لم يشهد الميزان العسكرى التقليدى تغيرات كبرى. فالقدرات العسكرية التقليدية لسوريا تتراجع باطراد بسبب الافتقار إلى واردات السلاح، وعدم تحديث بنية القوة العسكرية السورية ومناهج التدريب، والتسييس المتواصل للقوة العسكرية السورية. وعلى العكس، استفادت إسرائيل من التزام مصر والأردن باتفاقيتى السلام، واختفاء العراق كمصدر محتمل للمساعدة العسكرية الخارجية للقوات العربية، واستمرار ضعف القوات العسكرية النظامية اللبنانية. ولا تمثل قوات الأمن شبه العسكرية التابعة للسلطة الفلسطينية تهديدا لأمن إسرائيل، بل إنها فى الواقع تحسنت على نحو مطرد فى تقليل خطر الإرهاب فى الضفة الغربية. وكما يوضح التقرير، استفادت إسرائيل أيضا من استمرار المساعدات الأمريكية ونقل السلاح من الولاياتالمتحدة وهى فوائد أكبر كثيرا مما تظهره الأرقام بالدولار؛ لأن إسرائيل تستطيع الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية للولايات المتحدة الأكثر تقدما، وبشروط تفضيلية غالبا، والاندماج فى قاعدة الصناعة العسكرية الأمريكية. ولم تنعكس الادعاءات السياسية الإسرائيلية بأن إدارة أوباما نأت بنفسها قليلا عن الاهتمام بأمن إسرائيل، على إرسال السلاح إلى إسرائيل والتعاون الأمنى بين البلدين. غير أن هناك سلسلة أخرى من التقارير غير المؤكدة عن مشتريات سلاح هائلة لسوريا من روسيا، وهذه الأنباء تتردد على أى حال بشكل منتظم الآن منذ نحو 20 عاما. ولم يكن لها أى تأثير يذكر فى تحويل الميزان الإسرائيلى السورى لصالح سوريا منذ منتصف الثمانينيات. وحتى لو تأكدت هذه التقارير، فسوف تستغرق مبيعات السلاح نحو خمس سنوات حتى تنقل فعليا إلى سوريا، وتستوعبها القوات السورية. كما سيتعين إجراء تغيرات كبرى فى التدريب العسكرى السورى والقيادة العسكرية السورية من أجل استخدام مثل هذه الأنظمة بفاعلية. ولا تواجه إسرائيل حتى الآن أى تهديد حقيقى لهامش تفوقها التقليدى مع تمسك كل من مصر والأردن باتفاقية السلام التى أبرمتها مع إسرائيل. الموازين غير المتماثلة أو غير النظامية للحروب وفى نفس الوقت يتغير التوازن بطرق أخرى. وتواصل الأطراف التى تنكر حق إسرائيل فى الوجود مثل إيران وسوريا والأطراف الفاعلة من غير الدول، فرض تهديد متزايد. فلم يعد حزب الله تسليحه فحسب وإنما حصل على صواريخ ذات مدى أطول وأكثر فاعلية، كما تحسنت على نحو كبير قدراته فى القيادة والضبط، كما زاد من قدرة بقاء هيكل نفوذه فى لبنان. وليست هناك بيانات موثوقة ومعلنة لتوثيق هذه التوجهات، ولكن من الواضح أنها قائمة. والسؤال المهم هو ما حجم تأثير إيران أو سوريا على حزب الله؟ وإلى أى مدى سيكون وكيلا أو شريكا فى تهديد أو مهاجمة إسرائيل عند أى مستوى خطير فى الحرب غير النظامية. فربما يكون اهتمام حزب الله بالسلطة السياسية ومواصلة تمتعه بالحكم الذاتى فى إيران أكبر من اهتمامه بفرض تهديد على إسرائيل. وتمثل حماس مشكلات مماثلة، فقد أعادت تسليح نفسها بالصواريخ وغيرها من نظم التسليح الخفيفة، ولكن لا توجد بيانات مضمونة معلنة لقياس درجة التهديد الذى تمثله الحركة. وتواصل حماس تورطها بشكل مستمر فى صراع على السلطة فى غزة تركز فيه على تقويض بقايا قاعدة نفوذ السلطة الفلسطينية مع الحيلولة دون صعود منافسين أكثر تشددا. وليس من الواضح إلى أى حد سوف تواصل حماس التركيز على تعزيز قاعدة نفوذها، أو العودة إلى فرض تهديد نشط على إسرائيل. ومن الواضح أن إيران وسوريا تستطيعان استغلال عمليات نقل الأسلحة والدعم إلى حماس من أجل تحقيق أهداف سياسية، وتواصلان القيام بذلك. ويعتمد توازن القدرات المتباينة إلى حد بعيد على كيفية تعامل كل دولة مع المفاهيم المحلية والإقليمية والعالمية. وبوجه عام، استغل حزب الله وحماس استمرار افتقار إسرائيل للمهارة السياسية والإعلام الاستراتيجى القدير، من أجل تحقيق مكاسب بمفاهيم التوازن. وأظهرت إيران وسوريا أيضا قدرتهما على الحصول على مكاسب عبر استخدام دعمهما لفاعلين من غير الدول مناهضين لإسرائيل، بتكلفة أو مخاطرة قليلة. فضلا عن أن سوريا تعيد باطراد تأكيد نفوذها فى لبنان عبر علاقاتها بحزب الله وغيره من الحلفاء اللبنانيين. ومع ذلك، ليس من الواضح أن هذا الأمر منح إيران أو سوريا أى ميزة متساوية مع إسرائيل فى تشكيل ميزان الأمن الإقليمى أو فرض تهديد نشط على إسرائيل. وفى الواقع، ربما تجد إيران بوجه خاص فى فرض هذا النوع من الضغط على إسرائيل وسيلة للفوز بتأييد العرب، وتقويض الأنظمة العربية المعتدلة، فى حين توسع نفوذها فى الخليج. التوازن فى الصواريخ وأنظمة القصف بعيد المدى، وأنظمة الدفاع الصاروخى، وأسلحة الدمار الشامل. تحتفظ إسرائيل بميزة مهمة فى الصواريخ بعيدة المدى، وقدرات القصف الجوى بعيد المدى، والأسلحة النووية، والدفاعات الجوية الصاروخية، من قواعد أرضية. ومع ذلك، تقوم سوريا وإيران بتحسين قدراتهما فى القصف الصاروخى وإن كان ذلك يتعلق إلى حد كبير بنشر الأنظمة التى قد تكون أفضل قليلا من أسلحة الإرهاب غير الدقيقة، ما لم تكن مجهزة برءوس كيميائية أو بيولوجية عالية الفاعلية، أو بأسلحة نووية. وإيران قوة تمتلك أسلحة كيميائية معلنة، كما أنه من المؤكد تقريبا أن سوريا تقوم منذ عدة عقود بتطوير وإنتاج بعض الأسلحة الكيميائية. ولدى إيران وسوريا على الأقل رءوس حربية ذات قذائف يمكن تسليحها بغاز الأعصاب، وربما لديهما رءوس وقنابل ذات ذخيرة عنقودية. وإذا كان ذلك صحيحا، فإن فاعلية هذه الأسلحة وقدرتها التدميرية غير معروفة. وربما يكون لدى إسرائيل على الأقل بعض الذخائر المحملة بغاز الأعصاب، كما أن هناك احتمالا لوجود مخزونات مصرية من هذه الأسلحة. وليس من المعروف حالة قدرات الأسلحة البيولوجية فى إسرائيل وسوريا ومصر وإيران. وربما تكون هذه البلدان الأربع أجرت على الأقل بحوثا وقامت بتطوير أولى لهذه الأسلحة، حتى وإن كان ذلك مجرد جزء من جهد دفاعى ضرورى. ويبدو أن إيران ما زال أمامها عدة سنوات قبل أن تمتلك جهاز الإنشطار النووى، أو قنابل أقل فاعلية منه بكثير، أو رءوس نووية. كما دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية محاولة سوريا لخلق مفاعل يمكنه إنتاج مواد انشطارية. ومع ذلك، فكما يوضح مصدر مفتوح ومتاح على نطاق واسع مثل موقع ويكيبيديا، ربما تكون إسرائيل قد امتلكت قنابل ورءوسا نووية منذ الستينيات، وراكمت مخزونا من الأسلحة الحرارية المطورة والانشطارية. وقد حسنت على نحو مطرد قدراتها على إطلاق الصواريخ، ونشرت صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب أى هدف فى الشرق الأوسط وإيران فى شكل الصاروخ «أريحا 3». وربما كان هذا الصاروخ موجها إلى العراق بصورة أكبر من إيران، لكنه منح إسرائيل القدرات التى تحتاجها لاستهداف العمق الإيرانى. وفى حين قد تمثل إيران فى نهاية الأمر «تهديدا وجوديا لإسرائيل»، فإن إسرائيل تمثل بالفعل تهديدا وجوديا لإيران وكل قوة عربية، وهذا التهديد يتنامى باطراد بسبب التوسع النشط فى إنشاء المدن. والنتيجة هى سباق نووى هادئ، تصبح فيه إيران مشاركا، لكن إسرائيل لديها سبق حاسم، ربما تتوسع فيه عبر نصب صواريخ كروز المحملة برءوس نووية فى قواعد بحرية على غواصاتها وسفنها. كما تتمتع إسرائيل أيضا بسبق حاسم فى الدفاعات المضادة للصواريخ والقواعد الأرضية للدفاع الجوى، وسوف يستمر هذا السبق إلى أن تنشر إيران أو سوريا دفاعات وطنية متطورة وذات فاعلية قتالية مجهزة بأنظمة متقدمة مثل إس300 إس400. وحتى الآن، لم تنجح مساعى شراء مثل هذه الأنظمة. وتعتبر الورقة الرابحة فى هذا السباق الهادئ على التسلح هى الحرب البيولوجية. وجميع الدول الرئيسية فى الشرق الأوسط التى تؤثر على التوازن العربى الإسرائيلى، تمتلك التكنولوجيا والقاعدة الصناعية لإنتاج أسلحة بيولوجية متقدمة قائمة على الهندسة الوراثية. وربما تكون مثل هذه القدرات فى متناول الفاعلين من غير الدول فى المدى المتوسط. ولا توجد خيارات مجدية للضبط أو التفتيش يمكنها الحيلولة دون حدوث ذلك، ولا تستطيع أى اتفاقية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أن تتعامل حتى مع هذا الجانب من جوانب سباق التسلح فى المنطقة.