزعون عنها نعمة الله ويقولون عنها «دي بميت راجل».. وإذا عبرت المرأة عن أنوثتها بوضوح اعتبروها ساقطة.. وإذا نجحت في عملها اتهموها باستثمار أنوثتها في تسلق السلم الوظيفي بسرعة.. وإذا فشلت قالوا أصلها ناقصة عقل ودين.. وإذا تولت القيادة في عملها ولجأت إلي الصرامة أو حتي اللين تواجه بانتقادات من مرءوسيها النساء قبل الرجال.. أما إذا كانت امرأة عادية فعليها أن تحمي أنوثتها من هجوم المتطفلين في المواصلات العامة أو المكاتب أو الأسواق شعبية كانت أم راقية.. ومع توالي الخبرات تتعلم المرأة كيف تعبر عن أنوثتها في أمان في قاعدة النسوان مثلا، وقديما كانت تسمي يوم المقابلة.. كما تتعلم المرأة كيف تستثمر أنوثتها في تحقيق بعض المكاسب الصغيرة وعندما سألت بعض النساء عن ذلك قالت إحداهن: الاجتهاد في العمل لا يكفي.. الأمر أحيانا يحتاج كلمة حلوة وضحكة مقابل تقرير سنوي ممتاز بعدها العلاوة كاملة ماجراش حاجة.. وأخري قالت: البياع عجوز والسواريه عجبني شوية كلام لطيف ومجاملة مع فصال أخذته بنصف الثمن.. ويصل الأمر إلي ما هو أخطر.. قالت إحداهن «العريس لقطة لازم أعمل الشويتين بتوعي علشان الجوازة تتم».. ولا يهم بعد ذلك ما يترتب علي هذا التحايل من مشاكل. أما المرأة التي لا تجيد استثمار أنوثتها فتستثمر عقلها ومهارتها في العمل في تحقيق أهدافها. التعاسة لا أعرف علي وجه التحديد لماذا تعاطفت علي مدي سنوات عمري مع المرأة المصرية؟ ربما لأنني كنت أشعر بأنها مقهورة في أغلب أحوالها.. تحرم من ميراث أبيها أحيانا بدعوي الحفاظ علي مال العائلة وعدم ذهابه إلي الغريب - زوج الابنة - ..وقد يضربها زوجها أحيانا وتستمر معه حتي تربي الأولاد.. وقد يتزوج عليها وتقبل وهي كارهة لنفس السبب. وقد تقتل في حادث شرف بسبب قصص قد تكون كاذبة.. وفي النجوع الصغيرة تتحول زوجة الابن إلي خادمة للجميع في البيت الكبير - بيت حماها - ليس لها أي حقوق سوي الطعام والنوم في حجرتها مع زوجها لساعات قليلة.. أخواتي البنات حرمن من صديقاتهن ومن الخروج من البيت إلا للدراسة فقط.. بينما كنت أستمتع بحرية مطلقة لا تعرف القيود. .. وتعاطفت مع ابنة الجيران التي احترفت التمثيل وصارت بالفعل فنانة مشهورة جدا وبدلا من أن يفخروا بها اعتبروها ساقطة.. ولن أنسي كم أحب ابن الجيران شابة رائعة الجمال وعندما تزوجا وذهبنا لنبارك لهما كان وجه زوجته مغطي بالكدمات. .. ربما لذلك سألت وقرأت واحترت.. واقتنعت أن مشكلة المرأة المصرية تبدأ منذ الطفولة، فأغلب البنات تربين علي أن الأنوثة عيب وحرام وقلة أدب.. وغالبا ما تجد البنت ما يردعها عندما تعلو ضحكتها الطفولية الصافية.. أو إذا تراقص جسدها علي صوت الموسيقي.. ويصبح الأمر فضيحة ضاحكة إذا قبلت طفل الجيران.. وتضيق حلقات الردع غالبا كلما كبرت البنت وتتزايد قائمة الممنوعات.. وقليل من الأسر هي التي تلجأ إلي اللين في توجيه البنات.. وأغلبها يلجأ إلي درجات متزايدة من الخشونة والقسوة ينتج عنها غالبا ما يسميه العلماء بالخصاء النفسي.. أو عجز المرأة عن الاستمتاع بأنوثتها بشكل طبيعي.. ويصل الأمر إلي درجة الجريمة عند إجراء عملية الختان، حيث تغتال الأنوثة جسديا، وجمعت مئات الاعترافات عن فشل العلاقة الحميمية.. وقليل من السيدات اعترفن بلذة الحياة في ظل رجل في الأسابيع الأولي بعدها تتحول العلاقة الحميمية إلي روتين أو واجب منزلي.. أو حاجة والسلام.. قالت إحداهن «لما يجوع ياكل وينام ويتركني أموت جوعا».. طبعا تقصد بالأكل الإشباع الجنسي.. وقالت أخري إنه يهتم بسيارته أكثر مني.. وعندما اعترضت يوما قال «السيارة لا تناقشني في تغيير السرعات ولا تغضب عندما أتركها في الجراچ عدة أيام».. هكذا تهدر أنوثة المرأة في أهم تفاصيلها.. وفي هذا أبشع أنواع الاضطهاد.. وفي مواجهة هذا القهر الذي تشعر به المرأة تنقل تعاستها إلي زوجها.. وقد يتحول الأمر إلي شجار وصراخ.. وقد يزداد الغضب فتتحول أقدس علاقة إلي خرس زوجي.. أو كلام في أضيق الحدود.. والسبب في ذلك جهل الرجل غالبا بالأنوثة وروعة سحرها وتعبيرا عن كل هذا قالت أستاذة بالجامعة لها شهرتها يوما - رغم نجاحي في حياتي العملية أشعر بالتعاسة لفشلي علي المستوي الإنساني الذي دفعني للنجاح في عملي.. وحتي تكتمل الصورة الجميلة أتظاهر بالسعادة الزوجية.. وقالت أخري: وضعت كل همي في أولادي ونجحت في تربيتهم.. وهذا يسعدني ويعوضني عن التعاسة التي أعيشها مع زوج لا يهتم.. تعلمنا في الجامعة منذ ثلاثين عاما علي يد د.عبدالسلام عبدالغفار وزير التعليم الأسبق أن 90% من مشاكل الأسرة المصرية ترجع لأسباب تتعلق بعدم الإشباع الجنسي، وهذا ما أكدته أيضا دراسة علمية نشرت مؤخراً تؤكد أن 80% من الأسر في العالم العربي عبروا عن عدم رضاهم عن حياتهم الجنسية. تغير شهد المجتمع المصري تغيرات جذرية أحدثت انقلابا اجتماعيا أصاب الكثير من القيم السائدة، كما شهدت مكانة المرأة فيه تغيرات كثيرة لم تلق حظا وافرا من الدراسة.. فانتشر النقاب والإسدال كما انتشرت أحدث الموضات.. وتزاحمت النساء في النوادي والكافيهات، كما تزاحمن في المنتديات الدينية والمساجد.. وعبرت فتيات اليوم عن أنفسهن بجرأة غير معهودة خاصة علي شبكة الإنترنت، حيث ظهرت مواقع مثل عايزة أتجوز.. وأنا موش موزّة.. واعتبرها أختك لمناهضة التحرش وغيرها.. وعندما تتصفح هذه المواقع أو تتحدث مع بنات اليوم تدهشك هذه الجرأة في التعامل مع قضايا اضطهاد المرأة.. كما تجد سرعة البديهة والردود الجاهزة والحرية المسئولة.. إنه باختصار نمط جديد من المرأة المصرية التي لا تقبل الاضطهاد وتعتبره شيئا ينتمي إلي الماضي.. أو نوعا من التخلف وأن المرأة التي تقبل بالاضطهاد تستحق هذه المعاملة الرديئة، كما ظهرت منظمات المجتمع المدني النشطة في مجال حقوق المرأة.. وإذا تقدمت امرأة بطلب مساعدة لهذه المنظمات فالويل لمن أساء إليها.. الغريب هنا جيل الشباب الآن يحترم علاقة الصداقة بين الولد والبنت لأنهم تربوا علي ذلك في المدرسة والنادي وأصبحت الأسر المصرية تسمح بذلك، ولكن الشباب لا يسمح بسهولة لأحد والديهم بالصداقة مع الغرباء.. اتصلت بي ابنة أحد الأصدقاء وعبرت عن انزعاجها من أن لوالدها صديقة وأن أمها مكبرة - يعني تجاهلت الأمر - وقالت: أرجوك يا عمو تنقذ بابا من المصيبة دي.. واتصلت بصديقتي وتبادلنا الحديث عن مجتمعنا الذي يتغير بسرعة بلا دراسة كافية ولا تخطيط لازم في ظل عشوائية غير عادية لا يستطيع معها أحد أن يجيب عن السؤال: ما هي طبيعة المرأة المصرية في المستقبل؟!