"بلوى من بلاوى الزمن".. هكذا وصف المسئول الأول عن الرياضة فى مصر المهندس "حسن صقر" الفضائيات والبرامج الرياضية فى اجتماع بمجلس الشورى. حيثيات رؤيته لهذه القنوات والبرامج لخصها فى تدنى لغة الحوار وعدم وجود رقابة عليها! وإذا كان وصف "حسن صقر" دقيقا إلى حد كبير ويلخص واقعا جديدا فرض على المشاهد الذى انبهر بما يراه سواء كان راضيا أو منزعجا أو رافضا، لكنه فى كل الأحوال "مجذوب" إلى هذه البرامج والقنوات ولا جدال أن القنوات والبرامج الرياضية أثارت الاهتمام الجماهيرى الأوسع هذا العام، واحتلت موقع الصدارة، حيث فرضت هذه البرامج الشخصيات التى تقدمها كأبرز الشخصيات الرياضية وكان خالد الغندور هو مفاجأة العام. والمثير أن هذه البرامج دخلت فى اشتباكات مع قضايا كثيرة ليست كلها رياضية وليست أغلبها قضايا أصلا! بدءا: هناك حضور وتأثير لهذه البرامج ومقدميها، لكن الأسئلة تطرح نفسها.. هل يجيد هؤلاء "اللاعبون" فى الساحة الإعلامية مهارة اللعب وقواعد اللعبة؟! هل يمتلكون الأدوات التى ترتفع بآدائهم مهنيا وأخلاقيا؟ هل يحرزون أهدافا لصالح اللعبة وقضاياها ولصالح الجمهور أم لمصالح شخصية وحسابات متغيرة "على حسب الريح ما يودى"؟! قطعا: القنوات والبرامج الرياضية أصبحت أشبه بالإذاعات الأهلية فى عصر ما قبل الإذاعة، حيث كانت الأحياء تطلق الإذاعات وتطلق معها تصفية الحسابات والأخبار والأحداث الشخصية.. بعض البرامج الرياضية سواء كانت على قنوات متخصصة أم عامة تلعب بلغة حوار وبمستوى أداء يشبه مباريات كرة القدم هزيلة المستوى بين فرق ضعيفة لا تلعب، وإنما تقوم بالضرب "والتكسير" بجميع أنواعه أى أنها تمارس جميع أشكال العنف، فاللغة فى عدد كبير من البرامج أقل من اللغة التى يتم تداولها على المقاهى الشعبية، وأحيانا يبدو الأداء فى بعض هذه البرامج خاصة بعد الأحداث الجماهيرية المهمة، وكأن الجميع قد قبل الدعوة إلى "فرح العمدة" وراح يضرب النار لتكون المباراة والتبارى فى إجادة ضرب النار لتأكيد وإثبات الحضور. حتما: هذه البرامج تقدم الواقع البديل لرجل الشارع فتصفية الحسابات "والردح" الهوائى وجميع مهارات اللعب غير النظيف فى قضايا وهمية هى فى حقيقتها حسابات شخصية، لكن المشاهد ينشغل بها ربما لتفريغ وتحويل مسار همومه الشخصية والعامة فى قضايا رياضية تبدو قضايا وهى وهم كبير! وأصبح المتفرج وكأنه على موعد كل ليلة مع مسرحيات من نوعية مسرح "بريخت" الذى يكسر الحائط الرابع أو الحاجز الوهمى بين خشبة المسرح والجمهور، فيبدو الجميع وكأنهم المشاركون فى اللعبة، لكنها للأسف مسرحيات هزيلة ليست بقيمة وروعة مسرح "بريخت"! عدد كبير من هذه البرامج ينقل المستوى الأدنى من التفكير والحوار الموجود بالشارع بدلا من الارتفاع بلغة الحوار وتحقيق مستوى متميز من العمق والفهم والوعى، لكن مؤكد أن فاقد الشىء لا يعطيه والمؤكد أن عددا ليس بقليل من القائمين على هذه البرامج لا يمتلك من العلم أو الحرفية ما يؤهله للتعامل مع الملعب الإعلامى، وبالتالى السيطرة على اللعب العشوائى بلا خطة وبلا منهج، فالمهم هو التواجد وتحقيق المكاسب الشخصية، والمثير أن هذه البرامج تقدم واقعا مغايرا لما يحدث فى المستطيل الأخضر، حيث لا شبهة فى مجاملة لمن يلعبون، أى أنها لعبة لا تعرف الواسطة، لكن على الشاشة الأمر مختلف تماما. الأفيش الجماهيرى لهذه البرامج يضم العديد من الأسماء أبرزها أحمد شوبير ومدحت شلبى وعلاء صادق وخالد الغندور الذى دخل عام ,2009 ضمن نجوم الصف الأول، فعلى مدى سنوات طويلة اجتهد الغندور فى الوصول إلى حجز موقع فى صدارة الأفيش ونجح هذا العام فى إثبات نفسه وتأكيد هذا الوصول خاصة أنه استطاع اقتناص أول اتصال تليفونى فى توقيت مهم وحساس مع "علاء مبارك" بعد أحداث مباراة الجزائر الثانية فى السودان وكانت ردود فعل الحديث واسعة وممتدة لأنه جاء معبرا عن مشاعر الغالبية العظمى من المصريين بلارتوش وفى لحظة شديدة الصعوبة . الغندور لم يستطع إخفاء دموعه، وهو نفس ما حدث للكثيرين، ورغم اعتراض البعض على أدائه فى هذه المكالمة إلا أنه كسب التعاطف الجماهيرى لأن الأغلبية رأت أنه قام بالتعبير الصادق والحقيقى عن مشاعرهم، وكأنه "تمثيل" حقيقى لهم على الشاشة فى هذه القضية، وانتقل الغندور بعد هذه المكالمة ليصبح حدثا رئيسيا فى الشارع وفى "النت" والمواقع الإعلامية. "الغندور" اكتسب شخصية مميزة من خلال عمله فى إذاعة الشباب والرياضة على مدى عامين فى فترات "كورة إف إم"، واستطاع الوصول إلى المستمع والمشاهد معا، حيث تزامن هذا العمل مع ظهوره على شاشة قناة دريم ليفرض موهبته فى التقديم مثلما فرض موهبته فى الملعب، فالمؤكد أن "بندق" كما كان جمهور الزمالك يدلله لاعب من طراز الموهوبين بجدارة، لكنها الموهبة التى لا تصل إلى الكمال، فكما كان "زيزو" فى الأهلى موهبة فذة، لكنها لم تصل إلى ما وصل إليه محمود الخطيب، حيث اكتملت موهبته واستمرت بينما وقفت موهبة "زيزو" عند حد معين، وكذلك "الغندور" وربما يحقق فى الإعلام ما لم يحققه كلاعب كرة. "بندق" لا يتعامل بتعصب أو مجاملة مع مشاكل الزمالك، ويبدو أقرب إلى الموضوعية فى تناول أغلب ما يقدمه، وإن كان لا يخلو من عيوب تصفية المشاكل - أحيانا - على الشاشة، فقد كانت هناك مباراة من هذا النوع بينه وبين رئيس تحرير مجلة "الأهلى" الذى أعلن الغندور أنه قال فى قناة الأهلى كلاما غير صحيح عن الغندور، فقام بالرد عليه فى برنامجه بردود وحوارات قد لا تقال إلا فى الجلسات الخاصة، وقام باستضافة رئيس تحرير برنامجه "أسامة خليل" ليؤكد وجهة نظر خالد ويدافع عنه فى قضية شخصية لا تهم المشاهد من قريب أو من بعيد! وبالمقارنة مع ما يحدث فى برامج كثيرة يعد "الغندور" الأقرب إلى الموضوعية، لكن المؤكد أن فوضى الشارع الكروى وزيادة موجات التعصب وتغيب الموضوعية والفهم والوعى هى صناعة سواء كانت بشكل متعمد أو جاهل، لابد أن يكتب عليها "صنع فى الإعلام". وإذا كان الفيلسوف الإنجليزى "فرنسيس بيكون" يلخص عيوب النفس البشرية فى: سوء مستوى اللغة وتغليب المصلحة الشخصية أو الخاصة وأوهام المسرح، مؤكدا أن النفس البشرية لو تخلصت من هذه العيوب لعرفت السعادة وأصبحت على مستوى الموضوعية، فالمؤكد أن هذه العيوب أكثر بروزا فى الإعلام الرياضى الذى أصبح مرآة صادقة وعاكسة لهذه العيوب، فنادرا ما يطرح هذا الإعلام قضايا ومعارك حقيقية منزوعة "الشخصانية"، وقلما نجد فى هذا الإعلام الحياد الإيجابى.. فدائما هناك الوقوع فى حالة "تورط" واضح لصالح حسابات شخصية ومصالح أبعد ما تكون عن الحق الذى يتصورون أنه حق وهو ليس إلا باطلا. وتسليما: مشاهدة البرامج الرياضية ونجومها أصبحت عادة سرقت الأضواء من أغلب البرامج الأخرى ولأن الكرة تحتل الصدارة فى حياة رجل الشارع أصبحت هذه البرامج على قائمة احتياجات المشاهد الكروى وهو حزب الأغلبية. وإذا كان ظهور القنوات الفضائية قد أحدث انقلابا فى المجتمع، فالمؤكد أننا وصلنا الآن إلى عصر محللى ومقدمى برامج الكرة، وإذا كان العلم منذ سنوات طويلة أصبح يحتل موقعا متدنيا فى مؤخرة الاهتمام الشعبى، فإن الكرة تتفوق بجدارة الآن على السينما والأغنية. النظام الإعلامى الكروى الجديد بدأ مع "شوبير" فى قناة دريم، فشوبير هو السبب الجوهرى فى التطوير الذى حدث لهذه النوعية من البرامج، وهو الذى بدأ مرحلة الجماهيرية، ونستطيع أن نقول إنه صاحب الريادة وأنه "الألفة"! وشوبير على المستوى المهنى شديد الاجتهاد والتفوق، وبغض النظر عن التوازنات والأجندات والأشياء الأخرى فمازال بريق شوبير قويا ومستمرا. على الأفيش يتصدر أيضا اسم "مدحت شلبى" ضابط الشرطة الذى جاء إلى الإعلام من خلال عمله باتحاد الكرة، الذى يعشقه جمهور الأهلى لأنه مخترع جمل من نوعية "الله عليك يا حبيب والديك" التى أطلقها على أبوتريكة، أو جمل مثل "بركات ملك الحركات" وغيرها من التعبيرات التى صكها وأصبحت متداولة فى الشارع. "شلبى" يقدم ثلاثة برامج تعد هى الأهم فى قناة "مودرن" وهى: "استاد مصر" و"حصاد الأسبوع" و"مساء الأنوار". د. علاء صادق من الأسماء المهمة على أفيش البرامج الرياضية، وهو يمتلك أسلوبا خاصا يرى البعض به كثيرا من "الفذلكة"، ويمتلك ثقافة رياضية واسعة تجعله شديد التمكن، كما أنه يقوم بتطويع لغته الصحفية فتبدو شديدة الجاذبية إعلاميا، لكنه يختار مبدأ "خالف تعرف"، أو أفضل طريق للوصول إلى انتباه الجمهور هو الهجوم والسخرية سواء كانت فى محلها أم لا! ويشعر المشاهد أن علاء صادق يمتلك رصيدا هائلا من الغرور، وأنه دائم الهجوم على الحكام تحديدا رغم أنه شخصية "هجومية" النزعة، لكن البعض يفسر هجومه على الحكام تحديدا بأنه كان حكم كرة سابقا لكنه لم يستمر! "صادق" خسر كثيرا من جماهيريته عندما هاجم المنتخب المصرى قبل مباراة الجزائر الثانية، بل إنه استضاف "روراوة" رئيس الاتحاد الجزائرى وقام بتهنئته على الوصول لكأس العالم قبل المباراة الثانية! "فيلسوف التحليل" لقب أطلقه أيمن يونس على نفسه أو أطلقته القناة عليه، لكن أيمن يونس استطاع أن يزحف إلى الأفيش الإعلامى بأسلوب وبلغة مختلفة راقية، فهو يختار مصطلحاته بعناية ويمتلك لغة عربية صحيحة ومتميزة، وأصبحت له مفردات مثل: الثقافة، التكتيكية، الأداء الحركى، ويشعر المشاهد بأن لديه خلفية ثقافية قد لا يجدها لدى أغلب مقدمى البرامج الرياضية، والمؤكد أن هذه المصطلحات الراقية منها والمتدنية قد فرضت وجودها على قاموس الكلام فى الشارع كما فعلت بعض المصطلحات فى الأغانى وبعض الجمل الحوارية فى الأفلام. "داخل دائرة الضوء" وبسرعة البرق دخل المنافسة الكاتب الصحفى الكبير وعمدة النقاد الرياضيين "إبراهيم حجازى" الذى أصبح فى فترة قصيرة منافسا قويا ومختلفا أيضا، ف "مصيبة مباراة الجزائر الثانية فى السودان كانت كلها فوائد فى تحقيق وتأكيد نجومية "حجازى" الذى يقدم البرنامج وكأنه امتداد لمقالته الشهيرة فى "أهرام الجمعة"، وهو مختلف لأنه لا يركز على كرة القدم، لكن لديه نظرة أعمق وأشمل للرياضة ولأشياء أخرى فهو لا يتوقف عند استضافة رياضيين، لكن يستضيف مخترعين ونجوما فى الفن وأكثر انفتاحا على قضايا الشباب، فالبرنامج لديه ليس لاعب كرة أو مسئولا فى اتحاد الكرة، وإنما يقدم قضايا حقيقية بأسلوب ساخر، وهو يمتلك رصيدا هائلا لأنه ليس كاتبا فى الرياضة فقط، وإنما هو مثقف يكتب فى كل المجالات. إذا كانت هذه البرامج كشفت عيوبا وأمراضا وأعراضا فى الشخصية المصرية فإنها أيضا كشفت عن شخصيات صحفية تعد متميزة فى الأداء والكتابة الصحفية مثل حسن المستكاوى الذى تشعر أنه فيلسوف يكتب فى الرياضة، ولكنه على الشاشة لا يمتلك هذا البريق! كما أن هناك عددا كبيرا من مقدمى البرامج الرياضية ينطبق عليه وصف: "ما أجهله" فهم ليسوا قمة فى الجهل فقط، لكن فى الحديث حتى باللغة العامية، إنهم لا يعرفون عن الإعلام شيئا، وإنما هم رجال أعمال ليسوا على مستوى رجل الأعمال الحقيقى! وإذا كان أغلب مقدمى هذه البرامج بارعين فى اللعب بأقدامهم وشكلوا متعة لدى الجمهور بهذه الأقدام.. فالمشكلة قد تكون مع تحول هذه الأقدام إلى مخاطبة العقول وتشكيل رأى عام.