توريد 75 ألف طن قمح للشون والصوامع بالقليوبية    "وش السعد".. ألقاب الأهلي على ملعب رادس قبل نهائي دوري الأبطال    ضربه بالقلم.. طالب يعتدي على مدرس داخل لجنة امتحان بالغربية    خارج مصر .. طرح فيلم "بنقدر ظروفك" يوم 23 مايو    جامعة القاهرة تقرر زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين    الأنبا يواقيم يرأس صلوات قداس عيد استشهاد الأم دولاجي وأولادها الأربعة بالأقصر (صور)    اللجان النوعية بالنواب تواصل اجتماعاتها لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة.. اليوم    نمو صافي ربح بنك «saib» إلى 580.7 مليون جنيه خلال 3 أشهر    رجال الصناعة والتصدير يضعون روشتة لنمو وزيادة الصادرات المصرية خلال الفترة المقبلة    الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانًا بمدينة حدائق أكتوبر    وزير النقل يلتقي وفود 9 شركات نمساوية متخصصة في قطاعات السكك الحديدية    ارتفاع معدل التضخم في إسبانيا إلى 3.3% خلال أبريل الماضي    توقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية في سبتمبر.. كيف تأثر الدولار؟    محافظ كفر الشيخ: اعتماد المخططات الاستراتيجية ل23 قرية مستحدثة    توقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة يدخل أسبوعه الثاني    مصر تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في محافظة صلاح الدين بالعراق    الطاهري: مصر تباشر دورها وحرصها الدائم على إيقاف نزيف الدماء الفلسطينية    شينخوا: بوتين يعتزم زيارة الصين الخميس المقبل    الكشف عن "فخ" وقعت فيه القوات الأوكرانية في خاركوف    مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى «كايسيد» للحوار العالمي    «مُحبط وفاكر نفسه الجوهري».. 4 نجوم يفتحون النار على حسام حسن    رابطة الأندية تُعلن عقوبات الجولة ال 22 من الدوري المصري    جلسات نفسية للاعبي الأهلي استعدادًا لنهائي أفريقيا أمام الترجي    جيسوس يحسم مستقبله مع الهلال السعودي    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 50 مليون جنيه خلال 24 ساعة    تسريب صور امتحان الصفين الأول والثاني الثانوي عبر تطبيق التليجرام    دفاع «طبيبة التجمع»: «المتهم حاول الهرب بعد دهس الضحية»    قرار عاجل من «الداخلية» بشأن آخر مهلة لتوفيق أوضاع الأجانب و«ضيوف مصر» (الموعد)    محافظ القاهرة يوزع 13 «كرسي متحرك» على عدد من ذوي الهمم    فريدة سيف النصر: اتعقدت من الرجالة بسبب خيانة زوجي    5 أبراج تتميز بالجمال والجاذبية.. هل برجك من بينها؟    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة فتى الشاشة الأول أنور وجدي    الثقافة: فتح المتاحف التابعة للوزارة مجانا للجمهور احتفاءً باليوم العالمي للمتاحف    يوسف زيدان يهدد: سأنسحب من عضوية "تكوين" حال مناظرة إسلام بحيري ل عبد الله رشدي    القومي لحقوق الإنسان: ضرورة تكافؤ الفرص بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم    انطلاق أعمال القافلة الطبية المجانية حياه كريمة بقرى الزيات في الوادي الجديد    طريقة تحضير الحنيذ: وجبة تقليدية لذيذة لعائلتك    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    فصائل فلسطينية: دمرنا ناقلة جند إسرائيلية وأوقعنا طاقمها شرق رفح    ختام امتحانات النقل الإعدادي بالقاهرة والجيزة اليوم    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024    نائب رئيس جامعة الأزهر يفتتح ندوة «مواجهة الابتزاز الإلكتروني» لتوعية الطالبات    سويلم يتابع إجراءات وخطة تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه في مصر    الحكومة التايلندية توافق على زيادة الحد الأدنى الأجور إلى 400 باهت يوميا    للأطفال الرضع.. الصيادلة: سحب تشغيلتين من هذا الدواء تمهيدا لإعدامهما    «يهدد بحرب أوسع».. ضابط استخبارات أمريكي يستقيل احتجاجا على دعم بلاده لإسرائيل.. عاجل    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    طارق الشناوي: بكاء شيرين في حفل الكويت أقل خروج عن النص فعلته    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الثلاثاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة للمصالحة بين العلم و الدين


الرواية التى كادت أن تقتل أديب نوبل..
تقود إلى الإيمان بالله دعوة للمصالحة بين العلم و الدين
من الظواهر المرضية فى حياتنا الأدبية والثقافية، أن يتحدث من لا يقرأ عما لا يعرف، وقد دفع نجيب محفوظ ثمنا فادحا لجهل الجهلاء، الذين أصدروا ضده حكما بالتكفير، من منطلق أن الكاتب الكبير قد أساء إلى الدين.
الجاهل الذى حاول اغتيال نجيب محفوظ لم يقرأ له شيئا، ولم يقرأ عنه بطبيعة الحال، لكنه «سمع» من بعض أمراء الإرهاب و«أطاع» وما المنتظر عند غياب العقل وتراجع البصيرة؟!
* مناخ ردئ
ما أكثر الذين «سمعوا» عن رواية «أولاد حارتنا»، ويتحدثون عنها باستفاضة تناقض حقيقة أنهم لم يقرأوا منها حرفا واحدا. التركيز كله على محاكاة نجيب محفوظ لتاريخ الإنسانية فى رحلتها الشاقة بحثا عن الحياة الأفضل، التى تسودها القيم النبيلة الغائبة. ويتناسى هؤلاء الذين يحكمون بغير علم أو قراءة، إن الأديان جميعا بمثابة المحطات الرئيسة فى قصة الحضارة، وإذا تصوروا أنهم قد اكتشفوا الخارق غير المسبوق بقولهم إن «الجبلاوى» يرمز إلى بعض الرموز الدينية الجليلة.
يغيب عنهم أن «أولاد حارتنا» عمل روائى ينبغى التعامل معه من منظور أدبى إبداعى، وليس بالمقاييس الدينية التقليدية، ذلك أن «جبل» و«رفاعة» و«قاسم» ليسوا إلا شخصيات روائية، والخلل الفادح أن تتم عملية ترجمة ركيكة لهذه الشخصيات، تمهيدا للتعامل مع الترجمة غير الدقيقة على أنها حقيقة متفق عليها. إنها شخصيات روائية مصنوعة بمعرفة الروائى، وإذا كان فيها بعض الملامح التى تقود إلى شخصيات ذينية، فإن فيها - أيضا - الملامح المختلفة التى تؤكد الفن الروائى وتنتصر له.. وعلى من يتربصون بالعمل الروائى وصاحبه أن يواصلوا القراءة، ويتعاملوا مع شخصية «عرفة» من المنظور نفسه. ولأنه يرمز، اسما وسلوكا، إلى العلم والمعرفة، فإن الروائى القدير ينتصر لمقولة إن العلم لم يقدم للبشرية خلاصا، ذلك أن قتل الجبلاوى لم يضع نهاية لعذابات البشر وما يعانونه من اضطهاد وقهر وتعاسة.
المشكلة أن بعض قارئى الأعمال الروائية يتقمصون دور المخبر السرى فى الأفلام الأمريكية، ويأبى لهم خيالهم المحدود إلا الكشف عن براعتهم فى تحويل الشخصية الروائية إلى أصولها الواقعية.
مثل هذه القراءة البوليسية السطحية تمثل إساءة بالغة للأدب ومبدعيه، وتقود إلى أوخم النتائج وليس أدل على ذلك من تعرض نجيب محفوظ نفسه لمحاولة اغتيال، واعتراف الإرهابى الجاهل بأنه يعاقب الأديب الكبير على رواية «أولاد حارتنا»، التى يسئ فيها إلى الدين، واعترف أيضا بأنه لم يقرأ الرواية، لكنهم «قالوا» له أنها تسئ وتتجاوز وتستدعى القتل!
* آفة النسيان
جوهر الرسالات السماوية جميعا هو الحض على الانتصار لإنسانية الإنسان، ومقاومة ما يتعرض له من قهر روحى وظلم اجتماعى. تتوهج الرسالة وتسود وتؤتى ثمارها، ثم يبدأ التراجع والانقلاب تدريجيا فيطيح بالكثير مما جاء فيها، ويعود الاحتياج ملحا إلى تنبيه جديد، ذلك أن آفة الحارة الإنسانية هى النسيان!
القراءة الأدبية، لا البوليسية، ل «أولاد حارتنا»، تكشف عن بطولة الحنين الإنسانى الدائم إلى حياة بديلة مضيئة، فها هم أحفاد الجد الجبلاوى لا يتوقفون عن محاربة الخلل والانحراف، كل بطريقته وعبر آليات وأسلحة متباينة، تسقط دولة الظالمين من نظار الوقف والفتوات، ثم تبعث المظالم من جديد، هكذا انتصر «جبل» قبل أن تلحق الهزيمة بدعوته، وسادت تعاليم «رفاعة» لفترة وجيزة ثم طالها التشويه والتزييف، وحارب «قاسم» ببسالة ليعلى من روايات مملكة الحرية، وخذله من جاءوا بعده!
الضيق يدفع أحفاد الجبلاوى إلى التشكيك فى جدهم، والاتهام يطارده بأنه لايعبأ بهم أو يهتم، ومع ظهور «عرفة» يتبلور اتجاه مختلف لا يستمد شرعيته وقوته من الانتماء إلى الجد، بل من السحر - العلم، والعدالة المنشودة رهينة بالعمل المادى الذى لا يتكئ على الأحلام والأناشيد.
ليس صحيحا أو دقيقا أن عرفة قد قتل جده الجبلاوى، وهو يسعى إلى معرفة حقيقته والاطلاع على أسراره وخباياه، لكن الصحيح - خارج النص الروائى - أن اتجاهات قوية مؤثرة فى فلسفة القرن التاسع عشر، أعلنت بفجاجة وغلظة عن موت الدين، وراهنت على أن غيابه هو المدخل الوحيد لانتشال الإنسان المأزوم المهزوم من إحباطاته وانكساراته وما يتعرض له من مظالم مادية، فهل تحقق شىء مما راهنوا عليه وبشروا به؟!
لقد ازدادت التعاسة، واستفحلت الشرور، وتوحش البشر بلا حدود، وثبت بشكل عملى قاطع أن الإنسان هو العدو الأول للإنسان، وأن الدين ليس مسئولا عن المآسى التى يكابدها أبناء القبيلة البشرية، بقدر ما هو الأداة التى تعينهم على التحمل، وتدفعهم إلى التوازن والانسجام.
فى «أولاد حارتنا» يمثل «الجبلاوى» ملجأ وملاذا لكل من تضيق به الدنيا وتقسو عليه، وكان صياح المضطهدين باسمه كافيا لإضفاء قدر لا يستهان به من العزاء والسلوى، فما الذى يتبقى لهم بعد غيابه؟!
* ضرورة المصالحة
قبل صعود السر الإلهى، قال الجبلاوى لإحدى خادماته: «اذهبى إلى عرفة الساحر وأبلغيه عنى أن جده مات وهو راض عنه».
يتحول مسار عرفة بعد الاستماع إلى وصية وبشارة جده، وينتقل إلى خندق يراود من خلاله تحقيق المصالحة التى تمرد عليها طويلا. وقد استطاع ناظر الوقف أن يقتله بالدفن حيا، لكن مساعده «حنش» يحمل الراية من بعده، وينطلق ليبشر بدعوة هى الأهم فى تاريخ الحارة، فلا مبرر لصناعة تناقض وهمى بين روعة الحلم الذى يمثله الجد الجبلاوى وعظمة العلم الذى يجسده عرفة.
«أولاد حارتنا» رواية إيمانية عند من يتعاملون معها من منظور شمولى يتجاوز الظاهر، ففيها تأكيد فنى بديع على أن الإنسان مسئول عن مصيره، ومطالب بالعمل الدءوب الجاد لانتشال نفسه ومجتمعه من براثن الظلم والاضطهاد.
القراءة السطحية وحدها هى التى تنشغل بالتركيز على إصدار الأحكام سابقة التجهيز، وهى أحكام سرعان ما يتلقفها المراهقون والمتشنجون والمتطرفون فيمارسون بطولة وهمية، ويجاهدون حيث لا جهاد، ويكفرون فى مخاصمة للعقل، ويحرضون على القتل بلا ذرة من حياء.
تنتهى رحلة «جبل» بانتصاره المظفر: «ولولا أن آفة حارتنا النسيان ما انتكس بها مثال طيب.
لكن آفة حارتنا النسيان».
وينتصر «رفاعة» على الرغم من موته، وبفضل موته، فيسود التفاؤل بأن «اليوم خير من الأمس، وأن الغد خير من اليوم».
فلماذا كانت آفة حارتنا النسيان؟!».
ولا يختلف الأمر بعد سيادة «قاسم» بقيمه النبيلة:
«وقال كثيرون إنه إذا كانت آفة حارتنا النسيان، فقد آن لها أن تبرأ من هذه الآفة، وأنها ستبرأ منها إلى الأبد».
.. لكنها لم تبرأ!
تتوالى الهزائم الكفيلة بتكريس الإحباط المدمر الذى لا تزول آثاره، لكن عظمة الإنسان تتجلى فى قدرته الخارقة على التشبث بالحلم والأمل، وهكذا يأتى «عرفة» لينحرف قليلا ثم يحقق المصالحة، ويصل إلى صياغة القانون القائل بأنه لا تناقض أو صدام بين عالمى الحلم والواقع، وبين الدين والدنيا، وبين الروحى والمادى، لكن الجهلاء لايقنعون إلا بالجهل ونعيمه، فهم يختلقون المعارك الوهمية بحثا عن دور، وما أروع نجيب محفوظ وهو يصفعهم بمقولته المضيئة فى «أصداء السيرة الذاتية»، «لا يوجد أغبى من المؤمن الغبى، إلا الكافر الغبى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.