«البكباشى والقطبى» قريتان فى الفيوم، تشبهان إلى حد كبير «قندهار» فنساؤهما منتقبات، والكلمة العليا فيهما للشيوخ الذين يسيطرون عليهما اقتصاديًا بتوفير الزيت والسكر والمساعدات المالية لفقرائهما. مصاريف المدارس عليهم، والنقاب فرض منهم، فعدم ارتدائه، يمنع المعونة فورًا، الأمر لا يتوقف عند هذا بل يتخذ الشيوخ من القريتين إمارة يتزوجون أطفالهما فتجد طفلة تبلغ من العمر 14 عامًا تتزوج من شيخ أربعينى وتنجب منه طفلًا، لتصبح الطفلة أمًا لطفل، وهؤلاء الأطفال لا يُقيدون ولا تستخرج لهم شهادات ميلاد، لأن هذا الزواج غير موثق من الأساس. سيطرة إرهابية استغلال حاجة الناس كان دائمًا هو مدخل الجماعات الإرهابية للسيطرة على العائلات وشبابها وهو ما فعلته كل التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية الإرهابيتان. الأسبوع الماضى وأثناء زيارة القرى الأكثر احتياجًا فى محافظة الفيوم، وجدنا الأهالى يتحدثون معنا ويقولون: «الشيوخ فعلوا»، و«الشيوخ أمروا بكذا وكذا»، وكأن الشيوخ هم الحاكم الآمر فى هاتين القريتين، ومن الحديث مع أهالى القرية عرفنا أن من يسمونهم الشيوخ مسيطرون على عقولهم ووجدانهم، كما أن 90 % من النساء فى القريتين منتقبات. أحوال القرية وكلام الناس أعاد لأذهاننا تنظيم الشوقيين الذى خرج من نفس المحافظة، والذى بلغ فى التطرف مداه، فكفر المكفراتى الأكبر عُمر عبدالرحمن، وخرج عليه بتنظيم أكثر تطرفًا. الشيوخ عرفنا أنهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة بعضهم سلفى وبعضهم إخوانى،وكلهم اجتمعوا على استغلال حاجة الناس فى القرية التى تعانى من نقص المياه والفقر الشديد، وبعضهم يسكن فى بيوت بلا سقف. فقر مدقع قرية البكباشى بها مصرف يغسل فيه الناس ويقضون حاجاتهم ويلعب فيه الأطفال أيضًا ويسبحون ويلقون فيه قمامتهم، ولا يلقون بالًا بالرائحة الكريهة التى لا يطيقها غيرهم. المصرف الذى لا يطيقه أحد هو شريان الحياة لأهالى القرية، وأثناء تجولنا فى القرية دخلنا بيت سيدة مُسنة فى الثمانين من عمرها تعيش هى وعائلتها الأبناء الثمانية والأحفاد فى نفس الغرفة، كلهم ينامون فيها وبجانبهم أدوات الطبخ وصندوق الملابس، وبجوار هذه الغرفة عشرات من جراكن المياه التى لا تصلهم فى المواسير إلا نصف ساعة يوميًا وهو ما يضطرهم لاستغلال مياه المصرف بديلًا عنها فى غسل الأوانى. وفى جولة أخرى بأحد المنازل وجدنا أسرة مكونة من 7 أفراد تسكن فى غرفة واحدة أيضًا، بعضهم من ذوى الاحتياجات الخاصة، والغرفة مصنوعة من الطين، بها المطبخ المتهالك وبوتاجاز بعين واحدة، وما إن تراه تشعر أنه مُعد للانفجار، بالإضافة إلى مطبقية قديمة مُعلقة على الحائط آيلة للسقوط. شيوخ وزواج قاصرات حالة القرية تصعب على الكفار، وهنا تدخل الشيوخ لا للمساعدة، وإنما للسيطرة على ناسها وشبابها، الذين لم يجدوا أمامهم سواهم، فيضغطون عليهم، وتبدأ أولى الوقائع أن الشيوخ يأخذون البنات الأطفال من عُمر 12 عامًا ويتزوجونهن عرفيًا، ولا يوثقون أوراق الزواج أبدًا، وبالتالى لا يمكن أن يسجلوا أطفالهم أبدًا. الكارثة أنه توجد طفلة أم لطفل أى أن الأم يكون عمرها 14 عامًا وابنها 3 سنوات، والأهالى يرحبون جدًا بهذا الزواج، ويعتبرونه فرصة ثمينة للتخلص من حمل اقتصادى على الأسرة. الأهالى يرفضون أن يوجه أحد لهم لومًا فى التفريط فى بناتهم فى هذه السن المُبكرة للشيوخ، ويقولون: «كل القرية بتعمل كده»، والتوثيق بعد أن تتم الأم 18 عامًا، وفى هذا الحالة قد يكون ابنها فى سن التقدم للمدرسة، لكنه غير مسجل أصلًا، وفى حالة أن توفى الطفل لأى سببٍ من الأسباب فإنه لن تكون له شهادة وفاة لأنه غير مسجل من الأساس، وعندما سألنا عن مصير هؤلاء قالوا: «الشيوخ بتتصرف». الأهالى أكدوا أن أغلب الشيوخ يتزوجون من بناتهم، على زوجاتهم، أى أن هؤلاء الأطفال يكن الزوجة الثانية والثالثة وربما الرابعة، لكن لا مفر من الموافقة على طلبات الشيوخ حتى لا ينقطع ما يوفرونه من أموال وزيت وسكر ومتطلبات الطعام، فى ظل أن %90من أهالى القرية يعملون فى الزراعة. الحاج جمال أخذنا فى جولة لمنزله واشتكى لنا حاله وكيف أنه يعيش مع زوجتيه فى منزل واحد وهو رجل ثمانينى،ويحكى لنا أن سقف المنزل وقع عليه هو وأحفاده وأبنائه بسبب الأمطار التى سقطت خلال الفترة الأخيرة. الغريب فى الأمر أن هذا المنزل يضم الأب وزوجتيه والأبناء، كما يضم أيضا أبناء الزوجة الأولى وأحفادها، والثانية وأولادها وبذلك يصل عدد قاطنى هذا المنزل ما يقرب من 22 فردًا فى نفس المنزل ذى السقف المتهدم، وأغلبهم يعمل بالفلاحة والفاعل. القطبى.. استغلال وفقر فى قرية «القطبى» الأمر لا يختلف كثيرًا، فإلى جانب الفقر فإن القرية تعتبر نموذجًا مصغرًا ل«قندهار» الأفغانية، فكل النساء فيها منتقبات، لكن من حديثنا معهن عرفنا أنهن غير متمسكات بالنقاب نهائيًا، فلا مانع لديهن من التعامل وكشف الوجه بشرط عدم معرفة الشيوخ بذلك، حتى لا يقطعوا المساعدات عنهن. «سعدات» إحدى المنتقبات قالت إن أغلبهن غير مقتنعات بالنقاب من الأساس، لكن ارتداء النقاب السبب الأساسى فى استمرار الرواتب الشهرية التى تحصل عليها الأسر الفقيرة من الشيوخ، وهم يساعدوننا لأننا نرتدى النقاب وليس لأننا فقراء. وأضافت: «لا يفرق معنا خلع النقاب من لبسه، لكننا لا نريد قطع المعونات التى يرسلونها لنا شهريًا، فسبق أن انقطعوا لمدة عامين بعد 2013، وعاد بعضهم مرة أخرى يرسل لنا تموينًا من زيت وسكر وأرز، غير مساعدة بعض الطلاب فى المدارس، وبعضهم يتابع أحوالنا بصفة مستمرة، ولا يتركون أبناءنا خاصة طلاب المدارس والجامعات. شيوخ يسيطرون على النشء فتحية من سكان القربة قالت لنا إن الشيوخ يتابعون أبناء القرية من الطلاب فى جامعتى الفيوم، وبنى سويف ويدفعون مصاريفهم ولهم إعانات شهرية منهم ويشترون لهم الكتب، كما اشتروا لاب توب لبعض الطلاب، بالإضافة إلى شراء الملابس، والصرف عليهم أغلب فترة الدراسة، وأيضًا يتابعون أبناءنا هناك فى المحافظة ومن يريد سكنًا منهم يبعثونه لشيوخ مثلهم فى هذه المحافظات ليوفر لهم السكن وكل ما يحتاجونه. فتحية أكدت أن أغلب المنتقبات فى القرية ينتقبن بسبب الحاجة وليس عن قناعة، وخوفًا من انقطاع معونة الشيوخ، الذين من الصعب أن يرفض أحد لهم طلبًا فى القرية، مشيرة إلى أن أغلب المنتقبات فى القرية غير ملتزمات، كما أن النقاب ستر لمن تخرج للتسول لأن الحياة هنا صعبة، وأكبر مشكلة هى المياه التى لا تصل للقرية من الأساس ومعظمنا يعتمد على مياه المصرف، والمياه التى لا تأتى إلا نصف ساعة يوميًا نوفرها للشرب. وعن عدم الذهاب للمحافظة للشكوى، أكدت فتحية أنهم ذهبوا للمحافظة كثيرًا ليشتكوا، والرد دائمًا سنرسل لجنة للمعاينة، لكن نعرف أنه لا يمكن للجنة أن تدخل هنا، لأن الشيوخ يمنعونهم، كما أن الأوضاع من الخارج ورائحة المصرف تجعل الجميع يهرب من الدخول إليها.