لم تكن حالة الرئيس السابق مبارك أو الرئيس التونسي الهارب بن علي هي الأولي لرؤساء حكموا شعوبهم سنوات طويلة فنهبوا الأموال ونشروا الفساد فقد سبقهم إلي ذلك الكثير من الرؤساء والملوك التي أطاحت بهم شعوبهم بعد أن طفح الكيل واستمرت محاولات استعادة الأموال المنهوبة لسنوات طويلة، وعندما نجحت في قليل من الحالات كان المبلغ الذي استعادته الدول ضئيلا للغاية مقارنة بحجم ثروة الديكتاتور الفاسد الذي حكمها ونهبها وتمتع أبناؤه وأحفاده بثروات مسروقة. من بين هؤلاء الرئيس الفلبيني السابق «فرديناند ماركوس» الذي حكم بلاده علي مدي واحد وعشرين عاما إذ أطيح به عام .1986 هرب ماركوس إلي هاواي خوفا من بطش شعبه. مات ماركوس في المنفي الذي اختاره وعادت زوجته إميلدا ماركوس إلي الفلبين بعد عامين من وفاة زوجها، حيث ألقي القبض عليها ولكنها برئت من جميع الاتهامات وألزمتها المحكمة برد مبلغ عشرة ملايين دولار إلي الحكومة الفلبينية بعد أن ثبت أن زوجها حصل علي هذا المبلغ سرا من إحدي الوزارات أثناء فترة حكمه. أما باقي ثروة ماركوس والتي تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار فقد حصلت الفلبين علي مبلغ ستمائة وخمسة وستين مليون فرنك فرنسي. المعروف أن فرديناند كما هو الحال مع مبارك قام بتهريب أمواله إلي حسابات في بنوك سويسرية لكن بأسماء وهمية، وكذلك قام بشراء شركات وعقارات بأسماء مختلفة بحيث أصبح من المستحيل التوصل إلي ثروته التي يتمتع بها أبناؤه الآن بينما الفلبين غارقة في الديون! الغريب أن المبلغ الذي سلمته سويسرا للفلبين ظل محل نزاع بين الحكومة الفلبينية وعدد من أبناء الشعب من ضحايا نظام ماركوس إلي أن حكم مؤخرا عام 2000 بأحقية الحكومة الفلبينية في الثروة. وفي إيران أطاحت الثورة الإسلامية بالشاه «محمد رضا بهلوي» والذي بلغ حجم ثروته تسعة مليارات دولار أودعها الشاه في أحد البنوك الأمريكية. وبعد نجاح الثورة وهروب الشاه وعائلته جمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أرصدة الشاه ورفضت ردها إلي إيران بعد أن ساءت العلاقات بين البلدين في أعقاب الثورة وظل قرار التجميد يجدد سنويا حتي يومنا هذا. أما الرئيس الليبيري السابق «تشارلز تايلور» والذي حكم بلاده ست سنوات فقط، لكنها كانت كافية لاتهامه بالفساد، وقد قام تايلور خلال حكمه بتحويل ثروته الضخمة إلي بنوك أوروبا بأسماء وهمية ولم يتمكن أحد من التوصل إلي هذه الأموال إلي الآن. قدرت صحيفة «تايم» الأمريكية ثروة الرئيس الإندونيسي السابق «سوهارتو» بحوالي خمسة عشر مليار دولار، بينما تمتلك أسرته حوالي ثلاثة وسبعين مليار دولار جمعتها الأسرة خلال فترة حكم سوهارتو التي امتدت اثنين وثلاثين عاما. وفي عام 2000 وضعت السلطات الإندونيسية سوهارتو، ثاني رؤساء إندونيسيا بعد سوكارنو، تحت الإقامة الجبرية في منزله حتي انتهاء التحقيق في حجم ثروته. واتهمت إندونيسيا رئيسها السابق باختلاس خمسمائة وواحد وسبعين مليون دولار لتمويل مشروعات تمتلكها أسرته، لكن سوهارتو لم يستطع حضور محاكمته نظرا لتدهور حالته الصحية. وفي عام 2002 أعلن عن محاكمته مجددا، لكن المحاكمة توقفت بعد إعلان الأطباء عن إصابته بمرض في الدماغ. تكاثرت الأمراض علي سوهارتو بعد ذلك، مما اضطر السلطات الإندونيسية إلي تأجيل محاكمته حتي عام 2005 وأعيد فتح ملف المحاكمة من جديد عام 2006 وطلبت المحكمة إجراء فحوصات طبية للوقوف علي الحالة الصحية للرئيس المتهم، لكن التقرير جاء يؤكد صعوبة محاكمته لتدهور حالته الصحية، وظل الأمر هكذا حتي وفاة سوهارتو في يناير 2008 . في عام 2002 قررت سويسرا إرجاع مئات ملايين الدولارات المختلسة من ميزانية نيجيريا علي يد رئيسها السابق الجنرال «ساني أباتشا»، حيث تقرر تسليم مبلغ خمسمائة وخمسة وثلاثين مليون دولار إلي الحكومة النيجيرية. يأتي ذلك بعد محاولات طويلة وصعبة أدت إلي اتفاق خارج المحكمة بين السلطات النيجيرية وأسرة الجنرال أباتشا وبعض المصالح الاقتصادية المرتبطة به، وطبقا لهذا الاتفاق فقد تم تحويل مليار دولار إلي نيجيريا من عدد من البنوك حول العالم، لكن الثمن كان غاليا إذ وافقت الحكومة النيجيرية علي إعفاء أفراد أسرة الجنرال الديكتاتور الفاسد من المساءلة أو المحاكمة، كما وافقت الحكومة النيجيرية علي احتفاظ أسرة أباتشا بمبلغ مائة مليون دولار من ثروته. وعلي الرغم من تسلم نيجيريا لجزء كبير من الأموال المنهوبة فإنه لا تزال هناك مبالغ ضخمة في بنوك ليختنشتاين ولوكسمبورج وجيرسي وبعض بنوك بريطانيا. وفي الكونغو حكم الديكتاتور «موبوتو سيسيسيكو» اثنين وثلاثين عاما تمكن خلالها من تهريب خمسة مليارات دولار من المال العام إلي حسابه المصرفي في سويسرا وعقب إبعاده عن الحكم عاش في المغرب وتوفي به وباءت محاولات استرداد ثروته بالفشل .