يأتى رمضان كل عام، فتلهج الجوامع والشوارع بأصوات القرآن وصلاة التراويح، الكل يتهافت على المساجد والاعتكاف بداخلها، لاسميا فى العشر الأواخر، إلا أن هذا العام، قَدم رمضان على غير حاله، فالمساجد مغلقة. «ألا صلوا فى بيوتكم».. مع كل أذان خاصة مع العشاء وقت صلاة التراويح يتضح حجم الاختلاف، البعض تقبّل الأجواء التى فرضها وباء كورونا وتعايش معها، وبحث آخرون عن بدائل يسترجعون من خلالها أجواء صلاة التراويح والجماعة، وكانت أسطح المنازل المكان الأقرب لتوفير ساحة للصلاة؛ حيث قامت عدة أسر بتجهيزها وتحويلها إلى مساجد.
كان يجلس برفقة زوجته وشقيقته قبل بدء شهر رمضان، ظلوا يتشاورون حول تأدية صلاة التراويح وقرار إغلاق المساجد، حتى قفزت إلى أذهانهم فكرة استغلال سطح المنزل وتحويله إلى مسجد يقيمون فيه الشعائر ويؤدون فيه فروضهم. بدأت مهمة «حمدى سعيد» 30 عامًا، يوم «شم النسيم» بعد قرار الحكومة باستمرار الحظر؛ حيث قام بإزالة جميع الأشياء التى لا قيمة لها من السطح: «السطح كان عليه شوية كراكيب وحاجات مبهدلة زى أى بيت طلعنا نضفناه وظبطناه، وحطينا الأساسيات اللى هنشتغل عليها زى الخشب والحاجات اللى هنلف عليها الزينة».
يقطن «حمدى» فى قرية السعيدية القبلية، التابعة لمركز كفر سعد بمحافظة دمياط، مؤكدًا أن فكرة إقامة الخيمة الرمضانية والزينة كانت فكرة زوجته؛ حيث تعمل شقيقتها فى تجارة الأقمشة، فقامت بتوفير 10 أمتار لها: «القماش منقوش عليه زينة رمضان والشخصيات الكرتونية المشهورة زى بوجى وطمطم وبكار، قسمناه بحيث نعمل جدارين للزينة، وبقيته نعمل قصاقيص الزينة، عشان نوزعها على السطح ونزيّنه بيها، وجبنا حبلين نور، الحبل 8 أمتار، والإضاءات كلها كانت ملونة عشان بهجة رمضان وكمان عملت روح جميلة للمكان، ووصلنا ليها كهربا».
استغرق إعداد السطح وتأهيله للصلاة يومًا كاملًا، وفى اليوم التالى قامت الأسرة بفرش الأرض بغطاء ذى لون أزرق ليشعر كل من تطأ قدماه المكان بأنه يدلف إلى المسجد: «المكان هادى جدًا، مفيش جنبنا دوشة، بنطلع نصلى فوق، وكمان الموضوع مقتصر على أفراد الأسرة، أمى وزوجتى وأولادى وأختى، وأنا نوهت وقلت إن كل بيت يعمل ده فوق السطح، لأننا فى قرية ريفية، وكل بيت فيه أسرة أو اتنين بس فمش هيبقى فى تكدس».
يصلى أفراد الأسرة العشاء ويتبعونها بالأربع ركعات الأولى للتراويح ثم خطبة صغيرة فى المنتصف تتضمن الأحاديث النبوية أو الحديث عن أهمية الصلاة وفضل الزكاة والصوم ثم يستأنفون الصلاة: «بنعيش أجواء كويسة يمكن مش بنعيشها فى البيت من فترات طويلة، وبعدها نضحك ونهزر ونقضى وقتا جميلا، منها بنقضى الفروض ومنها بنقعد ونتلم مع بعض، وبيبقى معانا من الأطفال ياسين ابنى 3 سنين، وابن أختى وابن أخويا، كل يوم على السطح وبيلعبوا بعد ما كان لعبهم فى الشارع، حبوا المكان والتغيير لأن المكان مريح للأعصاب جدًا وبيشجع على الصلاة».
مبادرة لتوزيع سجاد الصلاة بالزيتون.. ومسيحى يتطوع لتشجيع المصلين
«لو عايز تصلى يوجد سجادة للصلاة».. لافتة صغيرة نُقشت عليها تلك الكلمات، يحملها شاب فى مقتبل العشرينيات يرتدى كمامة وهو واقفً فى الشارع، وإلى جواره نسخ متكررة من اللافتة، يجوب بها المحال والشوارع ويلصقها على الجدران.
انطلقت المبادرة قبل بدء شهر رمضان بيومين فى منطقة حلمية الزيتون وكان «محمد حلمى بدر» صاحب الفكرة، يقول: «إحنا ساهمنا فى تأدية الصلاة لمن هم غير الأهالى والمتواجدين بالمنطقة كالعمال والصنايعية، خصوصًا إن منطقة حلمية الزيتون مكتظة بالعمال والصنايعية عشان عندنا عدد كبير من الكبارى تحت الإنشاء وجارى العمل بها، عشان كده وفرنا ليهم أماكن للصلاة مع اعتبار وضع جميع الاشتراطات الوقائية».
يقوم القائمون على المبادرة بتعقيم السجادة قبل الصلاة وبعد الانتهاء منها، والحرص على توفير سجادة واحدة لمنع التكدس، إضافة إلى إقامة الصلاة على جانب الطريق ليكون مفتوحًا وليس مغلقًا: «السجادة بتكون فى محلات الشوارع العمومية زى شارع سليم الأول وشارع طومانباى ومنطقة أهل الكرم والضيافة سراى القبة لإعطاء من يريد الصلاة سجادة أو حتى كرتونة لإقامةالصلاة، وبيتم طلبها من صاحب المحل اللى معروض فيه الإعلان والحمد لله محلات كتيرة تعاونت معانا، والحمد لله استجاب لينا سواقين تاكسى وعمال يومية كتير محتاجين سجادة يصلوا عليها، عشان كدة طبعنا ورقا ووزعنا على معظم المحلات».
دار العديد من المناقشات بين «محمد» وبين أصحاب المحال، وكانوا بين مؤيد ومعارض للفكرة، وأثناء انتقاله بين مختلف الشوارع قابل رجلًا قبطيًا ورحب بالانضمام للمبادرة: «عرضت الفكرة على صاحب محل بشارع سكة المترو ولما عرفت إنه مسيحى اعتذرت ليه، قالى وليه الاعتذار، أنا كمان عاوز أشارك فى المبادرة وهشترى سجادة للصلاة مخصوص، وطلب منى لصق إعلان المبادرة على محله، وقالى إن كلنا واحد ومفيش فرق بين المصريين، وأنا الحقيقة فخور بيه ومتشرف بمعرفته، وإن شاء الله مستمرون فى تغطية بقية الشوارع والمحلات زى شوارع ترعة الجبل وشارع المطرية».
«إسلام»: والدى بيأذن وجوز أختى بيقيم الصلاة وعيالنا بيصلوا معانا
يقترب موعد أذان العشاء، فيصعد جميع أفراد الأسرة فوق السطوح، يقوم الأب برفع شعائر الصلاة، بينما يقوم زوج ابنته بإقامة الصلاة، ويعاود الأب استكمال دوره بصفته الإمام، بينما يلتف الأطفال الصغار حولهم فيلعبون تارة ويشاركونهم الصلاة تارة أخرى.
فوق أسطح أحد المنازل بمدينة المنصورة يقضى «إسلام محمد» وقته برفقة أسرته فى تأدية الفروض وقراءة القرآن بعدما قام بتحويل سطح المنزل إلى مسجد، بعد منع إقامة صلاة التراويح بالجوامع، يقول: «اللى نضف السطح أنا وبابا وأخويا أحمد، وولاد إخواتى وولادى، من 3 سنين ل 9 سنين، نضفناه وشيلنا الحاجات اللى عليه، ونضفناه كويس».
يتألف المنزل من 4 شقق، وشاركت كل شقة بسجادة للصلاة، مؤكدًا أن والده هو صاحب الفكرة منذ البداية: «بابا اللى اقترح الفكرة لأنه حافظ القرآن الكريم كاملًا، وبيصلى بالناس دايمًا فى أوقات الصلاة العادية، وماما طلعت سجادة من شقتها عشان تفرش السطح، وكل واحد طلع حاجة من شقته مش محتاجها أوى عشان يفرش بيها السطح، الصعوبة الوحيدة كانت توصيل الكهربا عشان ننور السطح لإنى اتكهربت أكتر من مرة لكن الفكرة مثمرة وجميلة وأحببناها».