لا أحد يريد الحرب، لا إيران ولا الولاياتالمتحدة ، إسرائيل فقط فى منطقة الشرق الأوسط تريد أن تظل فى حالة البقاء على حافة الخطر، تبعد عن نفسها شبهة التورط فى تشجيع عملية السلام مع الفلسطينيين، وتجهض المحاولة تلو الأخرى، تهدد سوريا ولبنان وإيران بصفة دورية. الثقافة السائدة فى إسرائيل تشجع على التمسك بفكرة القدرة على شن الحرب كعنوان على البقاء عالقة على الجدار الخارجى للمنطقة كالطفيل الذى لا يمكن أن يكون جزءا من جسد الضحية، ولا يمكنه العيش إذا سقط عنه. الصراع الدائر الآن بين إيران والغرب حول البرنامج النووى الإيرانى تنفخ فيه إسرائيل وتضخم المخاطر التى تحرص طهران نفسها على إبرازها خلافا لحقيقة الأمر، كما يقول بذلك محللون غربيون متخصصون فى الشئون النووية، يبدو أن رغبة كل من إسرائيل وإيران تتلاقى عند صناعة الخطر وتضخيمه، ربما تريد كل منهما أن تهيمن على مقدرات المنطقة وتكون لها الكلمة الأخيرة فى مستقبلها، وربما يريدان اقتسام تلك الهيمنة وإخراج العرب من المعادلة، الخليج لإيران والباقى لإسرائيل. فى كل الأحوال يود كلا الطرفين أن يفوز فى الصراع دون الاضطرار إلى خوض حرب غير مضمونة النتائج، وربما تبلغ تكلفتها المادية والسياسية ما يفوق قدرة الساسة على الاحتمال.تحرص إيران على التذكير فى كل مناسبة أن دول الخليج العربية وثرواتها النفطية ونهضتها التنموية الكبيرة هى فى الواقع رهينة القوة العسكرية الإيرانية، أى أن دول الخليج تمثل البطن الرخوة فى أى صراع محتمل، كما تحرص إسرائيل على وضع البنية التحتية فى المحيط المجاور لها تحت رحمة قوة نيران كثيفة بصرف النظر عن أى نتيجة للعمليات العسكرية مثلما حدث فى لبنان وفى قطاع غزة حيث فشلت إسرائيل فى تحقيق أهداف عسكرية لكنها نجحت تماما فى إحداث قدر هائل من التدمير فى الحالتين. إيران تريد نفوذا وقدرا من الهيمنة على مقدرات المنطقة اعتمادا على قوتها الذاتية المدعومة بالإيحاء بالاقتراب من الحصول على سلاح نووى، القادة الإيرانيون يتصورون أن انضمامهم إلى النادى النووى يعطيهم الحق فى اقتسام النفوذ والهيمنة مع القوى النووية الأخرى ولا ينظرون إلى الدول النووية التى لم تستطع حل مشكلاتها إلى الآن، الاتحاد السوفيتى تفكك وهو قوة نووية.. باكستان تعانى من مشكلة مع قوة محلية هى طالبان ولم تستطع قوتها النووية أن تقدم لها أى دعم فى هذا السياق، مع ذلك تصر إيران على ممارسة اللعبة حتى النهاية. إسرائيل لا يروقها انحسار دورها الاستراتيجى فى المنطقة منذ تلقت الضربة العسكرية المصرية فى حرب أكتوبر 1973 ولم ينقذها من هزيمة منكرة ونهائية سوى التدخل العسكرى الأمريكى المباشر فى سير العمليات سواء بالمعلومات أو بالمعدات التى نقلتها الطائرات الضخمة مباشرة من الولاياتالمتحدة إلى مطار العريش المحتل فى ذلك الوقت، من هنا تأتى المخاوف لدى مراقبين كثيرين من أن تلجأ إسرائيل الى شن عملية مفاجئة ضد المواقع النووية الإيرانية نيابة عن الدول الغربية بغرض استعادة المكانة الاستراتيجية وإثبات احتياج الدول الغربية لها بعد انحسار دورها الإقليمى. فى هذا السياق أصدر مركز الإجراءات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية فى الولاياتالمتحدة دراسة بعنوان «ضربة إسرائيلية محتملة لإيران» للباحث ستيفن سيمون، نشرته دورية تقرير واشنطن منذ أيام. فى تقييمه لاحتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، يرى ستيفن سيمون أن احتمال توجيه هذه الضربة يزداد طبقًا لعدة عناصر منها التصريحات شديدة اللهجة للرئيس «أحمدى نجاد» حول إنكاره للمحرقة اليهودية، وضرورة محو إسرائيل من الخارطة، وضرب العمق الإسرائيلى فى حال أى هجوم أمريكى على مواقع إيران النووية. الاتجاه الإسرائيلى المناصر للحرب بحجة الخوف من نوايا إيران يعتمد على قدرة إسرائيل على توجيه الضربات الجوية محدودة الخسائر، وعلى المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن الأهداف المراد تدميرها، لكن الخوف هنا هو أن تكون مسألة توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران أشبه بعملية «جز العشب»، بحيث تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، ثم تقوم إيران بعد ذلك بإعادة البرنامج مرة أخرى، ولكن مع أخذ كل الاحتياطات لحمايته من أى ضربة أخرى محتملة، وهنا يصبح الأمر أشبه بجز العشب ثم نموه مرة أخرى. فى إطار رصده للمؤشرات التى تنذر باحتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، يرى سيمون أن عنصر المفاجأة هو عنصر حيوى إذا ما قررت إسرائيل توجيه ضربة عسكرية لإيران، ولاشك أنها ستكون ضربة قوية من قبل إسرائيل لإيران. ويرى كذلك أن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة هى دليل قوى ومؤشر خطير على تطور موقف الإدارة السياسية فى إسرائيل نحو اتخاذ قرار الهجوم. ففى يوليو 2008 قامت إسرائيل بتدريبات جوية عسكرية طويلة المدى تضم سربًا مكونًا من 100 طائرة، وكذلك تدريبات على عمليات الإنقاذ باستخدام طائرات الهليوكوبتر، وأيضًا تدريبات على عمليات إعادة التزود بالوقود نظرًا لطول المسافة بين إيران وإسرائيل ولضمان سرعة تنفيذ العملية. والاستعدادات الجوية ليست هى وحدها المؤشر، بل المؤشر المفاجئ هنا هو ما أرادت إسرائيل إبرازه للعالم وهو أن لديها خيار الهجوم البحرى، وذلك من خلال غواصات بحرية متطورة شوهدت فى البحر الأحمر فى يوليو .2009 هناك أيضًا مؤشرات أخرى على صعيد الداخل الإسرائيلى وهى عبارة عن احتياطات تتخذها إسرائيل بصورة لا سابق لها مثل: توزيع أقنعة واقية من الغازات الجرثومية، وتوفير الملاجئ وتجهيزها، وإجراءات أخرى شبيهة ضد أى هجمة انتقامية، وخاصة تعزيز الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان تحسبا لدخول لبنان عبر حزب الله فى حرب ضد إسرائيل، ولاشك أن استلام إيران لصواريخ أرض جو الروسية المتقدمة S-300 والمتعددة المخاطر، ربما شجع إسرائيل على اتخاذ قرار الاستباق بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، قبل اكتمال قدراتها الدفاعية، لكن السؤال الذى يفرض نفسه هو عن نقطة اللاعودة التى يتعين معها الدخول فى حرب لا يمكن التكهن بنتائجها مادمنا لا نستطيع القضاء على النظام الإيرانى