«آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    الحكومة: تعميق توطين الصناعة ورفع نسبة المكون المحلى    9 شهداء غالبيتهم أطفال إثر قصف الاحتلال لمنزل فى رفح الفلسطينية    البحرية المغربية تنقذ 59 شخصا حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية    خبير تحكيمي يكشف مفاجأة بشأن قرار خطأ في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    طلاب الصف الثاني الثانوي بالجيزة يؤدون اليوم الامتحانات في 3 مواد    محمد رمضان وحكيم يغنيان فى حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    الآلاف يتظاهرون في مدريد دعما للفلسطينيين ورفضا للحرب في غزة    صفارات الإنذار تدوي في عسقلان بعد هجوم صاروخي    إسلام بحيري عن "زجاجة البيرة" في مؤتمر "تكوين": لا نلتفت للتفاهات    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    عاجل.. غليان في تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين واعتقالات بالجملة    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    "حشيش وترامادول".. النيابة تأمر بضبط عصام صاصا بعد ظهور نتائج التحليل    عيار 21 ينخفض الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 12 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    تعرف على أسعار خراف عيد الأضحى 2024    تفاصيل صادمة.. يكتشف أن عروسته رجلاً بعد 12 يوماً من الزواج    وزير الشباب والرياضة يفتتح البيت الريفي وحمام سباحة بالمدينة الشبابية في الأقصر    جهاز مدينة 6 أكتوبر ينفذ حملة إشغالات مكبرة بالحي السادس    عاجل.. الرئيس الأمريكي: إطلاق سراح الأسرى مقابل وقف النار في غزة    تفاصيل أكبر عاصفة جيومغناطيسية تضرب الأرض منذ 20 عامًا    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    "أشرب سوائل بكثرة" هيئة الأرصاد الجوية تحذر بشأن حالة الطقس غدا الأحد 12 مايو 2024    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    اعرف سعره في السوق السوداء والبنوك الرسمية.. بكم الدولار اليوم؟    أرخص السيارات العائلية في مصر 2024    تعرف على مواصفات التاكسي الطائر في موسم الحج 2024    وزير الخارجية التونسي يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    على الدين هلال: مصر تحملت الكثير فى القضية الفلسطينية ولم تنسق مع الاحتلال    هل يتأثر الزمالك بغياب شيكابالا أمام نهضة بركان؟.. حازم إمام يُجيب    خطأ هالة وهند.. إسلام بحيري: تصيد لا يؤثر فينا.. هل الحل نمشي وراء الغوغاء!    أحمد عبد المنعم شعبان صاحب اللقطة الذهبية في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    تخلص منها فوراً.. علامة إذا وجدتها في البطيخ فلا تأكله    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «التعليم» تعلن حاجتها لتعيين أكثر من 18 ألف معلم بجميع المحافظات (الشروط والمستندات المطلوبة)    4 قضايا تلاحق "مجدي شطة".. ومحاميه: جاري التصالح (فيديو)    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    وزير ومحافظ و 2000 طالب في اختبار لياقة بدنية    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة علي مقاهي «وسط البلد»
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 26 - 03 - 2011

علي الرغم من انتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي تملأ الإنترنت.. وعلي الرغم من انتشار الفضائيات التي لا حصر لها وتطور وسائل الاتصالات بجميع أنواعها.. فإن المقهي المصري لايزال يحتفظ بأهميته وجاذبيته بالنسبة للمواطن المصري ولا يزال هو أهم شبكة تواصل اجتماعي ثقافي سياسي في مصر.
المقهي المصري كان دائما ترمومترا للحياة داخل مصر، وذلك منذ مئات السنين حتي الآن.. من هوجة عرابي حتي ثورة 25 يناير.
دائما هناك من يجلسون ويرتشفون الشاي والقهوة ويتجاذبون أطراف الحديث ويتبادلون الآراء والحكايات والأحداث الراهنة والضحكات العذبة والشائعات والأكاذيب أحيانا.
حياة خاصة تمتلك طابعا مميزا.. يمتزج فيها الحوار بأدخنة الشيشة وأصوات المعالق وقواشيط الطاولة والدومينو وامتزجت فيها أيضا فئات الشعب المختلفة وشرائحه المتنوعة وأعماره المتفاوتة وثقافاته المتباينة واتجاهاته السياسية المتعددة.
فأي منضدة في كل مقهي هي برلمان مصغر.. يطرح ويناقش ويبحث ويجد حلولا أحيانا إذا اقتضي الأمر.. وعندما يشتد الخلاف في وجهات النظر تتعالي الأصوات أحيانا وتتصارع الآراء إلي أن تهدأ مع اقتراب ميعاد الرحيل من المقهي ليبدأ صراع جديد حول من سيدفع الحساب؟
أبرز هذه المقاهي هي مقاهي وسط البلد العتيقة.. هذه المقاهي التي استضافت أجيالا متعددة طوال عشرات السنين.. فهذه المقاهي التي امتدت من ميدان التحرير وحتي ميدان العباسية هي في قلب الحدث دوما.
قمنا بالتجول بين هذه المقاهي وتبادلنا الحديث مع رواد المقاهي الشهيرة واستطعنا أن نرصد نبض الشارع المصري الآن وآراءه وتوجهاته ومعاناته وآماله في تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر.
ف«الإخوان المسلمون» والاستفتاء علي الدستور ومستقبل البلاد هي تقريبا كل ما يشغل ذهن المواطن المصري الآن وجاء إلي المقهي ليتحدث عنها مع آخرين.
ومن مقهي الحرية الشهير بباب اللوق كانت البداية لهذه الجولة.
••
«المشكلة أنهم مشاركوش الناس في التعديلات من البداية.. راحوا قفلوا علي نفسهم وطلعولنا بتعديلات.. أنا بصراحة قلت لأ».
بهذه العبارة الحادة بدأ الأستاذ سامي فرغل حديثه عما يحدث الآن وأخذ في الاستطراد وطرح أفكاره وآرائه بشكل مستمر لا يقطعه إلا رشفات من كوب الشاي يري الأستاذ سامي ضرورة العودة للانتخاب بنظام القائمة النسبية ويقترح ضم جميع الدوائر الانتخابية لتصبح دائرة واحدة، ويري أن ذلك سيقضي علي البلطجة السياسية والمال السياسي وأننا سنضطر وقتها لتشكيل تحالفات وتكتلات سياسية تخلق فيما بعد أحزابا حقيقية، ورغم أنه يعلم أن موضوع الدائرة الواحدة سيلقي اعتراضا فإنه يراه الحل الأمثل وتمسك برأيه قائلا: «ما هي إيطاليا دايرة واحدة.. هما خايفين الورقة تبقي كبيرة.. زي البلد ما هي كبيرة عليهم ده في إيطاليا ورقة المرشحين قد كده- «واصفا طولها بذراعه».
يري أن ما حدث في يوليو 1952 انقلاب وليس ثورة ويحمل عبدالناصر السبب فيما وصلنا إليه ثم بدأ في طرح أفكاره ومقترحاته لمستقبل مصر، فيصر علي جمهورية برلمانية وإلغاء مجلس الشوري (لأنه مالوش لازمة من وجهة نظره) وإلغاء نسبة العمال والفلاحين ويطالب الكنيسة بالانخراط في الدين ويطالبهم بالبعد عن السياسة فهم جعلوا الأقباط بلا توجهات سياسية والكنيسة تحدد لهم ماذا يفعلون ويرفض بشدة ما حدث يوم الاستفتاء بربط مصير المادة الثانية برفض التعديلات الدستورية، فهو يعتقد أن الأقباط الراشدين لا يعترضون علي وجود المادة الثانية باعتبار أنها في صالحهم للنهاية، ولكنه يطالب بحرية بناء دور العبادة قائلا: «ما يبنوا كنايس.. يبنوا يا خويا بس يملوها ناس» ..ويستمر في عرض وجهة نظره بأنه لا توجد فتنة طائفية في مصر بل هو مصطلح ابتدعه السادات علي حد قوله وأن الصراع هنا بين المتعصبين من الأقباط والمسلمين علي حد سواء ويختتم حديثه بكلمات صادقة وبراقة قائلا: «احنا جيلنا اتهرس.. مكناش بنسمع ونشوف غير الكدب.. كانت الإذاعة بتاعتهم مصدرنا الوحيد.. اتربينا علي كدب وعمرنا ضاع في كدب.. وجيلنا لا أخد حاجة ولا قدم حاجة.. والشباب دول ربنا يباركلهم».
وبعد أن أنهي حديثه جاء عم حسن وهو عجوز في السبعين ليلقي التحية ويجلس بصحبة آخرين.. وهم أستاذ سيد ومهندس محمد وهما من جيل الأربعينيات الذي عاصر خروج الملك وانقلاب الجيش.. حديث من نوع خاص دار بينهم.. انفعال غير عادي في حديث الأستاذ سيد الذي قارن بين خروج الملك من مصر وخروج مبارك، وكيف أن الملك رغم فساده لم يفعل ولو جزءا صغيرا مما فعله مبارك.. وعندما سألته عما فعله مبارك من وجهة نظره قال: «بلاوي متلتلة.. هو أنت مبتقراش جرايد.. ده إحنا كنا نايمين.. ده مص دمنا.. «ووجه كلامه لي» اكتب كده.. مص دمنا.
وأخذ يقص مأساته وكيف أنه يعيش حياة ضيقة بمعاش 371 جنيها ثم عاد للانفعال مرة أخري صارخا: أنا لو عندي صحة كنت عملت العملية اللي عملها الشباب دول من خمس سنين.
كان الأستاذ سيد متواجدا في ميدان التحرير متكئا علي عصاه وذهب أيضا للاستفتاء وقال «لا» لأنه لا يريد مبارك جديدا.
أما المهندس محمد، وهو مدير هيئة الأوقاف سابق، فترك الجريدة وأخذ يدلي بتعليقاته الخاصة واصفا تاريخ مبارك مع الشعب بالأسود ومادحا الجو الصحي علي حد تعبيره للديموقراطية التي رآها في الاستفتاء.. المهندس محمد أيضا قال «لا» ليسقط الدستور فهو خائف من بقايا الحزب الوطني ووجود الرئيس وعائلته في شرم الشيخ.
ثم يتجه بحديثه ناحية الإخوان قائلا: «الإخوان المفروض يلموا نفسهم بأه..الإسلام مش في محنة عشان عمايلهم دي.. هما عايزين يقسمونا علي اتنين بكلمة إخوان مسلمين دي.. واحنا واحد.. مسلم أو قبطي».
وينتقد بشدة ما رآه يوم الاستفتاء من بعض عناصر إخوانية تطالب الجمهور بالتصويت بنعم أمام اللجان ويري أن هذا لا يصح وأن الإخوان يريدون الإسراع لحدوث عملية انتخابية حتي لا يعطوا الفرصة للأحزاب الأخري، ويتهمهم بأنهم يريدون إفشال الثورة.
عم حسن قال «نعم» في الاستفتاءات ولأنه لا يقرأ ولا يكتب فقام أحدهم بالاختيار عنه. ويبرر ذلك قائلا: أنا رحت عشان أريح ضميري.. إنما أنا خلاص فاضلي أيام وأسيبها.
وفي ركن آخر داخل مقهي الحرية جلس هذا الشاب المصري الأسمر وهو يتمتم بكلمات ساخطة لا تفهم منها سوي «حسبي الله ونعم الوكيل».
حسن الصعيدي شاب مصري أصيل يعمل مرشدا سياحيا ويعاني من توقف السياحة. حسن قال «لا» للتعديلات الدستورية لأنه يري أنه من الأفضل الحصول علي أكبر المكاسب مادمنا نستطيع ذلك فلماذا أرضي بأنصاف المكاسب؟.. حسن رغم احترامه للجيش ولرموزه فإنه ينظر للأمور بعدم ثقة واطمئنان لأن خبرته مع النظام السابق «وحشة» كما قال، ويري أن الإخوان والحزب الوطني هم فقط المستعدون للانتخابات القادمة ولا يحبذ السرعة في معالجة الأمور ويري أن التعليم والصحة هما البداية لإصلاح هذه الأمة.. هو يشعر أيضا بأن ما حدث لا يصدقه عقل.. وأنه فخور بكونه مصريا ولكنه حزين علي من ماتوا فهو كان صديقا لسالي زهران أحد شهداء الثورة وقص علينا أيضا عن جارته المجاورة التي كانت تقوم بنشر ملابس طفلها وأصابتها إحدي رصاصات الضباط أثناء صراعهم مع من يحاولون اقتحام قسم الشرطة يوم جمعة الغضب وكيف سقطت في الحال وسط بركة من الدماء وزوجها يصرخ مصدوما.. كاد حسن أن يبكي عندما تذكر هذه الحادثة وختم حديثه قائلا: اللي قتل الشهدا ربنا ينتقم منه دنيا وآخرة ويصبر أهل الناس دي.
••
ومن أهم مكتسبات هذه الثورة العظيمة كانت تلك المنضدة بمقهي الملتقي الثقافي الشهير.. منضدة يجلس عليها شابان وفتاة وعامل في الأربعين من العمر وأحد المثقفين في الخمسين من العمر.. جلسة رائعة تجمع بين فئات المجتمع المختلفة وتجمع بين عدة ثقافات وعدة أعمار متفاوتة والحديث بينهم يدور أيضا حول ما يحدث الآن في حالة مجتمعية فريدة من نوعها.
رانيا تخشي سيطرة الإخوان علي المجتمع وترفض الدولة الدينية وإقحام الدين في السياسة واستخدام الشعارات الدينية.. تنتفض غضبا من اهتمام الإعلام بعبود الزمر وتحلم بدولة علمانية وتري أن موافقة الإخوان علي التعديلات الدستورية خيانة للثورة.. ويتفق مصطفي ومحمد معها في ذلك ويضيف مصطفي إن الإخوان بهذا الشكل سيسيطرون علي البرلمان والنقابات والمحليات وهيوصلوا للحكم وإن فعلوا فلن يحكموا بشرع الله.. ويري محمد أن الإخوان والحزب الوطني يتفقان معا للمرة الأولي في قبولهما للتعديلات الدستورية.. الثلاثة قالوا «لا» للتعديلات الدستورية.. فرانيا تري أنه يجب أن نعطي الوقت للأحزاب ومصطفي يقول: قلت «لأ» عشان مبحبش ألبس بنطلون مرقع وأنا ممكن ألبس بنطلون جديد.
وأخذوا يصفون شعورهم بالإحباط بعد سماع نتائج الاستفتاء محمد كان أكثرهم تفاؤلا لأنه يري أشياء جيدة تحدث كل يوم من سقوط رموز الفساد واتساع رقعة الديموقراطية.. يري في عمرو موسي الأمل القادم ويدعمه بقوة وهنا اعترضت رانيا علي اختيار عمرو موسي فهي لا تراه مناسبا ولا تري البرادعي مناسبا أيضا ولكنها ستنتظر برنامجه.
ويري محمد أن الثورة جعلت طبقات المجتمع تتآلف ويقول بحزن شديد: الفنانين اللي كانوا ضد الثورة خانونا كنا فاكرينهم هيبقوا معانا.. وكلهم كوم وطلعت زكريا كوم.
اتفق ثلاثتهم علي حلم الديموقراطية والإصلاح وعلي ضرورة نشر الوعي السياسي داخل المجتمع، وطالبوا بحل الحزب الوطني فورا ومحاكمة مبارك وكل من ينهب أموال مصر علنا وأمام الجميع.
أما عم خالد وهو عامل بالصيدلية المجاورة للمقهي فيري أن الشعب المصري يفتقد الوعي السياسي وذلك لأن النظام القديم أراد ذلك وسعي لتحقيقه ونجح بالفعل ويصف رأيه قائلا: هما شغلونا إزاي نجيب الجنيه عشان نعيش.. واحد ثروته 70 مليار وأنا يوميتي 10 جنيه.. أنا اتهرست في عهد مبارك.
عم خالد قال«لا» للتعديلات الدستورية رغم علمه بأن الموافقين أكثر، وربط ذلك بأن الإخوان والسلفيين في مصر أكثر من عشرين مليونا -علي حد قوله- وإنهم جميعا يتبعون فتاوي شيوخهم الذين قالوا نعم للتعديلات الدستورية وكأنها فتوي دينية من يخالفها يرتكب ذنبا ومعصية.. عم خالد يحلم بالمساواة والحرية وزيادة الأجور والمعاشات ويحمد الله علي ما حدث منذ 25 يناير الماضي.. وأنهي حديثه قائلا «لو ماكانوش قطعوا التليفون والنت كان ممكن كل ده ميحصلش.. أغبي حاجة عملوها أنهم قطعوا النت والتليفون».
••
ومن أمام مقهي زهرة البستان «ملتقي المفكرين والمبدعين» كما كتب علي لافتته، كان حديث آخر مع عاطف سلامة وهو أحد العاملين بالمقهي.. عاطف ذهب للاستفتاء هو وزملاؤه في المقهي ومن مقاهٍ أخري أيضا ليقولوا نعم للتعديلات الدستورية، وكان مبرره واضحا «عايزين ناكل عيش ونشوف حياتنا هنفضل نطحن في بعض لإمتي؟ عايز أحس بأمان.. الناس تعبت». كان عاطف يترك عمله هو وزملاؤه لعمل لجان شعبية. ويقول إنه لم يكن يعلم شيئا عن السياسة ولكنه تعلم الكثير في الفترة الماضية، فهو لم يكن يعرف من الدستور إلا اسمه والآن يعي الكثير من مواد الدستور، يري أن الثورة حققت بعض الإيجابيات أهمها بالنسبة له التغيير الملحوظ في العلاقة بين الشرطي ورجل الشارع، فقديما كانت هناك «سخافة» من بعض رجال الشرطة وأسلوب لا يليق، أما الآن فاختلفت المعاملة تماما.. ويري أيضا أن للثورة سلبيات مثل «وقف الحال» -كما يصر أن يصفه- وختم ما قاله: لما بحاسب زبون وحسابه 12 جنيه مثلا بحس إنه مضرر وبضايق عشانه.
تركني عاطف ليتجه إلي أحد الزبائن، وسمعت مناقشة حادة تدور في منضدة بجانبي مباشرة. منضدة تعبر بشكل كبير عن دور المرأة في المجتمع وأهميته تحديدا بعد الثورة. فهذه المنضدة كان يجلس عليها مجموعة كبيرة من السيدات يتحدثن عما يدور في أذهانهن هذه الأيام وسخطهن علي الكثير من الأوضاع الحالية.. لم أكن بحاجة لأتدخل في تلك الجلسة.. فصوتهن كان مسموعا لمن هم في ميدان طلعت حرب.. جلسة فريدة من نوعها تذكرك بمسرحية كاتب الملهاة الإغريقي «أريستوفانيس».. «برلمان النساء».
النساء يشنون هجوما عنيفا وحادا علي ممارسات الإخوان في يوم الاستفتاء علي تعديل الدستور ويهددون بسيطرة الإخوان والسلف علي البلاد.. وينتقدون حالة الجهل السياسي التي يمر بها الشارع المصري.. فهذه السيدة تتحدث عن اللبس غير المقصود الذي حدث عند ربات البيوت والبسطاء أثناء الاستفتاء، حيث إنهم قالوا «نعم» علي اعتبار أنها موافقة علي تغيير الدستور بالكامل وليس العكس. وهذه سيدة أخري تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتشرح للجميع ضرورة اختيار عضو مجلس الشعب علي أساس درايته بما يحدث للناس واحتياجاتهم ورفض ضرورة أن يكون عضو المجلس متعلما أو مثقفا أو متدينا. أخذن يختلفن علي اختيارهن للرئيس القادم.. منهن من دعمت البرادعي، ومنهن من حبذت عمرو موسي، ومنهن من رفضت الأثنين وتبحث عن بديل مناسب.
السيدات اتفقن علي أن يقمن بدورهن في نشر الوعي السياسي داخل المجتمع المصري.. وأن كل سيدة وراءها مجموعة أخري من المتطوعين الذين قرروا النزول للشارع للتحدث مع البسطاء والعامة بغرض التوعية ومحاربة الجهل السياسي المنتشر في المجتمع.
••
أما مقهي التكعيبة الذي يجمع مجموعة من الشباب المختلف التوجهات كان يحتضن مناقشة حادة بين مجموعة من الشباب المثقف حول الوضع الحالي.. فرامي عبدالمجيد، وهو مهندس شاب، يري أنه من الخطأ فرض الإخوان لإرادتهم السياسية عن طريق الدين.. لأنهم بذلك يستخدمون شيئا لا يملكونه.. فالدين ليس ملكا للإخوان، فعلي الرغم من أن رامي قال لا للتعديلات فإنه يري الاستفتاء باطلا في حد ذاته لأن الدستور لا وجود له فلماذا أتحدث عن تعديله حتي لو كانت التعديلات جيدة! يجب أن يحدد الثوار آلية عمل الدستور ويحددوا رغباتهم في دستور بلادهم.. يري أن القادم يحمل دولة ذات خليط مشوه بين الدولة الدينية والمدنية ويري أن فكرة الإصرار علي إقحام الدين في السياسة وتطبيق الشريعة بشكل خاطئ داخل دولة دينية من المحتمل أن يؤدي إلي وضع كارثي وهو أغلبية ملحدة تهرب من الدين.
أسامة يري أن الإسلام هو الحل، لكنه يتفق مع رامي في عدم ثقته فيمن يريدون تطيبق الشرع.. ويري أيضا أن تكفير من قالوا لا للتعديلات جاء من السلفيين وليس من الإخوان، ويختلف معه في ذلك الآخرون.. ينفعل في منتصف حديثه قائلا: ليه الحاكم هو اللي يحط الدستور.. ليه منعملش دستور ييجي عليه الحاكم.. يخشي أسامة من عودة عمر سليمان للمطالبة بحقه الدستوري - علي حد قوله - فعدم إلغاء الدستور يعني أن عمر سليمان هو رئيس الجمهورية الحالي حسب دستور .71.
أما محمود ترك فألقي تساؤله علي الحضور باحثا عن إجابة وقال: هما بيستفتونا علي أجزاء من الدستور اللي قالوا عليه «معطل» مع أن المواد لسه بتحمل أرقامها في الدستور القديم.. طب إزاي؟
يري محمود استخدام الدين في السياسة يهدد علاقات مصر الخارجية وأن تأسيس دولة علي أساس ديني قائمة علي التعصب لا يجعلنا نختلف كثيرا عن إسرائيل التي ننتقدها جميعا.
كانت تدور المناقشة في إطار الهجوم علي الإخوان والدفاع عنهم أحيانا واتهام السلفيين والجماعات الإسلامية بالأخطاء المنسوبة للإخوان.
واتفق الجميع علي أن الاستفتاء السابق تحول إلي استفتاء ديني وأن الشعارات الدينية هي التي استقطبت المواطنين ليقولوا نعم وأن المعارك والمنافسات السياسية القادمة سواء في انتخابات المجلس أو الرئاسة ستتحول إلي منافسات دينية يستخدم فيها الإسلام والمسيحية وستدخل البهائية قريبا دائرة الضوء.
••
وفي مقهي البورصة الشهير حالفني الحظ بشدة عندما التقيت بهذين الشابين أحمد وعصام لتكتمل أمامي الصورة، فأحمد شاب ملتحي وعضو بجماعة الإخوان المسلمون وعصام شاب متدين وليس عضوا بالجماعة ولكنه يتفق مع مبادئها.
أحمد يري في حزب الحرية والعدالة الأمل في النهوض بالحياة السياسية المصرية، ويري أن الحكم بشرع الله ضرورة لابد منها ولكن لا يجب فرضها علي المجتمع بل يجب أن يطلب المجتمع هذا فيلبي النداء.
أحمد قال نعم للتعديلات الدستورية إيمانا منه بأن الثورة حققت أهدافها وأنه لافرق بين التعديل والتغيير إلا في الوقت، ويري أننا في حاجة ماسة لعودة الاستقرار للبلاد وأن نعم ستكفل هذا الاستقرار.
هو يرفض الهجوم العشوائي علي الإخوان المسلمون ويري أن النظام القديم كان سببا في تشويه الصورة بشكل كبير، ووصف ذلك قائلا: النظام القديم استلم البرادعي كام شهر فكرَّه ناس فيه.. دول بأه استلموا الإخوان ثلاثين سنة.
يؤكد أحمد أن هناك أفعالا متشددة وتعصبية تنسب للإخوان بالباطل، ويطالب الشعب بالتفريق بين الإخوان والجماعات الإسلامية الأخري.
أما عصام فهو أيضا قال نعم ولنفس أسباب صديقه، ووصف لنا عن معاناته في ميدان التحرير أثناء الثورة تحديدا يوم معركة الجمل ويقول إنه وزملاءه وقفوا صامدين إلي النهاية ليحافظوا علي سيطرتهم علي الميدان.
ويقول عصام «ساعتها كنا كلنا بجد إيد واحدة رجالة وبنات ومسلمين ومسيحيين لا كنا بنقول إخوان ولا أحزاب ولا حاجة.. نفسي أيام التحرير دي ترجع تاني».
عصام يدافع أيضا عن الإخوان ويؤكد أنهم ليسوا متشددين ولا متعصبين ولن يمنعوا الفن أو يجبروا النساء علي الحجاب، فالإخوان - علي حد قوله - أبعد ما يمكن عن هذا ولكن الناس لا تعرفهم جيدا.
أخذوا يتناقشون فيمن هو الرئيس القادم.. وأحمد لا يري أحدا مناسبا من المطروحين الآن، ولكن عصام متحمس وبشدة للمستشار هشام البسطاويسي كرئيس للجمهورية، ولكن أحمد يعلق علي اختياره قائلا: هشام البسطاويسي يصلح نائبا للرئيس ولكني لا آراه رئيسا مناسبا.
••
الحوار علي المقاهي لا ينتهي، وهناك الملايين من الآراء والأفكار التي تصدر من أفواه الجالسين علي المقاهي يوميا، ولكن ما سبق كان مجرد محاولة للانخراط داخل هذا العالم الكبير والمتداخل.. عالم تصدر فيه الكلمة لشيء أو للا شيء.. عالم المقهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.